الخلافات في الأزمات-26-4-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

محمد بن سامر
1445/04/25 - 2023/11/09 18:19PM

الخلافات في الأزمات-26-4-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.

 وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.

 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:

فِي فِتنَةٍ مَلأَتْ فَضَاءَ المَدينةِ دُخَانًا وحَرُورًا، بَعدَمَا أَشعَلَ فَتيلَها المُنَافِقونَ كَذِبًا وَزُورًا، وَضَاقَ مِنهَا صَدرُ رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ-، فقَد طُعِنَ في عِرْضِهِ الشَّرَيفِ-في شرفِ أُمِنا عائشةَ وعِفتِها-رضي اللهُ عنها -، خَاضَ فِيهِ مِنَ النَّاسِ مَنْ خَاضَ، وَمِنْ أَعظَمِ البَلايا الطَّعنُ في الأعراضِ، وَفي ذَلِكَ الجَو المُضطَربِ المُتَوَتِرِ المَشحُونِ، وَقَد تَأَخَرَ الوَحيُّ وَلِلهِ فِي حِكمَتِهِ شؤونُ، قَامَ رَسولُ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-علَى المِنْبَرِ فَقَالَ: "مَن يَعْذِرُنِي مِن رَجُلٍ بَلَغَنِي أذَاهُ في أَهْلِ بَيْتي؟! فَوَاللَّهِ ما عَلِمْتُ علَى أهْلِي إلَّا خَيْرًا، وقدْ ذَكَرُوا رَجُلًا ما عَلِمْتُ عليه إلَّا خَيْرًا، وما كانَ يَدْخُلُ علَى أهْلِي إلَّا مَعِي، فَقَامَ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ وَهوَ سَيِّدُ الأَوسِ، فَقَالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، أنَا واللَّهِ أعْذِرُكَ منه، إنْ كانَ مِنَ الأوْسِ ضَرَبْنَا عُنُقَهُ، وإنْ كانَ مِن إخْوَانِنَا مِنَ الخَزْرَجِ أمَرْتَنَا، فَفَعَلْنَا فيه أمْرَكَ، فَقَامَ سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ وهو سَيِّدُ الخَزْرَجِ-وكانَ قَبْلَ ذلكَ رَجُلًا صَالِحًا ولَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الحَمِيَّةُ-فَقَالَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ، لا تَقْتُلُهُ، ولَا تَقْدِرُ علَى ذلكَ، فَقَامَ أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ فَقَالَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ، واللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ؛ فإنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ المُنَافِقِينَ، فَثَارَ الحَيَّانِ-الأوْسُ والخَزْرَجُ-حتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا، ورَسولُ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-علَى المِنْبَرِ، فَنَزَلَ، فَخَفَّضَهُمْ-سكّتَهمْ-حتَّى سَكَتُوا، وسَكَتَ".

سُبحَانَ اللهِ. إذا كَانَ هَذا الخِلافُ قَد وَقَعَ أمَامَ رَسولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ-في القُرونِ المُفَضَلةِ الشَريفةِ، فَكَيفَ بالقُرونِ المُتَأخرةِ الضَّعيفةِ؟! وَقَد ذَهَبَ كَثيرٌ مِنَ الهُدى والعِلمُ، وَقَلَّ كَثيرٌ مِنَ الصَّبرِ والحِلمِ، ولَكنَّها الفِتنَةُ إذا أطَلَّتْ بِرأسِها، وضَرَبَتْ بِفَأسِها، فَمَنْ يَسلَمُ مِن بَأسِها! فَاللهمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ.

لَيسَ كَلامُنا عَن الخِلافِ الذي يَقَعُ بَينَ المُنَافقينَ وأهلِ الإيمَانِ، فَذَلِكَ تُرفَعُ لَهُ رَايةُ الجِهَادِ باللِّسانِ، ولَكِنَّ المَقصودَ هو الخِلافُ بينَ أهلِ الخَيرِ والصَّلاحِ، وأَهلِ السُّنَّةِ والفَلاحِ، والذي يَكونُ سَبَبُهُ عَادةً اختِلافُ وُجهَاتِ النَّظرِ والاجتِهادُ، أو حُسنُ الظَّنِّ أو المَصلَحةُ أو تَأليفُ العِبادِ، وهَيَ أُمورٌ مَن أَصَابَ فِيها فَلهُ أجرَانِ، وَمَن أَخطَأَ فيهَا فَلَهُ أجرٌ، فَالكُلُّ فِيها مَأجورٌ، فَلِمَاذا الخُصومةُ والفُجورُ؟ وتَخَيَّلوا لو أَنَّ أَحَدَهم اليَومَ سَمِعَ سَعَدَ بَنَ عُبادةَ-رَضِيَ اللهُ عَنهُ-الصَّحَابيَّ الجَليلَ، حَاملَ رَايةِ الأنصَارِ، ومَستَشَارَ رَسولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ-وَهو يُدَافعُ عَنْ رَأسِ المُنَافِقينَ عبدِ اللَّهِ بنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ، فَمَاذا سيَقولُ؟ وَأُسيدُ بنُ حُضيرٍ-رَضِيَ اللهُ عَنهُ-يَصِفُهُ بالنِّفَاقِ وهو سَيِّدُ الخَزرَجِ أَمامَ قَومِهِ، فَمَاذا سيَحدِثُ؟ وَلَكِنَّ النَّبيَّ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-عَالَجَ المَوقِفِ، فَأمَرَهم بالسُّكُوتِ فَسَكَتوا، فَالعِلاجُ هُوَ السَّكُوتُ.

كَانَ الصَّحَابةُ-رَضِيَ اللهُ عَنهُم-إخوةً مَتَحَابينَ، حَتى لَو كَانوا في الآراء مَختَلفينَ، يَقُولُ عَليُّ بنُ أبي طَالبٍ لِعُمرَ بنِ طَلحةَ بنِ عُبيدِ اللهِ-رَضيَ اللهُ عَنهُم-وَكَانَ بينَهُ وبَينَ أبيهِ طَلحةَ خِلافٌ: "إنِّي لأرجو أَنْ يَجعَلني اللهُ وأبَاكَ في الذينَ قَالَ اللهُ-عَزَّ وَجَلَّ-فِيهم: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ)".

وكَذَلِكَ كَانَ مَنْ بَعدَهم مِن عُلَماءِ السَّلَفِ، فَإن اختَلَفوا في مَسائلَ فَقهيَّةِ، فَقُلوبُهم مَليئةٌ بِحُسنِ النِّيةِ، يَقُولُ يُونسُ الصَّدفيُّ: "مَا رَأيتُ أَعقلَ مِن الشَّافعيِّ، نَاظرتُه يَومًا في مَسألةٍ ثُمَّ افتَرقنَا، وَلَقيتُهُ بَعدَها فَأَخذَ بِيَدي ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا مُوسى أَلا يَستقيمُ أَنْ نَكونَ إخوانًا وإنْ لم نَتفقْ في مَسألةٍ"، قَالَ الذَّهبيُّ مَعَلِّقًا عَلى المَوقِفِ: "هَذا يَدِلُّ عَلى كَمَالِ عَقلِ هَذا الإمامِ وَفِقهِ نَفسِهِ، فَمَا زَالَ النُّظراءُ يَختلفونَ"-رحمهم الله جميعًا-فَأينَ هَذا مِن الرُّدودِ القَاسيَّةِ، والألفاظِ النَابيَّةِ، والاتِّهاماتِ بِالفِسقِ والضَّلالِ، التي لا يَفرَحُ بِها إلا أَهلُ الكُفرِ والانحلالِ، ويتَقَطَّعُ مِنهَا جَسَدُ الأمَّةِ المَجروحُ إلى أَوصَالٍ.

كُوْنُوْا جَمِيْعًا يَا بَنِيَّ إِذَا اعْتَرَى*

                             خَطْبٌ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا آحَادَا

تَأْبَى الرِمَاحُ إِذَا اجْتَمَعْنَ تَكَسُّرَا*

                          وَإِذَا افْتَرَقْنَ تَكَسُّرَتْ أَفْرَادَا

أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

ففي الوَقتِ الذي تَنزِفُ فيهِ الأمَّةُ الإسلاميَّةُ الدِّماءَ، وَيَتَسلَّطُ عَليها الأعدَاءُ في كُلِّ مَكانٍ، نَحتَاجُ إلى الاعتِصَامِ بِحَبلِ اللهِ-تَعَالى-والائتِلافِ، وتَركِ الفَرقَةِ والنِّزاعِ والخِلافِ، كَمَا أَمَرَنا اللهُ-سبحانه- بِقَولِه: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)، فَهذا هو مَصدَرُ القُوةِ والنَّجَاحِ، وهَو سَبيلُ النَّصرِ والفَلاحِ، كَمَا أَخبَرَ-عزَّ وجلَّ-بِقَولِهِ: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ).

وَأولى النَّاسِ بِذَلكَ هُم أَهلُ الخَيرِ والقدواتُ، الذينَ يُرشِدونَ النَّاسَ في الفِتنِ إلى طَريقِ النَّجَاةِ، ويَتركُونَ الاتِّهَاماتِ والرُّدودَ والشِّقَاقِ، ويَجمَعونَ قُلوبَ النَّاسِ عَلى الحُبِّ والوِفَاقِ، فَمَا أَحوجَ الأمَّةُ اليَومَ إلى كَلِمةٍ صَادِقَةٍ، ونِيَّةٍ خَالِصَةٍ، وحَسنِ ظَنٍّ بِأهلِ الخَيرِ والصَّلاحِ! يَقولُ الذَّهبيُّ-رَحِمَهُ اللهُ-: "وَلَوْ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ-مَعَ صِحَّةِ إيمانه، وَتَوَخِّيْهِ لاتِّبَاعِ الحَقِّ-أَهْدَرْنَاهُ، وَبَدَّعنَاهُ، لَقَلَّ مَنْ يَسلَمُ مِنَ الأَئِمَّةِ مَعَنَا-رَحِمَ اللهُ الجَمِيْعَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ-".

فَيَا أَيُّها النَّاسُ: إذا رَأيتُم اختِلافَ الرأيِّ والاضطرابَ، فاعلَموا أنَّها الفِتنةُ الظَّلماءُ كَقِطَعِ السَّحابِ، وَعَليكُم بِوَصيَّةِ النَّبيِّ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-عِندَمَا سُئلَ عَنِ النَّجَاةِ؟ فَقَالَ: "أَمْسِكْ عليك لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيتُك، وابْكِ على خَطِيئَتِكَ".

يا حيُّ يا قيومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، نسألكَ بأسمائِك الحُسْنَى، وصفاتِك العُلَى، يا ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.

اللَّهُمَّ آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرةِ حسنةً، وقِنا عذابَ النارِ.

اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، واجعلْ أَمرَهم لِنَصرِ دِينِكَ، ولإعلاءِ كَلمتِكَ، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى.

اللَّهُمَّ أصلحْ لنا وللمسلمينَ الدِّينَ والدُنيا والآخرةَ، واجعلِ الحياةَ زيادةً في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً منْ كلِّ شرٍ.

اللَّهُمَّ اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها.

اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ.

اللَّهُمَّ يا شافي اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمينَ والـمسالـمينَ.

اللَّهُمَّ اِكْفِنَا والمسلمينَ بحلالِكَ عن حرامِكَ، وأَغْنِنـَا بفضلِكَ عَمَّنْ سِواكَ.

اللَّهُمَّ إنَّا نسألُكَ مِنْ فَضْلِكَ ورَحْـمَتِكَ فإنَّهُ لا يـَمْلِكُها إلا أنتَ.

اللَّهُمَّ اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه.

اللَّهُمَّ أنتَ حسبُنا ونِعْمَ الوكيلُ، عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ وعليكَ بالظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ، نجعلُكَ في نـُحورِهم، ونعوذُ بكَ مِنْ شرورِهم.

اللَّهُمَّ إنَّا والمسلمينَ مستضعفونَ فانتصرْ لنا يا قويُ يا عزيزُ.

اللَّهُمَّ انصرْ المسلمينَ وجنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالـمينَ غانـمينَ.

اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.

المرفقات

1699543900_الخلافات في الأزمات-26-4-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx

1699543900_الخلافات في الأزمات-26-4-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf

المشاهدات 751 | التعليقات 0