الدَين .. مسائل وفضائل وأحكام ، والحث على الصدقة من خلال منصتي إحسان وتيسرت

عبدالإله بن سعود الجدوع
1443/04/20 - 2021/11/25 13:20PM
الحمد لله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، نحمده تعالى ونشكره، ونتوب إليه ونستغفره، ونشهد أن لا إله إلا الله، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا ، أما بعدُ فاتقوا الله عباد الله! فإنها خير شعار، وأفضل دثار، وبها النجاة من سخط الجبار، وبها دخول الجنةِ دارَ القرار ،( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) ثم أيها الكرام :
دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم المسجد ذات يوم ، فرأى رجلاً من الأنصار جالسًا فيه، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "يا أبا أمامة: ما الذي أجلسك في المسجد في غير وقت صلاة؟!"، قال: يا رسول الله: هموم لزمتني وديون غلبتني. فقال -صلى الله عليه وسلم-: "أو لا أدلك على كلمات إذا قلتهن أذهب الله عنك همّك وقضى عنك دينك؟!"، قال: بلى يا رسول الله. قال: "قل إذا أمسيت وأصبحت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال".
نعم إنه الدَّين ، هَمّ الليل، وذل النهار، إنه الدين الذي يزعج القلوب ويشتت الأفكار.
فالمدين مهموم مغموم، ولو رآه الناس فرحًا مسرورًا،
والمدين ذليل حسير، كسيرٌ أسيرٌ، ولو رآه الناس حرًّا طليقًا .
هم بالليل، وذلٌّ بالنهار، يشغل البال، ويكدر الحال، يكسر الفؤاد، ويستخفي صاحبه عن العباد
ولِما للدين من انتشار بين الناس الآن فسيكون حديثنا عنه من زوايا : الأولى التحذير من الدين ، الزاوية الثانية : خطورة عدم رد الدين لو احتاج واستدان ، الثالث : ما للدائن من فضائل . الرابع : ماللمتصدق على الغارم المَدين من فضله وطرق ذلك الرسمية . فأما لماذا التحذير من الدين ؟، فلأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: " اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم، فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم! فقال عليه الصلاة والسلام: إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف" رواه البخاري
ونبيُّنا –صلى الله عليه وسلم- كان يدعو بهذه الكلماتِ في دُبُر الصلاة، أي قبل أن يسلِّم، يقول في دعائه: "اللهمّ إني أعوذ بك من الهمِّ والحَزَن، والعَجز والكَسَل، والبُخل والجُبن، وغَلَبة الدّين وقَهرِ الرجال". فكان يستعيذ بالله من غَلَبة الدَّين، أي من الدَّينِ الذي يغلبه ويعجزُ عن قضائِه ويلقَى اللهَ وحقوقُ العبادِ في ذمّته، فالنّبيُّ يستعيذ من ذلك لأنّ حقوقَ العباد إذا لم تُؤدَّ في الدنيا أُدِّيَت يومَ القيامة من حسناتك؛ من صلاتك، من صيامك، من حجِّك، من بِرِّك، مِن فعلِك الخير.
