الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر

طلال شنيف الصبحي
1437/06/13 - 2016/03/22 20:31PM
الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر
الْحَمْدُ لِلَّه الْذِّي خَلَقَ الْخَلْقَ لِيَعْبُدُوْه,وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لِلِقَائِهِ هُم بَالِغُوْه,وَأَشْهَدُ أَن لا إِلَه إِلا الَلّهُ وَحْدَه لا شَرِيْكَ لَه, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ,أَرْسَلَهُ الْلَّهُ تَعَالَى بِالْهُدَى وَدِيْنِ الْحَقِّ,فَبَلَغَ الْرِّسَالَة، وَأَدَّى الأَمَانَة, وَنَصَحَ الْأُمَّة, وَجَاهَدَ فِي الْلَّهِ حَقَّ جِهَادِه, حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِيْنُ,صَلَّى الْلَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الْدِّيْن أَمَّا بَعْد:
عباد الله: اتقوا الله تعالى, ولا تركنوا إلى الدنيا, فإنها متاع الغرور, وتذكروا الموت وما بعده, واعلموا أن الجنة حُفَّت بالمَكارِه, والنارَ حُفَّت بالشهوات. كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم.وجاء أيضا في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( الدنيا سجن المؤمن, وجنة الكافر). فهي سجنٌ للمؤمن وجنةٌ للكافر من عِدَّة جهات:
أولها: أن الدنيا مهما عظم نعيمها وطابت أيامها وَزَهَتْ مساكِنُها فإنها للمؤمن بمنزلة السجن, لأن المؤمن يتطلع إلى نعيم أفضل وأكمل وأعلى, فهي سجنُ له فقط مِن جِهَة الترَقُّب وانتظار الفرج, وأما بالنسبة للكافر فإنها جنته لأنه ينعم فيها وينسى الآخرة ويكون كما قال الله تعالى: ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُم ). فالكافر جَنتُه جَنةُ الأنعام من ناحية الأكل والشرب والاستمتاع من دون مبالاة, فإذا مات لم يجد أمامه إلا النار والعياذ بالله، ولهذا كانت الدنيا بالنسبة للكافر جنة حتى لو مَرَّ عليه شيء من المُنَغِّصات والكَدَر والهُمُوم, لأنه ينتقل منها إلى عذاب أكبر ( ولعذب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون ).
الثانية: أن المؤمن الذي تعلق قلبه بالآخرة مهما بلغ نعيمُه فإنه لا يركن إليه ولا يُعجَب به, لأنه ليس بشيء حينما يَتَذكَّر ما أعده الله لعباده المؤمنين. وهكذا الكافر فإنه مهما عاش في النعيم وانفتحت له الدنيا وسلم من البلاء والمنغصات فإنه ليس بشيء حينما يرى عذاب الآخرة. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( يُؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار، يوم القيامة, فيصبغ في النار صبغة, ثم يقال: يا ابن آدم, هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب! ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا، من أهل الجنة, فيصبغ صبغة في الجنة, فيقال له: يا ابن آدم! هل رأيت بؤسا قط ؟ هل مر بك شدة قط ؟ فيقول: لا والله يا رب, ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط ). وهذا يدل على هوان الدنيا عند الله, وأنها لاتزن شيئاً, فلا ينبغي للمؤمن أن يركن إليها, أو يجعلها هَمَّه. وفي ذلك أيضاً تسلية للمؤمن الذي يُبْتَلى بما يُكَدِّر حياته, من فقر وشِدَّة, أو أمراض وهموم. حينما يوقن بأن الدنيا سجن المؤمن, وأنه لا راحة إلا في الجنة, وأن الدنيا مهما تَنَعَّمَ أهلها فيها, فإنها متاع زائل وظِلّ ذاهِب, كما قال عليه الصلاة والسلام: ( مالي وللدنيا, ما أنا والدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم ذهب وتركها ). وقال أيضاً: ( ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعلُ أحدُكم إصْبَعَه في اليَم, فلينظر بم يرجع ).
فكَمْ مِن شخص أَكلَ الربا طمعاً في الدنيا؟ وكم من شخص خان الأمانة وأكل الرشوة طمعا في الدنيا؟ وَكَمْ من شخص باع شَرَفَه وعِفَّتَه أو شهد الزور طَمَعاً في الدنيا؟ وَكَمْ من شخص أشغلته الدنيا عن الصلاة, وأداء الزكاة, وبر الوالدين,وصلة الأرحام,وظلم العباد وأداء الحقوق؟ فاللهمَّ لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا, أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور)
الخطبة الثانية
ويدخل في معنى الحديث: أن المؤمن تحبسه الحدود الشرعية حتى ولو كان ثريا ومُنَعَّماً فإنه لا يستطيع أن يستمتع بالنعيم إلا في حدود ما أباح الله. وَمُلتَزِمٌ بِأداء الفرائض طيلة حياته, لا يجوز له تركُها أو الإخلالُ بها. بخلاف الكافر فإنه لا حدود تمنعه, ولا فرائض يلتزمها, ويرى أنه في حرية كاملة, ويذكر عن ابن حجر العسقلاني رحمه الله صاحب كتاب فتح الباري وكان قاضي قضاة مصر في وقته كان يمر بالسوق على العربة في موكب فاستوقفه ذات يوم رجل من اليهود وقال له إن نبيكم يقول إن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر وكيف ذلك وأنت في هذا الترف والاحتفاء وأنا يعني اليهودي نفسه في غاية ما يكون من الفقر والذل فقال له ابن حجر رحمه الله أنا وإن كنت كما ترى من الاحتفاء والخدم فهو بالنسبة لي بما يحصل للمؤمن من نعيم الجنة كالسجن وأنت بما أنت فيه من هذا الفقر والذل بالنسبة لما يلقاه الكافر في النار بمنزلة الجنة فأعجب اليهودي هذا الكلام وشهد شهادة الحق وقال أشهد أن لا إله ألا الله وأشهد أن محمداً رسول الله, ولذلك نجد أصحاب المعتقدات الفاسدة والهدامة لا يعترفون بذلك لأنهم يريدون الحرية زعموا, ويرون أن التزام تعاليم الإسلام يقف أمام الحُرِّيَّات, في المعتقد والسلوك والتصرفات الشخصية. وما علم هؤلاء أن الإسلام جاء بإخراج العباد من عبادة المخلوق إلى عبادة الله, ومن ظلم وجور الأديان إلى الحرية وسعة الإسلام وعدله. ومن كون الإنسان يتخذ إلهه هواه, إلى التخلص من ذلك والتعلق بالله وحده والتذلل له وإفراده بالعبادة. إذ ليس المقصود بالسجن الوارد في الحديث: سجن القلب والروح. وإنما المراد هو معرفة الفارق بين الدنيا والجنة, وكذلك معرفة لزوم الحدود الشرعية التي لا يجوز تجاوزها. وإلا فإن الإيمان بالله ولزوم طاعته وذكره هو جنة القلب وسعادته وسبب انشراحه واستنارته. والكفر بالله والانغماس في الذنوب والإعراض عن ذكر الله, هو سبب ضيق الصدر وظلمة القلب وقسوته.
واعلموا رحمكم الله أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة،وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة عليه
المرفقات

سجن المؤمن2.docx

سجن المؤمن2.docx

المشاهدات 1370 | التعليقات 0