الرؤى والأحلام*
محمد محمد
الرؤى والأحلامُ-24-7-1446هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري
الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:
الـمتدبرُ للقرآنِ تستوقفُهُ تِلَكَ الأَوصَافُ لِتَعبِيرِ الرُّؤى فِي قِصَةِ يَوسفَ-عَليهِ السَّلامُ-: (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ)، (أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ)، (يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ)، والتي يَتبيَّنُ مِنهَا أَنَّ تَعبيرَ الرُّؤى مِنَ الفَتوَى الشَّرعِيَّةِ، ومِن بَقَايَا العُلُومِ النَّبَويَّةِ، قَالَ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ: جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ"، ولِذَلِكَ لَمَّا قِيلَ لِلإمَامِ مَالِكٍ-رَحِمَهُ اللهُ-: "أَيَعْبُرُ الرُّؤْيَا كُلُّ أَحَدٍ؟ فَقَالَ: أَبِالنُّبُوَّةِ يُلْعَبُ؟!" فَإذًا تَعبيرُ الرُّؤى هُوَ مِنَ الفَتوى الشَرعِيَّةِ فِي الدِّينِ، ولَيسَ لأَيِّ أَحَدٍ أَن يَتَكَّلمَ فِيهَا إلا بِعلِمٍ وتـَمكِينٍ.
"دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ-شَيْخِ الإمَامِ مَالِكٍ رحمهما اللهُ-فَوَجَدَهُ يَبْكِي، فَقَالَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ أَمُصِيبَةٌ دَخَلَتْ عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: لَا، وَلَكِنِ اسْتُفْتِيَ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ، وَظَهَرَ فِي الْإِسْلَامِ أَمْرٌ عَظِيمٌ، وَلَبَعْضُ مَنْ يُفْتِي هَا هُنَا أَحَقُّ بِالسَّجْنِ مِنَ السُّرَّاقِ"، فَكَيفَ لَو رَأى رَبيعَةُ-رَحِمَهُ اللهُ-زَمَانَنَا وَقَد تَكَلَّمَ فِي تَعبيرِ الرُّؤى كُلُّ أَحَدٍ.
لَقدْ أَخبَرَ النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ-بِأَنوَاعِ مَا يَراهُ النَّائمُ فِي نَومِهِ فَقَالَ: "الرُّؤْيَا ثَلَاثَةٌ: فَالرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ بُشْرَى مِنَ اللهِ-عَزَّ وَجَلَّ-، وَالرُّؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَالرُّؤْيَا مِنَ الشَّيْءِ يُحَدِّثُ بِهِ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ".
ثُمَّ أَخبَرَنَا بالتَّصرُّفِ الصَّحِيحِ مَعَ هَذِهِ الأَنوَاعِ، فَقَالَ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ-فِي الأَحلامِ الشَّيطَانيَّةِ الـمُخِيفَةِ الـمُفزِعَةِ الـمُحزِنَةِ: "الْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ حُلْمًا يَكْرَهُهُ، فَلْيَنْفُثْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلاثًا، وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا فَإِنـَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ".
ونَهَى عَن الإخبَارِ بـِهَا لأَنـَّهَا مِن وَسَاوسِ الشَّيطَانِ وتَلاعُبِه، قَالَ أَعْرَابِيٌّ: "إِنِّي حَلَمْتُ أَنَّ رَأْسِي قُطِعَ فَأَنَا أَتَّبِعُهُ، فَزَجَرَهُ-نهاهُ-النَّبِيُّ-صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَقَالَ: لا تُخْبِرْ بِتَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ بِكَ فِي الْمَنَامِ".
وأَمَا حَدِيثُ النَّفسِ فَإنَّهُ يَرَى فِي مَنَامِهِ مَا كَانَ يُفَكِّرُ فِيهِ فِي يَقَظَتِهِ، وَهَذَا مِنْ أَضغَاثِ الأَحلامِ التَي لا تَعبَيرَ لَهَا.
وقَالَ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ-فِي الرُّؤى الرَّبَانيَّةِ الـمُفْرِحَةِ الـمُبَشِّرَةِ: "إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنـَّمَا هِيَ مِنْ اللَّهِ، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَيْهَا وَلْيُحَدِّثْ بِهَا"، ولَكِنْ أَخبَرَ أَنَّهُ لا يـُحدِّثُ بِهَا كُلَّ أَحَدٍ، وإنـَّمَا قَالَ: "وَلَا يُـخْبِرْ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ"، "وَلَا يَقُصَّ الرُّؤْيَا إِلَّا عَلَى عَالِمٍ أَوْ نَاصِحٍ"، فَالـمُحِبُّ والنَّاصِحُ يَفرَحُ لِرؤيَاكَ الـمُبَشِّرَةِ، والعَالِمُ لأَجلِ أَن يُعَبِّرَهَا عَلى الأُصُولِ الـمُعتَبَرةِ.
وَلَكِنْ أَينَ تَجِدُ العَالِمَ الصَّادِقَ بِتَعبيرِ الرُّؤى فِي ظِلِّ هَذِهِ الفَوضى العَارِمَةِ مِن البَرَامِجِ الفَضَائيَّةِ، وبُثُوثِ وَسائلِ التَّواصلِ الاجتِمَاعيَّةِ، تَعابيرُ غَريبةٌ، وتَفَاصِيلُ مُريبَةٌ، لا يَترُكُ حُلُمًا إلا عَبَّرَهُ، ولا رَمزًا فِيهِ إلا فَسَّرَهُ، "كَانَ ابْنُ سِيرِينَ-رَحِمَهُ اللهُ-يُسْأَلُ عَنْ مِئَةِ رُؤْيَا فَلَا يـُجِيبُ فِيهَا بِشَيْءٍ، إلَّا أَنْ يَقُولَ: اتَّقِ اللَّهَ وَأَحْسِنْ فِي الْيَقَظَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّكَ مَا رَأَيْت فِي النَّوْمِ"، وأَمَا بَعضُ الـمُعَبِّرينَ فَقدْ صَاروا مِثلَ الكُهَّانِ، يُخطِئُ فِي مِئةِ تَعبِيرٍ، ويُصيبُ فِي واحِدَةٍ، ثُمَّ يَقُولُ النَّاسُ: أَليسَ قَد قَالَ يَومَ كَذَا وَكَذَا: كَذَا وَكَذَا، فَليَنتَبه مَن أَرَادَ أَن يُعَبِّرَ رُؤياهُ بِالحَذَرِ مِن الـمُعَبِّرينَ الـمَجهُولِينَ، والحِرصِ عَلى السُّؤال عن الـمُعَبِّرِينَ الـمَوثُوقِينَ، الذينَ ثَبَتَ بالتَّجرُبَةِ وتَزكِيَّةِ العُلَمَاءِ الرَّاسخِينَ، أَنـَّهُم مِن أَهلِ التَّعبيرِ الثِّقَاتِ الصَّادِقينَ.
أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
فمِن الأُمُورِ التي يُعرَفُ بِهَا صِدقُ الرُّؤيا: هُو صِدقُ رَائيهَا، قَالَ النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ-: "فِي آخِرِ الزَّمَانِ لَا تَكَادُ رُؤْيَا الـمُؤْمِنِ تَكْذِبُ، وَأَصْدَقُهُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُهُمْ حَدِيثًا"، وَهَذِهِ مِنَ الأَحوالِ التي يَحتَاجُ الـمُعبِّرُ إلى مَعرِفَتِها: مِن حَالِ الرَّائي، والـمَكانِ، والزَّمَانِ، وَغَيرِهَا مِـمَا يُسَاعدُ عَلى إصابةِ التَّعبيرِ الصَّحيحِ، وَلِذَلِكَ كَانَ مِن عَظائمِ الذُّنوبِ الكَذَبُ فِي الأَحلامِ، قَالَ النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ تَحَلَّمَ بـِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ، وَلَنْ يَفْعَلَ".
ويَنبَغي أَن يُعلَمَ أَنَّ عِلمَ تَعبيرِ الرُّؤى ظَنَّيٌّ يَحتَمِلُ الخَطأَ والصَّوابَ، فَهَذا "رَجُلٌ يَأتِي رَسولَ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-فَيَقُصُّ عَليهِ رُؤياَ رَآهَا، فَقالَ أبو بَكْرٍ-رَضِيَ اللهُ عَنهُ-: يا رَسولَ اللَّهِ، بأَبِي أنْتَ، واللَّهِ لَتَدَعَنِّي فأعْبُرَهَا، فَقالَ النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ-: اعْبُرْهَا، فَلَّمَا انتَهى مِنَ التَّعبيرِ قَالَ: فأخْبِرْنِي يا رَسولَ اللَّهِ-بأَبِي أنْتَ-أصَبْتُ أمْ أخْطَأْتُ؟ قالَ النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: أصَبْتَ بَعْضًا، وأَخْطَأْتَ بَعْضًا"، فَإذا كَانَ أَعلَمُ الأُمَّةِ بَعدَ نَبيِّهَا أَصَابَ فِي التَعبيرِ وأَخطَأَ، فَكيفَ بِغَيرِهِ؟
وَأَخِيرًا: فَإنَّ مِنَ الأَسبَابِ التي سَاهَمَتْ فِي رَوَاجِ سُوقِ الـمُعَبِّرينَ الجَاهلينَ، هُو تـَهَافُتِ النَّاسِ لِتَعبِيرِ كُلِّ مَا يَرونَهُ رَغبَةً فِي مَعرَفَةِ الغَيبِ والخَفَاءِ، فَيَقَعُونَ بِسَبَبِ التَّأويلاتِ الخَاطِئةِ فِي أَسْرِ الأَمَاني الخَادِعَةِ، ويَتركُونَ السَّعيَّ والعَمَلَ لِتَحصِيلِ النَتَائجِ النَّافِعَةِ، وَقَد أَمَرنَا اللهُ-تَعالى-بالتَّوكُّلِ وبَذلِ الأَسبَابِ، فَالـمَكتُوبُ مَكتُوبٌ لا يُغيَّرَهُ تَعبيرُ كَذَّابٌ.
اللَّهمَّ إنِّا نسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنَّا نَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.
اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، وفقهمْ لرضاكَ، ونَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ.
اللَّهُمَّ انصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالـمينَ غانـمينَ.
اللَّهُمَّ الطفْ بنا وبالمسلمينَ على كُلِّ حالٍ، وبَلِّغْنا وإياهُم من الخيرِ والفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.
اللَّهُمَّ أحسنْتَ خَلْقَنا فَحَسِّنْ أخلاقَنا.
اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا ولوالدِينا وأهلِنا والمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ، والهُدى والسَّدادَ، والبركةَ والتوفيقَ، وَصَلَاحَ الدِّينِ والدُنيا والآخرةِ.
اللَّهُمَّ يا شافي اِشْفِنا وأهلَنا والمسلمينَ والمسالِمين.
اللَّهُمَّ (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).
اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.
المرفقات
1737656489_الرؤى والأحلامُ-24-7-1446هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx
1737656489_الرؤى والأحلامُ-24-7-1446هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf