الدين شعائر وتعامل

سالم بن محمد الغيلي
1441/04/25 - 2019/12/22 00:49AM

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدي الله فهو المهتدي  ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً , اشهد الا اله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وألوهيته واسمائه وصفاته , واشهد أن محمداً عبدالله ورسوله اشرف نبي وأعظم مرسل وخير قدوة واتقى الناس واعبدهم لله صلى الله وسلم عليه ما بعدت عنا الشمس والسماء .

    • }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ{ ]سورة آل عمران: 102[

    • }يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا{ ]سورة النساء:1[

    • }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا{ ]سورة الأحزاب:70[

    عباد الله:

    إن الله بحكمته وعلمه وبرحمته اختار لنا دينا قويماً سهلاً ميسراً ليس على من تمسك به حرج }..وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍۢ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَٰهِيمَ{.. ]سورة الحج:78[ ليس على من تمسك به حرج , فالله اعلم بما شرح والله اعلم بما أمر والله اعلم بما حكم, دين كمال, دين سعادة , دين قوة, دين وحدة , دين نجاة , دين طهارة , }..الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ{.. ]سورة المائدة:3[ , الله رضيه لنا , ومن تأمل في الاسلام وتكاليفه وتعاليمه تجده على قسمين- إن جاز التقسيم-  قسم شعائر بينك وبين الله , قسم عبادات , وقسم  بينك وبين الخلق ,قسم معاملات,  لا يستقيم إسلام ُ عبدٍ إلا بهما ولا يصلح شطر إلا بالشطر الثاني, والله عز وجل يأمرنا بذلك في كتابه فيقول: }  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ..{ ]سورة البقرة:208[

    الدين عبادات وتعاملات هكذا الدين وهكذا يجب أن يكون المتدين , وبشطري الدين تتحقق سعادتك تشعر بها في صدرك وفي أهلك وفي سفرك واقامتك , وقسم العبادات قد يتساوى فيه المسلمون وفيه  يتشابهون وقد يتفاوتون , فنجد المسلمين يصلون , ويصومون, ويحجون, ويشهدون , ويزكون, وهذا في الغالب بغض النظر عن المتهاونين في الصلاة وفي الصوم وفي الزكاة وفي الحج فإن هؤلاء في الهاوية قد هووا في الدنيا, وفي الآخرة أمرهم إلى الله.

    فهل هذا الجزء من الدين يكفي , هل يكفي أن تنجو به بين يدي الله ؟ هل يكفي ان تنجو به من النار ؟ هل يكفي ان تدخل به الجنة ؟ هل يكفي أن تصوم وتصلي وتزكي وتحج وتشهد؟

    لا يكفي , لا يكفي وللأسف هذا حال كثير منا للأسف كثير منا ليس عنده إلا هذه العبادات ثم تجده في الجانب الآخر وفي الشطر الآخر من الدين يسرح ويمرح, وهنا مكمن الخطر ... وهنا الكبر والبطر... شرعة الله كلها ليس يكفيك بعضها, الحذر كل الحذر ... كيف تنجو من العقاب , والجزاء يوم الحساب, قال صلى الله عليه وسلم : (دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ في هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا، فَلَمْ تُطْعِمْهَا، ولَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِن خَشَاشِ الأرْضِ ) اخرجه البخاري واللفظ له, ومسلم , ومن مفهوم الحديث انها كانت مسلمة إذ لو كانت كافرة لكان الكفر بالله اشد من حبس الهرة, فلم تشفع لها صلاتها ولا صيامها عند دخول النار, واللسان وما ادراك ما اللسان , يقول صلى الله عليه وسلم لمعاذ –رضي الله عنه- ولنا : ( ... كُفَّ عليكَ هذا ، فقُلتُ : يا نبيَّ اللَّهِ ، وإنَّا لمؤاخَذونَ بما نتَكَلَّمُ بِهِ ؟ فقالَ : ثَكِلَتكَ أمُّكَ يا معاذُ ، وَهَل يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وجوهِهِم أو على مَناخرِهِم إلَّا حَصائدُ ألسنتِهِم )صحيح الترمذي للالباني , هذا اللسان بعيداً عن الصلاة والزكاة والصيام والحج.

    ومر صلى الله عليه وسلم بقبرين لمسلمين كما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (مرّ النبي صلى الله عليه وسلم على قبرين، فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، ثم قال: بلى، أمّا أحدهما فكان يسعى بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله، ثم قال: ثم أخذ عوداً رطباً فكسره باثنتين، ثم غرز كل واحد منهما على قبر، ثم قال: لعله يخفف عنهما، ما لم ييبسا) , فأين الصلاة والزكاة والصيام والحج؟! .

    قال الله تعالى: } وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ { ]سورة الفلق:5[, الحسد والحاسدين , فأين الصلاة والصوم والحج والزكاة؟

    وقاطع الرحم ملعون } فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ,أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ { ]سورة محمد: 22,23[ ,فأين الصلاة والزكاة والحج والصوم؟

    وآكل الربا محارب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم, وشارب الخمر ملعون وبائع الخمر ملعون, وحاملها ملعون, وساقيها ملعون , آكل ثمنها ملعون ,وصانعها ملعون , وقد يكونوا هؤلاء الملعونين من اهل الصلاة والزكاة والحج والصوم.

    والزناة يعذبون في قبورهم إلى يوم القيامة ثم الله اعلم بمصيرهم, يوضعون في تنور يعذبون فيه إلى يوم القيامة }وَلَا تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً{ ]سورة الإسراء: 32[ ,وقد يكونوا ممن كان يصلي أو يحج أو يزكي .

     الكاذب ملعون , والظالم ملعون , ولاعن والديه ملعون, ومن غير منار الأرض ملعون, ومن رمى بهيمة بقصد التسلية ملعون , ومن سب الصحابة ملعون, والساحر ملعون, والراشي والمرتشي ملعون, فأين صلاة هؤلاء وزكاتهم وحجهم وصيامهم؟

    فيا عباد الله:

    الأمر ليس بالسهل والدين ليس على المزاج والهوى, } ۞ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ ..{ ]سورة الشورى:13[ , فكل يتق الله في دينه يراجع اعماله ويراجع دينه ويقف مع نفسه وقفات صدق ونصح ليعلم أين هو من دين الله ؟ وأين دين الله منه.

    اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك, اللهم وفقنا لأحسن الاخلاق والاعمال لايهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت .

    اقول ماتسمعون.

    الخطبة الثانية

    الحمدلله حمداً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى.

    عباد الله:

    إن الجانب الآخر من الدين وهو جانب التعامل او جانب المعاملات مع الله ثم مع النفس ثم مع الآخرين  جانب عظيم جانب ,,, قصر فيه الناس إلا من رحم الله , جانب رسب فيه خلق كثير, فيه تفاصيل دقيقة وفيه احكام كثيرة ومختلفة , وفيه للعلماء اقوال متعددة وفيه ,,,, لا تحصى لذلك اخفق فيه الناس وقصروا إلا من هدى الله.

    والتعامل تعامل مع الله, وتعامل مع الناس, وتعامل مع النفس, تفقد تعاملك مع الله مع ربك كيف انت تتعامل معه عز وجل , هل في قلبك شك في الله أو في دينه أو في رسوله أو في كتابه وما فيه, هل أنت يا مصلي يا صوام يا حاج يامزكي تدعو غير الله , تدعوالجن تقول: ياسبعة خذوه شلوه , اخذوا عقلك.

    عطاؤك وزكاتك وصدقتك وكرمك هل هي خالصة أم للمدح والظهور, حبك للناس وبغضك لهم هل هو في الله ولله أم للمصلحة وللدنيا وللقرابة وللقبيلة؟ تعاملك مع الناس ياصاحب الصلاة والزكاة والحج والصوم أين برك بأبيك وأمك ؟ أين إحسانك إلى جيرانك , وصلتك لأرحامك وتنازلك لأقاربك, أين حفظك لجوارحك ولسانك عن غيبة المسلمين , هذا طويل وذاك قصير وذاك كفو وذاك مايسوى ماذا في قلبك لأخوانك المسلمين وخاصة الأقارب هل حسدت احد هل حقدت على أحد هل تبغض احد هل اعنت احد (يعني أرسلت عليه عين فأزهقت روحه أو سممت جسده أو اتلفت عقله أو بعثرت أهله) , هل تسببت في سحر احد أو مكرت بأحد أو خدعت أحد أو أخذت جدار أحد أو ساقيته أو أرضه؟ يا صاحب الصلاة والزكاة والحج والصيام هل تعاملك مع نفسك ومع أهلك وفق شرع الله أم وفق هواك وهوى شيطانك؟

    تذهب إلى المسجد للصلاة عمل جميل لكن هل نهتك صلاتك عن الفحشاء والمنكر, هل أنت تكذب أو تنم أو تغتاب , هل أنت تنظر للحرام في الشاشات والجوالات والمواقع والشوارع والأسواق , هل في بيتك مع اهلك دش مفتوح, هل تعلم ماهي البرامج التي في جوال زوجتك أو بنتك أو ابنك؟ أم أنت في عالم وهم في عالم آخر, هل أنت تسمع الغناء بآذان خلقها الله للعبادة هل ملأت بطنك بالربا أو بالمر أو المخدرات أو الشمة أو الدخان ؟ أجب أيها المصلي , أجب أيها الحاج , أشياء واشياء وأمور وأمور, }أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ {  ]سورة الجاثية: 23[ .

    عباد الله:

    إن الله يسأل يوم القيامة عن مثاقيل الذرة فلا تستصغر المعصية ولا تتهاون بالذنب مهما صغر ولتنمسك بالدين عبادة وتعامل ولنتأمل, قول الله تعالى عندما ذكر قصة لقمان الحكيم وهو يعظ ابنه : } يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ{ ]سورة لقمان:16[, أي أن الذنب لو كان مثل حبة الخردل فكان في صخرة أو في السماوات أو في الأرض لعلمه واتى به وحاسب عليه فكن على حذر.

    اللهم اهدنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت وتولنا فيمن توليت.

    وصلوا وسلموا..

    والله اعلم

    جامع القو 1437/12/22هـ

    جامع النور 1441/4/16هـ

    المشاهدات 1552 | التعليقات 0