الذنوب التي تعجل لصاحبها العقوبة في الدنيا

خالد الشايع
1439/10/08 - 2018/06/22 06:04AM

الخطبة الأولى ( الذنوب التي تعجل لصاحبها العقوبة في الدنيا )     8/10/1439

أما بعد فيا أيها الناس : إن العبد في هذه الحياة قد كتبت عليه الذنوب وهو مدركها لا محالة ، روى البخاري (6243) ، ومسلم (2657) في صحيحيهما من حديث أَبي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ ، فَزِنَا العَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ المَنْطِقُ ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي ، وَالفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ )

فمن هذا الحديث يعلم العبد أنه واقع في الذنب لا محالة ، فيجب عليه أن يبادر بالتوبة، وألا يصر على ما فعل؛ فكل ابن آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون ، فليس الحديث عذرا لرتكاب الذنوب ، ولكنه يدعو للتوبة والمبادرة إليها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"
فِي قَوْلِهِ فِي آخِرِ الْآيَةِ: (وَتُوبُوا إلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) فَوَائِدُ جَلِيلَةٌ: مِنْهَا أَنَّ أَمْرَهُ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ بِالتَّوْبَةِ فِي هَذَا السِّيَاقِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْلُو مُؤْمِنٌ مِنْ بَعْضِ هَذِهِ الذُّنُوبِ الَّتِي هِيَ: تَرْكُ غَضِّ الْبَصَرِ وَحِفْظِ الْفَرْجِ وَتَرْكُ إبْدَاءِ الزِّينَةِ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ ، فَمُسْتَقِلٌّ وَمُسْتَكْثِرٌ، وَفِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ (كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ) وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: يَا عِبَادِي إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا وَلَا أُبَالِي فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ) " انتهى من "مجموع الفتاوى" (15/ 403)
فيكون في الحديث حث على التوبة من هذه الذنوب التي لا يسلم منها أحد .

معاشر المؤمنين : إن الذنوب أنواع ، فمنها الكبائر التي تحتاج إلى توبة خاصة كما قال سبحانه ( إن تجتنبوا كبائر ماتنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ) فالكبائر تحتاج إلى توبة خاصة ، ومن الذنوب ما هو صغيرة ، تكفر بالمصائب ، والأعمال الصالحة ، وتكفر باجتناب الكبائر ، وكل الذنوب إذا لم يغفرها الله للعبد في الدنيا فهو معرض للعقوبة في الآخرة ، غير أن هناك ذنوب لها عقوبة في الدنيا مع عقوبة الآخرة ، وذلك لشناعتها ، وقبح عاقبتها ، وهذا ماسنتحدث عنه في هذه الخطبة بإذن الله

أخرج أبو داود والترمذي وابن ماجه في سننهم من حديث أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة ، من البغي وقطيعة الرحم ) 

والبغي هو الظلم.
والرحم هم : ذوو الأرحام والأقارب ، كالعم ، والخال ، والعمة ، والخالة ، وأبناؤهم ، وبناتهم ، وقطيعة الرحم : عدم وصلهم وزيارتهم والسلام عليهم.
عباد الله : اشتمل هذا الحديث على احكام وفوائد نمر عليها سريعا :
منها ، أن الظلم ظلمات في الدنيا والآخرة ، يستحق صاحبه العقوبة العاجلة في الدنيا فيراها قبل موته ، وقد تظافرت الآيات والأحاديث في التحذير من الظلم يقول تعالى : ( ما للظالمين من حميمٍ ولا شفيعٍ يطاع ) (سورة غافر آية 18 ). ويقول سبحانه :( ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون ) (سورة إبراهيم آية 42) ، ويقول سبحانه : ( ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع )
وروى الشيخان عن أبي موسى رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله ليملي للظـالم ، فإذا أخـذه لم يفلته ) ثم قـرأ: ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليمٌٌ شديد ) (سورة هود آية 102وأعظم الظلم الشرك بالله  .  ومن أكثر أنواع الظلم انتشارا ظلم العمالة في حقوقهم ، وإهانتهم ، وعدم الإحسان إليهم ، والمشقة عليهم بتكليفهم ملا يطيقون .
ونستفيد من الحديث أن للرحم في دين الله شأن عظيم ، يجب وصلها ، وتحرم قطيعتها ، قال سبحانه : ( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصاره ) ( سورة محمد آية 22 ، 23
وصلة الرحم تكون : بالزيارة ، والسؤال عن الحال ، والاطمئنان على القريب ، والتلطف بالخطاب ، كما تكون بإهداء الهدايا المناسبة ، والتهنئة فيما يحصل من الخير ، ومساعدة المدين المعسر في سداد شيء من دينه ، والسعي له في سداده ، وبذل الجاه ، وقضاء الحاجات ، والدعاء بالتوفيق والمغفرة ، وغير ذلك.

وصلة الرحم تزيد في العمر ، وتبارك فيه ، كما تزيد المال وتنميه ، بالإضافة إلى تكفير السيئات ، ومضاعفة الحسنات ، وإرضاء الخالق جل وعلا روى البخاري وغيره عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أحب أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أثره ، فليصل رحمه )

اللهم اجعلنا ممن يصل رحمه ، ويتبرأ من الظلم صغيره وكبيره

أقول قولي هذا .............

                                        الخطبة الثانية

أما بعد فيا أيها الناس : إن الذنوب بشكل عام تدع الديار بلاقع ، يعني تهلك أهلها ، لنحذرها جميعا ، كما قال الشاعر :

خل الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى

واصنع كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى

لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى
عباد الله : إن العقوبة في الدنيا قد تكون كفارة لذنوب كثيرة ، غير أن هناك ذنوبا لابد من معاقبة صاحبها في الآخرة لشناعة جرمه ، كما مر معنا في الخطبة الأولى ، منها البغي وقطيعة الرحم ، وإن قطيعة الرحم القريبة لتنتشر في مجتمعنا انتشارا مخيفا ، حتى وصل لدرجة العقوق للوالدين ، وعقوق الوالدين من كبائر الذنوب ، فضلا عن كونها من الظلم ، وقطيعة الرحم ، فقد اجتمع فيها الذنبان الموجبان للعقوبة في الدنيا والآخرة .

اخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث عن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (" ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ , ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ , ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ " , فقلنا: بلى يا رسول الله , قال: " الإشراك بالله  ، وعقوق الوالدين )

أخرج الشيخان واللفظ لمسلم من حديث جبير بن مطعم قال: قال رسول الله : { لا يدخل الجنة قاطع رحم }  والوالدان أقرب الأرحام، و أخرج النسائي في سننه من حديث ابن عمر مرفوعاً: { ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمنان عطاءه، وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والديّوث والرّجلة }،   والديّوث الذي يقرّ على أهله الزنا. والرّجلة هي المترجلة المتشبهة بالرجال.

معاشر المسلمين إن للعقوق صورا كثيرة من أكثرها انتشارا  :
1-
إبكاء الوالدين وتحزينهما بالقول أو الفعل .
2-
نهرهما وزجرهما ، ورفع الصوت عليهما .
3-
التأفف من أوامرهما .
4-
العبوس وتقطيب الجبين أمامهما ، والنظر إليهما شزراً .
5-
الأمر عليهما .
6-
انتقاد الطعام الذي تعده الوالدة .
7-
ترك الإصغاء لحديثهما .
8-
ذم الوالدين أمام الناس .
9-
شتمهما .
10-
إثارة المشكلات أمامهما إما مع الأخوة ، أو مع الزوجة .
11-
تشويه سمعتهما .
12-
إدخال المنكرات للمنزل ، أو مزاولة المنكرات أمامهما .
13-
المكث طويلاً خارج المنزل ، مع حاجة الوالدين وعدم إذنهما للولد في الخروج .
14-
تقديم طاعة الزوجة عليهما .
15-
التعدي عليهما بالضرب .
16-
إيداعهم دور العجزة .
17-
تمني زوالهما .
18-
قتلهما عياذاً بالله .
19-
البخل عليهما والمنة ، وتعداد الأيادي .
20-
كثرة الشكوى والأنين أمام الوالدين .
21- عدم زيارتهما إلا في أوقات متباعدة ، ويمر عليهما مستعجلا منشغلا بما معه من هاتف وجرائد .

اللهم وفقنا لهداك .........

المشاهدات 2416 | التعليقات 0