الدعاء ورمضان

خالد الكناني
1444/09/15 - 2023/04/06 14:14PM

     الدعاء ورمضان

الحمد لله ربّ العالمين ، الذي وسع سمعه الأصوات ، وعلم دعوات عباده مع اختلاف اللغات واللهجات ، بيده قضاء الحاجات ، سميع عليم ، قريب مجيب في جميع الأحوال والأوقات ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خير الداعين والمتضرعين والسائلين لربّ العالمين ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

أما بعد : 

أيها المسلمون الصائمون : هنيئًا لكم وأنتم تعيشون ظلال شهر القرآن شهر الرحمة والغفران ((  شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ... )) ، شهر تفتح فيه أبواب الجنات ، فيه ليلة خير من ألف شهر ، من صامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن قامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ .

عباد الله : للدعاء في رمضان طعم ومزية فالروح فيه تسمو والأنفس تقبل والقلب يرق ويخشع والعين تسيل وتدمع ، والله تعالى قريب ويسمع و يجيب لعباده ، ففي ثنايا آيات الصيام قال جل وعلا :

((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ))

أيها المسلمون :  إن ربنا تبارك وتعالى يدعونا لسؤاله وعرض حاجاتنا عليه

قال تعالى : ((وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ))

يامن أصابه المرض ، يامن ناله العوز ، يامن ابتلى بكرب ، يا كل من له حاجة أو اضطرار ، أسال الكريم المتعال ، مجيب المضطرين ومفرج هموم المهمومين ، ((أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ))

أيها الصائمون : إنكم في أوقات حرية بإجابة الدعاء ، الصائم في نهاره وعند فطره وفي أوقات السحر وعند سجوده وساعة الإجابة في يوم الجمعة ، ومقبلون على العشر الأواخر من رمضان وفيها ليلة القدر ،  إنها أوقات غاليات ، و ثمينات .

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ لَا تُرَدُّ، دَعْوَةُ الْوَالِدِ، وَدَعْوَةُ الصَّائِمِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ ))

أيها المسلمون : الدعاء واللجوء إلى الله دأب الأنبياء والصالحين ، قال تعالى : (( ... إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ))

فهذا نوحٌ عليه السلام ، لما ناله من قومه ما ناله ، نادى ربه تعالى فاستجاب له ونجاه ، قال تعالى : ((وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ))

وأيوب عليه السلام اشتد مرضه وطال سقمه ، فرفع أمره إلى ربه تبارك وتعالى ، فكشف عنه ضره،  قال تعالى : ((وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ))

ويونس عليه السلام لما التقمه الحوت، وذهب به إلى ظلمات البحار، فنادى في تلك الظلمات ربه تبارك وتعالى .

قال تعالى : ((وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ )) فنجاه الله من تلك الشدة التي وقع فيها .

ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، دعا ربه كثيرا في السراء والضراء سرا وعلانية ، ليلا ونهارا ،  فدعا لنفسه ولأصحابه ولآل بيته ولأمته ، صلى الله عليه وسلم ، ففي بدر الكبرى ، دعا ربه والح في الدعاء ((فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي , اللَّهُمَّ آتِنِي مَا وَعَدْتَنِي , اللَّهُمَّ إِنَّكَ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ , فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ , مَادًّا يَدَيْهِ , مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ , حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ , فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ , ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ , كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ , فَأَنْزَلَ اللهُ - عز وجل -: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} ، فَأَمَدَّهُ اللهُ بِالْمَلَائِكَةِ ، ونصره على عدوه .

أيها المسلمون الصائمون : الله الله في الدعاء والتضرع إلى رب الأرض والسماء في هذه الأيام والليالي المباركات الفاضلات ، فإن الله كريم حيي 

عَنْ سَلْمَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ أَنْ يَرْفَعَ إِلَيْهِ يَدَيْهِ، فَيَرُدَّهُمَا صِفْرًا، - أَوْ قَالَ: خَائِبَتَيْنِ )) أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم .

    **************************************************************

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .

أيها المسلمون : اتقوا الله حق التقوى واغتنموا ما بقي من شهركم وتزودوا بما يقربكم من ربكم ، قال تعالى : ((وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ ))  ، وها نحن في موسم المسابقة والمسارعة إلى الخيرات والله أمرنا بذلك في الآيات البينات ،قال تعالى : { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } ، عباد الله : إننا قادمون على العشر الأواخر من رمضان وهي ليال ، غاليات ومباركات فيها ليلة القدر خير من ألف شهر ، من قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن حرمها فقد حرم خيرا كثيرا ،  ، كان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يجتهد فيها كثيرا ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ )) ، وقَالَتْ رضي الله عنها : «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ»

عباد الله : إنها فرصة العمر أن نجتهد ونبذل ما في وسعنا ونتقرب إلى ربنا بكل أنواع العبادات ومشاركة المسلمين في إحياء هذه الليالي بالصلاة والقيام ، وتلاوة القرآن ، والدعاء والاستغفار ، والصدقة والإحسان ، وكل عمل يقرب من ربّ الأرض والسماء ،

أيها الصائمون : الله الله في الدعاء فأنتم في شهر الدعاء ، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إلى ما يستحب أن تدعو به في ليلة القدر عندما قالت رضي عنها : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَدْعُو؟ قَالَ: " تَقُولِينَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي )) ، فادعوا الله كثيرا لأنفسكم ، ولوالديكم ولأولادكم ، ولولاة أمركم ، ولمن يدافعون عنكم على ثغور بلادكم ، وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ، ....

هذا ، وصلّوا وسلِّموا على من أمركم  الله بالصلاة والسلام عليه فقال جل من قائل ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ))

 

 

 

المشاهدات 559 | التعليقات 0