الديموقراطية ... الدين الأمريكي الجديد ( 1 )

جابر السيد الحناوي
1432/02/06 - 2011/01/10 21:14PM
الديموقراطية ...
الدين الأمريكي الجديد ( 1 )


كشفت الولايات المتحدة الأمريكية في الآونة الأخيرة برقع الحياء عن مخططها الخبيث لنشر الديموقراطية ، ذلك الدين الجديد ، الذي تروج لنشره في بلدان العالم الإسلامي ، كحلقة جديدة من حلقات الحروب الصليبية ولكن في ثوب جديد ، فخاضت باسمه ومن أجل نشره الحروب ، كما حدث ويحدث الآن في العراق والصومال والسودان وأفغانستان وغيرها من بلدان العالم الإسلامي .
وهذه مجموعة من الخطب كنت قد ألقيتها في جمع سابقة ، منذ قرابة العام ، تبين زيف هذا المعبود الجديد الذي يسمونه الديموقراطية ، لعلها تزيل الغشاوة عن أبصار المخدوعين والمفتونين ، وترد المنافقين إلي الصراط المستقيم ، ويستطيع كل خطيب أن يختصر منها ما يشاء لتتناسب مع الوقت المحدد لطول الخطبة أو قصرها ، ومن أراد أن يصيب السنة فعليه أن : " َيُطِيلُ الصَّلَاةَ وَيُقَصِّرُ الْخُطْبَةَ " ( ) وهذه هي الخطبة الأولي بعنوان :
" الديموقراطية ... نشأتها وبعض مثالبها "
أما بعد : لم تجد الديمقراطية في تاريخها كله رواجاً مثلما وجدت في عصرنا هذا : لقد كان معظم المفكرين الغربيين منذ عهد اليونان كثيري النقد لها ، بل ورفضها ، حتى إن أحد الفلاسفة البريطانيين المعاصرين ليقول : إذا حكمنا على الديمقراطية حكماً ديمقراطياً بعدد من معها وعدد من ضدها من المفكرين لكانت هي الخاسرة .
أما في عصرنا فإن الدعاية الواسعة لها أعمت كثيراً من الناس ، لا سيما في بلادنا ـ عن عيوبها التي يعرفها منظروها الغربيون ـ بل إن المفتونين بها المروجين لها صاروا يصورونها كالبلسم الشافي لكل مشكلات المجتمع السياسية وغير السياسية ؛ لذلك رأيت أن أشارك في تصحيح هذه الصورة الكاذبة عن هذا الصنم الذى يسمونه الديموقراطية ، ابتداء بهذه الخطبة التي أرجو أن تكون فاتحة لسلسلة من الخطب عن مشكلات الديمقراطية والبدائل الإسلامية .
تعريف الديموقراطية :
الديمقراطية كلمة يونانية الأصل وهي مكونة من كلمتين ، أضيفت إحداهما إلى الأخرى ، أولاهما : " ديموس " وهي تعني الشعب ، وثانيهما : " كراتوس " وهي تعني الحكم أو السلطة . فصارت الكلمة المركبة من هاتين الكلمتين " ديموكراتوس " تعني : حكم الشعب أو سلطة الشعب ، وعلى ذلك : فـ "الديمقراطية" هي ذلك النظام من أنظمة الحكم الذي يكون الحكم فيه أو السلطة أى سلطة إصدار القوانين والتشريعات من حق الشعب أو الأمة أو جمهور الناس.
وإذا كان حكم الشعب للشعب هو أعظم خصائص الديمقراطية التي يلهج بذكرها الذاكرون الديمقراطيون ، فإن التاريخ القديم والحديث يدلنا على أن هذه الخصيصة المذكورة لم تتحقق على مدار تاريخ الديمقراطية ، ومنذ نشأتها ، وأن نظام الحكم الديمقراطي كان دوماً نظاماً طبقياً ، حيث تفرض فيه طبقة من طبقات المجتمع إرادتها ومشيئتها على باقي طبقات المجتمع.
ففي القديم عند الإغريق (أثينا) : كانت الطبقة المكونة من الأمراء والنبلاء وأشراف القوم هي الطبقة الحاكمة المشرِّعة صاحبة الإرادة العليا ، بينما كان بقية المواطنين – وهم الأغلبية - لا تملك من الأمر شيئاً.
