الدولة الصفوية (13) نصب العداء لجميع المسلمين
الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل
1436/07/23 - 2015/05/12 16:25PM
الدولة الصفوية (13)
نصب العداء لجميع المسلمين
26/7/1436
الْحَمْدُ لِلَّـهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّـهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70-71].
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّـهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَيُّهَا النَّاسُ: حِينَ خَلَقَ اللهُ تَعَالَى الْبَشَرَ وَابْتَلَاهُمْ بِدِينِهِ؛ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى شَرَعَ لَهُمُ الشَّرَائِعَ بِالتَّدْرِيجِ، فَكُلُّ أُمَّةٍ لَاحِقَةٍ فِيهَا مِنْ كَمَالِ التَّشْرِيعِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي الْأُمَّةِ السَّابِقَةِ عَلَيْهَا، وَلَهَا مِنَ الْفَضْلِ مَا لَيْسَ لِمَنْ سَبَقَهَا، وَلمَّا كَانَتْ أُمَّةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ آخِرِ الْأُمَمِ خُصَّتْ بِتَشْرِيعَاتٍ لَيْسَتْ فِيمَنْ سَبَقَهَا مِنَ الْأُمَمِ؛ كَمَا شُرِعَ فِيهَا الْجِهَادُ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأُمَمِ المَاضِيَةِ، وَفُضِّلَتْ عَلَيْهِمْ، كَمَا فِي قَوْلِ اللَّـهِ تَعَالَى مُذَكِّرًا بَنِي إِسْرَائِيلَ بِذَلِكَ: ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى العَالَمِينَ﴾ [البقرة:47].
وَلَمْ يَتَجَاوَزْ أُمَّةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْفَضْلِ وَفِي كَمَالِ التَّشْرِيعِ إِلَّا أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي قَالَ اللهُ تَعَالَى فِيهَا: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: 110]، وَقَالَ تَعَالَى فِي كِتَابِهَا: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ [المائدة: 48]، وَقَالَ تَعَالَى فِي دِينِهَا وَشَرِيعَتِهَا: ﴿اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: 3]، وَقَالَ تَعَالَى فِي نَبِيِّهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ [الأحزاب: 40].
وَالْأُمَّةُ المُفَضَّلَةُ عَلَى مَنْ سَبَقَهَا مِنَ الْأُمَمِ تُبْتَلَى بِأَعْدَاءٍ أَشَدَّ مِنْ أَعْدَاءِ السَّابِقِينَ عَلَيْهَا؛ فَلِتَفْضِيلِ الْأُمَّةِ وَلِكَمَالِ الشَّرِيعَةِ مَا يُوَازِيهِمَا مِنَ التَّحَدِّيَاتِ وَالتَّضْحِيَاتِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ تَبْذُلَهَا الْأُمَّةُ المُفَضَّلَةُ؛ وَلِأَنَّ مِنْ طَبِيعَةِ الْكَمَالِ وَالتَّفْضِيلِ أَنْ يُجَرَّ عَلَى مَنْ حَازَهُ حَسَدَ الْحَاسِدِينَ، وَشَنَآنَ الشَّانِئِينَ؛ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي حَسَدِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لِلْمُسْلِمِينَ: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ﴾ [البقرة: 109].
إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ الْخَاتَمَةَ أُمَّةٌ مَحْسُودَةٌ بِالنَّصِّ مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ.. مَحْسُودَةٌ عَلَى تَفْضِيلِهَا عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ، وَمَحْسُودَةٌ عَلَى كَمَالِ دِينِهَا، وَمَحْسُودَةٌ عَلَى نَبِيِّهَا وَكِتَابِهَا وَشَرِيعَتِهَا، وَمَحْسُودَةٌ عَلَى عَاقِبَةِ النَّصْرِ المَكْتُوبَةِ لَهَا، وَعَلَى كَوْنِهَا أَوَّلَ الْأُمَمِ حِسَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَعَلَى كَوْنِ أَفْرَادِهَا هُمْ أَكْثَرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ.
وَالْحَسَدُ الَّذِي أَصَابَهَا جَاءَهَا مِنْ أَعْدَاءٍ مُتَعَدِّدِينَ وَمُخْتَلِفِينَ بَلْ وَمُتَنَاحِرِينَ؛ فَحَسَدَهَا أَهْلُ الشِّرْكِ وَالْوَثَنِيَّةِ، وَحَسَدَهَا أَهْلُ الْكِتَابِ فَتَآزَرُوا مَعَ الْوَثَنِيِّينَ عَلَيْهَا مَعَ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ أَقْرَبُ إِلَيْهَا مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ؛ لِإِقْرَارِ مُؤْمِنِيهَا بِأَنْبِيَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَتَصْدِيقِهِمْ، وَإِنْكَارِ الْوَثَنِيِّينَ لِأَنْبِيَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَتَكْذِيبِهِمْ. وَلَاقَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ حَسَدًا أَشَدَّ، وَعَدَاءً أَشْرَسَ مِنَ المُنَافِقِينَ الَّذِينَ يُظْهِرُونَ مَا لَا يُبْطِنُونَ، وَيَكِيدُونَ بِهَا وَيَمْكُرُونَ. فَالْكَافِرُ يُعْرَفُ فَيُتَّقَى، وَالمُنَافِقُ يَكْمُنُ وَيُضْمِرُ الْعَدَاءَ. يُقَدِّمُ الْعَطَبَ لِلْأُمَّةِ فِي ثَوْبِ النُّصْحِ، وَيَرْتَكِبُ الْخِيَانَةَ بِاسْمِ الْأَمَانَةِ، فَيَخْفَى عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ أَمْرُهُ، وَتَنْطَلِي عَلَيْهِمْ حِيَلُهُ، وَيَنْفُذُ فِيهِمْ مَكْرُهُ، وَيُحِيطُ بِهِمْ كَيْدُهُ.
