الدولة المدنية في ميزان الإسلام ... لمنادون بها منافقون بشهادة القرآن

جابر السيد الحناوي
1432/09/14 - 2011/08/14 22:43PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الدولة المدنية في ميزان الإسلام
المنادون بها منافقون بشهادة القرآن


[align=justify]أيها المسلمون :
كثر في هذه الأيام العصيبة ترديد كلمات (الدولة المدنية) ، (الديمقراطية) ، (الليبرالية ) ، (العلمانية) ؛ ذلك لأن فساد البلاد في السنين الماضية أدَّى إلى أن يعأيها المسلمون :تلي منابر الدولة من إعلام ومؤسسات ثقافية ثلة من العلمانيين الذين ابتعدوا عن نهج رب العالمين ، ولهم دعوة واضحة يريدون أن يحققوها الآن على أرض الواقع بغية تغيير هوية مصر الإسلامية ، بل والعالم الإسلامي كله إن استطاعوا ، خيب الله آمالهم .
فما هي حقيقة هذه المذاهب الضالة ، ومواطن السم القاتل فيها ، وما الذي سيؤدي إليه انجراف المسلمين وراء هذه المذاهب في هذه الأيام العصيبة ، هذا هو موضوع خطبتنا اليوم ؛ وذلك لتستبين سبيل المجرمين، وليهلك من هلك عن بينة، ولإقامة الحجة وبيان المحجة، وليقذف الله بإذنه بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق .
العلمانية :
والعلمانية تعبير عن فكر يعني اللادينية أو الدنيوية ، يرى ضرورة أن تقوم الأخلاق والتعليم على أساس غير ديني . ( ) وهذه التسمية لا تمت إلي العلم بصلة ، إنما هي من باب التلبيس ؛ لإظهارها بمظهر يجعلها مقبولة بين المسلمين ، وحتى يفهم الناس أن هذا المذهب المقصود به العلم والانفتاح العلمي ، وليس هذا هو المقصود ، وللعلمانية أركان ثلاثة :
1 - قصر الاهتمام الإنساني على الدنيا فقط ، وتأخير منزلة الدين في الحياة ، فلا يصح أن يتدخل الدين في الحياة العامة بل هو محصور في المسجد فقط.
2 - فصل العلم والأخلاق والفكر والثقافة عن الالتزام بتعاليم الدين - أي دين كان - فالأخلاق والمبادئ عندهم من الأمور النسبية ، بينما هي في الإسلام من الأمور الثابتة التي لا تتغير ولا تتبدل، فالزنا مثلا في الإسلام حرام ومناف للأخلاق من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة، أما في العلمانية فالأمر نسبي فلا حرج طالما أن الاثنين متفقان على هذا.
3 - إقامة دولة ذات مؤسسات سياسية على أساس غير ديني.
فإذا سألت العلماني : هل أنزل الله سبحانه وتعالى دين الإسلام ليكون هاديًا لنا في كل أمور حياتنا فلا يجوز لنا أن نرفض شيئًا منه؟ فإن جوابه لا يخرج عن ثلاثة احتمالات :
1 - أن يفر من الجواب.
2 - أو يقول بوضوح وصراحة : إن الدين يجب أن نعزله عن السياسة والثقافة والفكر وعن حياتنا الاجتماعية، وقد يكون لطيفًا فيقول: إن الدين علاقة بين الإنسان وربه ولا يخرج عن أن يكون مسألة شخصية .
يقول يوسف القعيد ( ) : "إن مفهومي الشخصي للدين هو المسجد أو الكنيسة أو المعبد". وتقول منى مكرم عبيد رئيسة لجنة العلاقات الخارجية بحزب الوفد : "لابد أن تتصدى الدولة لدعاة الدولة الدينية". أما مصطفى الفقي عضو مجلس الشورى فيريد أن يضع الدين في مكانه المقدس كما يقول: "دون الهبوط به إلى صراعات السياسة". وهذا معناه كما يقولون : لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين ، ، فأحكام الله سبحانه وتعالى التي في قرآنه أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم نضرب بها عرض الحائط ولا نأخذ منها إلا أحكام الوضوء والصلاة وما إلي ذلك !!!
3 – أو قد يكون العلماني أكثر مراوغة فيقول : إن الدين كله حق والاحتكام إليه واجب ، ولكن أين الذين يطبقونه كما أنزل ، ثم يأخذ بعد ذلك في الطعن في حَمَلَةِ الدين ويسمونهم بالمتاجرين بالدين ... إلخ ، وهو يقصد الطعن في الدين نفسه.
أيها المسلمون :
إذن فالنتيجة واحدة وهي أنه لا يمكن للناس ـ بمفهوم العلمانية ـ بحال من الأحوال تحكيم الشريعة الإسلامية في شئون حياتهم. ( )
ونسي هؤلاء المساكين أن الله تعالى قال:"إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ" ( ) ، " وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ" ( ) ، " وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ" ( ) ، " وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" ( ) ، " وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" ( )
نسي هؤلاء أنهم خالفوا مفهوم الربوبية ؛ لأن من معانيها : السيادة والملك ، ومن تمام الملك أن ينفذ حكم الملك فيما يملك ؛ فكما أن لله الخلق فله كذلك الأمر: " أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ " ( )

ونسي هؤلاء العلمانيون أنهم خالفوا مفهوم الألوهية أيضا ؛ فالإله هو المعبود ، فالعبادة هي حق الله على خلقه ، والمطلوب أن يؤدي العبد ما أمره به الله : " اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ" ( ) ، فيفرد الله بكمال الخضوع لأمره ونهيه واتباعه فيما أحل وحرم.
الليبرالية :
هي وجه آخر من وجوه العلمانية ، وهي تعني في الأصل الحرية ، غير أن معتنقيها يقصدون بها أن يكون الإنسان حرًا في أن يفعل ما يشاء ويقول ما يشاء ويعتقد ما يشاء ويحكم بما يشاء، فالإنسان عند الليبراليين غير محكوم بشريعة من الله سبحانه وتعالى الذي قال : " قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ " ( )
ولهذا فإن الليبرالية لا تعطيك إجابات حاسمة على الأسئلة التالية مثلا: هل النظام الإسلامي حق أم لا؟ وهل الربا حرام أم حلال؟ وهل نسمح بالخمر أم نمنعها؟، وهل للمرأة أن تتبرج أم عليها أن تتحجب ؟، وهل الزنا جريمة أم علاقة شخصية وإشباع لغريزة طبيعية إذا وقعت برضا الطرفين؟، وما هي القيم التي تحكم المجتمع ؟، وهل نسمح بحرية نشر أي شيء أم نمنع نشر الإلحاد والإباحية؟.
فالليبرالية ليس عندها جواب تعطيه للناس على هذه الأسئلة وغيرها من الأسئلة المماثلة ، ومبدؤها العام هو: دعوا الناس كلٌّ إلهٌّ لنفسه وعابدٌّ لهواه، فهم أحرار في الإجابة على هذه الأسئلة كما يشتهون ويشاءون، وأما ما يجب أن يسود المجتمع من القوانين والأحكام ، فليس هناك سبيل له إلا التصويت الديمقراطي ، وبه وحده تعرف القوانين التي تحكم الحياة العامة ، فالتصويت الديمقراطي هو شريعة الناس لا شريعة لهم سواها ، ولا يقيمون أي وزن لشريعة الله سبحانه وتعالى. ( )
فإذن إله الليبرالية الحاكم على كل شيء بالصواب أو الخطأ هو حرية الإنسان وهواه وعقله وفكره ، وحكم الأغلبية من صندوق الاقتراع هو القول الفصل في كل شئون حياة الناس العامة ، سواء عندهم عارض الشريعة الإلهية أم وافقها ، غير أن العجب كل العجب أنه لو صار حكم الأغلبية هو الدين ، واختار عامة الشعب الحكم بالإسلام ، واتباع منهج الله سبحانه وتعالى فإن الليبرالية هنا تنزعج انزعاجًا شديدًا ، وتشن على هذا الاختيار الشعبي حربا شعواء ، وهذا ما شاهدناه بالفعل في الجزائر لما أتت صناديق الانتخابات وبطريقتهم الديموقراطية بالإسلاميين ، وتكرر المشهد في قطاع غزة مع حماس ، وهكذا ينطبق علي الليبراليين قول الله عز وجل : " وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ" ( ) .

أيها المسلمون :
فالدولة المدنية الحديثة دولة علمانية :

والعلمانية تعني فصل الدين عن الحياة ، وعدم الالتزام بالعقيدة الدينية أو الهدي السماوي كما رأينا .
وتتميز الدولة المدنية الحديثة بأنها دولة قومية :
تبني معاملاتها الداخلية والخارجية وفق نظرة ضيقة تتعصب للوطن ولأبناء الوطن، وتسعى لاستعلاء هذا الوطن وأبنائه على غيرهم، وهذه الغاية تبرر اتخاذ كافة الوسائل لتحقيقها دون ارتباط بقيم أو مراعاة لمبادئ وإن كانت سـماوية ، وصارت القومية والوطنية غاية تبرر الوسيلة، وتحولت حياة الشعوب إلى صراع من أجل العلو في الأرض والزعامة الدنيوية، والإسلام يرفض استعلاء جنس على جنس أو قومية على قومية ؛ لأن دعوة الإسلام دعوة عالمية، لا تنحصر في إقليم أو حدود أرضية أو جنس. ( )
والدولة المدنية الحديثة دولة ديمقراطية :
فبعد أن أبعدت العلمانية الدولة عن هدي السماء ، ودفعتها القومية والوطنية إلى الأنانية والاستعلاء على الآخرين ؛ تبنت الدولة المدنية الحديثة النظام الديمقراطي في الحكم ، ليكون الحكم بمقتضى مصالح كل شعب ورغباته، فالحق والصواب ما يحقق منافع الأمة الدنيوية، والخطأ والباطل ما كان لا يحقق مصالحها، وتقدير المنافع والمصالح تحدده رغبات الشعوب وأهواؤها، وما كان مرفوضًا بالأمس يقبل اليوم، وما يقبل اليوم قد يرفض غدًا. ( )
*** *** ***
أيها المسلمون :
وبهذا العرض السابق لهذه الأفكار والمذاهب الغربية الضالة نعلم علم اليقين كيف أن هؤلاء العلمانيين الذين اعتلوا منابر الدولة الثقافية والفكرية والفنية؛ كيف أنهم يريدون أن يغيروا هوية مصر الإسلامية، فيبدأون بإلغاء المادة الثانية من الدستور ، التي تنص على أن الإسلام دين الدولة ، واللغة العربية لغتها الرسمية ، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ، وبهذا يتحقق مرادهم من إنشاء دولة مدنية فيها ما فيها من عفونات الأفكار الغربية الملحدة ، رغم ادعائهم أنهم مسلمون وأنهم مؤمنون ... وكذبوا علي أنفسهم ، استمع إلي قول الله سبحانه وتعالى الذي يفضح حقيقتهم : " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا " ( )
لقد « نشأت » هذه الأمة نشأتها بهذا الدين؛ ونُشئت تنشئتها بهذا المنهج القويم؛ وقادت نفسها وقادت البشرية بعد ذلك بكتاب الله الذي في يدها ، وبمنهجه الذي طبع حياتها لا بشيء آخر . . وأمامنا التاريخ! وقد صدقها الله وعده وهو يقول للعرب :" لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ"( ) فبسبب من هذا الكتاب ذكرت هذه الأمة في الأرض؛ وكان لها دورها في التاريخ؛ وكان لها « وجود إنساني » ابتداء ، وحضارة عالمية ثانياً . . ذلك بينما يريد جماعة من الحمقى أن يرفضوا نعمة الله هذه على الأمة العربية؛ ويجحدوا فضل الله في أن جعل كلمته الأخيرة لأهل الأرض قاطبة في العرب وبلسانهم . . ومن ثم جعل لهم وجوداً وذكراً وتاريخاً وحضارة - يريدون أن يخلعوا هذا الرداء الذي ألبسهم الله إياه؛ وأن يمزقوا هذه الراية التي قادتهم إلى الذكر والمجد . . بل إلى الوجود يوم أخرج الله منهم الأمة المسلمة!
حين كان القرآن يصنع ذلك كله . . كان يبدأ فيقيم للجماعة المسلمة تصورها الصحيح ، ببيان شرط الإيمان وحدّ الإسلام؛ ويربط بهذا التصور - في هذه النقطة بالذات - نظامها الأساسي ، الذي يميز وجودها من وجود الجاهلية حولها؛ ويفردها بخصائص الأمة التي أخرجت للناس ، لتبين للناس ، وتقودهم إلى الله . . بنظامها الرباني . . المنبثق من التصور الإسلامي لشرط الإيمان وحدّ الإسلام !
ذلك النظام يتولى تحديد الجهة التي تتلقى منها الأمة المسلمة منهج حياتها؛ والطريقة التي تتلقى بها؛ والمنهج الذي تفهم به ما تتلقى ، وترد إليه ما يجدّ من مشكلات وأقضية لم يرد فيها نص وتختلف الأفهام فيها؛ والسلطة التي تطيعها وعلة طاعتها ومصدر سلطانها . . ويقول : إن هذا هو شرط الإيمان وحدّه الإسلام . .
وعندئذ يلتقي « النظام الأساسي » لهذه الأمة؛ بالعقيدة التي تؤمن بها ، في وحدة لا تتجزأ؛ ولا تفترق عناصرها . . وهذه هي القضية البديهية ، التي يعجب الإنسان كيف يجادل « مسلم » فيها !
إنه يقول للأمة المسلمة : إن الرسل أرسلت لتطاع - بإذن الله - لا لمجرد الإبلاغ والإقناع :" وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ " ( )
ويقول لها : إن الناس لا يؤمنون - ابتداء - إلا أن يتحاكموا إلى منهج الله؛ ممثلاً - في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم في أحكام الرسول ، وباقياً بعده في مصدريه القرآن والسنة بالبداهة؛ ولا يكفي أن يتحاكموا - إليه ليحسبوا مؤمنين - بل لا بد من أن يتلقوا حكمه مسلمين راضين : " فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا " ( ) . . فهذا هو شرط الإيمان وحد الإسلام .
ويقول لها : إن الذين يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت - أي إلى غير شريعة الله - لا يقبل منهم زعمهم أنهم آمنوا بما أنزل إلى الرسول وما أنزل من قبله ، فهو زعم كاذب ، يكذبه أنهم يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ، ويقول لها : إنهم منافقون وعلامة النفاق أن يصدوا عن التحاكم إلى ما أنزل الله والتحاكم إلى رسول الله : " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا "
ويقول لها : إن منهجها الإيماني ونظامها الأساسي ، أن تطيع الله سبحانه وتعالى في هذا القرآن - وأن تطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته - وأولي الأمر من المؤمنين الداخلين في شرط الإيمان وحد الإسلام معكم : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ... " ( )
ويقول لها : إن المرجع ، فيما تختلف فيه وجهات النظر في المسائل الطارئة المتجددة ، والأقضية التي لم ترد فيها أحكام نصية . . إن المرجع هو الله ورسوله . . أي شريعة الله وسنة رسوله : " فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ " ( )
وبهذا يبقى المنهج الرباني مهيمناً على ما يطرأ على الحياة من مشكلات وأقضية كذلك ، أبد الدهر ، في حياة الأمة المسلمة . . وتمثل هذه القاعدة نظامها الأساسي ، الذي لا تكون مؤمنة إلا به ، ولا تكون مسلمة إلا بتحقيقه . . إذ هو يجعل الطاعة بشروطها تلك ، ورد المسائل التي تجد وتختلف فيها وجهات النظر إلى الله ورسوله . . شرط الإيمان وحد الإسلام . . شرطاً واضحاً ونصاً صريحاً :" إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ" ( )
ولا ننسَ قوله تعالى : " إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ " ( )
ولنتذكر أن اليهود وصموا بالشرك بالله ، لأنهم كانوا يتخذون أحبارهم أرباباً من دون الله - لا لأنهم عبدوهم - ولكن لأنهم قبلوا منهم التحليل والتحريم؛ ومنحوهم حق الحاكمية والتشريع - ابتداء من عند أنفسهم - فجعلوا بذلك مشركين . . الشرك الذي يغفر الله كل ما عداه . حتى الكبائر . . « وإن زنى وإن سرق . وإن شرب الخمر » . . فرد الأمر كله إلى إفراد الله - سبحانه - بالألوهية . ومن ثم إفراده بالحاكمية . فهي أخص خصائص الألوهية . وداخل هذا النطاق يبقى المسلم مسلماً ويبقى المؤمن مؤمناً . ويطمع أن يغفر له ذنوبه ومنها كبائره . . أما خارج هذا النطاق فهو الشرك الذي لا يغفره الله أبداً . . إذ هو شرط الإيمان وحد الإسلام . ( )
فواجب الوقت الآن أيها المسلمون :
أولا: أن تصلح من نفسك وتتبع كتاب ربك الذي قال : " إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ " ( ) ، وأن ترجع إلى الله وتتوب إليه وتبتعد عن المعاصي، وأن تنصر الله سبحانه وتعالى الذي قال:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ " ( ) ، وأن تتقي المعاصي خشية من الله القائل : " ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ " ( ) ، ولا تظلم نفسك بالمعاصي ولا تظلم غيرك حتى لا تكون تحت هذا الوعيد في قوله سبحانه وتعالى : " وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" ( ) ، بل عليك أن تتقي الله وترجع إليه وتتجنب المعاصي وتصلح من عيوبك وتلتزم المساجد وكتاب ربك وأن تتضرع إليه استجابة لقوله سبحانه وتعالى : " فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا" ( ) .
ثانيًا: أن تدعو الناس إلى وجوب التحاكم بالكتاب والسنة ، وتبين لهم فساد هذه المذاهب الضالة التي تريد أن تجعل مصر بل الأمة الإسلامية غير إسلامية ، أو بمعنى أصح تريد أن يكون الدين داخل المسجد ، ويتعامل الناس أفرادًا وجماعات بحكم الجاهلية كل يتبع هواه كالحيوانات بل هم أضل، وكذلك علينا أن نتفاعل مع الناس في المصالح والشوارع، نتعامل معهم معاملة إسلامية طيبة بأخلاق حميمة بلا تحاسد ولا تباغض ولا تعالي ولا سب ولا نهب ولا رشوة ولا تكاسل ولا إهمال، وكذلك نتفاعل مع الأحداث المتلاحقة بوجهة نظر إسلامية بعد مراجعة العلماء الذين هم ورثة الأنبياء.
وأخيرًا أيها المسلمون المؤمنون قد جعلنا الله سبحانه وتعالى في عصر قد تُحَدَّد فيه هوية مصر بل هوية الأمة الإسلامية كلها، وقد اختارنا الله لنجاهد بألسنتنا ودعوتنا للدفاع عن هذه الهوية الإسلامية، فإن سلبت منا الهوية الإسلامية ، في هذا العصر ، فقد يمتد هذا الضلال لسنوات بل لعقود قادمة، ثم ماذا نقول لربنا غدًا عندما يسألنا: " مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ" ( ) .
وصل اللهم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

نعتذر عن عدم ظهور الحواشي لسبب خارج عن إرادتنا


[/align]
المشاهدات 3026 | التعليقات 2

بارك الله فيك..
وبإمكانك سلمك الله أن ترفق الخطبة على ملف وورد لكي تظهر الحواشي..


الشمراني;7834 wrote:
بارك الله فيك..


وبإمكانك سلمك الله أن ترفق الخطبة على ملف وورد لكي تظهر الحواشي..






[align=justify]
سلمت وسلمت يداك شيخ شمراني
الحقيقةأنني كنت استخدم موزيلا فاير فوكس في حالة استحالة استخدام انترنيت اكسبلورر ، ولا أدري لماذا عاند الاثنان هذه المرة ، وإن شاء الله ننفذ اقراحكم في المرة التالية ، ولكن الي من أرسل الملف ؟؟
بارك الله فيكم ..
[/align]