الخوارج شر الخلق والخليقة

الْخَوَارِجُ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي أمر المؤمنين بطاعة ولاة الأمور ، ورتب على ذلك السعادة والوقاية من الفتن والشرور . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وعد من أطاعه بتجارة لن تبور . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أخذ على المؤمنين السمع والطاعة لولاة أمرهم في المنشط والمكره وفي العسر والميسور ، وحذَّرَهم من نقض البيعة وشق عصا الطاعة وتوعد من فعل ذلك بالويل والثبور . صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين استقاموا لولاة أمرهم ونصحوا لهم وعلى التابعين لهم بإحسان وسلم تسليماً ما تعاقبت الأزمان والدهور . أما بعد :-

فاتقوا الله ربكم ، وأطيعوه دهركم ، وخذوا حذركم . : { وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب } [الأنفال:25] .

عباد الله : أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن افتراق الأمم ، فقال صلى الله عليه وسلم : { افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة ، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار إلى واحدة ، قالوا : من هي يا رسول الله ؟ قال من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي } .  فلا نجاة إلا بإتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وما عليه أصحابه من المهاجرين والأنصار ، وسلوك منهجهم والسير على طريقهم .

عباد الله : إن الفرق التي ضلت عن منهج أهل السنة والجماعة فرق كثيرة ، لكن شرها وأخبثها وأعظمها خطراً ، وأكثرها فساداً وضرراً ، فرقةَ الخوارج ، الفرقة المارقة ، التي يقوم منهجها المنحرف على تكفير المسلمين بالمعاصي والذنوب ، واستحلال الدماء المعصومة ، والخروج على ولاة الأمور ، والإنكار عليهم بالقوة والسلاح ، ويسعون في إزالة الأمن والاستقرار في المجتمعات الإسلامية .

قال الإمام أحمد ابن حنبل : " الخوارج قوم سوء ، لا أعلم في الأرض شراً منهم " .

وقد حذرنا النبي ﷺ من الخوارج أبلغ تحذير ، وأنكر على أول رجل ظهر منهم أبلغ نكير ، وأصل هؤلاء الخوارج كان موجودا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم حيث أنه قد جاءته الغنائم في غزوة حنين فقسَّمها صلى الله عليه وسلم ، وقد فضَّل أُناسا من أُمراء القبائل في الأعطيات من أجل مصلحة عظيمة رآها صلى الله عليه وسلم وهي تأليفهم على الإسلام ، فجاءه رجل يقال له ذو الخويصرة فقال له : " اعدل يا محمد فإنك لم تعدل " ، وفي لفظ قال : " إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله " ، فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال : ( ويحك ، ومن يعدل إذا لم أعدل ) ، فلما ولى مدبرا أخبر عليه الصلاة والسلام : ( أنه يخرج من ضئضئ هذا أقوام تحقِرون صلاتكم مع صلاتهم ، وصيامكم مع صيامهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ) "متفق عليه" ، وقال عنهم عليه الصلاة والسلام : ( كلاب النار ) ، وقال : ( شرُّ قتلى تحت أديم السماء ) . وقال : ( لئن لقيتهم لأقتلنَّهم قتل عاد ) ، وقال : ( هم شر الخلق والخليقة طوبى لمن قتلهم وقتلوه ) . ومن كمال نصح النبي ﷺ وشفقته على أمته ، فقد وصفهم بأوصاف واضحة للحذر منهم :

فمن صفاتهم : أنهم يبالغون في الاجتهاد في العبادة كقراءة القرآن والصلاة والصيام ، فيستفاد من هذا الوصف أنه لا ينبغي للمسلمين أن يغتروا بعبادة الخوارج وإظهارهم الصلاح والنسك والخشوع والغَيرة على الدين ونحو ذلك ، فيظنوا أنهم على حق ، لأن الاجتهاد في العبادة لا يلزم منه صحةُ المعتقد ولا صحةُ المنهج ولا صحةُ الديانة ولا حتى حسنُ العاقبةِ يومَ القيامة . فهؤلاء الخوارج وصفهم النبي ﷺ بالعبادة العظيمة ومع ذلك أخبر أنهم يمرقون من الدين ، وأنه لو أدركهم لقتلهم ولم يُبق منهم أحداً ، وأنهم شر الخلق والخليقة ، وأنهم كلابُ النار في الآخرة والعياذ بالله . فأساسُ الاستقامة وأصلُها التزامُ عقيدة السلف الصالح ، لأنها الفهم الصحيح لكتاب الله ولسنة رسول ﷺ . وإلا فالفِرَقُ كلها تستدل بالكتاب والسنة ولكنْ بأفهامٍ منكوسة ، ونظراتٍ معكوسة ، لا تتفق مع فهم الصحابة والتابعين لهم بإحسان .

ومن صفاتهم : الجهل بالكتاب والسنة ، وسوء الفهم لمعانيهما ، فَيُنْزِلُون الآيات التي نزلت في الكفار على المسلمين لذا كَانَ ابْنُ عُمَرَ ، يَرَاهُمْ شِرَارَ خَلْقِ اللَّهِ ، وَقَالَ :      « إِنَّهُمُ انْطَلَقُوا إِلَى آيَاتٍ نَزَلَتْ فِي الكُفَّارِ، فَجَعَلُوهَا عَلَى المُؤْمِنِينَ » رواه البخاري . وكما قال صلى الله عليه وسلم : ( يقرؤن القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم ) رواه مسلم . فهم يعتمدون على فهمهم للنصوص دون الرجوع إلى أهل العلم وما ضل من ضل إلا بذلك . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيراً . أما بعد :-

فمن صفات الخوارج أيضاً التي يجب على المسلمين معرفتها ليحذروا منهم :

الطعن في العلماء المعروفين المعتبرين ، كهيئة كبار العلماء ، واللجنة الدائمة للإفتاء ، فهم لاعتبار لهم ، ولا قيمة لفتاواهم ، بل يتهمونهم بعدم فقههم للواقع ، وأنهم لم يفتحوا صدورهم للشباب ، ولم ينزلوا للساحة ، وأنهم علماء سلطان ، وأنهم لا ينطقون بالحق ، وغير ذلك مما يقوله الأفاكون ،  ويصرفون الشباب عن مجالسهم ، لأن الشباب إذا أخذوا عن العلماء السلفيين والتفوا حولهم رغبة في العلم كان ذلك سبباً في سلامتهم ، وبغضهم للخوارج ، لأن العلماء يُحذِّرون من فكرهم ، وجعلوا لهم علماء خاصين ، يصرفون الشباب إليهم ، ويحثونهم على الاستفادة منهم .

ومن صفاتهم  إخفاء محاسن ولاة الأمر وكتمانها ، وهذه العلامة من ابرز العلامات التي يستطيع الإنسان أن يميز بها بين دعاة الضلال ودعاة الهدى ، فدعاة الضلال ، أهل الفتنة لا ينسبون إلى ولاة الأمر شيئا من الخير ، يجحدون كل خير يفعله ولاة الأمر ، من إقامة الصلوات وحماية الثغور والقيام على خدمة الحرمين وحجاج بيت الله الحرام ، والسعي في استباب الأمن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتحكيم الشريعة والإنفاق على الدعوة والدعاة ونصرة الإسلام وأهله ، إلى غير ذلك من الأمور المحمودة . وهذا مخالفة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من لا يشكر الناس لا يشكر الله تعالى ) ، ومن أهدافهم في كتم محاسن ولاة أمرهم حتى لا يكون في نفوس الناس محبة لهم ، ومن ثم لا يكون الاجتماع ولا الالتفاف حولهم . فهذه علامة من أبرز علاماتهم ، فإذا رأيت أو سمعت متحدثا يُخفي محاسن ولاة الأمر وينشر معايبهم ويتصيد أخطاءهم فاعلم أنه من دعاة الضلال والفتنة .

ومن صفاتهم : أن تنظيمهم حزبي سري سياسي مبني على التّقية والتستر وعدم الظهور ، يُظهرون الولاء للأمراء والمحبة للعلماء تقية لكن كلامهم في المجالس الخاصة بهم ، يُخالف ما يُظهرون ، ولا يعلنون فكرهم ولا يبينون منهجهم إلا في مجالسهم الخاصة ، وفي ملتقياتهم السرية ، وعند ممن هم على شاكلتهم ، وخاصة الذين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم صفاتهم : ( حدثاء الأسنان ، سفهاء الأحلام ) ، الذين يستغلون حداثة سنهم ، وسفاهة عقولهم ، لعمل ما يريدون ، وتنفيذ ما يخططون له ، فعند هؤلاء المساكين الصغار، أولائك هم العلماء ، وهم القادة المربون ، وهم المجاهدون .

ومن صفاتهم : إظهار شيء من الحق للتوصل إلى الباطل ، فيظهرون الإصلاح والمطالبة بتحكيم الشريعة ـ مع أنها محكّمة ـ ليتوصلوا بذلك إلى حمل السلاح وإسقاط الدولة . فكم من كلمة حق أريد بها باطل ، فلا تغتروا بمن يزعم أنه ينطق بكلمة الحق لكن هواه ونصرته لغير أهل السنة السلفيين .. ولا تظنوا أن الخوارجَ فرقةٌ كانتْ وبادتْ ، بل لا تزال موجودةً بأفكارها ومنهجها وسلوكها ، فالجماعات التي تنتهج التكفير والخروج على الحكام وتقوم بالمظاهرات والتفجيرات وتنفذ الاغتيالات هي امتداد لعقيدة الخوارج ، سواء تسمّى أصحاب هذا المنهج بالإخوان المسلمين ، أو تنظيم القاعدة أو جبهة النصرة أو غير ذلك من التسميات ، فالعبرة بالمنهج الذي يتبناه الفرد أو الجماعة . فاعرفوا صفاتهم ، واحذروا سبيلهم ، وحافظوا على أنفسكم وأبنائكم ومن حولكم من الانخراط في طريقتهم الفاسدة ، وحذّروا منهم ، وأفسدوا عليهم خُطَطَهم بتمسككم بعقيدتكم ، وصدقِ ولائِكم لولاة أموركم ، وتوقيرِكم لعلماءِ السنة والأخذِ عنهم ، وبالتعاونِ مع الدولةِ أيدّها الله بالتبليغ عن كل مُحرّضٍ ومثيرٍ للفتنة وساعٍ في إفساد دينِنا أو أمنِنا . اللهم إنا نعوذ بك من الخوارجِ شرارِ الخلقِ وكلابِ النار ، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم . اللهم احفظ على بلادِنا أمنَها واستقرارَها وعزتها وعقيدتها واجتماعَ كلمتِها وسائرَ بلاد المسلمين . اللهم وفقّ إمامنا وولي عهده بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم من أنصار دينك ، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة ، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين ، وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان ، اللهم احفظ جنودنا المرابطين على حدودنا ، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ، اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وارض اللهم عن التابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين . ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ) ، وأقم الصلاة .

 

( خطبة الجمعة 5/2/1446هـ . جمع وتنسيق خطيب جامع العمار بمحافظة الرين / عبد الرحمن عبد الله الهويمل                          للتواصل جوال و واتساب /  0504750883  ) .

المرفقات

1722935035_الْخَوَارِجُ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ.docx

المشاهدات 263 | التعليقات 0