الخطبة الناجحة والمؤثرة أسسها ومقوماتها ..أ. : زياد الريسي - مدير الإدارة العلمي

الفريق العلمي
1440/07/27 - 2019/04/03 07:02AM

الحمدلله القوي المتين أنزل كتابه المبين على رسوله الأمين بلسان عربي مبين، والصلاة والسلام على من بعث في الأميين وأرسل للعالمين سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- خير مبلغ وأعدل أمين، وعلى آله الطبيبين وصحابته الغر الميامين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين؛ وبعد:

 

أيها الخطباء الأفاضل: يا من ارتقيتم مرتقا عاليا وتبوأتم منصبا شريفا وشغلتم مهمة نبيلة ومسؤولية؛ جسيمة حيث كنتم للنبي -صلى الله عليه وسلم- ورثته وتقاسمتم منه تركته،([1]) فأخذتم عنه مهمته ونقلتم للعالمين رسالته؛ فصرتم للأرض نجوما كما للسماء قمرا فاستحققتم استغفار الأرض وساكنيها والسماء وعامريها([2]) فاهتدى بكم الضال واستقام المعوج واسترشد الحائر وعاد الناكص على عقبيه، بكم عرف الناس ربهم ونبيهم عبر العصور وتعلموا دينهم وأخلاقهم عبر الدهور؛ ولا غرابة! فقد عهد الله إليكم حمل دينه وتبليغ شرعه وتفقيه عباده، ووجه عباده للصدور عنكم في المشتبهات والمعضلات وأوكل إليكم البيان في النوازل والمستجدات؟!([3])

 

إن خطبة الجمعة كما لا يخفى على كبير علمكم وشريف قدركم من أعظم الوسائل الدعوية، وأهم الأساليب التربوية في إصلاح المجتمعات وتبصيرها بواجباتها الشرعية والأخلاقية والاجتماعية، وصيانة عقائدها وأفكارها وسلوكها من سموم أهل الزيغ وأصحاب الضلالات، وحمايتها من شرور أهل البدع والأهواء والانحرافات، وتعريفها بالحلال والحرام وبيان طريق الجنة من طريق النار.([4])

 

والخطبة -يا فضلاء- مدرسة للتربية والتعليم، وجامعة للإعداد والتكوين، ومحطة للإعلام الشريف الهادف النافع.([5])

 

الخطبة يا سادة ميدان سباق أنتم فرسانه ومقام شرف أنتم كوادره ونداء حق أنتم أصواته وسهام توجيه وإنذار أنتم صوابه.

 

أيها الخطباء: إن أعداءكم يتمنون ألو كانوا يملكون منابركم لعظمتها وهيبتها ويتقدمون محاربيكم لحرمتها وقداستها، إنهم يغبطونكم على جماهيركم المحتشدة ووفودكم المجتمعة مع إصغاء عجيب وسكوت مهيب حتى يسوقون بينها أفكارهم ويْملُون عليها تصوراتهم من غير ما نقاش أو اعتراض ودونما انشغال أو التهاء.([6])

 

وانطلاقا من هذه المكانة الرفيعة لهذا المنبر الحر وقياما بالمسؤولية المنوطة بفرسان هذا الصرح الشامخ فإنه يتحتم عليهم كواجب شرعي وضرورة اجتماعية استغلال هذه المنصة الإعلامية لبلوغ مقاصدها وتفعيل هذه الوسيلة الناجحة في تحقيق أهدافها، وهذا يعني حتمية العناية الكافية بالخطبة إعدادا وتحضيرا والاهتمام بفرسانها تأهيلا وتطويرا حتى تصير الخطبة نافعة والخطيب مؤثرا. وحتى نحقق ذلك لا بد من توفر مقومات وأسس تبنى عليها الخطبة المؤثرة والناجحة.

