الرؤى والأحلام تنبيهات ومخالفات

خطبة جمعة : الرؤى والأحلام.   كتبها : خالد بن خضران العتيبي.      الجمش – الدوادمي
 

الخطبة الأولى :

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .

أما بعد :

عبادَ الله إن الرؤى أي ما يراه المؤمن في منامه لها شأن في دين الإسلام فهي من المبشرات العظيمة للمؤمنين الصادقين فقد جاء في صحيح مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ، يَرَاهَا الْمُسْلِمُ، أَوْ تُرَى لَهُ .

وفي صحيح البخاري من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «الرُّؤْيَا الحَسَنَةُ، مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ، جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ»

ومعنى (جُزءٌ من ستةٍ وأربعين جُزْءًا من النبوة ) لأن نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثٌ وعشرون سنة والسنة الأولى ستة أشهر منها كأن عليه الصلاة والسلام يرى الرؤية فتجئ مثل فلق الصبح لأن رؤيا الأنبياء وحي من الله وأما غيرهم فهي مبشرات إذا كان رؤيا حسنة كما سيأتي .

ولهذا قال الإمام مالك [الرؤيا جزء من أجزاء النبوة فلا يُتلاعب بالنبوة ]

وما أكثر النصوص من الكتاب والسنة التي فيها ذكر الرؤى وتعبيرها ففي صحيح مسلم من حديث عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مما يقول لأصحابه : من رأى منكم رؤيا فليقصها أعبرها له .

وفي هذا الزمان عبادَ الذي قلَّ فيه العلم الشرعي وانتشرت فيه قنوات التواصل بين الناس كَثر من يُعبر الرؤى وللأسف كثيرٌ من هؤلاء ليس عندهم علمٌ بالكتاب والسنة وليس عندهم معرفة بالقرائن فيتخبطون في تعبير الرؤى وهذا له أسبابٌ كثيرة :

من هذه الأسباب قلةُ الخوفِ من الله سبحانه وتعالى فتعبير الرؤى سماه الله سبحانه وتعالى في كتابه فتوى قال تعالى (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ) (يوسف : 43 )

ومن الأسباب : حب الشهرة وهو داءٌ عظيم وقد كان السلف يقولون : ما صدقَ عبدٌ أحب الشهرة

ومن الأسباب : حب المال فيدخل في تعبير الرؤى بدون علم لأجل تحصيل المال .

وللأسف الشديد انخدع كثيرٌ من الناس خاصة من النساء في بعض من تصدروا لتعبير الرؤى فترتب على ذلك مفاسد عظيمة :

فمن هذه المفاسد : إثارة الخوف بين الناس خاصةً النساء فيأتي هذا المُعبر فيفسر لكل شخص ما راه سواءً كان حسناً أو سيئاً أو كان أضغاث أحلام فيقول له سيحصل لك كذا وكذا أو أنت مسحور أو أنت بك عين أو هناك من يترصد لك ليؤذيك ممن حولك .

ومن هذه المفاسد : كثرةُ الاتهام والشك من هذا الذي رأى الرؤيا فيمن حوله بسبب تعبير هذا المُعبر الجاهل فربما حصلت عداوات وقطيعة بين الأرحام بسبب ذلك .

ومن هذه المفاسد : إضعاف توكل هؤلاء الذين رأوا الرؤيا على الله سبحانه وتعالى فهم متعلقون بالرؤى ويجعلونها دافعة لهم أو مانعة لهم مع أنها إن كانت حسنة فهي من المبشرات وإن كان سيئة فهي من الشيطان لا تضر المسلم .

ومن هذه المفاسد : أنه لوحظ من بعض المعبرين في قنوات التواصل يتواصل معه نساء فيكشف بعض أسرارهن بحجة تفسيره للرؤيا وربما استدرجهن وهذا موجود وإن كان قليلاً وذكرته لأنه دخل في تعبير الرؤى من لا يخافُ الله .

ومن المفاسد : وهذه خطيرة أن هناك في قنوات التواصل أُناسٌ يزعمون تعبير الرؤى وهم ليسوا على عقيدة صحيحة فربما ضروا الناس في أمور دينهم .

فالمُعبر للرؤى لا بد أن يكون عنده علم ونُصحٌ للناس ومع ذلك قد يُخطئ ويصيب وتتعجب من بعض من يُعبرون الرؤى يجزم بتعبيره وربما قال صاحب الرؤيا هذا ليس صحيحاً فيقول بلى صحيح وهذا من جهل المُعبر وغروره وعدم نصحه فقد ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجلٌ يسأله عن تعبير رؤيا وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه جالساً فقال يا رسول والله لَتَدَعَني أُعبرها فعبرها فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أصبتَ بعضاً وأخطأت بعضاً .

والرؤى الصالحة هي كما سبق مبشرات لا يُبنى عليها حكم شرعي كما يفعل الصوفية فهي مصدر عندهم من مصادر التشريع ! فالله سبحانه وتعالى كمل الدين (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ) (المائدة : 3 ) فليست الرؤى مصدراً من مصادر التشريع بل مصادر التشريع الكتاب والسنة .

أسأل الله سبحان وتعالى أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن .

 

 

الخطبة الثانية :

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .

أما بعد :

عبادَ الله إن ما يراه الإنسان في منامه ينقسم إلى ثلاثة أقسام :

القسم الأولى : رؤية صالحة يراها وهذا القسم بعضه يكون واضحاً لا يحتاج إلى تعبير وقسم منها على أمثلة رموز تحتاج من يعبرها فهذا القسم لا بأس أن يسأل الإنسان من يثق في علمه وأمانته ليُعبرها له وكل ما كان الإنسان أكثر صدقاً في أقواله وأفعاله كلما كان رؤياه صادقة ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا اقترب الزمان لم تَكد رؤيا المسلم تكذب وأصدقُكم رُؤيا أصدَقكم حديثا .

وبين النبي صلى الله عليه وسلم موقف المسلم من هذا هذه الرؤية الصالحة ففي صحيح البخاري من حديث أبي سعيد الخدري : قال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها فإنها من الله فليحمدِ الله عليها وليحدث بها .

القسم الثاني : أحلام يراها في منامه فيرى أشياء يكرهها فهذه من الشيطان وهذا كثير عند الناس بسبب بعدهم عن الأذكار الشرعية والقرب من الله فتتسلط عليهم الشياطين  جاء في صحيح مسلم عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَأْسِي ضُرِبَ فَتَدَحْرَجَ فَاشْتَدَدْتُ عَلَى أَثَرِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَعْرَابِيِّ: «لَا تُحَدِّثِ النَّاسَ بِتَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ بِكَ فِي مَنَامِكَ»

وهذا القسم الذي هو الأحلام بين النبي صلى الله عليه وسلم الموقف منه :

ففي صحيح البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم : 

 (وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ، فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا، وَلاَ يَذْكُرْهَا لِأَحَدٍ، فَإِنَّهَا لاَ تَضُرُّهُ»

وبين النبي صلى الله عليه وسلم أنها من الشيطان وأمر بالاستعاذة بالله منها وأن لا يذكرها لأحد ويشمل هذا أنه لا يسأل عن تفسيرها لأنها من الشيطان وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا تضره

وعليه أن يبصق عن شماله ثلاث مرات ويستعيذ بالله منها فقد جاء عند الإمام أحمد من حديث أبي قتادةَ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم : إِنَّ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةَ مِنَ اللَّهِ، وَالْحُلْمَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ حُلْمًا يَخَافُهُ فَلْيَبْصُقْ عَنْ شِمَالِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ» .

وعليه أن يتحول على جنبه الآخر ويقوم ويصلي ما يتيسر له وهذا أمرٌ مستحب .

والقسم الثالث : أضغاث أحلام وهي حديثُ النفس فما كان يشغل الإنسانَ التفكيرُ فيه فإنه ربما رآه في منامه وهذا لا حكمَ له فقد جاء عند الإمام أحمد بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الرُّؤْيَا ثَلَاثَةٌ: فَبُشْرَى مِنَ اللهِ، وَحَدِيثُ النَّفْسِ، وَتَخْوِيفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا تُعْجِبُهُ، فَلْيَقُصَّهَا إِنْ شَاءَ، وَإِذَا رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ، فَلَا يَقُصَّهُ عَلَى أَحَدٍ، وَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ " .

فعلى المسلم أن يتقي الله سبحانه وتعالى وأن يحذر من مداخل الشيطان وممن يتلبسون بلباس العلم وما أكثرهم في مواقع التواصل الاجتماعي وبرامج البث المباشر .

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظ المجتمع منهم وأن يكفينا شرهم بما شاء ..........

 

 

المرفقات

1737629464_خطبة عن الرؤى والأحلام.docx

المشاهدات 513 | التعليقات 0