الدلائلُ والبراهينُ عَلَى حُبِّ خيرِ المرسلينَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

عاصم بن محمد الغامدي
1438/03/10 - 2016/12/09 04:44AM
[align=justify] المِسْكُ الزَّكِيّ، فِي حُبِّ النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
الخطبة الأولى:
الحمدلله الذي قهر وغلب، فلا مانع لما أعطى ولا معطيَ لما سلب، غرس الإيمان في قلوب أحبابه وكَتَب، وأذاقهم لذيذ حبه فلم يجدوا في طَاعَتِه مَسَّ التعب، أحمده سبحانه، حمد من تاب إليه من ذنوبه وهرب، وأشكره شكرًا يفوق عدَّ من عدَّ وحسابَ من حَسَب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فارجُ الكُرَب، والمنجي من العَطَب، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله سيد العجم والعرب، المخصوص بالزلفى والتشريف والرتب، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ومن اقتفى شرعه المطهر وإلى دينه الحنيفي انتسب، أما بعد عباد الله:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، فتقوى الله خير لباس، وخير زاد، لله درُّ أقوامٍ كُلَّما لاحت لهم في مرآةِ الفكرِ ذُنُوبُهمْ، تَجَافَتْ عَنِ المضَاجِعِ خَوفًا جُنُوبُهُمْ، وكُلَّمَا نَظَرُوا فَسَاءَهُمْ مَكْتُوبُهُمْ {وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}، حَبَسُوا النُّفوسَ في سِجْنِ المحاسبة، وَبَسَطُوا عليها ألسن المعاتبة، وَمَدُّوا نحوها أكفَّ المعاقَبَة، و{إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}.
أيُّهَا المُسْلِمونَ:
عَنْ جَابِرِ بنِ عبدِاللهِ رضي الله عنهما، قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إلى جِذْعِ شَجَرَةٍ، ثُمَّ اتَّخَذَ مِنْبَرًا، فَحَنَّ الْجِذْعُ حَتَّى سَمِعَهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ، فأَتَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَسَحَهُ فَسَكَنَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ لَمْ أَحْتَضِنْهُ، لَحَنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". [رواه ابن ماجه وصححه الألباني].
وفي حَجَّةِ الوداعِ، نَحَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثلاثًا وستين بَدَنَةً، كنَّ يُقَرَّبْنَ إليهِ أرْسَالاً، كُلُّ رَسْلٍ خَمْسُ بَدَنَاتٍ أَوْ سِتٌ، فإذا رَأَيْنَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةٌ والسَّلامُ تَسَابَقْنَ إليهِ بأَيَّتِهنَّ يَبْدَأُ. [رواه الإمام أحمد في مسنده بإسناد صحيح رقم 19075].
فإذا كان هذا حال الجماد والحيوان، فكيف بحال أهل الإيمان؟
كيف تكون محبتُهم لمن أخرجهم الله به من الظلمات إلى النور، ونقلهم به من الضلال إلى الهدى، وهم يسمعون قولَه تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}.
وَيَسْمَعُونَ قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ». [متفق عليه].
قال بعض العلماء: المحبةُ ثلاثةُ أقسامٍ: محبةُ إجلالٍ وإعظامٍ كمحبةِ الوالدِ، ومحبةُ شفقةٍ ورحمةٍ كمحبةِ الولدِ، ومحبةُ مشاكلةٍ واستحسانٍ كمحبةِ سائرِ الناسِ، فَجَمَعَ صلى الله عليه وسلم أصنافَ المحبةِ في محبتِه.
ولذلك قدَّمَ صحابةُ الرسولِ صلى الله عليه وسلم حبَّه على كل شيءٍ.
هَذَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ: «لاَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ»، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآنَ، وَاللَّهِ، لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الآنَ يَا عُمَرُ». [رواه البخاري].
وهذا رَبِيعَةُ بْنُ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يَقُولُ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَقَالَ لِي: «سَلْ» فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: «أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ» قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: «فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ». [رواه مسلم].
ولما قُدِّمَ خُبَيْبُ بنُ عَدِيٍّ رضي الله عنه للقتلِ، قال له بعضُ المشركينَ: أَيَسُرُّكَ أَنَّ مُحَمَّدًا عِنْدَنَا تُضْرَبُ عُنُقُهُ، وَإِنَّكَ فِي أَهْلِكَ، فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ، مَا يَسُرُّنِي أَنِّي فِي أَهْلِي، وَأَنَّ مُحَمَّدًا فِي مَكَانِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ تُصِيبُهُ شَوْكَةٌ تُؤْذِيهِ. [زاد المعاد 3/219].