وأما في العصر الحديث : فإن طبقة كبار الأغنياء أصحاب رؤوس الأموال " الرأسماليين " هي الطبقة الحاكمة المشرعة صاحبة الإرادة العليا ، فهي التي تملك الأحزاب ووسائل الإعلام ذات الأثر الجلي في تشكيل الرأي العام وصناعته ، بما يكفل في النهاية أن تكون إرادة " الرأسماليين " هي الإرادة العليا صاحبة التشريع. ومن ثم يتضح أن الديمقراطية كانت دوماً هى حكم الأقلية – فئة كانت أو طبقة – للأغلبية ، وليست حكومة الشعب أو الأغلبية ، كما يدل عليه ظاهر تعريف الديمقراطية ، أو كما يتوهم أكثر الناس ، أو كما يروج لها سـدنتها.
إذن أول ما يؤخذ علي الديمقراطية كونها اسماً لا حقيقة له :
أو قل هى " كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا ..." ( ) بمعني أنه إذا وُصـف لك نظام سياسي بأنه نظام دكتاتوري أو أنه نظام ديني مثلاً تستطيع أن تتصور ما المقصود بهذه الوصف ، وكانت صورتك الذهنية هذه مطابقة للواقع الذي يوصف بهذا الوصف . ولكن الأمر ليس كذلك بالنسبة للديمقراطية ؛ إذ أن الديمقراطية كما يدل عليها اسمها ، وكما يعرفها كبار منظريها وساستها هي حكم الشعب بالشعب ، ولكن الصورة الواقعية لما يسمي بالديمقراطية ـ مهما كانت حسناتها أو سيئاتها ـ ليست هي حكم الشعب أبدا ، لماذا ؟؟
أولا : لأن مفهوم الشعب نفسَه مفهوم غامض كما يرى بعض كبار منظري الديمقراطية :
فالذين أسسوا النظام الديمقراطي كانوا فئة قليلة من الناس ، هم الذين قرروا من الذي يستحق أن يدخل في مسمي الشعب الحاكم ومن الذي لا يستحق ، استثنوا النساء ، والرقيق ، وكل من كان من أصل غير أثيني.
وفى هذا مصادمة لمفاهيم الإسلام التى تنادى بالمساواة التامة بين الناس ، فالله عز وجل يقول : " إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ " ( ) والرسول صلي الله عليه وسلم يقول : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلا لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلا لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلا بِالتَّقْوَى ... " ( )
فالديموقراطية منذ أول نشأتها تقوم على فلسفة عنصرية ؛ حيث استبعد مؤسسوها ــ أهلُ أثينا ــ النساء والرقيق من حق المواطنة ، واعتبروا الرجال منهم فقط هم الشعب الذى يستحق أن يحكم ، وغيرهم لا وزن له فى المجتمع الأثينى ، وعليه فلم يكن الذين لهم حق المشاركة السياسية إلا نسبة ضئيلة من المواطنين.
ثانياُ : لأن الشعب لم يكن في يوم من الأيام ولن يكون حاكماً ، فذلك أمر متعذر:
لأن " الشعب " فى الديمقراطية المثالية وهي ما يسمي بالديمقراطية المباشرة ، التي يقال إنها كانت تمارس في أثينا ، وهى أول دولة ديمقراطية نشأت في القرن الخامس قبل الميلاد ؛ كان " الشعب " يجتمع في العام أربعين مرة ليناقش كل القضايا السياسية المهمة مناقشة مباشرة ويصدر فيها قراراته ، لكنها مع ذلك لم تكن حكم الشعب لأسباب أهمها أن مدة الاجتماع كانت لا تتجاوز عشر ساعات ، فلم يكن بإمكان الناس جميعاً أن يشاركوا في المداولات ، وإنما كان الذي يستأثر بالكلام بعض قادتهم ، وكانت البقية تابعةً لهم .
وفي القرن الثامن عشر ، لما بعثت الديمقراطية مرة ثانية في أوربا ، كان من المتعذر أن تكون ديمقراطية مثل ديمقراطية أثينا بسبب الازدياد في عدد السكان ، وصعوبة اجتماعهم . وبدلاً من أن يعترفوا بأن الديمقراطية بمعنى حكم الشعب غير ممكنة ، فكّر منظروا الديموقراطية ، وسدنة الصنم الديموقراطى ، ومن ثم تحايل بعضهم فسمى ديمقراطية أثينا بالديمقراطية المباشرة ، واقترح أن تكون الديمقراطية الحديثة ديمقراطية غير مباشرة ، أو ديمقراطية تمثيلية ، أي ديمقراطية يختار فيها الشعب فئة قليلة منه ممثلة له وحاكمة باسمه ، ومع ذلك فإن الديمقراطية غير المباشرة ، أو الديمقراطية النيابية تلك بعدت عن أن تكون حكماً للشعب ، وذلك لأن الشعب ليس هو المشرع فيها ، وإنما هو الذي ينتخب من يشرع باسمه
وهكذا تنهار الديمقراطية ــ من حيث الأصل الذي جعلته أساساً لها ــ وهو قولها أنها حكم الشعب بالشعب ، فهذه كذبة كبرى تحكم هي على ذاتها بالكذب ، قول بعيد عن الصحة تماماً ، سواء من حيث الحاكم ، أو من حيث قواعد الحكم ونظمه وقوانينه ، فهذه أمور تتناقض مع الواقع وتخالفه تماما ، بل وتخالف الدين أيضا.
فالديمقراطية والانتخابات التى تصحبها تعتمد على الغوغائية والكثرة بدون ضوابط شرعية ، والله عز وجل يقول : " وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ... " ( )
ويقول الله سبحانه وتعالي : "... وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ " ( )
ويقول الله سبحانه وتعالي أيضا : " ... وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ " ( )
ويترتب على هذه الانتخابات الديمقراطية أنها تفتح الباب للتفرق والاختلاف ، استجابة للمخططات الاستعمارية الرامية إلى تمزيق العالم الإسلامي إلى قوميات ووطنيات ودويلات وعصبيات وأحزاب ، وفي هذا مخالفة لقوله عز وجل : " وإ نَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتقُونِ "( ) ولقوله عز وجل : " وَاعْتَصِمُــوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِــيعًا وَلا تَفَرَّقُوا ... " ( ) ولقوله سبحانه وتعالي : " ... وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ... " ( )
أما من حيث حكم الشعب ، فإن الشعب لا يحكم ، والذي يسن الدستور ويضع التشريعات والقوانين هم فئة قليلة لا تمثل إلا نسبة ضئيلة جداً من الناس ، وأما من حيث الحاكم أي بالشعب ، بمعني أن الشعب هو الذي يختار حكامه ، فإن هذا القول مبني على مغالطة فظيعة ؛ فالذي يحكم هو فرد واحد أو هيئة تنفيذية لا تزيد في كل أحوالها عن مجموعة صغيرة تقوم بتنفيذ ما شرع لها من أحكام ، وأما الذين اختاروا هذه الفئة فهم أقلية في المجتمع.
ولكى نفهم كذب هذه المقولة التى تدعى أن الديموقراطية هى حكم الشعب ، أي أن الشعب هو الذي يضع دستوره وقوانينه وتشريعاته، فلا بد لنا من توضيح كيف يوضع الدستور أو تسن التشريعات ؟
حين نشوء دولة ما ، أو وجود كيان سياسي جديد ، أو إجراء تغيير أساسي في دولة من الدول ، يعمد القائمون على هذا النشوء أو هذا التغيير إلى تأسيس هيئة قد تكون من كبار المحامين والحقوقيين والمشرعين في البلد ، تقوم على وضع دستور لذلك البلد ، إما من بنات أفكارهم ، وإما أن ينقلوه عن دستور أو دساتير دول أخرى ، ثم يطبق هذا الدستور على الناس ، إما دون الرجوع إلى الناس ، وإما بعرضه على المجلس التشريعي في ذلك البلد ليرى رأيه في تعديل بعض المواد أو إقرارها جميعها ، أو بعرضه على جميع الناس فى استفتاء عام .
وفي كل الأحوال فإن الأغلبية العظمى من أية أمة من الأمم لا تعرف شيئا عن التشريع ، وليس لها أدنى إطلاع على كيفية سن القوانين ، فهذه أمور تتطلب الاختصاص ولذلك فإن الأمة بمجموعها تجهل مثل هذه الأمور تماماً كما يجهلها مجلس النواب نفسه ، ومع ذلك تصدر التشريعات بأغلبية الأصوات.
إذن فالديمقراطية لا تفرق بين العالم والجاهل ، والله سبحانه وتعالي يقول : " قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ " ( ) و لا تفرق بين المؤمن والكافر ويقول الله عز وجل : " أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ" ( ) ، ويقول الله عز وجل : " أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ " ( ) ولا تفرق بين الذكر والأنثى و الله عز وجل يقول : " وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى " ( ) لذلك فالجميع ــ فى الديموقراطية ــ أصواتهم على حد سواء ، بدون أي اعتبار للمميزات الشرعية.
هذا عن كيفية وضع الدستور أما من حيث التشريعات القانونية ، فهم يدعون أن الهيئة التشريعية أي مجلس النواب أو الكونجرس أو مجلس الشعب أو مجلس العموم أو البرلمان أو مجلس الأمة ... الخ تلك المسميات التي يدّعون أنها هي ممثل للأمة ، وأنها هي التي تضع القوانين ، وكما نقضنا موضوع الدستور ننقض كذلك أي قانون يراد تشريعه ، بل ونضيف إلى الأسباب السابقة أن أعضاء الهيئة التشريعية لا يمثلون الأمة وإنما يمثلون الفئة الأقل بالنسبة للأمة ، هذه واحدة ، والثانية : أنك لا تجد فيهم من يفهم التشريع والقانون إلا القليل النادر، وهذه القلة النادرة تُشكل منها لجنة قانونية تقوم بوضع مشاريع قوانين ، ثم تعرض على البقية من هؤلاء النواب ــ الذين لا يعرفون ما هي التشريعات والقوانين ــ لإقرارها، وغالباً ما تقرها الهيئة التشريعية بكاملها، ومع ذلك يدعون أن هذا حكم الشعب.
هذا من حيث قولهم حكم الشعب ، وقد تبين لنا فساد هذا القول ، و مصادمته مع مبادئ الدين الإسلامى ، بل عدم مطابقته للواقع الباطل الذين يوهمون به الناس.
وأما قولهم " بالشعب " ويعنون بذلك أن الشعب هو الذي يختار حكامه ، فإن هذا القول لا يقل مغالطة عن سابقه ، وينطبق عليه ما ذكرناه عن سن القوانين والتشريعات ووضع الدستور.
وحتى يتضح المقال بالمثال إذن فلنضرب مثلا من الواقـع الذي تعيشه الشعوب والأمم ، فلنفترض أن شعباً من الشعوب الديمقراطية ، وليس من الشعوب التي تدعي الديمقراطية ، انتهت مدة حاكمه وأراد هذا الشعب اختيار حاكم جديد له.

فلو افترضنا أن هذا الشعب مكون من عشرين مليون نسمة ، فإن أعلى نسبة فيه لعدد الناخبين لا تتعدى 25% من عدد السكان ، أي أن قوائم المرشحين ـ بعد استبعاد ما في ذلك المجتمع من مسنين أو معاقين لا يستطيعون الحضور إلى مراكز الانتخاب ـــ تحتوي على خمسة ملايين ناخب فقط. فما عدد الذين سيحضرون إلى مراكز الاقتراع ويدلون بأصواتهم ؟ في أحسن الحالات وفي أكثر الشعوب حيوية لا يزيد مطلقاً عدد الحضور عن 80 % من مجموع الناخبين ، أي أن العدد سوف لن يزيد عن أربعة ملايين ناخب.
فإذا كان عدد المتنافسين على كرسي الرئاسة أربعة مثلاً ، فإن هؤلاء الأربعة سيتقاسمون هذه الأصوات بنسب متفاوتة ، فيحظى بهذا المنصب من يأخذ أكبر عدد من الأصوات ، فلو أخذ أحدهم ــ بفوز ساحق ــ مليوني صوت ، وتقاسم الثلاثة الآخرون الأصوات الأخرى ، فإن من حصل على مليوني صوت سيصبح هو الحاكم حتماً، ثم يقوم باختيار الهيئة التنفيذية التي ستساعده من الذين ناصروه فى الانتخابات حتى وصل إلى سدة الحكم.
وبهذا يكون الحاكم ممثلاً فقط لمليوني فرد فقط ، ويعارضه مليونان آخران معارضة فعلية ، وسكت عنه مليون ناخب لم يدلوا بأصواتهم ، وفرض نفسه على خمسة عشر مليوناً !!
فهل هذا هو حكم الأكثرية ؟ ! ... أم هو حكم الأقلية ؟ !
ولذلك فإن القول بأن الديمقراطية هي حكم الشعب بالشعب هو كذبة كبرى ، وأكبر منها أن يقال إن الحكم فيها للأكثرية ، وكان الأولى بل الأصح أن يسمى هذا النوع من الحكم : حكم الأقلية للأكثرية ، وليس العكس ، سواء من حيث اختيار الحكام ، أم من حيث سـن القوانين وتشريعها ، وحتى أيضاً من حيث وضعها موضع التنفيذ.
*** *** ***
فالدخول في المهزلة الديمقراطية يؤدي غالباً إلى فساد المقاصد والنيات ، بحيث يصبح كل عضو فى الحزب همه في نصرة حزبه ، واستعمال كافة الوسائل لجمع الناس حوله ، وخاصة وسيلة التدين والإعلام والتعليم وغير ذلك ؛ وهذا يؤدي أيضـاً إلى فساد الأخلاق الفاضـلة ؛ كالصـدق والصراحة والوفاء ، ويحل محل ذلك الكذب والمداهنة والغدر.

إلى جانب ذلك ــ وطالما أن كل عضو فى الحزب همه في نصرة حزبه ــ فإن قضية الولاء والبراء تظل غامضة في ظل النظام الديمقراطي ، ففى الوقت الذى يقول رسولنا صلي الله عليه وسلم : " لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ " ( ) نجد أن بعض السالكين في هذا الطريق يصرح بأن خلافهم مع الاشتراكيين والبعثيين وغيرهم من الأحزاب العلمانية من قبيل اختلاف البرامج لا المناهج ، ومن جنس اختلاف المذاهب الأربعة ، ويعقدون المواثيق و التحالفات المشبوهة بألا يكفر بعضهم بعضاً ولا يخون بعضهم بعضاً ، ولذا يتشدقون دوما بأن الخلاف لا يفسد للود قضية !! . وهذا كله يتعارض مع قول الله سبحانه وتعالي : " لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ " ( )
ومن أخطر هذه المفاسد ، أن طريق الديمقراطية والانتخابات يؤدي إلى تمكين الكفار والمنافقين من الولاية على المسلمين ، بطريقة يظنها بعض الجهلة شرعية ، وقد قال الله عز وجل : " لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ " ( ) وقال الله سبحانه وتعالي أيضا : " … وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا " ( ) وقال عز وجل : " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ " ( ) ويحذرنا منهم بقوله عز وجل : " بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ " ( ) وأنهم : " لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلا وَلا ذِمَّةً" ( )
ومن هنا نقطع يقيناً أن الديمقراطية فكرة خيالية لا يقرها العقل السليم ، ولا تنطبق على الواقع ، وفيها مفاسد خطيرة ، ومخالفات فاضحة وصريحة لديننا الإسلامي الحنيف. ( )

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين .
(جميع الحقوق متاحة لكافة المسلمين بمختلف الوسائل غير الربحية فإنها تحتاج إلي تصريح كتابي )
المشاهدات 3581 | التعليقات 2

لأسباب فنية ترجع الي برنامج انزال الخطبة
نجم عنها عدم ظهور الحواشي والمراجع
فنقدم الاعتذار للإخوة الأفاضل
عن هذا القصور الخارج عن الإرادة


[IMG]http://www.vb-khutabaa.com/picture.php?albumid=3&pictureid=23[/IMG]

للفائدة :