وَلَا نِفَاقَ شَرًّا مِنَ النِّفَاقِ المُسْتَتِرِ خَلْفَ الْعَقَائِدِ، المُتَتَرِّسِ بِالْأَهْدَافِ وَالْغَايَاتِ، المُتَفَنِّنِ فِي اسْتِدْرَارِ الْعَوَاطِفِ وَتَهْيِيجِ المَشَاعِرِ، المُسْتَكْفِي بِالْكُتُبِ وَالشَّعَائِرِ؛ لِأَنَّهُ نِفَاقٌ يَخْفَى عَلَى الرَّعَاعِ وَالْعَامَّةِ، وَيُشْبِعُ رَغَبَاتِ أَتْبَاعِهِ، وَيُوجِدُ لَهُمْ بَدَائِلَ مِنَ الْبَاطِلِ تُغْنِيهِمْ عَنِ الْحَقِّ.
إِنَّهُ نِفَاقٌ يُحَوِّلُ عَدَاءَ أَتْبَاعِهِ لِلْإِسْلَامِ إِلَى عَقِيدَةٍ، يَبْذُلُونَ أَمْوَالَهُمْ لَهَا، وَيَسْتَرْخِصُونَ أَرْوَاحَهُمْ فِي سَبِيلِهَا، وَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ لِلَّـهِ تَعَالَى يَتَعَبَّدُونَ، وَفِي سَبِيلِهِ يُجَاهِدُونَ، وَهُمْ لِلشَّيْطَانِ يُطِيعُونَ، وَفِي سَبِيلِ مَنْ خَدَعُوهُمْ يَمُوتُونَ.
إِنَّهُ النِّفَاقُ السَّبَئِيُّ الْبَاطِنِيُّ الَّذِي أَفْرَزَ كَمًّا كَبِيرًا مِنَ الْفِرَقِ الْبَاطِنِيَّةِ؛ مَكَرَتْ بِالْإِسْلَامِ عَبْرَ تَارِيخِهِ، وَأَسْقَطَتْ عَدَدًا مِنْ دُوَلِهِ، وَسَلَّمَتْ لِلْأَعْدَاءِ مَمَالِكَهُ، وَأَمْعَنَتْ فِي أَذَى المُسْلِمِينَ وَقَتْلِهِمْ وَتَشْرِيدِهِمْ، وَحَالُ المُسْلِمِينَ فِي الشَّامِ وَالْعِرَاقِ أَقْرَبُ مِثَالٍ عَلَى ذَلِكَ. وَالمَشْرُوعُ الْبَاطِنِيُّ الصَّفَوِيُّ يُرِيدُ المَزِيدَ مِنْ أَذَى المُسْلِمِينَ وَقَتْلِهِمْ وَتَشْرِيدِهِمْ، وَيُغَذِّي أَتْبَاعَهُ وَرَعَاعَهُ بِالْعَقَائِدِ الَّتِي تُزِيلُ أَيَّ رَحْمَةٍ أَوْ شَفَقَةٍ بِمُسْلِمٍ سَوَاءً كَانَ طِفْلًا أَمِ امْرَأَةً أَمْ شَيْخًا كَبِيرًا، أَمْ مَرِيضًا أَمْ جَرِيحًا أَمْ كَسِيحًا.
إِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَظُنُّونَ أَنَّ الْعَدَاءَ الصَّفَوِيَّ الْبَاطِنِيَّ لَيْسَ إِلَّا عَدَاءً مَعَ الْوَهَّابِيِّينَ أَوِ السَّلَفِيِّينَ أَوِ الْحَنْبَلِيِّينَ، وَهَكَذَا يُصَوِّرُونَ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي إِعْلَامِهِمْ، وَيُعِينُهُمُ الْإِعْلَامُ الْغَرْبِيُّ عَلَى تَرْسِيخِ هَذَا التَّصَوُّرِ الْخَطَأِ؛ لِيُسَوِّغَ مَذَابِحَ الْبَاطِنِيِّينَ فِي المُسْلِمِينَ، وَيَحْصُرَهَا فِي طَائِفَةٍ مِنَ المُسْلِمِينَ دُونَ أُخْرَى.
إِنَّ الصَّفَوِيِّينَ الْبَاطِنِيَّينَ لَا يَسْتَثْنُونَ مُسْلِمًا مِنْ مَشْرُوعِ إِبَادَتِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ قَدَرُوا لمَا تَرَكُوا مُسْلِمًا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. فَهُمْ تَآمَرُوا عَلَى خِلَافَةِ بَنِي الْعَبَّاسِ وَسَلَّمُوهَا لِلْمَغُولِ الْوَثَنِيِّينَ، وَلَمْ يَكُنْ بَنُو الْعَبَّاسِ حَنَابِلَةً وَلَا وَهَّابِيِّينَ، بَلْ أَجْدَادُ الْخَلِيفَةِ المَغْدُورِ بِهِ قَدْ آذَوُا الْإِمَامَ ابْنَ حَنْبَلٍ فِي فِتْنَةِ خَلْقِ الْقُرْآنِ، وَلَمْ يَشْفَعْ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْعَلْقَمِيِّ الرَّافِضِيِّ الْبَاطِنِيِّ.
وَعَبَّاسٌ الصَّفَوِيُّ طَعَنَ جُيُوشَ الْعُثْمَانِيِّينَ مِنْ ظَهْرِهَا لِتَفُكَّ الْحِصَارَ عَنْ أُورُبَّا وَهِيَ تَقْتَرِبُ مِنْ فَتْحِهَا؛ لِيَتَقْهَقَرَ إِلَى الْوَرَاءِ بِسَبَبِ غَدْرِ الصَّفَوِيِّينَ، وَلَمْ يَكُنِ الْعُثْمَانِيُّونَ وَهَّابِيِّينَ وَلَا سَلَفِيِّينَ وَلَا حَنَابِلَةَ، بَلْ كَانُوا أَحْنَافًا مَاتُورِيدِيَّةً. وَعَبَّاسٌ الصَّفَوِيُّ لمَّا اجْتَاحَ الْعِرَاقَ فِي الْقَرْنِ الْعَاشِرِ نَبَشَ قَبْرَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ النُّعْمَانِ؛ لِأَنَّ عَدَاءَ عَبَّاسٍ الصَّفَوِيِّ مَعَ كُلِّ المُسْلِمِينَ، وَلَيْسَ مَعَ الْحَنَابِلَةِ كَمَا يَتَصَوَّرُ المَخْدُوعُونَ.
وَحِينَ وَقَفَ الصَّفَوِيُّونَ فِي هَذَا الْعَصْرِ مَعَ قُوَى الِاسْتِكْبَارِ وَالِاسْتِعْمَارِ لِاحْتِلَالِ بِلَادِ الرَّافِدَيْنِ وَبِلَادِ الْأَفْغَانِ، لَمْ يَكُنِ الْحُكْمُ فِي الْعِرَاقِ وَأَفْغَانِسْتَانَ لِلْحَنَابِلَةِ أَوِ الْوَهَّابِيِّينَ أَوِ السَّلَفِيِّينَ.
إِنَّ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَعْلَمَهُ عُمُومُ المُسْلِمِينَ أَنَّ المَشْرُوعَ الصَّفَوِيَّ الْبَاطِنِيَّ لَا يَسْتَثْنِي أَرْضًا مِنْ طَمَعِهِ، وَلَا مُسْلِمًا مِنِ اسْتِحْلَالِ دَمِهِ، وَانْتِهَاكِ عِرْضِهِ، وَسَلْبِ مَالِهِ. وَمَا تَصْوِيرُ الْبَاطِنِيِّينَ حَرْبَهُمْ عَلَى أَنَّهَا مَعَ مُتَشَدِّديِنَ أَوْ إِرْهَابِيِّينَ أَوْ وَهَّابِيِّينَ أَوْ سَلَفِيِّينَ إِلَّا خِدَاعٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَكَسْبُ تَعَاطُفِهِمْ فِي اسْتِهْدَافِ إِخْوَانِهِمْ، فَإِذَا مَا انْتَهَوْا مِنْهُمُ انْتَقَلُوا إِلَى غَيْرِهِمْ، حَتَّى لَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ مُسْلِمٌ يُوَحِّدُ اللهَ تَعَالَى لَوْ قَدَرُوا عَلَى ذَلِكَ، وَلَنْ يَقْدِرُوا، وَيَخْسَئُونَ.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَدَاءَ الْبَاطِنِيِّينَ مَعَ عُمُومِ المُسْلِمِينَ مَوَاقِفُهُمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ المَتْبُوعِينَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ؛ فَإِنَّهُمْ يَطْعَنُونَ فِيهِمُ الطَّعْنَ الْوَاضِحَ، وَيُكِنُّونَ لَهُمُ الْعَدَاءَ الصَّارِخَ، يَقُولُ الرَّضَوِيُّ وَهُوَ أَحَدُ أَئِمَّتِهِمْ: وَلَوْ أَنَّ أَدْعِيَاءَ الْإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ أَحَبُّوا أَهْلَ الْبَيْتِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ لَاتَّبَعُوهُمْ، وَلمَا أَخَذُوا أَحْكَامَ دِينِهِمْ عَنِ المُنْحَرِفِينَ عَنْهُمْ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ.
فَهَذَا النَّصُّ يَكْشِفُ أَنَّ عَدَاءَهُمْ مَعَ المُسْلِمِينَ كَافَّةً، وَلَيْسَ مَعَ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ كَمَا يَزْعُمُونَ، وَكَمَا يُسَوِّقُ لَهُمْ أَنْصَارُهُمُ الَّذِينَ يُرِيدُونَ خِدَاعَ المُسْلِمِينَ.
وَفِي أَوْثَقِ كِتَابِ مَرْوِيَّاتٍ عِنْدَهُمْ وَهُوَ الْكَافِي لِلْكُلِينِيِّ، يَحْوِي فِي مَرْوِيَّاتِهِ لَعْنًا لِلْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
وَإِمَامُهُمُ ابْنُ المُطَهَّرِ الْحِلِّيُّ يَسْخَرُ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى.
وَالنَّاصِبِيُّ عِنْدَ الْبَاطِنِيِّينَ حَلَالُ الدَّمِ وَالمَالِ وَالْعِرْضِ، وَالنَّاصِبِيُّ هُوَ كُلُّ مَنْ لَمْ يُكَفِّرِ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِإِمَامَةِ أَئِمَّتِهِمْ، وَهَذَا أَمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ، وَمُصَرَّحٌ بِهِ فِي رِوَايَاتِهِمْ، وَمُلِئَتْ بِهِ كُتُبُهُمْ، وَدَلَّ عَلَيْهِ تَارِيخُهُمْ وَوَاقِعُهُمْ مَعَ المُسْلِمِينَ، يَخُونُونَهُمْ فِي سَاعَاتِ الْعُسْرَةِ، وَيُبِيدُونَهُمْ عِنْدَ الْقُدْرَةِ، وَلَا تَطْرِفُ لَهُمْ عَيْنٌ، وَلَا يَحْزَنُ لَهُمْ قَلْبٌ؛ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ ذَبْحَ المُسْلِمِ قُرْبَةً تُقَرِّبُهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ، وَتَلْبِيَةً لِنِدَاءَاتِ أَئِمَّتِهِمْ.
فَمَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ أَوْ شَكَّكَ فِيهِ فَهُوَ إِمَّا مِنْهُمْ، وَإِمَّا جَاهِلٌ أَخْرَقُ لَا يَعْرِفُ دِينَهُمْ وَمَرْوِيَّاتِهِمْ، وَلَمْ يَقْرَأْ تَارِيخَهُمْ، وَلَا يُبْصِرِ الْوَاقِعَ إِلَّا بِأَعْيُنِهِمْ، وَلَا يَسْمَعْ وَصْفَهُ إِلَّا مِنْ أَلْسِنَتِهِمْ، وَلَا يَقْدِرْ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ بِعَقْلٍ أَوْ تَفْكِيرٍ عَنْهُمْ، فَهُوَ تَابِعٌ لَهُمْ وَلَوْ ظَنَّ غَيْرَ ذَلِكَ.
نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَحْفَظَ بِلَادَنَا وَبِلَادَ المُسْلِمِينَ مِنْ شَرِّهِمْ، وَأَنْ يَرُدَّ مَكْرَهُمْ عَلَيْهِمْ، وَأَنْ يَجْعَلَ تَدْبِيرَهُمْ تَدْمِيرَهُمْ، وَأَنْ يَنْصُرَ إِخْوَانَنَا المُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ أَرْضٍ يُقَاتِلُونَهُمْ فِيهَا، وَأَنْ يُثَبِّتَ المُرَابِطِينَ فِي الثُّغُورِ الْجَنُوبِيَّةِ لِحمَايَةِ الدِّيَارِ المُقَدَّسَةِ مِنْ نَوَايَاهُمُ الْخَبِيثَةِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبٌ.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ...
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّـهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا كَمَا يُحِبُّ وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاحْذَرُوا أَعْدَاءَكُمْ؛ فَإِنَّهُمْ يَحْسُدُونَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ، وَيَكِيدُونَ بِكُمْ، وَيَوَدُّونَ فَنَاءَكُمْ، وَقَدْ كَفَانَا اللهُ تَعَالَى بَيَانَ حَقِيقَتِهِمْ، فَقَالَ فِي الْكُفَّارِ: ﴿إِنَّ الكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا﴾ [النساء: 101]، وَقَالَ فِي المُنَافِقِينَ: ﴿هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ﴾ [المنافقون: 4].
وَكُلُّ نَظَرٍ لِلْأَعْدَاءِ بِغَيْرِ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فَهُوَ جَهْلٌ وَضَلَالٌ مِنْ صَاحِبِهِ، سُرْعَانَ مَا يَتَبَدَّى لَهُ أَنَّهُ كَانَ سَاذَجًا وَمُغَفَّلًا وَمَخْدُوعًا. وَحَالُ الْبَاطِنِيِّينَ مَعَ المُسْلِمِينَ مِنْ أَوْضَحِ الْأَمْثِلَةِ عَلَى ذَلِكَ؛ فَلَطَالَما زَعَمَ المُثَقَّفُونَ وَالصُّحَفِيُّونَ وَمَنْ لَفَّ لَفَّهُمْ مِنَ المُتَآمِرِينَ أَوْ مِنَ المَخْدُوعِينَ، بِأَنَّهُ لَا خَطَرَ مِنَ الْبَاطِنِيِّينَ عَلَى بُلْدَانِ المُسْلِمِينَ، وَأَنَّهُمْ مِنْ نَسِيجِ الْأُمَّةِ، وَأَنَّهُمُ الصُّقُورُ المُمَانَعُونَ، فَرَفَعُوا مِنْ شَأْنِهِمْ، وَانْتَقَدُوا الْأَصْوَاتَ المُحَذِّرَةَ مِنْهُمْ، وَاتَّهَمُوهُمْ بِالتَّخَلُّفِ وَالرَّجْعِيَّةِ، وَإِشْعَالِ الْفِتَنِ الطَّائِفِيَّةِ؛ حَتَّى إِذَا اسْتَبَانَ الْأَمْرُ، وَكَشَفَتِ الْحَرْبُ عَنْ سَاقِهَا؛ رَأَيْنَاهُمْ يُحَاوِلُونَ تَطْوِيقَ المُسْلِمِينَ لِلْإِجْهَازِ عَلَيْهِمْ، وَرَأَيْنَا الصَّهَايِنَةَ وَالصَّلِيبِيِّينَ يُعِينُونَهُمْ فِي تَحْقِيقِ مَآرِبِهِمْ، وَرَأَيْنَا خَلَايَاهُمُ النَّائِمَةَ تَتَحَرَّكُ لِلِانْقِضَاضِ عَلَى الْأُمَّةِ مِنْ دَاخِلِهَا؛ فَمَا نَفَعَ مَعَهُمْ إِحْسَانٌ وَلَا تَنَازُلٌ، وَلَمْ يُؤْمِنُوا بِجِوَارٍ وَلَا مُوَاطَنَةٍ، فَبَيَّتُوا الْغَدْرَ وَالمُخَاتَلَةَ، وَتَرَبَّصُوا يَنْتَظِرُونَ يَوْمَ الذَّبْحِ وَالمُقَاتَلَةِ. قَدْ أَخْرَجُوا مَكْنُونَ صُدُورِهِمْ، وَكَشَفُوا عَنْ سُوءِ نَوَايَاهُمْ، وَابْتَهَجُوا بِمَا أَحَلُّوهُ مِنْ خَرَابٍ فِي بِلَادِ المُسْلِمِينَ.
وَكَيْفَ يَكُونُونَ مَعَ المُسْلِمِينَ عَلَى وِفَاقٍ وَهُمْ يُخَالِفُونَهُمْ فِي كُلِّيَّاتِ دِينِهِمْ، وَيُفَارِقُونَهُمْ فِي أَكْثَرِ مُفْرَدَاتِ شَرْعِهِمْ، وَيَتَّخِذُونَ أَوْلِيَاءَ الْأُمَّةِ وَصَالحِيهَا أَعْدَاءً لَهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةِ المَهْدِيِّينَ، وَيَتَّخِذُونَ أَعْدَاءَ الْأُمَّةِ أَوْلِيَاءَ لَهُمْ؛ فَدِينُهُمْ غَيْرُ دِينِ الْأُمَّةِ، وَمَصَادِرُهُمْ غَيْرُ مَصَادِرِهَا، وَأَوْلِيَاؤُهُمْ أَعْدَاؤُهَا، وَأَعْدَاؤُهُمْ أَوْلِيَاؤُهَا ﴿فَمَا لَكُمْ فِي المُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾ [النساء: 88].
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...
نصب العداء لجميع المسلمين
26/7/1436
الْحَمْدُ لِلَّـهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّـهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70-71].