عباد الله:
حبُّ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من العِباداتِ، ولا يَجُوزُ لأحدٍ أن يعبدَ اللهَ إلا بِمَا شَرَعَ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ». [متفق عليه].
وَمِنْ دَلائلِ مَحَبَّتِه طَاعتُهُ والتأسِّي به.
لَوْ كان حبُّكَ صادقًا لأطعْتَهُ
إنَّ المحبَّ لمن يُحبُّ مُطيعُ.
وَقَدْ نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن الغلوِّ فيهِ، فقال: «لاَ تُطْرُونِي كَمَا أُطْرِيَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ». [رواه البخاري].
ومن الغلوِّ ابتداعُ طرقٍ للمَحَبَّةِ ما سنَّها ولا شَرَعَها، كالقصائد الشِّرْكِيَّةِ، والموالدِ البِدْعِيِّةِ، والاستِغَاثَةِ بِه، أوْ دُعَائِه.
ومن عجيب الطاعة ما ورد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " كُنْتُ أَسْقِي أَبَا عُبَيْدَةَ وَأَبَا طَلْحَةَ وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، مِنْ فَضِيخِ زَهْوٍ وَتَمْرٍ، فَجَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ الخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: قُمْ يَا أَنَسُ فَأَهْرِقْهَا، فَأَهْرَقْتُهَا [رواه البخاري].
ومن عجيبِ التأسِّي ما ورد أن عمرَ رضيَ اللهُ عنهُ عندما قَبَّلَ الحجرَ الأسودَ قَالَ: «إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ، لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ». [رواه البخاري ومسلم].
ومن دَلائِلِ حُبِّ النبي صلى الله عليه وسلم اتباع سنَّتِه، والذبُّ عن شريعتِه، {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}، وتربيةُ المرءِ أولادَه على ذَلكَ، من أهم المُهِمَّاتِ، كما كان الصحابةُ رضي الله عنهم يفعلون، فقد قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ الْمَسَاجِدَ إِذَا اسْتَأْذَنَّكُمْ إِلَيْهَا» فَقَالَ أحدُ أوْلادِهِ: وَاللهِ لَنَمْنَعُهُنَّ، قَالَ الرَّاوي: فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ: فَسَبَّهُ سَبًّا سَيِّئًا مَا سَمِعْتُهُ سَبَّهُ مِثْلَهُ قَطُّ، وَقَالَ: "أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقُولُ: وَاللهِ لَنَمْنَعُهُنَّ". [رواه مسلم].
وعادةُ المحبِّ الاقتداءُ بحبيبه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم «فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ -أَيْ فِي خِدْمَتِهم- فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ». [رواه البخاري].
وكان يطلقُ لحيتَهُ، ويكثرُ الاستغفارَ، ولا يدعُ قيامَ الليلِ، ولم يكنْ سبَّابًا ولا فاحشًا ولا متفحِّشًا صلواتُ اللهِ وسلامُه عليْه.
ومن دلائل حبِّه كثرةُ الصلاة والسلام عليه، فقد قال عليه الصلاة والسلام: «أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ القِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً». [رواه الترمذي وقال: هذا حديث حَسَنٌ غريبٌ وَحَسَّنَهُ الألباني].
ومن صلَّى عليه صلاةً، صلى الله عليه بها عشر صلواتٍ، وكتب له بها عشر حسناتٍ، ورفع له بها عشر درجاتٍ، ومحا عنه بها عشر سيئاتٍ، وصلَّت عليه الملائكةُ ما صلَّى عليه، وُرمي على طريق الجنَّة.
قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَسِيَ الصَّلَاةَ عَلَيَّ، خَطِئَ طَرِيقَ الْجَنَّةِ». [رواه ابن ماجه، وقال الألباني: حسن صحيح].
قَالَ بعضُ السَّلَفِ: لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، فَقَالَ: أَلاَ أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً سَمِعْتُهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقُلْتُ: بَلَى، فَأَهْدِهَا لِي، فَقَالَ: سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ الصَّلاَةُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البَيْتِ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ؟ قَالَ: «قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ». [رواه البخاري].
وتتأكد الصلاة عليه في يوم الجمعة، وبعد إجابة المؤذن، وفي الدعاء، وعند الهم والشدائد وطلب المغفرة، وفي أول النهار وآخرِه، وعند تبليغ العلم للناس، وليس للصلاة مكان محددٌ، فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، وَلَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا، وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ». [رواه أبو داود وصححه الألباني].
ومن دلائل حبِّه صلوات الله وسلامه عليه، حبُّ أهلِه وأصحابِه، وكثرةُ ذِكرِه والشوقِ إليه، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا، نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي، يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ». [رواه مسلم].
اللهم ارزقنا حبَّك، وحُبَّ من يُحبُّك، وحُبَّ العمل الذي يقربنا إلى حُبِّك.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمدلله حمد الشاكرين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد عباد الله:
فإن محبةَ النبي صلى الله عليه وسلم، كَفَايةٌ من الهمِّ، وتعرَّضٌ لرحمة اللهِ تعالى، وقُرْبٌ مِنْ شَفَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ أُبَيٌّ رَضِيَ اللهُ عنهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: «مَا شِئْتَ». قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ، قَالَ: «مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ»، قُلْتُ: النِّصْفَ، قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ»، قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ، قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ»، قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا قَالَ: «إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ». [رواه الترمذي وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ].
وفي محبة النبي صلى الله عليه وسلم نجاةٌ في الدنيا والآخرة، عَنْ سَفِينَةَ رضي الله عنه، قَالَ: رَكِبْتُ الْبَحْرَ فِي سَفِينَةٍ فَانْكَسَرَتْ، فَرَكِبْتُ لَوْحًا مِنْهَا، فطَرَحَنِي فِي أَجَمَةٍ فِيهَا أَسَدٌ، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا بِهِ، فَقُلْتُ: «يَا أَبَا الْحَارِثِ، أَنَا مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَأْطَأَ رَأْسَهُ، وَغَمَزَ بِمَنْكِبِهِ شَقِّي، فَمَا زَالَ يَغْمِزُنِي، وَيَهْدِينِي إِلَى الطَّرِيقِ، حَتَّى وَضَعَنِي عَلَى الطَّرِيقِ فَلَمَّا وَضَعَنِي هَمْهَمَ فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُوَدِّعُنِي». [رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي].
فكونوا يا عباد الله من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، واتقوا الله -رحمكم الله-، وقوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة؛ فإن الشقيَّ من حُرِمَ رَحْمَةَ الله -عياذًا بالله-، ثم صلوا وسلموا على خير البرايا، فقد أمركم الله تعالى بذلك فقال عز من قائل: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.
اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت، الواحدُ الأحدُ الصمدُ، الذي لم يلد ولم يولد، وبأنك أنت الله لا إله إلا أنت الواسع العليم، نسألك اللهم بنور وجهك الذي ملأ أركان عرشك، وبقدرتك على الخلق، وبرحمتك التي وسعت كل شيء أن تصليَ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وأن تبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وأن ترزقنا الحياة على سنته، والوفاةَ على ملتِه، وأن تقبضنا على هديه وشريعته، وأنت راضٍ عنا غير غضبان.
اللهم أوردنا في عرصات يوم القيامة حوضَه، وارزقنا شفاعته، واحشرنا في زمرته، وارزقنا جوارَه في جنات النعيم، إنك أنت الله لا إله إلا أنت الرحمن الرحيم.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها، دقها وجلها، علانيتها وسرها.
اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء، ودَرَك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء.
اللهم إنا نعوذ بك من الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، واجعل بلدنا آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم من أرادنا وديننا وأمننا وعلمائنا وولاتنا بسوء فأشغله بنفسه، ورد كيده في نحره، واجعل تدبيره في تدميره.
اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان، اللهم آمن روعاتهم، واستر عوراتهم، واحفظهم من بين أيديهم، وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن فوقهم، ونعوذ بعظمتك أن يغتالوا من تحت أرجلهم.
اللهم ارحم موتاهم، واشف مرضاهم، وداو جرحاهم، وفك أسراهم، واحفظ أعراضهم، وأطعم جائعهم.
اللهم العن كفرة أهل الكتاب، الذين يكذبون رسلك، ويقاتلون أولياءك، اللهم خالف بين كلمتهم، وألق في قلوبهم الرعب، وزلزل أقدامهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.
عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}، فاذكروا الله الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
[/align]
المشاهدات 886 | التعليقات 0