الذب عن صحيح البخاري

ابو عبد الرحمن الدمياطي
1437/02/28 - 2015/12/10 11:07AM
قال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ .. } [النساء: 80] وقال: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65] وقال: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36] وقال: { .. وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا .. } [الحشر: 7]
ديننا يقوم أصالةً علي القرآن والسُنة وبعدهما الإجماع والقياس وغير ذلك .
وللسُنة مع القرآن أحوال
النوع الأول: أن تأتي مؤكدة لآيات من القرآن الكريم ، ومثاله أحاديث وجوب الصلاة والزكاة والصوم والحج ، كقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان) رواه البخاري ، فهذا الحديث مؤكد لقوله تعالى في شأن الصلاة والزكاة: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} (البقرة: 83) ، ولقوله تعالى في شأن الصوم: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} (البقرة: 183) ، ولقوله تعالى في شأن الحج: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} (آل عمران: 97.
النوع الثاني: أن تأتي مبينة لكتاب الله ، قال سبحانه: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} (النحل: 44)، وبيان السنة للقرآن يتمثل في عدة جوانب ، منها:
1. بيان مجمله: فقد جاءت كثير من أحكام القرآن العملية مجملة ، فبينت السنة إجمالها ، ومن ذلك أن الله أمر بأداء الصلاة من غير بيان لأوقاتها وأركانها وركعاتها وغير ذلك ، فبينت السنة كل ذلك بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتعليمه لأصحابه كيفيتها ، وأمره لهم بأدائها كما أداها ، فقال صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري ، وفرض الله الزكاة من غير بيان لمقاديرها وأوقاتها وأنصبتها ، وما يزكَّى وما لا يزكَّى ، فجاءت السنة ببيان كل ذلك وتفصيله ، وشرع الله الحج من غير أن يبين مناسكه ، فبين صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله تلك المناسك وقال في حجة الوداع : (لتأخذوا عني مناسككم)رواه مسلم ، وكذلك بين صلى الله عليه وسلم أحكام الصوم مما لم ينص عليه في الكتاب ، وأحكام الطهارة والذبائح والصيد والأنكحة ، وأحكام البيوع والجنايات والحدود ، وغير ذلك مما وقع مجملاً في القرآن وفصله النبي صلى الله عليه وسلم.
2. تخصيص عامه: فقد وردت في القرآن أحكام عامة جاءت السنة بتخصيصها ، ومن ذلك قوله تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} (النساء: 11) ، فهذه الآية عامة في كل أصل موروث ، فخصص صلى الله عليه وسلم ذلك بغير الأنبياء فقال عليه الصلاة والسلام: (لا نوْرَثُ ما تركنا صدقة) رواه البخاري.
3. تقييد مطلقه: فقد ورد في القرآن آيات مطلقه جاءت السنة بتقييدها ، ومن ذلك قوله تعالى:{من بعد وصية يوصي بها أو دين} (النساء: 11) ، فأمرت الآية بإخراج الوصية من مال الميت ولم تحدد مقدارها ، فجاءت السنة مقيدة للوصية بالثلث.
4. توضيح المشكل: فقد أشكل فهم بعض الآيات على الصحابة ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوضح لهم ما أشكل عليهم ، ومن ذلك ما رواه البخاري عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: لما نزلت هذه الآية {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} (الأنعام: 82) ، شق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وقالوا: أينا لم يلبس إيمانه بظلم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنه ليس بذاك ، ألا تسمعون إلى قول لقمان: {إن الشرك لظلم عظيم }) (لقمان: 13) ، ففهم الصحابة رضوان الله عليهم أن المراد بالظلم في الآية عموم الظلم ، فيدخل في ذلك ظلم الإنسان نفسه بتقصيره في بعض الحقوق ، فأزال صلى الله عليه وسلم هذا الإشكال بأن الظلم ليس على عمومه ، وإنما المقصود منه أعظم أنواع الظلم الذي هو الشرك بالله عز وجل.
وهذان النوعان السنة المؤكدة والسنة المبينة لم يخالف فيهما أحد من أهل العلم.
النوع الثالث: أن تأتي السنة بأحكام زائدة على ما في القرآن ، فتوجب أمراً سكت القرآن عن إيجابه ، أو تحرم أمراً سكت القرآن عن تحريمه ، ومن أمثلة هذا النوع الأحاديث التي تحرم الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها ، وتحريم الحمر الأهلية ، وكل ذي ناب من السباع ، وغير ذلك.
ـ وبيان حل ميتة البحر والجراد والكبد والطحال من الدماء مع نهى القرآن عن الميتة والدم .
وتحريم السنة للذهب والحرير علي الذكور مع كون القرآن فيه (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ)
ـ وفي الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الوَاشِمَاتِ وَالمُوتَشِمَاتِ، وَالمُتَنَمِّصَاتِ وَالمُتَفَلِّجَاتِ، لِلْحُسْنِ المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ» فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ يَعْقُوبَ، فَجَاءَتْ فَقَالَتْ: إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ لَعَنْتَ كَيْتَ وَكَيْتَ، فَقَالَ: وَمَا لِي أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ هُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَقَالَتْ: لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ، فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ مَا تَقُولُ، قَالَ: لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ، أَمَا قَرَأْتِ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]
وهذا النوع وإن كان زائداً على ما في القرآن إلا أنه تشريع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو مما يجب طاعته فيه ولا تحل معصيته امتثالاً لما أمر الله به من طاعة رسوله ، قال تعالى: {من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا} (النساء: 80.
السُنة
ـ السؤال المتكرر ولماذا صحيح البخاري ؟!
ـ لماذا يخصه المجرمون بالهجمات ولماذا يُدافع عنه أهل السُنة بكل ما أُتوا من قوة ؟!
والجواب الواضح عند الجميع أن صحيح البخاري هو الكتاب الأول في كُتب السُنة النبوية .
فإذا نجح أعداء السُنة في إسقاطه كان إسقاط غيره أسهل فيما زعموا .
وإذا نجحوا أن يُقنعوا الناس أن صحيح البخاري فيه إشكالات فما بالنا بما عداه من الكُتب ؟!
ـ ونحن لا ندافع عن شخص الإمام البخاري ولا نعبده ولا نقدسه ولا نقول أنه معصوم من الخطأ أو هو فوق البشر حاشا لله.
ـ وإنما دفاعنا عن ديننا وعن سُنة نبينا التي أول الكُتب فيها عندنا صحيح الإمام البخاري رحمه الله .

كلام أهل العلم القُدامى والمعاصرين عن صحيح البخاري
ـ يقول الإمام ابن الصلاح رحمه الله : أجمعت الأمة علي تلقي ما في الصحيحين بالقبول وإجماع الأمة معصوم من الخطأ .أ.ه
ـ يقول الإمام النووي رحمه الله : أجمعت الأمة علي أن أصح الكُتب بعد كتاب الله الصحيحين وتلقتهما الأمة بالقبول .أ.ه
ـ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وكُتب الحديث المعروفة كالبخاري ومسلم فليس تحت أديم السماء أصح منهما بعد كتاب الله .أ.ه
ـ ومن المعاصرين يقول العلامة أحمد شاكر رحمه الله : وأما الحق الذي لا مرية فيه عند أهل العلم بالحديث من المحققين ومن سار علي نهجهم علي بصيرة من الأمر أن أحاديث الصحيحين صحيحة كلها وأنه ليس في واحد منها مطعن ولا ضعف .أ.ه
معني ذلك أن الصحيح معصوم مثل القرآن ؟
الجواب بل هذا فهم مغلوط وإنما نقصد بكلامنا أن كتاب الله عز وجل هو الكتاب المعصوم فإذا نزلنا للكُتب غير التي جمعها البشر وهي غير معصومة فأصح كتاب صنفه بشر هو صحيح البخاري .

الجامع الصحيح المُسند المختصر من أقواله  وأفعاله وسننه وأيامه
الجامع: جمع فيه الكثير من أبواب العلم ففيه العقيدة والفقه والأخلاق والأداب والرقائق والسير وغير ذلك وهو في ذات الوقت مختصر .
بشروط:
1- الصحيح : علي شرط البخاري رحمه الله . وسنرجع لهذه النقطة بعد قليل إن شاء الله .
2- المُسند : يأخذه الصحابي عن النبي  ويأخذه التابعي عن الصحابي وتابع التابعي عن التابعي وهكذا حتى البخاري رحمه الله .فما يذكره البخاري بدون إسناد أو بإسناد مُختصر (كالمُعلقات والبلاغات) فلم يقصد أنه من أصل صحيحه وإنما ذكره وساقه لفائدة مُعينة مُحددة.
3- من أقواله وأفعاله وسننه وأيامه : فإذا وجدت في صحيح البخاري كلاماً عن التابعين أو أتباع التابعين وحتى لو ذكره رحمه الله بإسنادٍ فليس من أصل صحيحه ولا علي شرطه وإنما ساقه رحمه الله لفائدة مُعينة .


ماذا صنع البخاري رحمه الله في كتابه ؟!
ـ لقد بذل البخاري رحمه الله في كتابه ما يعجز عنه عشرات بل مئات الرجال .
ـ انتقاه رحمه الله من محفوظه الذي بلغ ستمائة ألف حديث .
ـ والصحيح بدون المكرر حوالي أربعة ألاف حديث وبالمكرر سبعة ألاف.
ـ كان رحمه الله يُدخل فى صحيحه يومٍ حديثان فقط.
ـ ومكث رحمه الله في جمعه ما يُقارب ستة عشر عاماً .
ـ وكان لا يُدخل حديثاً فيه حتي يُصلى ركعتين .
ماذا يشترط أهل العلم لصحة الحديث وماذا زاد البخاري لصحيحه
أهل العلم يشترطون حتي يصح الحديث عندهم أن يكون من ينقل كلام إنسان حيٌ ومن ينقل عنه حياً .
فإذا قال فلان مثلاً قال  فحتي نقبل كلامه لابد من إثباتات أنه كان حيٌ أثناء حياته  وأنه لا مانع من لقاءهما وهكذا إذا نقل التابعي عن الصحابي وهكذا .
وزاد البخاري رحمه الله علي ذلك زيادة في الثقة والأمان وقال لا يكفى مجرد حياتهما بل لابد من ثبوت اللقاء وثبوت سماعه منه وإلا فلا يُدخل رحمه الله الحديث في كتابه .
ـ ولما انتهي رحمه الله من كتابه عرضه علي أهل العلم بالحديث وتلقوه وتلقته الأمة من بعدهم بالقبول فمن مختصرٍ ومن شارحٍ كمختصر الزبيدي وفتح الباري لابن حجر وابن رجب وغيرهم ألاف رحمة الله علي الجميع .
ومن أراد أن يحكم علي حديث في صحيح البخاري فلابد من إجادته لجملة من العلم ومنها :
ـ علم الرجال : فتنظر لكل راوي ومولده ووفاته وبلده وإقامته وشيوخه وتلاميذه وأقوال أهل العلم فيه وإن كان ثقة أو ضعيفاً ومن عدله ومن طعن فيه .ومن أشهر الكُتب في ذلك كتاب تهذيب الكمال للحافظ المزي وتهذيبه وتقريبه للحافظ ابن حجر رحمهما الله .
ـ علم الجرح والتعديل للحُكم علي الرواة.
ـ علم علل الحديث للوقوف علي علله الظاهرة والخفية.
ـ علم مُختلف الحديث : والعمل فيه يكون مع متون الأحاديث والنظر في الأحاديث التي ظاهرها التعارض والجمع بينها أو الترجيح . ومن أشهر الكُتب فى ذلك تأويل مختلف الحديث للإمام ابن قتيبة رحمه الله تعالي .
ـ علم غريب الحديث : لفهم الألفاظ الواردة فى الحديث من كلام العرب .
ـ علم أصول الفقه : وفيه كيفية استنباط الأحكام من النصوص القرآنية والنبوية .
وبعد هذا الجهد مع صحيح البخاري من العلماء
فجملة الأحاديث التي انتقدها العلماء علي صحيح البخاري نحو ثمانون حديثاً وأكثر من نصف هذا العدد لم يصح فيه الإنتقاد وكان الحق فيه مع البخاري رحمه الله .
ـ ولو سلمنا أن هُناك ثمانون حديثاً فيها انتقاد وليست علي شرطه رحمه الله فثمانون بالنسبة لأربعة ألاف حديث يعني نحو 2% وهذا عمل من أعمال البشر وعلماء البشر يقولون أن العمل الكامل من أعمال البشر هو الذي يقل الخطأ فيه حتى يصل إلى 2,5% وهو هنا أقل !!!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
الإمام البخاري رحمه الله :
اسمه : محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة الجُعفي البخاري .
مولده : في شهر شوال عام 194 هجرية.
ـ ونقل الذهبي رحمه الله في السير عن الوراق الذي كان يكتب له الحديث انه قد وقع للبخاري رحمه الله وهو طفلٌ حادثٌ فقد فيد بصره وحزنت أمه حزناً شديداً علي ولدها وغلبتها عينها من شدة البكاء فرأت في المنام خليل الرحمن إبراهيم يقول لها : يا هذه :إن الله رد بصر ولدك بكثرة دعائك وبكائك . فاستيقظت فإذا ولدها قد رد الله إليه بصره .
ـ ولما حضر والده الموت استدعاه وقال له : يابني لقد تركت لك ألف ألف ليس فيها درهمٌ فيه شُبهة .
ـ أتم حفظ القرآن وهو ابن سبع سنين .
ـ وفي سن العاشرة أو الحادية عشرة حدث له موقف في بلده بُخاري مع شيخ كبير في بلده اسمه الداخلي . وحدث أن الداخلي كان يُحدث في مجلسه عن ابن الزبير عن إبراهيم النخعي فقام البخاري معترضاً وقال إن ابن الزبير لا يُحدث عن إبراهيم فقال اسكت يا غُلام قال البخاري فانظر في أصله ـ يعني فى الكتاب لأن الداخلي كان يُحدث من محفوظهِ ـ فقام الداخلي ودخل ونظر في الكتاب فإذا هو كما قال البخاري فخرج الداخلي وقال كيف قلت يا غلام ؟ قال إنما هو فلان عن فلان فقال أصبت يا غلام وصوب ما أخطأ فيه .وسأله محمد بن حاتم الوراق : أبن كم لما رددت علي الداخلي؟ قال ابن احدي عشرة سنة .
ـ تجاوز شيوخه ألف شيخ و أخذ عن كل شيخ أكثر من عشرة ألاف حديث .
المشاهدات 1188 | التعليقات 0