الخمر والمخدرات

أيمن عرفان
1438/05/14 - 2017/02/11 06:33AM
[align=justify]
من أعظم النعم التي أنعم الله عز وجل بها على الإنسان نعمة العقل، فبالعقل يدرك ويميز ويختار بين البدائل، بالعقل أصبح الإنسان مكلفا فإذا فقد العقل ذهب التكليف، ولذلك نجد أن المجنون غير مكلف لأنه فقد العقل، ومن فضيلة العقل نجد أن الله قد عاب على الكفار لأنهم لم يستخدموا نعمة العقل ليهتدوا بها إلى طريق الحق، فتجد وصفهم بأنهم لا يعقلون في أكثر من موضع في القرآن الكريم، قال تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ} [البقرة171]. وقال تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ} [الأنفال22]. لذا جاءت الشرائعُ السماويةِ بالمحافظة على هذا العقل، وحمايته عن كل داء وبليَّةٍ تؤثِّرُ فيه أو تُعطِّل فوائدَه. ومن أهم الأشياء التي تضر بالعقل وتفقده وظيفته الخمور والمخدرات، ومن هنا جاء تحريم الخمر والمخدرات في الشريعة الإسلامية.
من رحمة الله عز وجل بأمة محمد صلى الله عليه وسلم أنه لم ينزل إليهم التشريع جملة واحدة، بل أخذهم بالتدرج وباللطف وبالرحمة، يأخذهم ويربيهم ويعلمهم حتى يستقيموا على الطريق المستقيم، وفي الوقت نفسه كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلاً لذلك الاصطفاء، ليكونوا خير هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم، ولذلك فقد كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن كل ما يحيك في صدورهم، يريدون بذلك أن يكوا في أحسن حال يرضي عنهم ربنا تبارك وتعالى، فيسألون عن طرق الخير حتى يسلكوها وعن طرق الشر حتى يجتنبوها، وكان من ضمن ما سألوا عنه النبي صلى الله عليه وسلم الخمر والميسر، قالوا: يا رسول الله، الخمر والميسر مذهبة للعقل مسلبة للمال، فسل الله يبين لنا. وكانت هذه الأمور عندهم في الجاهلية يفعلها الجميع ولا يعابون على فعلها، فنزلت الآية لتبين حكم الخمر حكماً مبدئياً كخطوة على سبيل الوصول المتدرج بهم إلى حكم التحريم، قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [القرة219]. إذاً هذه الآية لم تحرم الخمر، ولكن بينت أن فيها أضرار وفيها منافع، ولكن أضرارها أكثر من منافعها، لما استمع الصحابة إلى الآية منهم من امتنع عن شربها لما فيها من ضرر، واستمر البعض في شربها لأنها لم تحرم بعد، إلى أن كان يوم صلى فيه رجل من الصحابة بجمع من الناس، وكان قد شرب خمراً قبل الصلاة، فأخطأ في القراءة، وبدلا من أن يقول"لا أعبد ما تعبدون" قال "أعبد ما تعبدون"، وكبر الأمر في نفسه وفي نفس أصحابه، فذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألوه للمرة الثانية، فنزل قول الله عز وجل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ}[النساء43]، فحرم شرب الخمر تحريماً تاماً قبل الصلاة، ولما كانت الصلاة تشغل معظم أوقات اليوم، امتنع بعض الصحابة عن شربها نهائياً ويستمر البعض في شربها في الأوقات التي تخلو من الصلاة مثل بعد صلاة العشاء مثلاً، ثم حدث أن اجتمع بعض منهم في بيت أحدهم فشربوا الخمر وسكروا وتضاربوا، فذهب عمر بن الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له : يا رسول الله نريد بياناً شافياً في الخمر، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم ربه قائلا:"اللهم بين لنا بياناً شافياً في الخمر"، فنزل التحريم القطعي لشرب الخمر في قول اله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة 90]. فكان تحريم الخمر على ثلاث مراحل حيث كانوا يأنسون بها ويحبونها وتجارتهم فيها فجاء تحريمها تدريجياً. ولو تلاحظ في أسباب نزول الآيات الثلاث تجد أن الناس هي التي تسأل وتذهب إلى رسول الله، مما يدلك على أن الفطرة السوية ترفض أن يغيب العقل، ففاقد العقل غير مكلف بالأحكام الشرعية، ولا يُحسن التصرف في نفسٍ ولا مال، ولا يُؤمَنُ على عِرض، ولا يوجد في البشرية من يرضى أن يوصف بالجنون مهما كان عقلُهُ وعلى أيَّةِ مِلّةٍ كان؛ فكيف بمن يتسبَّبُ بنفسه، ويبذُلُ مالَهُ لفُقْدَانِ عقله.
ما هي الخمر التي حرمها الشرع؟ كلمة الخمر أصلها من خمَّر الشيء أي غطاه، ولذلك يسمى غطاء الرأس خمار لأنه يغطي الرأس، وسُميت الخمر خمراً لأنها تغطي العقل فلا يميز، والخمر أيام العرب كانت تصنع من أصناف معدودة، كانت من الزبيب والعنب وبعضها كان من التمر، وفي الصحيحين أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أنواع من الأشربة، منها ما يصنع من العسل ومنها ما يصنع من الشعير ، فوضع النبي صلى الله عليه وسلم أساساً عاما ليحسم القضية لكل مستجدات العصور فقال: (كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ) [متفق عليه].
روى ابن ماجة بإسناد صحيح عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا يُعْزَفُ عَلَى رُءُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ وَالْمُغَنِّيَاتِ يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمْ الْأَرْضَ وَيَجْعَلُ مِنْهُمْ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ). أشكال وألوان وأصناف من الأشياء التي تخمر العقل ولا نسميها خمراً، منها ما هو سائل فيشرب، ومنها ما هو على هيئة دخان، ومنها ما هو على هيئة حبوب دوائية أو حقن أو مسحوق يشم أو غير ذلك، فالمخدرات عموماً بجميع أنواعها وأي استخدام لمادة طبيعية أو مخلقة صناعياً طالما أنها تؤثر على العقل وعلى القدرة على التمييز فقليلها وكثيرها حرام ويأخذ حكم الخمر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَمَا أَسْكَرَ مِنْهُ الْفَرْقُ فَمِلْءُ الْكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ) [أبو داود بإسناد صحيح]. والفرق هو الإناء الكبير مثل البرميل.
بعض الناس يستهين بالأمر، ويعتبر أن شرب هذه الخمور أو تعاطي المخدرات أمر بسيط، ولكن أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم تخبرنا غير ذلك، هل تريد أن تعرف عاقبة هذا الذي يشرب الخمر أو يدمن ويتعاطى مثل هذه المخدرات؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ إِنَّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ قَالَ عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ) [رواه مسلم].
وحتى إذا دخل شارب الخمر الجنة، فإنها في الجنة يحرم من إحدى متع الجنة ، ما هي؟ قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الآخِرَة) [متفق عليه]. وفي الحديث الصحيح أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعن عشرة أصناف من الناس بسبب تعاملهم مع الخمر،روى الترمذي يإسناد صحيح عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَالْمُشْتَرِي لَهَا وَالْمُشْتَرَاةُ لَهُ). والملعون مطرود من رحمة الله عز وجل الذي نبحث عنها جميعاً ونطلبها من الله، فإذا كان هذا هو حال شارب الخمر أو مدمن المخدرات، فأي ربح تجنيه في مقابل أن تكون مطروداً من رحمة الله عز جل. كل هذه العقوبات تأتي من خطورة الخمر.
وصدق من سماها أم الكبائر فبسبب الخمر يمكن أن ترتكب العديد من المعاصي، قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مَلِكًا مِنْ بني إِسْرَائِيلَ أَخَذَ رَجُلا فَخَيَّرَهُ بَيْنَ أَنْ يَشْرَبَ الْخَمْرَ، أَوْ يَقْتُلَ صَبِيًّا، أَوْ يَزْنِيَ، أَوْ يَأْكُلَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ، أَوْ يَقْتُلُوهُ إِنْ أَبَى، فَاخْتَارَ أَنَّهُ يَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَأَنَّهُ لَمَّا شَرِبَ لَمْ يَمْتَنِعْ مِنْ شَيْءٍ أرادوهُ مِنْهُ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَنَا حِينَئِذٍ:"مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْرَبُهَا فَتُقْبَلُ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَلا يَمُوتُ وَفِي مَثَانَتِهِ مِنْهَا شَيْءٌ إِلا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ مَاتَ فِي الأَرْبَعِينَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً) [رواه الطبراني بإسناد صححه الألباني]. وجاء هذا الحديث موافقا لقول الله عز وجل: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} [المائدة91]. يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر إذا أتيتموها لما يحصل فيهما من الشر والفتن (ويصدكم) بالاشتغال بهما (فهل أنتم منتهون) عن إتيانهما، أي انتهوا.
مشكلة شرب الخمر وإدمان المخدرات من المشاكل التي تهدد سلامة واستقرار الأسرة والمجتمع، إنَّ هناك نوعًا جديدًا من الحرب الموجهة ضِدَّ الشعوب النامية الآن حتى تبقى وتستمر في تخلفها وفقرها وضياعها،حرب لا يستعمل فيها طائرات ولا صواريخ، وإنَّما هي حرب العقول المسمَّمة، والأجساد المدمرة، التي تكون أدواتها المخدِّرات، للقضاء على كل جوانب العقل والجسم تدريجيًّا إلى أن يصل إلى حد الضياع ثم الموت. كل منا جندي في هذه المعركة للحفاظ على الشباب وعلى الأسر وعلى المجتمع، ماذا يعني أنك في الأفراح تجد بائع (البيرة) يتجول بيت الناس عيانا بيانا والناس تأخذ منه وتشرب، ويدور خلفه من يوزع المخدرات مجانا كتحية للحاضرين؟ هذا يحدث في مجتمع مسلم، في مجتمع فقير، هذا يحدث في فرح، هذا الفرح نعمة أم ابتلاء؟ نعمة أنعم الله عز وجل بها عليك أن زوج لك ابنك أو ابنتك، فيكون شكرك لله على هذه النعمة أن تساعد في نشر الخمور والمخدرات.
لعلاج المشكلة يجب أولا أن نبحث عن أسبابها ثم نواجه هذه الأسباب، وانتشار المخدرات بين الشباب أسباب:
(1) من الأسباب الأسرية في انتشار ظاهرة الخمور والمخدرات غياب الدور التربوي للأبوين، ينشغل عن الأبناء؛ لظروف العمل المستمر أو السفر أو مرض مزمن، فلا توجد رقابة هناك، فيفعل الأبناء ما يحلو لهم.
(2) الشيطان الذي يزين للمتعاطي المتعةَ الموهومةَ والهروبَ من الواقع، سواء كان من شياطين الجن، أو من شياطين الأنس الذين هم رفقاء السوء، يفعل ذلك من باب التقليد، كما أن لجوء بعض الآباء والأمهات إلى القسوة والعُنف في تربية الأبناء؛ يدفع الأبناء إلى الهروب من هذه القَسوة للبحث عن الصَّدر الحنون، وقد يكون هذا الصدر الحنون هو صديق سُّوء سبقه على هذا الطريق أو تاجر منتفع من تجار المخدِّرات.
(3) حالة الفراغ والبطالة التي يعيشُها كثير من الشباب؛ مما يدفعهم إلى الهروب من واقعهم المؤلم فينزلقون في دائرة الإدمان. والحلُّ هو الصبر على هؤلاء الشباب، ومحاولة شغلهم بالعمل النافع واستثمار طاقتهم المعطلة.
(4) ضعف الوازع الديني، وعدم التماسُك، وقِلَّة المعرفة بأمور دينهم، وعلاج هذا: غرس القيم الدينية هو الأفضل في مُواجهة مشكلة الإدمان، أي: العلم المدعم بالإيمان هما معًا أقوى الأسلحة في مواجهة المخدرات.
(5) وسائلُ الإلهاء والتغفيل فأبعدت الناس عن هدي الله وذكره، وهوّنت عليهم ارتكاب أيّ محظور، وأنتجت قلّةَ الخوف من الله، فلا يفكّر أحدهم في عذاب الآخرة ولا عقاب الدنيا، وسائلُ الإعلام حين تعرض في البرامجُ والمسلسلاتُ شربَ الخمر وقوارير الخمر على أنّه أمرٌ طبيعيّ ومن خصائص المجتمعات الراقية، وتجعل بطل الفيلم أو المسلسل تاجر مخدرات، تقلب القيم وتجعل البطولة والرجولة مساوية للمخدرات.
[/align]
المشاهدات 1166 | التعليقات 0