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّـهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَيُّهَا النَّاسُ: حِينَ خَلَقَ اللهُ تَعَالَى الْبَشَرَ وَابْتَلَاهُمْ بِدِينِهِ؛ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى شَرَعَ لَهُمُ الشَّرَائِعَ بِالتَّدْرِيجِ، فَكُلُّ أُمَّةٍ لَاحِقَةٍ فِيهَا مِنْ كَمَالِ التَّشْرِيعِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي الْأُمَّةِ السَّابِقَةِ عَلَيْهَا، وَلَهَا مِنَ الْفَضْلِ مَا لَيْسَ لِمَنْ سَبَقَهَا، وَلمَّا كَانَتْ أُمَّةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ آخِرِ الْأُمَمِ خُصَّتْ بِتَشْرِيعَاتٍ لَيْسَتْ فِيمَنْ سَبَقَهَا مِنَ الْأُمَمِ؛ كَمَا شُرِعَ فِيهَا الْجِهَادُ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأُمَمِ المَاضِيَةِ، وَفُضِّلَتْ عَلَيْهِمْ، كَمَا فِي قَوْلِ اللَّـهِ تَعَالَى مُذَكِّرًا بَنِي إِسْرَائِيلَ بِذَلِكَ: ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى العَالَمِينَ﴾ [البقرة:47].
وَلَمْ يَتَجَاوَزْ أُمَّةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْفَضْلِ وَفِي كَمَالِ التَّشْرِيعِ إِلَّا أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي قَالَ اللهُ تَعَالَى فِيهَا: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: 110]، وَقَالَ تَعَالَى فِي كِتَابِهَا: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ [المائدة: 48]، وَقَالَ تَعَالَى فِي دِينِهَا وَشَرِيعَتِهَا: ﴿اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: 3]، وَقَالَ تَعَالَى فِي نَبِيِّهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ [الأحزاب: 40].
وَالْأُمَّةُ المُفَضَّلَةُ عَلَى مَنْ سَبَقَهَا مِنَ الْأُمَمِ تُبْتَلَى بِأَعْدَاءٍ أَشَدَّ مِنْ أَعْدَاءِ السَّابِقِينَ عَلَيْهَا؛ فَلِتَفْضِيلِ الْأُمَّةِ وَلِكَمَالِ الشَّرِيعَةِ مَا يُوَازِيهِمَا مِنَ التَّحَدِّيَاتِ وَالتَّضْحِيَاتِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ تَبْذُلَهَا الْأُمَّةُ المُفَضَّلَةُ؛ وَلِأَنَّ مِنْ طَبِيعَةِ الْكَمَالِ وَالتَّفْضِيلِ أَنْ يُجَرَّ عَلَى مَنْ حَازَهُ حَسَدَ الْحَاسِدِينَ، وَشَنَآنَ الشَّانِئِينَ؛ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي حَسَدِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لِلْمُسْلِمِينَ: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ﴾ [البقرة: 109].
إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ الْخَاتَمَةَ أُمَّةٌ مَحْسُودَةٌ بِالنَّصِّ مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ.. مَحْسُودَةٌ عَلَى تَفْضِيلِهَا عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ، وَمَحْسُودَةٌ عَلَى كَمَالِ دِينِهَا، وَمَحْسُودَةٌ عَلَى نَبِيِّهَا وَكِتَابِهَا وَشَرِيعَتِهَا، وَمَحْسُودَةٌ عَلَى عَاقِبَةِ النَّصْرِ المَكْتُوبَةِ لَهَا، وَعَلَى كَوْنِهَا أَوَّلَ الْأُمَمِ حِسَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَعَلَى كَوْنِ أَفْرَادِهَا هُمْ أَكْثَرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ.
وَالْحَسَدُ الَّذِي أَصَابَهَا جَاءَهَا مِنْ أَعْدَاءٍ مُتَعَدِّدِينَ وَمُخْتَلِفِينَ بَلْ وَمُتَنَاحِرِينَ؛ فَحَسَدَهَا أَهْلُ الشِّرْكِ وَالْوَثَنِيَّةِ، وَحَسَدَهَا أَهْلُ الْكِتَابِ فَتَآزَرُوا مَعَ الْوَثَنِيِّينَ عَلَيْهَا مَعَ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ أَقْرَبُ إِلَيْهَا مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ؛ لِإِقْرَارِ مُؤْمِنِيهَا بِأَنْبِيَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَتَصْدِيقِهِمْ، وَإِنْكَارِ الْوَثَنِيِّينَ لِأَنْبِيَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَتَكْذِيبِهِمْ. وَلَاقَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ حَسَدًا أَشَدَّ، وَعَدَاءً أَشْرَسَ مِنَ المُنَافِقِينَ الَّذِينَ يُظْهِرُونَ مَا لَا يُبْطِنُونَ، وَيَكِيدُونَ بِهَا وَيَمْكُرُونَ. فَالْكَافِرُ يُعْرَفُ فَيُتَّقَى، وَالمُنَافِقُ يَكْمُنُ وَيُضْمِرُ الْعَدَاءَ. يُقَدِّمُ الْعَطَبَ لِلْأُمَّةِ فِي ثَوْبِ النُّصْحِ، وَيَرْتَكِبُ الْخِيَانَةَ بِاسْمِ الْأَمَانَةِ، فَيَخْفَى عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ أَمْرُهُ، وَتَنْطَلِي عَلَيْهِمْ حِيَلُهُ، وَيَنْفُذُ فِيهِمْ مَكْرُهُ، وَيُحِيطُ بِهِمْ كَيْدُهُ.
وَلَا نِفَاقَ شَرًّا مِنَ النِّفَاقِ المُسْتَتِرِ خَلْفَ الْعَقَائِدِ، المُتَتَرِّسِ بِالْأَهْدَافِ وَالْغَايَاتِ، المُتَفَنِّنِ فِي اسْتِدْرَارِ الْعَوَاطِفِ وَتَهْيِيجِ المَشَاعِرِ، المُسْتَكْفِي بِالْكُتُبِ وَالشَّعَائِرِ؛ لِأَنَّهُ نِفَاقٌ يَخْفَى عَلَى الرَّعَاعِ وَالْعَامَّةِ، وَيُشْبِعُ رَغَبَاتِ أَتْبَاعِهِ، وَيُوجِدُ لَهُمْ بَدَائِلَ مِنَ الْبَاطِلِ تُغْنِيهِمْ عَنِ الْحَقِّ.
إِنَّهُ نِفَاقٌ يُحَوِّلُ عَدَاءَ أَتْبَاعِهِ لِلْإِسْلَامِ إِلَى عَقِيدَةٍ، يَبْذُلُونَ أَمْوَالَهُمْ لَهَا، وَيَسْتَرْخِصُونَ أَرْوَاحَهُمْ فِي سَبِيلِهَا، وَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ لِلَّـهِ تَعَالَى يَتَعَبَّدُونَ، وَفِي سَبِيلِهِ يُجَاهِدُونَ، وَهُمْ لِلشَّيْطَانِ يُطِيعُونَ، وَفِي سَبِيلِ مَنْ خَدَعُوهُمْ يَمُوتُونَ.
إِنَّهُ النِّفَاقُ السَّبَئِيُّ الْبَاطِنِيُّ الَّذِي أَفْرَزَ كَمًّا كَبِيرًا مِنَ الْفِرَقِ الْبَاطِنِيَّةِ؛ مَكَرَتْ بِالْإِسْلَامِ عَبْرَ تَارِيخِهِ، وَأَسْقَطَتْ عَدَدًا مِنْ دُوَلِهِ، وَسَلَّمَتْ لِلْأَعْدَاءِ مَمَالِكَهُ، وَأَمْعَنَتْ فِي أَذَى المُسْلِمِينَ وَقَتْلِهِمْ وَتَشْرِيدِهِمْ، وَحَالُ المُسْلِمِينَ فِي الشَّامِ وَالْعِرَاقِ أَقْرَبُ مِثَالٍ عَلَى ذَلِكَ. وَالمَشْرُوعُ الْبَاطِنِيُّ الصَّفَوِيُّ يُرِيدُ المَزِيدَ مِنْ أَذَى المُسْلِمِينَ وَقَتْلِهِمْ وَتَشْرِيدِهِمْ، وَيُغَذِّي أَتْبَاعَهُ وَرَعَاعَهُ بِالْعَقَائِدِ الَّتِي تُزِيلُ أَيَّ رَحْمَةٍ أَوْ شَفَقَةٍ بِمُسْلِمٍ سَوَاءً كَانَ طِفْلًا أَمِ امْرَأَةً أَمْ شَيْخًا كَبِيرًا، أَمْ مَرِيضًا أَمْ جَرِيحًا أَمْ كَسِيحًا.
إِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَظُنُّونَ أَنَّ الْعَدَاءَ الصَّفَوِيَّ الْبَاطِنِيَّ لَيْسَ إِلَّا عَدَاءً مَعَ الْوَهَّابِيِّينَ أَوِ السَّلَفِيِّينَ أَوِ الْحَنْبَلِيِّينَ، وَهَكَذَا يُصَوِّرُونَ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي إِعْلَامِهِمْ، وَيُعِينُهُمُ الْإِعْلَامُ الْغَرْبِيُّ عَلَى تَرْسِيخِ هَذَا التَّصَوُّرِ الْخَطَأِ؛ لِيُسَوِّغَ مَذَابِحَ الْبَاطِنِيِّينَ فِي المُسْلِمِينَ، وَيَحْصُرَهَا فِي طَائِفَةٍ مِنَ المُسْلِمِينَ دُونَ أُخْرَى.
إِنَّ الصَّفَوِيِّينَ الْبَاطِنِيَّينَ لَا يَسْتَثْنُونَ مُسْلِمًا مِنْ مَشْرُوعِ إِبَادَتِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ قَدَرُوا لمَا تَرَكُوا مُسْلِمًا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. فَهُمْ تَآمَرُوا عَلَى خِلَافَةِ بَنِي الْعَبَّاسِ وَسَلَّمُوهَا لِلْمَغُولِ الْوَثَنِيِّينَ، وَلَمْ يَكُنْ بَنُو الْعَبَّاسِ حَنَابِلَةً وَلَا وَهَّابِيِّينَ، بَلْ أَجْدَادُ الْخَلِيفَةِ المَغْدُورِ بِهِ قَدْ آذَوُا الْإِمَامَ ابْنَ حَنْبَلٍ فِي فِتْنَةِ خَلْقِ الْقُرْآنِ، وَلَمْ يَشْفَعْ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْعَلْقَمِيِّ الرَّافِضِيِّ الْبَاطِنِيِّ.
وَعَبَّاسٌ الصَّفَوِيُّ طَعَنَ جُيُوشَ الْعُثْمَانِيِّينَ مِنْ ظَهْرِهَا لِتَفُكَّ الْحِصَارَ عَنْ أُورُبَّا وَهِيَ تَقْتَرِبُ مِنْ فَتْحِهَا؛ لِيَتَقْهَقَرَ إِلَى الْوَرَاءِ بِسَبَبِ غَدْرِ الصَّفَوِيِّينَ، وَلَمْ يَكُنِ الْعُثْمَانِيُّونَ وَهَّابِيِّينَ وَلَا سَلَفِيِّينَ وَلَا حَنَابِلَةَ، بَلْ كَانُوا أَحْنَافًا مَاتُورِيدِيَّةً. وَعَبَّاسٌ الصَّفَوِيُّ لمَّا اجْتَاحَ الْعِرَاقَ فِي الْقَرْنِ الْعَاشِرِ نَبَشَ قَبْرَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ النُّعْمَانِ؛ لِأَنَّ عَدَاءَ عَبَّاسٍ الصَّفَوِيِّ مَعَ كُلِّ المُسْلِمِينَ، وَلَيْسَ مَعَ الْحَنَابِلَةِ كَمَا يَتَصَوَّرُ المَخْدُوعُونَ.
وَحِينَ وَقَفَ الصَّفَوِيُّونَ فِي هَذَا الْعَصْرِ مَعَ قُوَى الِاسْتِكْبَارِ وَالِاسْتِعْمَارِ لِاحْتِلَالِ بِلَادِ الرَّافِدَيْنِ وَبِلَادِ الْأَفْغَانِ، لَمْ يَكُنِ الْحُكْمُ فِي الْعِرَاقِ وَأَفْغَانِسْتَانَ لِلْحَنَابِلَةِ أَوِ الْوَهَّابِيِّينَ أَوِ السَّلَفِيِّينَ.
إِنَّ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَعْلَمَهُ عُمُومُ المُسْلِمِينَ أَنَّ المَشْرُوعَ الصَّفَوِيَّ الْبَاطِنِيَّ لَا يَسْتَثْنِي أَرْضًا مِنْ طَمَعِهِ، وَلَا مُسْلِمًا مِنِ اسْتِحْلَالِ دَمِهِ، وَانْتِهَاكِ عِرْضِهِ، وَسَلْبِ مَالِهِ. وَمَا تَصْوِيرُ الْبَاطِنِيِّينَ حَرْبَهُمْ عَلَى أَنَّهَا مَعَ مُتَشَدِّديِنَ أَوْ إِرْهَابِيِّينَ أَوْ وَهَّابِيِّينَ أَوْ سَلَفِيِّينَ إِلَّا خِدَاعٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَكَسْبُ تَعَاطُفِهِمْ فِي اسْتِهْدَافِ إِخْوَانِهِمْ، فَإِذَا مَا انْتَهَوْا مِنْهُمُ انْتَقَلُوا إِلَى غَيْرِهِمْ، حَتَّى لَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ مُسْلِمٌ يُوَحِّدُ اللهَ تَعَالَى لَوْ قَدَرُوا عَلَى ذَلِكَ، وَلَنْ يَقْدِرُوا، وَيَخْسَئُونَ.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَدَاءَ الْبَاطِنِيِّينَ مَعَ عُمُومِ المُسْلِمِينَ مَوَاقِفُهُمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ المَتْبُوعِينَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ؛ فَإِنَّهُمْ يَطْعَنُونَ فِيهِمُ الطَّعْنَ الْوَاضِحَ، وَيُكِنُّونَ لَهُمُ الْعَدَاءَ الصَّارِخَ، يَقُولُ الرَّضَوِيُّ وَهُوَ أَحَدُ أَئِمَّتِهِمْ: وَلَوْ أَنَّ أَدْعِيَاءَ الْإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ أَحَبُّوا أَهْلَ الْبَيْتِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ لَاتَّبَعُوهُمْ، وَلمَا أَخَذُوا أَحْكَامَ دِينِهِمْ عَنِ المُنْحَرِفِينَ عَنْهُمْ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ.
فَهَذَا النَّصُّ يَكْشِفُ أَنَّ عَدَاءَهُمْ مَعَ المُسْلِمِينَ كَافَّةً، وَلَيْسَ مَعَ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ كَمَا يَزْعُمُونَ، وَكَمَا يُسَوِّقُ لَهُمْ أَنْصَارُهُمُ الَّذِينَ يُرِيدُونَ خِدَاعَ المُسْلِمِينَ.
وَفِي أَوْثَقِ كِتَابِ مَرْوِيَّاتٍ عِنْدَهُمْ وَهُوَ الْكَافِي لِلْكُلِينِيِّ، يَحْوِي فِي مَرْوِيَّاتِهِ لَعْنًا لِلْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
وَإِمَامُهُمُ ابْنُ المُطَهَّرِ الْحِلِّيُّ يَسْخَرُ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى.
وَالنَّاصِبِيُّ عِنْدَ الْبَاطِنِيِّينَ حَلَالُ الدَّمِ وَالمَالِ وَالْعِرْضِ، وَالنَّاصِبِيُّ هُوَ كُلُّ مَنْ لَمْ يُكَفِّرِ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِإِمَامَةِ أَئِمَّتِهِمْ، وَهَذَا أَمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ، وَمُصَرَّحٌ بِهِ فِي رِوَايَاتِهِمْ، وَمُلِئَتْ بِهِ كُتُبُهُمْ، وَدَلَّ عَلَيْهِ تَارِيخُهُمْ وَوَاقِعُهُمْ مَعَ المُسْلِمِينَ، يَخُونُونَهُمْ فِي سَاعَاتِ الْعُسْرَةِ، وَيُبِيدُونَهُمْ عِنْدَ الْقُدْرَةِ، وَلَا تَطْرِفُ لَهُمْ عَيْنٌ، وَلَا يَحْزَنُ لَهُمْ قَلْبٌ؛ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ ذَبْحَ المُسْلِمِ قُرْبَةً تُقَرِّبُهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ، وَتَلْبِيَةً لِنِدَاءَاتِ أَئِمَّتِهِمْ.
فَمَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ أَوْ شَكَّكَ فِيهِ فَهُوَ إِمَّا مِنْهُمْ، وَإِمَّا جَاهِلٌ أَخْرَقُ لَا يَعْرِفُ دِينَهُمْ وَمَرْوِيَّاتِهِمْ، وَلَمْ يَقْرَأْ تَارِيخَهُمْ، وَلَا يُبْصِرِ الْوَاقِعَ إِلَّا بِأَعْيُنِهِمْ، وَلَا يَسْمَعْ وَصْفَهُ إِلَّا مِنْ أَلْسِنَتِهِمْ، وَلَا يَقْدِرْ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ بِعَقْلٍ أَوْ تَفْكِيرٍ عَنْهُمْ، فَهُوَ تَابِعٌ لَهُمْ وَلَوْ ظَنَّ غَيْرَ ذَلِكَ.
نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَحْفَظَ بِلَادَنَا وَبِلَادَ المُسْلِمِينَ مِنْ شَرِّهِمْ، وَأَنْ يَرُدَّ مَكْرَهُمْ عَلَيْهِمْ، وَأَنْ يَجْعَلَ تَدْبِيرَهُمْ تَدْمِيرَهُمْ، وَأَنْ يَنْصُرَ إِخْوَانَنَا المُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ أَرْضٍ يُقَاتِلُونَهُمْ فِيهَا، وَأَنْ يُثَبِّتَ المُرَابِطِينَ فِي الثُّغُورِ الْجَنُوبِيَّةِ لِحمَايَةِ الدِّيَارِ المُقَدَّسَةِ مِنْ نَوَايَاهُمُ الْخَبِيثَةِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبٌ.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ...
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّـهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا كَمَا يُحِبُّ وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاحْذَرُوا أَعْدَاءَكُمْ؛ فَإِنَّهُمْ يَحْسُدُونَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ، وَيَكِيدُونَ بِكُمْ، وَيَوَدُّونَ فَنَاءَكُمْ، وَقَدْ كَفَانَا اللهُ تَعَالَى بَيَانَ حَقِيقَتِهِمْ، فَقَالَ فِي الْكُفَّارِ: ﴿إِنَّ الكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا﴾ [النساء: 101]، وَقَالَ فِي المُنَافِقِينَ: ﴿هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ﴾ [المنافقون: 4].
وَكُلُّ نَظَرٍ لِلْأَعْدَاءِ بِغَيْرِ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فَهُوَ جَهْلٌ وَضَلَالٌ مِنْ صَاحِبِهِ، سُرْعَانَ مَا يَتَبَدَّى لَهُ أَنَّهُ كَانَ سَاذَجًا وَمُغَفَّلًا وَمَخْدُوعًا. وَحَالُ الْبَاطِنِيِّينَ مَعَ المُسْلِمِينَ مِنْ أَوْضَحِ الْأَمْثِلَةِ عَلَى ذَلِكَ؛ فَلَطَالَما زَعَمَ المُثَقَّفُونَ وَالصُّحَفِيُّونَ وَمَنْ لَفَّ لَفَّهُمْ مِنَ المُتَآمِرِينَ أَوْ مِنَ المَخْدُوعِينَ، بِأَنَّهُ لَا خَطَرَ مِنَ الْبَاطِنِيِّينَ عَلَى بُلْدَانِ المُسْلِمِينَ، وَأَنَّهُمْ مِنْ نَسِيجِ الْأُمَّةِ، وَأَنَّهُمُ الصُّقُورُ المُمَانَعُونَ، فَرَفَعُوا مِنْ شَأْنِهِمْ، وَانْتَقَدُوا الْأَصْوَاتَ المُحَذِّرَةَ مِنْهُمْ، وَاتَّهَمُوهُمْ بِالتَّخَلُّفِ وَالرَّجْعِيَّةِ، وَإِشْعَالِ الْفِتَنِ الطَّائِفِيَّةِ؛ حَتَّى إِذَا اسْتَبَانَ الْأَمْرُ، وَكَشَفَتِ الْحَرْبُ عَنْ سَاقِهَا؛ رَأَيْنَاهُمْ يُحَاوِلُونَ تَطْوِيقَ المُسْلِمِينَ لِلْإِجْهَازِ عَلَيْهِمْ، وَرَأَيْنَا الصَّهَايِنَةَ وَالصَّلِيبِيِّينَ يُعِينُونَهُمْ فِي تَحْقِيقِ مَآرِبِهِمْ، وَرَأَيْنَا خَلَايَاهُمُ النَّائِمَةَ تَتَحَرَّكُ لِلِانْقِضَاضِ عَلَى الْأُمَّةِ مِنْ دَاخِلِهَا؛ فَمَا نَفَعَ مَعَهُمْ إِحْسَانٌ وَلَا تَنَازُلٌ، وَلَمْ يُؤْمِنُوا بِجِوَارٍ وَلَا مُوَاطَنَةٍ، فَبَيَّتُوا الْغَدْرَ وَالمُخَاتَلَةَ، وَتَرَبَّصُوا يَنْتَظِرُونَ يَوْمَ الذَّبْحِ وَالمُقَاتَلَةِ. قَدْ أَخْرَجُوا مَكْنُونَ صُدُورِهِمْ، وَكَشَفُوا عَنْ سُوءِ نَوَايَاهُمْ، وَابْتَهَجُوا بِمَا أَحَلُّوهُ مِنْ خَرَابٍ فِي بِلَادِ المُسْلِمِينَ.
وَكَيْفَ يَكُونُونَ مَعَ المُسْلِمِينَ عَلَى وِفَاقٍ وَهُمْ يُخَالِفُونَهُمْ فِي كُلِّيَّاتِ دِينِهِمْ، وَيُفَارِقُونَهُمْ فِي أَكْثَرِ مُفْرَدَاتِ شَرْعِهِمْ، وَيَتَّخِذُونَ أَوْلِيَاءَ الْأُمَّةِ وَصَالحِيهَا أَعْدَاءً لَهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةِ المَهْدِيِّينَ، وَيَتَّخِذُونَ أَعْدَاءَ الْأُمَّةِ أَوْلِيَاءَ لَهُمْ؛ فَدِينُهُمْ غَيْرُ دِينِ الْأُمَّةِ، وَمَصَادِرُهُمْ غَيْرُ مَصَادِرِهَا، وَأَوْلِيَاؤُهُمْ أَعْدَاؤُهَا، وَأَعْدَاؤُهُمْ أَوْلِيَاؤُهَا ﴿فَمَا لَكُمْ فِي المُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾ [النساء: 88].
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...
المرفقات
الدولة الصفوية 13.doc
الدولة الصفوية 13.doc
الدولة الصفوية 13 مشكولة.doc
الدولة الصفوية 13 مشكولة.doc
المشاهدات 2983 | التعليقات 3
جُزيت الجنّة
شكر الله تعالى لكما
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق