الخوارج-بدء الشرارة وحالة التشظي-وصف وتحذير
د. محمد بن سعود
إن الحمد لله نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، نحمدُه – سبحانه – أَولانَا مِنَنًا دِفاقًا أعطافًا، سبحانه وبحمدِه هو أهلُ المجدِ والثناء، والحمدِ والشُّكر والرجاء.
لك الحمدُ حمدًا أنت وفَّقتَنا له *** وعلَّمتَنا من حمدِك النَّظمَ والنَّثْرًا
لك الحمدُ كم قلَّدتَنا من صَنيعَةٍ *** وأبدَلتَنا بالعُسْر يا ربَّنا يُسْرًا
وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، توعَّد بالخَسارِ أهلَ الأهواء زَيغًا وإرجافًا، وأشهدُ أن نبيَّنا وسيِّدَنا مُحمدًا عبدُ الله ورسولُه أفضلُ الخَليقةِ محتِدًا وأشرافًا، صلَّى الله وبارَك عليه، وعلى آله وصحبِه خِيارِ هذه الأمة خلَفًا وأسلافًا، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ يرجُو من اللهِ قُربًا وازدِلافًا، وسلَّم تسليمًا كثيرًا يتضاعَفُ إلى يوم الدين أضعافًا ويَطيبُ أكنافًا. أما بعد .. فيا عباد الله: اتَّقُوا الله حقَّ تُقاتِه؛ فإن خيرَ الوصايَا وصيَّةُ ربِّ البرَايَا) وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ(
وكُنْ مُخبِتًا لله بالتقوَى التي *** هِيَ الزادُ للأُخرى ودَعْ كلَّ مَنْ أَلْوَى
فحَسبُكَ وانزِلْ حيثُمَا نزلَ الهُدَى *** وكُنْ حيثُما كان التورُّعُ والتقوَى
أيها المسلمون: ومن غير مقدمات ولا ممهدات؛ أبدأ بهذه القَصص: (عَاثُوا فِي الْأَرْضِ فَسَادًا، وَسَفَكُوا الدِّمَاءَ، وَقَطَعُوا السَّبِيلَ، وَاسْتَحَلُّوا الْمَحَارِمَ، وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ قَتَلُوهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَبَّابٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَسَرُوهُ وَامْرَأَتَهُ مَعَهُ وَهِيَ حَامِلٌ، فَقَالُوا لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَبَّابٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَنْتُمْ قَدْ رَوَّعْتُمُونِي. فَقَالُوا: لَا بَأْسَ عَلَيْكَ، حَدِّثْنَا مَا سَمِعْتَ مِنْ أَبِيكَ. فَقَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «سَتَكُونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي،» فَقَادُوهُ بِيَدِهِ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَسِيرُ مَعَهُمْ إِذْ لَقِيَ بَعْضُهُمْ خِنْزِيرًا لِبَعْضِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَضَرَبَهُ بَعْضُهُمْ بِسَيْفِهِ فَشَقَّ جِلْدَهُ، فَقَالَ لَهُ آخَرُ: لِمَ فَعَلْتَ هَذَا وَهُوَ لِذِمِّيٍّ؟ فَذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ الذِّمِّيِّ فَاسْتَحَلَّهُ وَأَرْضَاهُ. وَبَيْنَمَا هُوَ مَعَهُمْ إِذْ سَقَطَتْ تَمْرَةٌ مِنْ نَخْلَةٍ فَأَخَذَهَا أَحَدُهُمْ فَأَلْقَاهَا فِي فَمِهِ، فَقَالَ لَهُ آخَرُ: بِغَيْرِ إِذْنٍ وَلَا ثَمَنٍ؟ فَأَلْقَاهَا ذَاكَ مِنْ فَمِهِ، وَمَعَ هَذَا قَدَّمُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَبَّابٍ فَذَبَحُوهُ، وَجَاءُوا إِلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَتْ: إِنِّي امْرَأَةٌ حُبْلَى أَلَا تَتَّقُونَ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ! فَذَبَحُوهَا وَبَقَرُوا بَطْنَهَا عَنْ وَلَدِهَا ... وَلَمْ يَتْرُكُوا طِفْلًا وَلَا طِفْلَةَ وَلَا رَجُلًا وَلَا امْرَأَةً ; لِأَنَّ النَّاسَ عِنْدَهُمْ قَدْ فَسَدُوا فَسَادًا لَا يُصْلِحُهُمْ إِلَّا الْقَتْلُ جُمْلَةً). قاله ابن كثير في البداية والنهاية.
(أَخَذُوا رَجُلًا اسْمُهُ سِمَاكُ بْنُ يَزِيدَ وَمَعَهُ بِنْتٌ لَهُ، فَأَخَذُوهَا لِيَقْتُلُوهَا، فَقَالَتْ لَهُمْ: يَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ! إِنَّ أَبِي مُصَابٌ فَلَا تَقْتُلُوهُ، وَأَمَّا أَنَا فَجَارِيَةٌ، وَاللَّهِ مَا أَتَيْتُ فَاحِشَةً قَطُّ، وَلَا آذَيْتُ جَارَةً لِي، وَلَا تَطَلَّعْتُ وَلَا تَشَرَّفْتُ قَطُّ. فَلَمَّا أَرَادُوا قَتْلَهَا سَقَطَتْ مَيِّتَةً، فَقَطَّعُوهَا بِأَسْيَافِهِمْ. وَبَقِيَ سِمَاكٌ مَعَهُمْ حَتَّى أَشْرَفُوا عَلَى الصَّرَاةِ، فَاسْتَقْبَلَ أَهْلَ الْكُوفَةِ فَنَادَاهُمُ: اعْبُرُوا إِلَيْهِمْ، فَإِنَّهُمْ قَلِيلٌ خَبِيثٌ. فَضَرَبُوا عُنُقَهُ وَصَلَبُوهُ). قاله ابن الأثير في كتابه الكامل.
ثم تطور مسلسل القتل، فاسمعوا هذا الحدثَ العظيم؛ قال الإمام ابن جرير رحمه الله وغيره: (اجتمع عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو الْمَعْرُوفُ بِابْنِ مُلْجَمٍ الْحِمْيَرِيُّ ثُمَّ الْكِنْدِيُّ حَلِيفُ بَنِي جَبَلَةَ مِنْ كِنْدَةَ، الْمِصْرِيُّ، وَكَانَ أَسْمَرَ حَسَنَ الْوَجْهِ أَبْلَجَ، شَعْرُهُ مَعَ شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ، وَفِي جَبْهَتِهِ أَثَرُ السُّجُودِ. مع رجلين تميميين، اجْتَمَعُوا فَتَذَاكَرُوا قَتْلَ عَلِيٍّ t إِخْوَانَهُمْ مِنْ أَهْلِ النَّهْرَوَانِ فَتَرَحَّمُوا عَلَيْهِمْ وَقَالُوا: فَلَوْ أَتَيْنَا أَئِمَّةَ الضَّلَالَةِ (يعنون عليًا وعمرو بن العاص ومعاوية y) فَقَتَلْنَاهُمْ فَأَرَحْنَا مِنْهُمُ الْبِلَادَ فَقَالَ ابْنُ مُلْجَمٍ أَنَا أَكْفِيكُمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ. فَتَعَاهَدُوا وَتَوَاثَقُوا أَنْ لَا يَنْكِصَ رَجُلٌ مِنْهُمْ عَنْ صَاحِبِهِ حَتَّى يَقْتُلَهُ أَوْ يَمُوتَ دُونَهُ، فَأَخَذُوا أَسْيَافَهُمْ فَسَمُّوهَا، وَاتَّعَدُوا لِسَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ أَنْ يُبَيِّتَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَاحِبَهُ فِي بَلَدِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ. فَأَمَّا ابْنُ مُلْجَمٍ فَسَارَ إِلَى الْكُوفَةِ فَدَخَلَهَا، فَبَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي قَوْمٍ مِنْ بَنِي تَيْمِ الرَّبَابِ وَهُمْ يَتَذَاكَرُونَ قَتْلَاهُمْ يَوْمَ النَّهْرَوَانِ إِذْ أَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهَا: قَطَامِ بِنْتُ الشِّجْنَةِ. قَدْ قَتَلَ عَلِيٌّ يَوْمَ النَّهْرَوَانِ أَبَاهَا وَأَخَاهَا، وَكَانَتْ فَائِقَةَ الْجَمَالِ مَشْهُورَةً بِهِ ... فَلَمَّا رَآهَا ابْنُ مُلْجَمٍ سَلَبَتْ عَقْلَهُ ... وَخَطَبَهَا إِلَى نَفْسِهَا، فَاشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتُلَ لَهَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: فَهُوَ لَكِ، وَوَاللَّهِ مَا جَاءَ بِي إِلَى هَذِهِ الْبَلْدَةِ إِلَّا قَتْلُ عَلِيٍّ. فَتَزَوَّجَهَا وَدَخَلَ بِهَا، ثم جَلَس ابن ملجم ومعه رجلان مُقَابِلَ السُّدَّةِ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا عَلِيٌّ، فَلَمَّا خَرَجَ علي t جَعَلَ يُنْهِضُ النَّاسَ مِنَ النَّوْمِ إِلَى الصَّلَاةِ وَيَقُولُ: الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ. فَضَرَبَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ بِالسَّيْفِ عَلَى قَرْنِهِ، فَسَالَ دَمُهُ عَلَى لِحْيَتِهِ t، وَلَمَّا ضَرَبَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ قَالَ: لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ، لَيْسَ لَكَ يَا عَلِيُّ وَلَا لِأَصْحَابِكَ. وَجَعَلَ يَتْلُو قَوْلُهُ تَعَالَى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} ثم حُمِلَ عَلِيٌّ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَحُمِلَ إِلَيْهِ ابْنُ مُلْجَمٍ، فَأُوقِفَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ مَكْتُوفٌ، قَبَّحَهُ اللَّهُ، فَقَالَ لَهُ علي: أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ، أَلَمْ أُحْسِنْ إِلَيْكَ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: شَحَذْتُهُ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، وَسَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يَقْتُلَ بِهِ شَرَّ خَلْقِهِ. فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ: لَا أُرَاكَ إِلَّا مَقْتُولًا بِهِ، وَلَا أُرَاكَ إِلَّا مِنْ شَرِّ خَلْقِهِ. ثُمَّ قَالَ: إِنْ مِتُّ فَاقْتُلُوهُ، وَإِنْ عِشْتُ فَأَنَا أَعْلَمُ كَيْفَ أَصْنَعُ بِهِ.
قال ابْنُ مَيَّاسٍ الْمُرَادِيُّ -:
وَلَمْ أَرَ مَهْرًا سَاقَهُ ذُو سَمَاحَةٍ ... كَمَهْرِ قَطَامٍ بَيِّنًا غَيْرَ مُعْجَمِ
ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَعَبْدٌ وَقَيْنَةٌ ... وَقَتْلُ عَلِيٍّ بِالْحُسَامِ الْمُصَمَّمِ
فَلَا مَهْرَ أَغْلَى مِنْ عَلِيٍّ وَإِنْ غَلَا ... وَلَا قَتْلَ إِلَّا دُونَ قَتْلِ ابْنِ مُلْجَمِ
وَقَدِ امْتَدَحَ ابْنَ مُلْجَمٍ بَعْضُ الْخَوَارِجِ وَهُوَ عِمْرَانُ بْنُ حِطَّانَ - وَكَانَ أَحَدَ الْعُبَّادِ مِمَّنْ يَرْوِي عَنْ عَائِشَةَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " - فَقَالَ فِيهِ:
يَا ضَرْبَةً مِنْ تَقِيٍّ مَا أَرَادَ بِهَا ... إِلَّا لِيَبْلُغَ مِنْ ذِي الْعَرْشِ رِضْوَانًا
إِنِّي لَأَذْكُرُهُ يَوْمًا فَأَحْسَبُهُ ... أَوْفَى الْبَرِيَّةِ عِنْدَ اللَّهِ مِيزَانًا
فَلَمَّا بَلَغَ الخوارج مَقْتَلُ عَلِيٍّ تَرَحَّمُوا عَلَى قَاتِلِهِ ابْنِ مُلْجَمٍ، وَقَالَ قَائِلُهُمْ: لَا يَقْطَعُ اللَّهُ يَدًا عَلَتْ قَذَالَ عَلِيٍّ بِالسَّيْفِ. وَجَعَلُوا يَحْمَدُونَ اللَّهَ عَلَى قَتْلِ عَلِيٍّ). انتهى كلام ابن جرير وغيرِه رحمهم الله.
هذه بعض مسلسلات القتل؛ فإليكم مصيبةَ التكفير: قال ابن الوزير رحمه الله في كتابه العواصم والقواصم: (رُوي أن الخوارجَ لما نادت قَطَرِيَّ بنَ الفجاءة رئيس الخوارجَ من خلفه: يا دابَّة يا دابة، فالتفت إليهم، وقال: كفرتُم، فقالوا: بل كفرت لِكذبك علينا وتكفيرِك إيانا، وما قلنا لك إلاَّ ما قال اللهُ سبحانه: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] ثم قالُوا له: تُبْ من تكفيرك إيَّانا، فقال لعُبيدة بن هلال: ما ترى؟ قال: إن أقررت بالكفر، لم يقبلوا توبتَك، ولكن قُلْ: إنَّما استفهمتكُم، فقلتُ: أكفرتم؟ فقالوا: لا ما كفرنا. ثم انصرفوا). انتهى كلامه. بل إن منهم من يكفر المسلمين بالصغائر، ويقول: من سرق حبة خردلة كان مخلدًا في النار مع الكفرة. عياذًا بالله من حالهم ومآلهم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله -تعالى- لي ولكم
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا طيبًا مُبارَكًا فيه، يُبلِّغُنا من الرحمن رِضًا وقُربَى، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، شهادةً محمُودةَ العُقبَى، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه أزكَى البشريَّة رُوحًا وقلبًا، أما بعد:
فحيث عرفنا طرفًا من خطورة هؤلاء القوم، الذين قال فيهم العلامة ابن كثير رحمه الله: (وَهَذَا الضَّرْبُ مِنَ النَّاسِ مَنْ أَغْرَبَ أَشْكَالِ بَنِي آدَمَ، فَسُبْحَانَ مَنْ نَوَّعَ خَلْقَهُ كَمَا أَرَادَ، وَسَبَقَ فِي قَدَرِهِ ذَلِكَ. وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ فِي الْخَوَارِجِ: إِنَّهُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا}). انتهى كلامه.
عباد الله: يجب ألا يغتر المسلم بما يراه في الخوارج من أثر العبادة أو الصلاح؛ فقد كان أسلافهم عبادًا في الليل، صُوامًا في النهار، مهرةً في قراءة القرآن، قال النبي r كاشفًا حالهم حتى لا يُغتر بهم: «يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ، حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لاَ يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ. رواه البخاري. وقال r "إن مما أتخوف عليكم رجُل قرأ القرآن، حتى إذا رؤيت بهجته عليه وكان رِدْئًا للإسلام غيرهإلى ما شاء الله، فانسلخ منه، ونبذه وراء ظهره، وسعى على جاره بالسيف، ورماه بالشرك". قال حذيفة t: قلت: يا نبي الله، أيهما أولى بالشرك: المرمي أو الرامي؟ قال: "بل الرامي". رواه ابن حبان وحسنه البزار، وجوده إسناد ابنُ كثير.
ورحم الله أبا حامد الغزالي يوم أن قال: (الخطأ في ترك ألف كافر في الحياة، أهون من الخطأ في سفك محجمة من دم مسلم). فأين هذا ممن يسفك دماء المسلمين دون برهان، متقربا إلى الله بذلك فيما يزعم.
وبَعد هذا لا تستغربوا أيها المؤمنون من قتل أحفاد الخوارج للمسلمين من رجال الأمن وغيرهم، وتفجيرِهم قرب الحرم النبوي قبل عامين، وآخرها ماوقع في منطقة القصيم من بلادنا الغالية هذا الأسبوع ؛ فقد قتلوا الخلفاء، وقتلوا كبار الصحابة، وقتلوا الأطفال والنساء. والواجب على الآباء شدة الرقابة والرعاية لأولادهم، ومعرفة مع من يذهبون، فالفتن والشُّبه خطافة، وشبكات التواصل تزف بكثير منهم إلى وحل الضلال والتكفير. فأكثروا الدعاء لهم.
ثم أوصي السادة القضاة وأعضاء النيابة ورجال الأمن المتخصصين في محاربة الخوارج، أوصيهم بالصبر والاحتساب والثبات، وتقوى الله والعدل، فإن لمن حارب الخوارج لأجرا عظيمًا عند الله، قال r فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ. رواه البخاري.
وأبشّر الجميع بأن الخوارج لا تقوم لهم دولة، ولا يستمر لهم سلطان قال r "كُلَّمَا خَرَجَ قَرْنٌ قُطِعَ حَتَّى يَخْرُجَ فِي عِرَاضِهِمْ الدَّجَّالُ"رواه الإمام أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم.
كل الطوائف في الإسلام باغية *** سوى التي أحمد منها على سنَنَ
أخيرًا عباد الله: إن من خير ما يستعان به بعد الله في حرب أولئك المارقين صدقَ اللجأ إلى الله، وطلبَ مدده وعونه ونصره، والالتزام الحق بدينه وشرعه، ونصرته سبحانه بالصدق والعدل. والتعامل معهم بكل حزم وقوة، كما فعل علي t.
ثم الهجوا بالصلاة والسلام على خير الأنام، كما أمركم بذلك الملك العلام فقال في محكم القرآن....
المرفقات
وصف-وتحذير
وصف-وتحذير