الدنيا دار ابْتِلاء، والآخرة دار جزاء

مازن جبالي
1433/12/17 - 2012/11/02 12:35PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الدنيا دار ابْتِلاء، والآخرة دار جزاء 2/11/2012
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ, نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ, وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ, وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( [آل عمران:102]، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[ [الأحزاب:70-71].
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ؛ فَإِنَّ فِي تَقْوَاهُ عَزَّ وَجَلَّ عِصْمَةً مِنَ الضَّلاَلَةِ، وَسَلاَمَةً مِنَ الْغِوَايَةِ، وَأَمْناً مِنَ الْمَخَاوِفِ، وَنَجَاةً مِنَ الْمَهَالِكِ، وَمَنْ حَقَّقَ التَّقْوَى آتَاهُ اللهُ نُوراً وَضِيَاءً، يُفَرِّقُ بِهِ بَيْنَ الضَّلاَلَةِ وَالْهُدَى، وَالْبَصِيرَةِ وَالْعَمَى، كَمَا قَالَ جَلَّ وَعَلاَ: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ( [الأنفال:29].
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ:
الدنيا دار ابتلاء والأخرة دار جزاء
والإبتلاء والاستهزاء سنة ماضية للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمثاله من الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فقد قال تعالى : " ولقد استهزىء برسل من قبلك . فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون " ، لذا فقد صنع به قومه الأعاجيب وأذاقوه صنوف وألوان التعذيب والسخرية والتحقير.
تخيل معي المشهد الاول:
حين جلس أبو جهل مع زعماء قريش يخططون ويفكرون في أسلوب لم يألفه العرب ، في أسلوب يضحكون به حتى القهقهة !!لقد أخذتهم " هستريا " العظمة لما رأوا ضعف النبي صلى الله عليه وسلم وعدم وجود من يدافع عنه ، فأرادوا تتويج تلك " الهستريا " بالضحك تتناقله الألسن فتكون حديث العرب والعجم !!
فتوصل القوم برئاسة أبي جهل إلى أن أفضل وسيلة هي أن يجعلوا " سلا الجزور " ـ أي : أمعاء بعير ذبح بالأمس وفاحت رائحته، أن يجعلوه على كتفي الرسول وظهره ورأسه حين يسجد في الصلاة أمام الكعبة في المسجد الحرام ...
تصوروا رائحة أمعاء وقذارة كرش الخروف وقد ذبح حالاً فكيف ببعير أمعاؤه ضخمة ورائحته نتنة لطول مكثه في الشمس الحارقة وقد ذبح بالأمس فأصبح كجيفة قذرة نتنة ..؟!!!
قال أبو جهل : أيكم يقوم إلى "سلا جزور" بني فلان فيأخذه فيضعه بين كتفي محمد إذا سجد ؟؟
فانبعث أشقى القوم ، نعم أشقى القوم وما أشقاه بعد فعلته مباشرة وفي قبره وحين يبعث وحين يساق إلى نار جهنم سوقاً
انبعث " عقبة بن معيط " فقال : أنا من يضحككم عليه،
... فلما سجد النبي وضعه على كتفيه ورجع مزهواً منتشياً وهو يرى ضحكات الكبار وقهقهاتهم تتطاير هنا وهناك وصفقوا وصفروا له إعجاباً وتقديرا
استضحكوا وجعل بعضهم يميل على بعض من شدة الضحك والقهقهة ً !!

فديناك بآبائنا يا رسول الله ، فديناك بأمهاتنا يا رسول الله ، فديناك بأولادنا يا رسول الله، فديناك بأزواجنا يا رسول الله ، فديناك بأموالنا وانفسنا يا رسول الله.
والله إني كلما تذكرت هذه الحادثة ، تخيلت النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد وقد وضع على كتفه الشريف هذه القذارة وفاطمة ابنته الضعيفة تنظر يميناً وشمالاً كأنها تستنجد، فلم تجد من يتجرأ فيزيل عن أبيها هذه القذارة ، نظرت في الرجال كأنها تستنصرهم وتستصرخ نخوة وشهامة زعماء قريش فرأت أنهم في غيهم يعمهون مختومة قلوبهم وأسماعهم وأبصارهم بغشاوة العظمة وكبرياء الجبروت، فتقدمت تسبقها دموعها غير أبهة بما قد يحصل لها فبر الأبوة ونداء الرسول أقوى من أي خطر محدق ...
سلمت يمينك يا فاطمة ...