إذن فلنصحح المسار ولنتقي الله الواحد القهار ، ولانستدين إلا لحاجة ضرورية ، لأن الأصل في دين الله ألا يستدين الإنسان ، لا كما يسوّق له الآن من البنوك ، أو الشركات أو من بطاقات الفيزا وغيرها من تسهيل وتهون أمر الاستدانة ، وهذا مما عمم وطم في مجتمعاتنا الآن ، نسأل الله لنا ولكم العافية . فإذا احتاج الإنسان للدَين لأمر ضروري فليحرص على أن ينطلق العبد من مقاصد حسنة، وعزيمة صادقة على الوفاء، ومن نية طيبة في القضاء، لا أن يبيِّت نية سيئة، ويخفي مقصدًا خبيثًا ، لماذا؟! لأن نبيُّك -صلى الله عليه وسلم- يقول "من أخَذ أموالَ الناس يريد أداءها أدّى الله عنه، ومَن أخذَها يريد إتلافَها أتلَفَه الله". قال العلماء: "أدّى الله عنه" يعني : يسّر أمورَه ومكّنه في الدنيا من الأداء أو هَيّأ له مَن يؤدّي عنه، أو تجاوَز الله عنه يومَ القيامة وأرضَى الغرماءَ من فضلِه حتّى يَسمَحوا بها في ذمّتِه لهم ، لكن (وإن أخَذَها يريد إتلافَها أتلَفَه الله) أتلَف نفسَه، أتلَف صحَّته، أتلف مكاسِبَه، ضيَّق عليه الأمور، عسّر عليه الأسباب، حتى يصبِحَ في قلقٍ وشقاءٍ وهمٍّ وحزن، وفي الحديث ( مَن استدانَ دَينًا يعلَم الله من صاحبه الأداءَ فإنّ الله يؤدِّي عنه، وإن علِمَ من صاحِبِه عَدمَ الوَفاءِ فإنّ الله يتلِف عليه ماله. ) رواه ابن ماجه
إذن يا أيها المسلم الموفق : عندما تلجِئُك الحاجةُ إلى الدَّين فاجعَل نيّةً صالحة في قلبِك يَعلمُها الله منك أنّك تريد قضاءَ الدَّين ، ثم لاتسدين إلا في حاجيات وأساسيات ، لا في ترفيه وكماليات .
وإذا استدنت فاعلم أن الله سبحانه وتعالى حث على كتابة الدين ، مهما كان قليلاً كما قال تعالى (وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ (وقال ( يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه )
فعلى المستدين أن لايتضجر من الكتابة ، وألا ينظر لها منظار شك واتهام بعدم ثقة ، وألا يحرج الدائن ، لأن ذلك مما أمر الله به أن يُكتب . فليبادر المستدين لتسهيل ذلك ، وهناك منصة حكومية موثوقة اسمها ( نافذ ) وهي في حكم كتابة الدين وتوثيقه واعتباره عند الجهات المختصة.
أيها الكرام : الحذر أشد الحذر من عدم الوفاء بالدين ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم استثنى الدين من قاعدة مكفرات الذنوب ، يقول صلى الله عليه وسلم : ((يَغفِرُ الله للشهيد كلَّ شيء إلا الدَّين)) رواه مسلم وقال صلى الله عليه وسلم ((نَفْس المؤمن معلَّقةٌ بدَيْنه حتى يُقضي عنه)).
وجاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من مات وعليه دين فليس بالدينار ولا بالدرهم ولكنها الحسنات والسيئات" رواه الإمام أحمد
ولأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يعظِّم الدَّينَ في نفوس أصحابِه تعظيمًا عظيمًا، قال جابرُ بن عبد الله: تُوفِّيَ رجل منَّا فغسَّلناه وحنَّطناه وكفّنّاه وأتينا به النّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- ليصلّيَ عليه، فخَطا خطَواتٍ ثم قال: "أعليه دَين؟!"، قالوا: ديناران يا رسول الله، فتأخَّرَ عنِ الصّلاةِ عليه ولم يصل عليه ، وقال: "صَلّوا على صاحِبِكم"، فقال أبو قتادة: هما عليَّ يا رسولَ الله، قال له النبيُّ: "أبرِئَت ذمّةُ الغريم وحُقَّ الدين؟!"، قال: نعم يا رسول الله، فصلّى عليه النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ثم لقِيَ أبا قتادة في اليومِ الثاني قال: "يا أبا قتادةَ: ما فعَل الديناران؟!"، قال: يا رسول الله: إنما ماتَ بالأمس! ثمّ لقِيَه اليومَ الثاني وقال: يا أبا قتادةَ: ما فعل الديناران؟!"، قال: يا رسول الله: دفعتُهما لصاحبهما، فقال: " عليه الصلاة والسلام ( الآن برَدت عليه جِلدَته)
