اَلدُّعَاء لِلْأَبْنَاءِ طَرِيقَ صَلَاحِهِمْ
سعود المغيص
الخُطْبَةُ الأُوْلَى :
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً.
أَمَّا بَعْدَ عُبَّادِ اللهِ:
اتقُوا اللهَ تعالى واعلموا أَنه هنالك أَمْرٌ يُغْفِلُ عَنْهُ كَثِيرَ مِنْ النَّاسِ, وَهُوَ مِنْ الأُمُورِ المُهِمَّةُ, الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي مَنْهَجِ الآبَاءِ الحَرِيصِينَ عَلَى اِسْتِقَامَةٍ وَصَلاَح وَتَوْفِيقُ أَبْنَائِهِمْ..
أَيُّهَا الأُخُوَّةَ:. إِنَّهُ الدُّعَاءُ, الَّذِي يَغْفُلُ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ, وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الوَسَائِلِ المُعَيَّنَةِ وَالنَّافِعَةِ, لِسَعَادَةِ الأَبْنَاءِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ, يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( ثَلاَثُ دَعَوَاتٍ لَا تُرَدُّ; دَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ, وَدَعْوَةُ الصَّائِمِ, وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ),
فَشَأْنُ الدُّعَاءِ لِلأَبْنَاءِ شَأْنَ عَظِيمٌ, يَكْفِي فِي ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ الدُّعَاءِ الَّذِي أَمَرَ اللهَ تعالى بِهِ عُبَّادُهُ, وَوَعَدَهُمْ بِاِسْتِجَابَتِهِ فَقَالَ: ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ )
فَمِنْ فُضَلٍ اللهُ وَكَرَمُهِ, يَأْمُرُكَ أَنْ تَسْأَلَهُ, أَنْ تَدْعُوَهُ, أَنْ تَطْلُبَ حَاجَّاتُكَ مِنْهُ, وَيُخْبِرُكَ بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ سَيَسْتَجِيبُ لَكَ, بَلْ يَتَوَعَّدُكَ إِنَّ أَصَابَكَ الغُرُورُ بِكَثْرَةِ مَالِكَ, أَوْ صِحَّتُكِ, أَوْ جاهك, أَوْ سُلْطَانُكَ, أَوْ أَيَّ أَمَرَ تَرَى مَعَهُ أَنَّكِ لَسْتَ بِحَاجَةٍ لِهَذِهِ العِبَادَةِ: ( إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) وَيَقُولُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ لَمْ يَسْأَلْ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ)
فَدُعَاؤُكَ لِأَبْنَائِكَ أَخِي المُسْلِمِ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ عِبَادَتِكَ لِرَبِّكَ تَعَالَى, وَالمُسْتَفِيدُ الأَوَّلُ وَالأَخِيرُ هُوَ أَنْتِ, يَقُولُ صلى الله عليه وسلم : ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ, وَلَّا قَطِيعَةُ رَحِمٍ, إِلاَّ أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلاَثٍ: إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ دَعْوَتَهُ, وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الآخِرَةِ, وَإِمَّا أَنْ يَكُفَّ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ بِمِثْلِهَا) قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ يَا رَسُولَ اللهِ? قَالَ صلى الله عليه وسلم اللَّهُ أَكْثَرُ )..
أَيُّهَا الأُخُوَّةَ المُؤَمِّنُونَ: إِنَّ الأَدِلَّةَ وَالقِصَصَ وَالأَحْدَاثَ وَالوَقَائِعَ , الَّتِي تُبِينُ أَهَمِّيَّةَ الدُّعَاءِ لِلأَبْنَاءِ, وَتَأَكَّدَ اِسْتِجَابَةُ اللهِ لَهُ, كَثِيرَةٌ جِدًّا, وَلَكِنَّ لَعُلْنَا نُذَكِّرُ مِثَالًا وَاحِدًا, وَمَا هُوَ إِلَّا مِنْ بَابِ الذِّكْرَى, الَّتِي قَالَ اللهُ تعالى عَنْهَا : ( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ):.
يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَلَامُ فَقَدَ ثَلَاثَةً مِنْ أَبْنَائِهِ, فَقَدَ يوسِف, بَعْدَ أَنْ وَضَعَهُ أُخُوَّتُهِ فِي البِئْرِ, ثُمَّ بِنْيَامِين الَّذِي أَخَذَهُ يوسِف عِنْدَهُ, عِنْدَمَا ذَهَبَ إِلَى مِصْرَ مَعَ أُخُوَّتِهِ, وَالثَّالِثُ الَّذِي قَالَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ) فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ( فَسَأَلَ اللّه تَعَالَى أَنْ يَحْفَظَ أَبْنَاءَهُ, وَأَنْ يَرُدَّهُمْ إِلَيْهُ, كَمَا قَالَ تَعَالِيَ عَنْهُ: ) فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ( فَاِسْتَجَابَ اللهُ تعالى دُعَاءَهُ لِأَبْنَائِهِ, فَجُمْعَةُ مَعَهُمْ وَبِهُمْ, وَأَحَدُهُمْ وَزِيرًا لِمَالِيَّةِ مِصْرَ, لَا يَصْرِفُ صاع طَعَامٌ إِلَّا مِنْ تَحْتِ يَدِهِ, كَمَا قَالَ تَعَالَى: ( فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللهُ آَمِنِينَ ، وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ).
فَاِحْرِصُوا عَلَى الدُّعَاءِ أَيُّهَا الأُخُوَّةَ وَخَاصَّةً لِأَبْنَائِكُمْ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِينَ, أَنْ يُصْلِحَهُمْ وَأَنْ يَرْزُقَكُمْ بِرَّهُمْ, وَأَنْ يَجْمَعَكُمْ بِهِمْ فِي أَعْلَى مَنَازِلِ الجَنَّةِ, } إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ,
أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يصلح النية والذرية إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ..
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالقُرْآنِ العَظِيمِ, وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهُ مِنْ الآيَاتِ وَالذِّكْرَ الحَكِيمَ,
أَقُولُ قُولِي هَذَا وَاِسْتَغْفِرْ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَإِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية :
الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً.
اتقُوا اللهَ تعالى واعلموا أَنه وَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ وَنَحُثُّ وَنُوَصِّي بِالدُّعَاءِ لِلأَبْنَاءِ, يَجْدُرُ بِنَا أَنْ نُحَذِّرَ مِنْ الدُّعَاءِ عَلَيْهُمْ, قَالَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ ) وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ; وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ, وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ, لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءًا فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ ) .
اَللَّهُمَّ بَارَكَ لِنَّا فِي أَبْنَائِنَا وَبَنَاتِنَا, اَللَّهُمَّ اُرْزُقْنَا بِرَّهُمْ, وَنَجَاحُهُمْ وَفَلَّاحُهِمْ, وَاِسْتِقَامَتُهِمْ وَصَلَاحُهِمْ, اَللَّهُمَّ اِجْعَلْهُمْ هُدَاةً مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ,
اَللَّهُمَّ حَبَّبَ إِلَيْهِمْ الإِيمَانَ وَزَيْنَة فِي قُلُوبِهِمْ, وَكْرُهُ إِلَيْهِمْ الكُفْرُ وَالفُسُوقُ وَالعِصْيَانُ وَاِجْعَلْهُمْ مِنْ الرَّاشِدِينَ,
اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ ذُنُوبَهُمْ, وَطَهِّرْ قُلُوبَهُمْ, وَحَصِّنْ فَرُوّجَهُمْ, وَ حُسْنُ أَخْلَاقِهِمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.
اللَّهُمَّ علمنا ماينفعنا ..
اللَّهُمَّ استعملنا في طاعتِك، وثَبِّتْنا على دينِك، وارزقْنَا الإخلاصَ في أقوالِنا وأعمالِنا، وخَلِّصْنا من حقوقِ خلقِك، وباركْ لنا في الحلالِ من رزقِك وتوفَّنَا مسلِمِين وألْحِقْنا بالصالحينَ،
اللهُمَّ أصلحْ أحوالَ المسلمينَ في كل مكان اللهم أصلحْ أحوالَهم في السودان ، اللهم احفظهم ، واقهم شر الفتن ، واجمع كلمتهم ووحد صفوفهم .
اللهُمَّ احفظْ بلادَنا مِمَّنْ يكيدُ لها، وأَعِذْهَا من شرِّ الأشرارِ وكَيْدِ الفُجَّارِ،
اللهُمَّ وَفِّقْ ولاةَ أمرِنا بتوفيقِك، وأيِّدْهم بتأييدِك، واجعلهم من أنصارِ دينِك، وارزقْهُم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ يا ذا الجلالِ والإكرامِ،
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
سبحانَ ربِّك ربِّ العزّةِ عمّا يصفونَ، وسلامٌ على المرسلينَ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ..