الْخِيَانَةُ
د صالح بن مقبل العصيمي
الْخِيَانَةُ
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
إنَّ الحمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا . أمَّا بَعْدُ ... فَاتَّقُوا اللهَ- عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا ، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ .
عِبَادَ اللَّهِ، لَيْسَ هُنَاكَ شَرٌّ مِنَ الْخِيَانَةِ وَلَا خُلُقٌ أَسْوَءُ مِنْهَا؛ وَقَدِ اسْتَعَاذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا فَقَالَ: (وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخِيَانَةِ، فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ)، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (كُلُّ الْخِلَالِ يُطْوَى عَلَيْهَا الْمُؤْمِنُ إِلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ). رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَقَالَ الْهَيْثَمِيُّ: رِجَالُهُ ثِقَاتٌ.
وَلَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا نَفْسَهُ بِأَنَّهُ يَمْكُرُ بِالْمَاكِرِينَ وَيَخْدَعُ الْمُخَادِعِينَ وَيَسْتَهْزِئُ بِالْمُسْتَهْزِئِينَ، وَلَكِنْ عِنْدَ الْخِيَانَةِ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ يَخُونُ الْخَائِنِينَ، بَلْ قَالَ: (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) فَالْإِسْلَامُ يَكْرَهُ الْخِيَانَةَ وَيَحْتَقِرُ الْخَائِنِينَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ، وَيَكْشِفُونَ الْأَسْرَارَ وَيَهْتِكُونَ الْأَسْتَارَ، وَالْإِسْلَامُ لَا يَجْعَلُ الْغَايَةَ مُبَرِّرَةً لِلْوَسِيلَةِ؛ وَلِذَا نَهَى أَنْ يُعامَلَ الْخَائِنُ بِنَفْسِ أُسْلُوبِهِ، لِأَنَّ أُسْلُوبَهُ دَنِيءٌ رَخِيصٌ، فَأَوْصَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَلَّا يُعَامَلَ الْخَائِنُ بِمِثْلِ تَعَامُلِهِ فَقَالَ: (أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. فَانْظُرْ إِلَى هَذَا الْمُسْتَوَى الْعَظِيمِ وَالرُّقِيِّ فِي التَّعَامُلِ، وَالتَّسَامِي عَنِ الرَّذَائِلِ؛ فَمَهْمَا تَكَلَّمَ مُتَكَلِّمٌ لَا يُمْكِنُ أَنَّ يُوَفِّيَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ النَّبَوِيَّةَ حَقَّهَا: (وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ)، إِلَى أَيِّ مُسْتَوًى ارْتَقَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ؟ لَقَدْ رَفَعَهُمْ إِلَى قِمَّةٍ سَامِقَةٍ وَعَلْيَاءَ بَارِقَةٍ، لَا يَدْعُو لَهَا بَشَرٌ عَادِيٌّ؛ لِأَنَّ قَائِلَهَا قَدِ امْتَلَأَ ثِقَةً بِاللَّهِ بِأَنَّ اللَّهَ لَنْ يُضَيِّعَهُ. فَلَا تُقَابِلْ خِيَانَةَ مَنْ خَانَ بِخِيَانَةٍ مِثْلِهَا، فَالْخِيَانَةُ لَا تُبَاحُ فِيهَا الْعُقُوبَةُ بِالْمِثْلِ. فَكَوْنُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ خِيَانَةِ الْخَائِنِ؛ يَعُودُ لِأَنَّهَا خُلُقٌ ذَمِيمٌ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَوَعَّدَ الْخَائِنَ فَقَالَ: (فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ)، فَاللَّهُ لَنْ يَتْرُكَ الْمَخْدُوعَ وَحْدَهُ، وَلَنْ يُفْلِتَ لِلْخَائِنِينَ خِيَانَتَهُمْ، وَلَنْ يُعْجِزَ اللَّهَ طَلَبُهُ، فَلْيَطْمَئِنَّ أَصْحَابُ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ وَالْوَسَائِلِ الْمَشْرُوعَةِ بِأَنَّ اللَّهَ سَيُمَكِّنُهُمْ مِنْ أَصْحَابِ الْغَدْرِ وَالْخِيَانَةِ، أَصْحَابِ الْوَسَائِلِ الْخَبِيثَةِ الدَّنِيئَةِ الْخَسِيسَةِ، وَيَكْفِي فِي الْخِيَانَةِ ذَمًّا وَقَدْحًا وَعَيْبًا أَنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ أَهْلَهَا حَيْثُ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ) فَالْخِيَانَةُ مَبْغُوضَةٌ عِنْدَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي جَمِيعِ صُوَرِهَا وَمَظَاهِرِهَا. وَبَيَّنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّهُ لَا يَهْدِي كَيْدَ أَهْلِ الْخِيَانَةِ فَقَالَ: (وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ). وَقَدْ حَذَّرَ اللَّهُ مِنَ الْخِيَانَةِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ). فَالْخِيَانَةُ خُلُقٌ لَا يَتَّصِفُ بِهِ إِلَّا أَعْدَاءُ الدِّينِ، بَلْ إِنَّ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ يَحْفَظُ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ وَلَا يَخُونُ أَبَدًا؛ قَالَ تَعَالَى: (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) فَالْخِيَانَةُ لَا يَفْعَلُهَا مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ إِيمَانٌ أَوْ خُلُقٌ أَوْ مُرُوءَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ مَفْطُورٌ عَلَى الْأَمَانَةِ وَسَلَامَةِ الْخُلُقِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَجْتَمِعَ فِيهِ صِفَتَا الْخِيَانَةِ وَالْأَمَانَةِ أَبَدًا.
* وَأَفْحَشُ مَا تَكُونُ الْخِيَانَةُ هِيَ الْخِيَانَةُ الْعَامَّةُ، الْخِيَانَةُ الْعُظْمَى، خِيَانَةُ الدِّينِ، فَحِينَمَا يَخُونُ الْإِنْسَانُ دِينَهُ وَيَكُونُ عَامِلًا مِنْ عَوَامِلِ الْإِسَاءَةِ إِلَيْهِ، وَيَكُونُ مِعْوَلَ هَدْمٍ لِلْأُمَّةِ، وَيُسَلِّطُهُمْ عَلَى أَهْلِ مُعْتَقَدِهِ، فَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا خَائِنٌ مُبِينٌ، وَمُجْرِمٌ أَثِيمٌ.
* وَمِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْخِيَانَةِ لِلْأُمَّةِ خِيَانَةُ الْوَطَنِ وَكَشْفُ أَسْرَارِهِ لِأَعْدَائِهِ؛ فَيَتَعَاوَنُ مَعَ أَعْدَاءِ بَلَدِهِ؛ لِتَقْوِيضِ أَمْنِهِ، وَهَزِّ اسْتِقْرَارِهِ، وَبَثِّ الرُّعْبِ وَالْخَوْفِ فِي قُلُوبِ سَاكِنِيهِ، وَالتَّعَاوُنُ مَعَ الْأَعْدَاءِ لِإِقَامَةِ الْمُظَاهَرَاتِ وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهَا وَالسَّيْرِ فِيهَا، وَتَضْخِيمِ أَمْرِهَا أَوِ التَّهْوِينِ مِنْ خَطَرِهَا، أَوْ صُنْعِ الْمُبَرِّرَاتِ لَهَا.
*وَمِنَ الْخِيَانَةِ التَّعَاوُنُ مَعَ أَعْدَاءِ الدِّينِ وَالْأُمَّةِ بِإِعْطَائِهِمْ مَعْلُومَاتٍ عَنِ الْوَطَنِ وَكَشْفِ أَسْرَارِهِ، وَبَيَانِ مَصَادِرِ قُوَّتِهِ. *وَمِنَ الْخِيَانَةِ: بَثُّ الْأَرَاجِيفِ وَالْأَكَاذِيبِ حَوْلَ وَطِنَهِ وَنَشْرُهَا وَتَرْوِيجُ الشَّائِعَاتِ نَحْوَهُ سَوَاءٌ عَبْرَ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ أَوْ عَبْرَ التَّخَابُرِ السَّرِيِّ مَعَ الْعَدُوِّ. وَيُؤَلِّبُونَ الْأَعْدَاءَ عَلَى بَلَدِهِمْ وَيُهَيِّؤُونَ الطَّرِيقَ لَهُمْ وَيَتَمَادُونَ بِإِطْلَاقِ الْإِشَاعَاتِ وَيُتِيِّهُونَ الْعُقُولَ، وَيُحَاوِلُونَ إِفْزَاعَ الْمُجْتَمَعِ وَيَجْعَلُونَ قُلُوبَ أَهْلِهِ خَاوِيَةً، وَيَتَعَاوَنُونَ مَعَ وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ الْخَارِجِيَّةِ، فَبَعْضُهُمْ يُفْسِدُ فِي الدَّاخِلِ، وَبَعْضُهُمْ يُهَاجِمُ مِنَ الْخَارِجِ.
وَإِنَّ مِنَ الْخِيَانَةِ لِلْوَطَنِ نَشْرَ مَا فِيهِ مَضَرَّةٌ عَلَى أَمْنِهِ وَاسْتِقْرَارِهِ وَحَجْبَ مَا فِيهِ مِنْ خَيْرٍ وَمَنْفَعَةٍ؛ فَيَنْشُرَ الْمَعَائِبَ بَيْنَ النَّاسِ، وَيَسْتُرَ الْمَحَاسِنَ وَالْمَفَاخِرَ، فَإِنْ رَأَوْا حَسَنَاتٍ سَتَرُوهَا، وَإِنْ رَأَوْا سَيِّئَاتِ أَذَاعُوهَا، فَيَا لَلْعَجَبِ مِنْ هَذِهِ الْأَنْفُسِ الدَّنِيئَةِ الَّتِي لَا تَخْشَى اللَّهَ وَلَا تَسْتَحِي مِنَ النَّاسِ! وَصَدَقَ رَسُولُ الْهُدَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قَالَ: (إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. إِنَّ الْعَالَمَ بِأَسْرِهِ يَعُدُّ خِيَانَةَ الْوَطَنِ مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْخِيَانَةِ، وَلَا يَتَسَامَحُ مَعَ خَائِنٍ لِدِينِهِ وَأُمَّتِهِ أَبَدًا.
عِبَادَ اللَّهِ، إِنَّ خِيَانَةَ الْأُمَّةِ وَالْوَطَنِ جُرْحٌ يَصْعُبُ انْدِمَالُهُ، وَكَسْرٌ لَا يُمْكِنُ انْجِبَارُهُ، وَحُرْقَةٌ لَا يُمْكِنُ تَحَمُّلُهَا، وَلَا تَقِلُّ عَنِ الْخِيَانَةِ الْمُدَافَعَةُ عَنِ الْخَوَنَةِ، وَالتَّبْرِيرُ لَهُمْ، حَيْثُ قَالَ اللَّهُ: {وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} أَيْ: وَلَا تَكُنْ لِمَنْ خَانَ مُسْلِمًا أَوْ مُعَاهَدًا فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ، أَوْ خَانَ وَطَنَهُ وَأُمَّتَهُ، خَصِيمًا تُخَاصِمُ عَنْهُ، وَتَدْفَعُ عَنْهُ مَنْ طَالَبَهُ بِحَقِّهِ الَّذِي خَانَهُ فِيهِ، فَلَا يَجُوزُ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يُدَافِعَ عَنْ خَائِنٍ ثَبَتَتْ خِيَانَتُهُ؛ لأَنَّ فِي ذَلِكَ تَهْوِينٌ مِنَ الشَّرِّ وَأَهْلِهِ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخِيَانَةِ فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةِ. أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ، وَلِـجَمِيعِ الْمُسْلِمِـيـنَ فَاِسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ ،وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً . أمَّا بَعْدُ ...... فَاِتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى
عِبَادَ اللَّهِ، إِنَّ الْخِيَانَةَ مُضَادَّةٌ لِلْإِيمَانِ، مُخَالِفَةٌ لَهُ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ: (لَا يَجْتَمِعُ الْإِيمَانُ وَالْكُفْرُ فِي قَلْبِ امْرِئٍ، وَلَا يَجْتَمِعُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ جَمِيعًا، وَلَا تَجْتَمِعُ الْخِيَانَةُ وَالْأَمَانَةُ جَمِيعًا). وَلَمْ يُجَوِّزِ الْإِسْلَامُ شَهَادَةَ خَائِنِ؛ لِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:(لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ)، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رَدَّ شَهَادَةَ الْخَائِنِ وَالْخَائِنَةِ). وَعَدَّ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخِيَانَةَ مِنَ النِّفَاقِ حَيْثُ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ:(آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ). وَأَخْبَرَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ الْخَائِنَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ؛ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(وَأَهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ: وَذَكَرَ مِنْهُمْ: وَالْخَائِنُ الَّذِي لَا يَخْفَى لَهُ طَمَعٌ وَإِنْ دَقَّ إِلَّا خَانَهُ، وَرَجُلٌ لَا يُصْبِحُ وَلَا يُمْسِي إِلَّا وَهُوَ يُخَادِعُكَ عَنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ)، وَلَقَدْ عَدَّ الْعُلَمَاءُ الْخِيَانَةَ مِنَ الْكَبَائِرِ، قَالَ الْإِمَامُ الذَّهَبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهَ: (وَالْخِيَانَةُ قَبِيحَةٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَبَعْضُهَا شَرٌّ مِنْ بَعْضٍ) انْتَهَى كَلَامُهُ رَحِمَهُ اللَّهَ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخِيَانَةِ، فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ، وَنَعُوذُ بِكَ أَنْ نَكُونَ عَنِ الْخَائِنِينَ مُدَافِعِينَ.
الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ ،حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَأَقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، ونَسْتَعِيذُ بِكَ مِمَّا اسْتَعَاذَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ، رَبَّنَا وآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ .وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...
المرفقات
282430
282430
282432
282432
مشكولة-18
مشكولة-18
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق