الرؤى والمعبرون ( تعميم وزاري )

راشد بن عبد الرحمن البداح
1444/08/17 - 2023/03/09 12:23PM

الْحَمْدُ للهِ {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}[السجدة4] أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ، لا شَرِيكَ لَهُ في ربوبيتِهِ وألوهيتِهِ وأسمائِهِ وصفاتِهِ. وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَشْرَفُ الْخَلائِقِ خَلْقًا وَخُلُقًا، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ تَسْلِيْمًا كَثِيْرًا، أمَّا بَعْدُ:

فأبشِروُا، أبشِروُا، أبشِروُا أيُها الإخوةُ. وتفاءَلوا أنْ سيُبَدِّلُ اللهُالحُزنَ فرحًا، والهمَ فرجًا: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ}[يونس2] ولنقتدِ بقدوتِنا البشيرِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-الذي يُعجبُه الفألُ. وكانتْ حياتُه ملؤُها التفاؤلُ.

وإن من المبشراتِ التي تُزيلُ عن المؤمنِ المنغصاتِ: ما ذكرَه رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقُولِهِ: لَمْ يَبْقَ مِنْ النُّبُوَّةِ إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ. قَالُوا:وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ.

فالرؤيا فَرَجٌ وفَرَحٌ للمؤمنِ؛ فكلما ضاقتْ عليهِ الأمورُ، ساقَ اللهُ له رؤيا تُزيل حُزنَه، وتكشفُ كَربَه عن طريقِ المبشرينَ من المعبِرينَالخبيرينَ، وكم من أناسٍ كانوا على غيرِ هدَى، فجاءتِ الرؤيا لتأخذَبنواصِيهم، وتُنذِرَهم عن معاصِيهم، أو تزيدَهم للخيرِ قُدُماً. وقد رأى ابنُ عمرَ -رضيَ اللهُ عنهُما- رؤيا كانت سبباً في محافظتِه على قيامِالليلِ حتى ماتَ.

بل كم من أناسٍ كانُوا على الكفرِ، فرأَوا رؤيا كانت سبباً في هدايتِهم إلى الإسلامِ.

فهذا خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ -رضيَ اللهُ عنهُ- كان سَبَبُ إِسْلاَمِهِ أَنَّهُ رَأَى فِي النَّوْمَ أَنَّهُ وُقِفَ بِهِ عَلَى شَفِيرِ النَّارِ وكَأَنَّ أَبَاهُ يَدْفَعُهُ فِيْهَا، وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آخِذٌ بِحِقْوَتِهِ لاَ يَقَعُ، فَفَزِعَ مِنْ نَوْمِهِ، فَلَقِيَ أَبَا بَكْر، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أُرِيدَ بِكَ خَيْرًا، فَإِنَّكَ سَتَدْخُلَ فِي الإِسْلاَمِ، وَالإِسْلاَمُ يَحْجِزُكَ أَنْ تَدْخُلَ فِيهَا، وَأَبُوكَ وَاقِعٌ فِيهَا. فَلَقِيَ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقَالَ: فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَشْهَدُ إِنَّكَ رَسُولُ اللهِ().

أيُها المؤمنونَ: من المؤسفِ أن بعضَ  الناسِ قد أعطَى الرؤيا أكبرَ من حجمِها، حتى إنها شغلتْ بالَهُمْ، فصارتْ جل ُّ أسئلتِهم عن تأويلِها، أكثرَ من سؤالِهم عما ينفعُهم من أمورِ دينِهم، مع أنهم لو لم يَسألُوا فلنْ يضرَهم الجهلُ بها، ولا يأثمونَ بتركِ تأويلِها.

وقد أصبحَ المعبّرُ في نظرِهم كأنهُ مستشارٌ في نواحِي الحياةِ، والناسُقد يدفعونَه لذلكَ دفعاً حتى لو لم يُرِدْ. فليتقِ اللهَ وليعرِفْ قدرَ نفسِه، وليسترْ أسرارَ الناسِ.

قالَ ابنُ القيمِ -رحمهُ اللهُ-: المفتيْ والمعبِّرُ والطبيبُ، يطَّلعونَ من أسرارِالناسِ وعوراتِهم، على ما لا يطلعُ عليهِ غيرُهم، فعليهِمُ استعمالُ السَّترِفيما لا يَحسُنُ إظهارُه().

ثم هل يستشعِرُ طالبُ التعبيرِ والمعبِّرُ أن تعبيرَ الرؤَى قرينُ الفُتيا في الدينِ، وقد قالَ الملِكُ: (يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِى فِى رُؤْيَـٰىَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ).

الحمدُ للهِ الذي هَدانا، والصلاةُ والسلامُ على مَن للهُدَى دَعانا، أما بعدُ:

فالرؤيا ثلاثةُ أنواعٍ: منها نفسانيٌ، ومنها رحمانيٌ، ومنها شيطانيٌ(). قال نبيُنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الرُّؤْيَا ثَلاَثٌ: حَدِيثُ النَّفْسِ، وَتَخْوِيفُ الشَّيْطَانِ، وَبُشْرَى مِنَ اللَّهِ().

والنوعُ الأولُ لا يُقدِّمُ ولا يُؤخرُ شيئاً، وهو بمنزلةِ التفكيرِ في اليقظةِ، وهو أكثرُ رؤَى الناسِ؛ لأنها لا تعدُو أن تكونَ انعكاساً لما كان يَشغلُبالَه في يقظتِهِ. كما أن الهمومَ النفسيةَ تؤثرُ على الرؤَى المناميةِ. والمرأةُ أكثرُ من الرجلِ اهتماماً بالرؤيا؛ لعاطفِيَتِها، وكثرةِ همومِها.  

ومَن رأى رؤيا صالحةً فيُشرعُ له أربعةُ أشياءٍ؛ دلَ عليها أنصحُالخلقِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:  الأولُ: أن يَعلَمَ أنها منَ اللهِ.  الثانيْ: أن يحمَدَ اللهَ عليها.   الثالثُ: أن يُحدِّثَ بها.   الرابعُ: أن لا يَقُصَّها إلَّا على من يُحبُ، أو خبيرٍ بالتعبيرِ.

 وأما إذا رأَى رؤيا يكرهُها فليَفعلْ سبعةَ أمورٍ أرشدَ إليها النبيُ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولو فعلَ بعضَها نفعَتْهُ، وهيَ كما يلي: 

أولاً: الاستعاذةُ من شرِها.  ثانياً: الاستعاذةُ من الشيطانِ.  ثالثاً: أن يبصُقَ عن شمالهِ. رابعاً: الإيقانُ بأنها لا تضرُه. خامساً: التحولُ عن جَنْبهِ. سادساً: أن لا يُحدِّثَ بها أحداً.  سابعاً: أن يقومَ فيصليَ. ومنقامَ فصلَى فقد جَمعَ بين أكثرِ ما ذُكِر. فاللهم بشِرنا بما يَسرُنا.

اللهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اللهم اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ.

اللهم ارحمْنا ومَن رحلَ عنا، وأحيِنا حياةً تُكسِبُ عملاً صالحًا يُرضِيكَ عنا. وبلِغنا رمضانَ بأمنٍ وإيمانٍ.

اللهم اجعلْنا بالصالحاتِ مِن المُضْعِفينَ، وبالحسناتِ مِن المُقَنْطِرِينَ.

اللهم أصلحْ أحوالَ المسلمينَ في كلِ مكانٍ، واهدِ ضالَهم، واكْسُ عاريَهم، واحملْ حافيَهم، وأطعمْ جائَعهم.

اللهم آمِنَّا في أوطانِنا ودُورنِا، وأصلحْ أئمتَنا وولاةَ أمورنِا، وافرجْ لهم في المضائقِ، واكشفْ لهم وجوهَ الحقائقِ.

اللهم إنا نحمدُك ونستغفرُك، ونسألُك. نحمدُك على خيراتِ عامِنا العميمةِ العظيمةِ. ونستغفرُك مما اقترفْنا واجترَحْنا، ونسألُك بفضلِكَ أن ترسلَ السماءَ علينا مدرارًا. اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ

المشاهدات 1259 | التعليقات 0