شرف وأي شرف حزتيه
سلمت هذه اليمين الطاهرة التي سجل فعلها في موسوعة " عظماء أمة محمد " لا موسوعة " جينيس " التافهة
لقد أخجلت الضاحكين التافهين يومها
وأخجلتِ أمة المليار في هذه الأيام العصيبة
معذرة يا فاطمة الزهراء فليست لدينا تلك اليمين المباركة الطاهرة لنزيل سلا جزورهم وقباحة فعلهم
فنحن لا غنى لنا عن أبقارهم وعن ألبانهم وأجبانهم
لا نستغنى عن السياحة في بلادهم والتعامل بأموالهم
وهكذا الأحرار في دنيا العبيد !!
معذرة يا فاطمة فأنت لم تعيشي " العولمة " ولم تجربي " الرأس مالية "
معذرة يا فاطمة فأنت تجهلين مصطلحات : " حرية الكلمة " و " تقارب الأديان " و " معاداة السامية "
معذرة يا فاطمة فنحن في دنيا عبيد " الدرهم " و " الدينار " عبيد " الجنس " و" الحب الأحمر "
عبيد الصنم والبقر والنار والشجر ...
أما أبيك فهو نبي التوبة ، نبي الرحمة ، نبي الملحمة ، وسيد ولد آدم وصاحب لواء الحمد وصاحب المقام المحمود
فهو الصادق ، ،الماحي ، الحاشر ، المتوكل ،العاقب ، الأمين ، الفاتح ، البشير ، المنير ، الحر
وهكذا الأحرار في دنيا العبيد يا فاطمة ...!!
" حرية الكلمة " مصطلح جميل مصطلح حق أرادوا به باطلاً، بهذا المصطلح لم يعرفوا لنبي ولا لرسول إلا ولا ذمة
ولم يحترموا ديناً ولا ملة ..، فتحوا جميع ألوان نيرانهم ، ورموا بأقذع عبارات فسقهم
رموا من ؟ .. أطهر من مشى على هذه البسيطة
باسم " حرية الكلمة " أجرموا وطغوا وستهزؤوا به في فيلم انتجه حقدهم الدفين
وبقوة " حرية الكلمة " تجبروا وظلموا ورسموه في سخرية
وبسلطة " حرية الكلمة " تأسدوا وتسيدوا
ولكن نفس " حرية الكلمة " إن قلت بها أن محرقة "الهولوكوست " اليهودية خرافة وكذب ، أشعلوا لك محرقة ، وأقاموا عليك الحد ، وأصبحت معادياً لسام وحام ويافث !!
فلا تحزني يا فاطمة فهكذا الأحرار في دنيا العبيد !!!
جاءت فاطمة بنت رسول الله وهي جويرية فطرحت عن النبي صلى الله عليه وسلم سلا الجزور ثم أقبلت عليهم تشتمهم فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته رفع صوته ثم دعا عليهم وكان إذا دعا دعا ثلاثا وإذا سأل سأل ثلاثا ثم قال اللهم عليك بقريش ثلاث مرات فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته ثم قال اللهم عليك بأبي جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عقبة وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط وعمارة بن الوليد ،
ثم انتقل بنا راوي الحديث عبد اللهبن مسعود رضي الله عنه إلى المشهد الثانيفيقول: فوالذي بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر أي ألقوا في بئر تحقيرا لهم ، ولئلا يتأذى الناس برائحتهم.
وها هم أصحاب النبي يسمعون رسول الله صلى الله عليه وسلم من جوف الليل، وهو يقول: «يا أهل القليب، يا عتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة، ويا أمية بن خلف، ويا أبا جهل بن هشام - فعدد من كان منهم في القليب - «يا أهل القليب بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم، كذبتموني وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس؛ هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا».
فقال المسلمون: يا رسول الله أتنادي قوما قد جيفوا؟
فقال: «ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني».
قال الله تعالى: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (77)﴾[سورة غافر]
لقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم مصارع القوم ومن الكفار المكذبين من لم يرى مصرعهم.
بعض المؤمنين يَظنّ أنَّ الدنيا دار جزاء، فهو ينتظِر مِن أيِّ مُسيءٍ أن يُعاقَبَ في الدنيا، وينتظِر مِن كلّ مُحسِنٍ أن يُكافىء في الدُّنيا، وقد يأتي بِشَواهِد كثيرة، وهي أنَّ فلانًا أحْسَنَ فأكْرَمَهُ الله وفلانًا أساء فعاقَبَهُ الله تعالى، أو إنسان أكل مالاً حرامًا فأتلفَ الله ماله وأتلفهُ، وإنسان اسْتقام على أمر الله فأكْرمه ،
ولكنك في المقابل قد تشاهد فلانًا يرتكب كلّ المعاصي والآثام وهو في أتمِّ الصِّحة والقوَّة، وأغْنى إنسان ! فهذا المِقياس ليس صحيحًا، لأنك ترى حالاتٍ كثيرة لا يتبيَّن أنَّ المؤمن يسعَدُ في الدُّنيا ولا أنَّ الكافر يشقى في الدنيا؟! اذن فما الجواب ؟ الجواب هذه الآية، ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (77)﴾[سورة غافر]
أيها الإخوة، حينما نوقِنُ أنّ هذه الدنيا دار ابْتِلاء، وبينما الآخرة دار جزاء، والدنيا دار تَكليف، والآخرة دار تَشْريف، وحينما نوقِنُ أيضًا أنَّ الله تعالى يكافئ بعض المُحسنين تشْجيعًا لِبَقِيَّة المحسنين، ويُعاقبُ المسيئين ردْعًا لِبَقِيَّة المسيئين نتوازَنُ، فإذا رأيتَ إنسانًا غارقًا في المعاصي والآثام، ويزداد قوَّةً ومنَعَةً وغِنًى ؛ ماذا نقول ؟ هذا أرجأهُ الله إلى الدار الآخرة، وإذا رأينا إنسانًا مُستقيمًا يُعاني من مُشكلات كثيرة فإنَّا نُفسِّرُ ذلك أنَّ الله تعالى أرجأ إكرامَهُ إلى الدار الآخرة، فالفِكرة أنَّ الدنيا دار ابْتِلاء، وأنّ الآخرة دار جزاء، أما الحِساب الخِتامي، قال تعالى: ﴿وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [سورة آل عمران]
فالنبي عليه الصلاة والسلام الذي هو نبيُّ الحق وحبيب الحق، قد لا يرى بِعَينِهِ مصير الآخرين، فقد تموت ولا ترى مصير الكفار، قال تعالى: ﴿ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (77)﴾ [سورة غافر]
فهذا أحد الإخوة اتَّفق مع شخص على أن يُقرضه ثلاثمائة ألف ليرة فقال الآخر: وما الضَّمان ؟ فقال: مزرعي ! أُسَجِّلُها باسمك، وحينما أسَدِّد لك المبلغ تُرجِعُها إليّ، فوافق الدائن، وأعطاه ثلاثمائة ألف، وحينما أراد المديون أن يعطيه مبلغه، ويُرجع له هو مزرعته رفض ! وقال له كلّ واحِدٌ له حقَّه، والمزرعة ثمنها مليون ليرة ! فصاحب المزرعة ماتَ مِن شِدَّة القهْر ! وقبل أن يموت أوْصى ابنه أن يمشي بِجَنازَتِهِ إلى أمام دُكَّان المُغْتَصِب، وأن يوقف الجنازة ويدخل أمام الناس لِيُسَلِّمَهُ هذه الرِّسالة ؛ التي يقول فيها: أنا ذاهب إلى دار الحق، وسأتقاضى عند أحكم الحاكمين، فإن كنتَ بطلاً لا تأتي إلينا، قال تعالى: ﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ(25)ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ(26)﴾ [سورة الغاشية] فالدنيا دار ابْتِلاء، وأنّ الآخرة دار جزاء.
عباد الله
عرضت امريكا في دار السنيما عندها وعبر مواقع الانترنيت فيلم يستهزؤون فيه على خير البشر النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم ، ويستهزؤون باصحابه، وبعد خمسين يوما من إنتاج الفيلم المسئ للنبى الكريم بنيويورك يأتى الإعصار (ساندي) الذي ضرب الساحل الشرقي للولايات المتحدة، ليرجف أهل المدينة ويقتل المئات ويدمر آلاف المنشآت، ويقطع الكهرباء عن الملاين ، وخسائر بالأرواح وخسائر مادية، ألا بُعدا لأمريكا".
فهذا ممكن أن يكون عقاب آلهي للولايات المتحدة بسبب الفيلم المسيء للرسول ، قال الله تعالى:
أَفَأَمِنَ أَهْلُالْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ {97} أَوَ أَمِنَأَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ {98} أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُالْخَاسِرُونَ {99}. سورة الأعراف.
عندما يتأمل القاريء الواعي في كتاب الله تعالى يجد حديثاً مطولاً عن مصارع الأمم ونهايتها ، وكيف يسلط الله تعالى عليها أنواع البلاء وصنوف العذاب عندما تتمرد على الله تعالى ، وتستعلي على الحق ، وتستكبر عن الخضوع له ، فتزول تلك الأمم وتبيد تلك الشعوب تاركة وراءها زخارف الدنيا ، وحطام المادة التي وقعت في عبوديتها والخضوع لمنطقها ، ففي سورة الدخان مثلاً تحدث القرآن عن مصرع قريش ، ثم عن مصرع فرعون ، ثم ختمها بالصورة الرائعة في قوله : ( كم تركوا من جنات وعيون ، و زروع ومقام كريم ، ونعمة كانوا فيها فاكهين ، كذلك وأورثناها قوماً ءاخرين ، فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين ) .
إن من سنن الله تعالى في الأمم أن يمهل الأمم المستكبرة والشعوب المستعلية .. ثم يسلط عليها أنواعاً من البلاء في الصحة والاقتصاد والاجتماع .. لتكون لها عبرة تعيدها إلى الطريق المستقيم .. فإذا استمرت في الاستعلاء والفساد والظلم أخذها لله بغتة وهم غافلون ..
هذه العقوبات العامة التي تحلّ بالمجتمعات _ وإن كان فيها صالحون وأبرياء _ عندما يستشري المنكر ثم لا ينكر تعم العقوبة الجميع، كما قالت أم سلمة رضي الله عنها : ( أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : نعم .. إذا كثر الخبث ) فهل من معتبر !
لقد غدت نيويورك شبه معزولة عن العالم الخارجي ، وهي تواجه إعصار ساندي ، فاعتبروا يا أولي الأبصار :
إنه لأمر يستدعى منا التأمل والنظر ، والتفكر والاعتبار ، فالمسلم لا تمر عليه مثل هذه الأحداث العظيمة دون أن تكون له وقفة تأمل تنطلق من عقيدته وإيمانه بالله ، ويقينه بأن كل ما يقع في كونه من خير فهو من فضله ورحمته ، وكل ما يقع فيه من شر فهو بعلمه (ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) ، وله الحكمة في كلِّ ما يقضي ويقدِّر: (لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْـئَلُونَ) .
عباد الله
الاعاصير والبراكين والزلازل جند من جند الله يرسلها على من يشاء من عباده في الوقت الذي يشاء على النحو الذي يشاء ، إنذاراً ، ووعيداً وابتلاءً ، وتمحيصاً ، وعقاباً ، ( وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ، وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ). وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً:
والاقتصار في تعليل ما حدث بأنه مجرد أمر طبعي لا يسير إلا وفق نظم ونواميس كونية ... يدل على غفلة عن مدبر الكون ومسيِّره ، فمن الذي يجريها وفق ذلك النظام ، ويسلطها على من يشاء وفق تقديره وتدبيره !! .
( هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ ، وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ ، وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ).
القلوب المؤمنة تتعظ وتخبت وتنيب لربها، والقلوب الغافلة لا يشغلها سوى الخسائر الاقتصادية ، والمتابعة الإعلامية ،: ( لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها ، وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها ، وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها ، أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ، أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) .
المؤمن مرهف الحس حي القلب يتأثر بمثل هذه الأحوال المخيفة ، مقتدياً بهدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان إذا رأى ريحاً أو غيماً عُرِفَ ذلك في وجهه ، فأقبل وأدبر ، خوفاً من نزول عذاب.
عباد الله
إن ما حدث شاهد عظيم على قدرة الله جل جلاله ، فقدرته سبحانه فوق كل قدرة، وقوته تغلب كل قوة..
فقدرة الله لا يحدها شيء : (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا).
فهذا الإنسان كلما طغى وتكبَّر وتجبَّر في الأرض ، وادعى الوصول لأعلى درجات الكمال والاستغناء عن خالقه ، يبعث الله ما يبين له ضعفه وعجزه وفقره إلى مولاه: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيد) .
فماذا صنعت امريكا بأجهزتها وقوتها أمام هذا الجندي من جنود الله ...(الاعصار ) هل يستطيعون منعه أو إيقافه ؟
إنهم يشاهدون ما يحدث ، ولا يملكون نحوه شيئًا ، مع كل ما وصلوا إليه من علوم وتقنيات!!.
فأين قوتهم وقدرتهم، وأين دراساتهم وأبحاثهم، ومكتشفاتهم ومخترعاتهم؟
هل دفعت لله أمرًا؟ ، أو منعت عذابًا؟ أو عطَّلت قدراً؟!
في لحظات معدودة ينقلب الأمن خوفاً، وتتحول مكاسب شركات إلى خسائر قدرت بمئات الملايين،
نسأل الله أن يلطف بإخواننا المسلمين في كل مكان، وأن يجعل من هذه الآية عبرة يهدي بها أهل الضلال إلى صراطه المستقيم ودينه القويم. إنه سميع مجيب ،
الخطبة الثانية:
كلمة في عودة الحجاج بالسلامة والحث على عدم اطلاق المفرقعات النارية
المشاهدات 3620 | التعليقات 1

بارك الله فيك شيخ مازن ونفع بكم