وليحذر كل الحذر من يستطيع الوفاء بالدين ثم لايوفي فمماطلة من الغني في أداء الدَّين ظلمٌ شنيع، والتسويف والتأخير في توفية الحق عند الوجدان اعتداء فظيع، قال -صلى الله عليه وسلم-: " مَطَلُ الغنيِّ ظلمٌ متفق عليه. فالمماطلة خُلُقٌ تأباه شِيَم النفوس العزيزة، ولا حُرمة لعِرْضِك بعد ذلك؛ قال صلى الله عليه وسلم (لَيُّ الواجِد يُحِلُّ عِرْضَه وعقوبته) رواه البخاريُّ
ولا تضجر من تظلُّم وعتاب صاحب الحقِّ عليك؛ فإن لصاحب الحقِّ مقالاً كما قاله صلى الله عليه وسلم
ويسن للمرء إذا أراد الإنسان قضاء دينه ، فليتذكر الدعاء الوارد عند ذلك والذي يقال للدائن : بارك الله لك في أهلك ومالك". رواه النسائي ، وخير البشر صلى الله عليه وسلم استدان وقضى دَيْنه؛ فاستدان من رجل بَكْرًا، فقُدِّمت إليه إبلٌ من إبل الصَّدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بَكْرَهُ، فلم يجد إلا خَيارًا رباعيًّا؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَعْطِهِ إيَّاه؛ فإنَّ خيار الناس أحسنهم قضاءً).أي من يقضي دينه بنفس طيبة وكلام طيب وفي موعده المتفق فهو من خيار الناس ، ولايمنع أن يكون مصاحبا بهدية ملحقة أو أكثر مما استدان ، على ألا تكون في محل علم واتفاق مسبق ، لكي لايقع في المحذور الشرعي . *******   الخطبة الثانية
أيها الكرام : هناك عنصر يُغفل عنه في موضوع الدين وهو الدائن ، وما له من أجر ومثوبة إذا صحح نيته من عملية الدين ، فالقرض الحسن، وإنظار المعسر، والتخفيف عليه، والوضع عنه؛ أعمال جليلة حتى إنه لايكاد أن يوجد احتساب ذلك جهلاً بفضلها، ولأن كثيرا ممن يقترضون لا يؤدون ما عليهم، ففقد الناس الثقة فيما بينهم .
وإلاّ فالقرض الحسن معدود في الصدقة بمقتضى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كل قرض صدقة" رواه الطبراني ، وفي الحديث: (ما من مسلمٍ يُقرض مسلمًا قرضًا مرَّتَيْن إلا كان كصدقتها مرَّة)رواه ابن ماجه وصحَّحه الألباني
وهو من باب إعانة المسلم لأخيه وبالتالي يكون الله في عون الدائن في حياته ، يقول رسول الله ( والله في عون العبد ماكان العبد في عون أخيه ) وإذا كان الدائن ينتظر حلول وقت استيفاء الدين فله عن كل يوم صدقة بمثل المبلغ الذي أدانه وهذا قبل أن يحل الدين ، فإذا جاء وقت الدين ولم يف المستدين ، فله بكل يوم ضعف ما له من أجر ،
كما روى بريدة رضي الله عنه فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من أنظر معسرا فله بكل يوم مثله صدقة، قال: ثم سمعته يقول: من أنظر معسرا فله بكل يوم مثليه صدقة، قلت: سمعتك يا رسول الله تقول: من أنظر معسرا فله بكل يوم مثله صدقة، ثم سمعتك تقول: من أنظر معسرا فله بكل يوم مثليه صدقة، قال: له بكل يوم صدقة قبل أن يحل الدين، فإذا حل الدين فأنظره فله بكل يوم مثليه صدقة" رواه أحمد وصححه الألباني
وإذا بدا للدائن أن ييسر أو أن يطرح عن المدين فله فضل ومثوبة ، فعن النبي -صلى الله عليه وسلم قال-: "ومن يسّر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة".
ومن أعظم أنواع التيسير الحط من الدين كلاًّ أو جزءًا ، جاء في الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: أن رجلا كان يبايع الناس، فإذا رأى معسرًا قال لفتيانه: تجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا، فتجاوز الله عنه"
وخدمة الناس والوقوف معهم في نوائبهم برهانٌ على طيب المعدِن، ونقاء الأصل، وشهامة الطَّبْع، وسخاء النَّفْس. فجدوا بما تستطيعون من الصدقة لنجدة المديون الصادق ، فنعمةٌ من الرحمن على العبد في دنياه؛ أن يجعله مفتاحًا للخير، صانعًا للمعروف، مُفرِّجًا لضائقة أخوانه ومداويًا لضرهم، فالصدقة برهان كما قاله صلى الله عليه وسلم ، ومن فَرَّج عن مسلمٍ كربةً من كرب الدنيا؛ فرَّج الله عنه كربةً من كُرَب يوم القيامة، وقد قال صلى الله عليه وسلم أيضا: (صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات وأهل المعروف في الدينا هم أهل المعروف في الآخرة)رواه الحاكم، وصحَّحه الألباني
ومن المنصات الرسمية الموثوقة في الصدقة والسداد عن المديونين في هذه البلاد المباركة هي منصة إحسان ومنصة تيسرت وهي تعملان تحت إشراف حكومي يصل فيه التبرع بطريقة سليمة وأمان وشفافية لمن صدرت عليهم أحكام قضائية ، ولايُعرض في المنصتين إلا من انطبقت عليه الشروط تضمن أنه ليس متلاعبا أو معتادا على الاستدانة ونحو ذلك .
فجودوا بما عندكم من الصدقة ليفرج الله عنكم من كرب الآخرة يقُولُ:صلى الله عليه وسلم «مَنْ سَرَّهُ أنْ يُنَجِّيَهُ اللهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ، فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ أَوْ يَضَعْ عَنْهُ»رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
معاشر المديونين: أنزلوا حوائجكم كلها بأرحم الراحمين وقفوا بباب أكرم الأكرمين.واجعلوا كل فقركم إلى الله وغناكم بالله، وتوكلوا على من بيده خزائن السماوات والأرض، ، وفوضوا الأمور إليه ، وأحسنوا الظن بالله .وإن ضاقت عليكم قلوبكم فوسعوها باليقين بالله سبحانه وتعالى، فكم من هموم وغموم أحاطت بأصحابها فرجها الله عنهم من حيث لا يحتسبون.
يمِّم وجهك شطر السماء، وبُثَّ شِكايتك لربِّ البَشَر، واطرح ضرَّك بين يديه؛ فهو سبحانه مُزيل اللأواء، وكاشف البأساء.
فاللهم اقض الدين عن المدينين ، ويسّر اللهم على المعسرين ، وفرّج كرب المكروبين ، اللهم واشف مرضانا ومرضى المسلمين، واجعلنا من عبادك الموفقين المحفوظين الصالحين.
اللهم إنا نعوذ بك من الهمِّ والحَزَن، والعَجز والكَسَل، والبُخل والجُبن، وغَلَبة الدّين وقَهرِ الرجال ، اللَّهُمَّ اكْفِنا بِحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنا بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ .
اللهم لاحفظ إلا حفظك ، اللهم فاحفظنا ومن نحب من كل شر ووباء وبلاء
اللهم أصلح لنا الأولى والأخرى ،، وزدنا ياربنا من الإيمان والخُلُقِ والخير والتقوى
اللهم واحفظ على هذه البلادِ أمنها وإيمانها وقادتها وعلمائها ومن ينفعها
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليَّ أمرنا، اللهم وارزقه البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين
اللهم جد علينا من الخيرات وأنزل علينا البركات وارفع لنا الدرجات واغفر لنا السيئات
اللهم واغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ، إنك سميع مجيب الدعوات
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
عباد الله ولنكثر من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
ففي الحديث أن من أكثر الصلاة على رسول الله يُكفى همه ويُغفر ذنبه
فاللهم صل وسلم على نبينا محمد ، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين وعن الصحابة المهدين أجمعين ، واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ولذكر الله أكبر والله يعلم ماتصنعون
المشاهدات 804 | التعليقات 0