 

وهذه المقومات منها متعلقات بالخطيب ومنها بالمستمعين ومنها بموضوع الخطبة:

فأما مقومات الخطيب؛ فحتى تكون فكرة الخطيب نافعة وطرحه شيق وأسلوبه جذاب لجمهوره فعليه أن يتسم بصفات ويتحلى بسمات منها:

    • إصلاح النية وصفاء السريرة وسلامة الطوية؛ وهذا أهم مقوم وأقوى أساس في فاعلية الخطيب ونجاح خطبته، فلا نجاح لعمل في الدنيا ما لم تكن نية صاحبه صالحة ولا قبول له في الآخرة ما لم تكن سريرته سلمية، وما لم يؤسس العمل على تقوى من الله ورضوان وتقوى وإخلاص فهو على شفا جرف هار.([7])

     

    والخطيب متى خالطت نيته الشوائب من حظوظ نفسه وداخلتها المنغصات من أطماع دنياه فذلك سبب في محق بركة قوله وكساد عمله وفساد أثرهما، إذ كيف يروم عامل وكادح بناء الآخرين مع فساد ذاته وقلبه، وكما قيل فاقد الشيء لا يعطيه([8])هذا مع ما ينتظره من العقاب في الآخرة.([9])

     

      • نية الإصلاح والتأثير في الآخرين؛ فحين تكون نفسك تواقة لإصلاح الغير طموحة في التغيير راغبة في التوجيه موقنا أن ذلك طريق الرسل ومؤمنا أنه هدي الأنبياء؛ فذلك أحرى في إقناع المستمعين والتأثير فيهم والتحكم بمشاعرهم وإخضاع قناعاتهم لما تلقيه عليهم.([10])

       

        • التهيؤ النفسي والصفاء الفكري؛ فنفسك مطية أهدافك وجسر طموحاتك وهكذا فكرك مركبك للوصول إليها؛ فما لم تكن خالي البال صافي الفكر وما لم يكن لديك استعداد نفسي وذهني فسينعكس ذلك سلبا على أدائك وقدراتك وإنجازك.([11])

         

          • إدراك شرف هذه المهمة وقدرها؛ فينبغي أن تعلم أن هذه المهمة التي تشغلها والوظيفة التي تؤديها هي وظيفة الرسل وتكليف الأنبياء، وكانوا بها أفضل البشر وأكرمهم وأطهر الخلق وأشرفهم. كما أن الدعوة إلى الله -تعالى- بكل أساليبها ووسائلها ومنها الخطبة تستقي شرفها وتكتسب مكانتها من شرف من ندعو له وإليه.([12])

           

            • الرغبة في تطوير الذات والسعي للارتقاء بها؛ فمالم يتطلع الخطيب لتطوير ذاته ويسعى للارتقاء بمستواه ليصبح خطيبا مفوها ومتكلما لبقا ومحاورا مقنعا ومحدثا مؤثرا، ومتى رضي الخطيب برتبته واطمأن لمستواه فقد تجنى على نفسه ومنبره وتعدى على مستمعيه وجمهوره؛ لذا لا يستغرب إن عزف الناس عنه سآمة ومللا فولوا عنه الأدبار وانصرفوا يبحثون عن خطيب آخر بين الديار أرقى أسلوبا وأجمل أداء وأقوى أثرا، إذا لم يكونوا يسعون لاستبداله بآخر يقدر المسؤولية ويحترم أهلها.([13])

             

            على الخطيب ألا يرضى لنفسه بالدون ويغلها بالجمود بل يجتهد للوصول بها إلى مقامات عالية ومستويات متناهية عبر خطوات عملية ومتدرجة؛ فالرتابة متى استمرأها الإنسان فستكون النتائج غير محمودة عليه وعلى جمهوره. وتطوير الخطيب ذاته يكون بطرقة عدة منها:

            # الاطلاع على تراجم مشاهير الخطباء والوقوف على فطاحلة الأدباء من أصحاب هذا الفن في القديم والحديث والقراءة عنهم.([14])

             

            # حضور الدورات التربية والتطويرية ذات الاختصاص المتعلقة بالخطيب ورسالته؛ ابتداء من اختياره لموضوع الخطبة ومرورا بأسلوبه وأدائه وانتهاء بتقييم الجمهور ورؤية مظاهر التغيير فيه.

             

            # مجالسة المشاهير من أهل هذا الفن ومشاورة أهل الاختصاص في هذا المجال والاستفادة من خبراتهم أو السماع لهم.([15])

             

            # اتخاذ وسيلة راجعة من قبل جماعة المسجد يقيِّمون من خلالها موضوعات الخطيب وحسن أدائه وجمال أسلوبه عبر وسائل مختلفة ك (قروبات واتس، صندوق، ديوانية قبلية أو بعدية)، كما يبدون من خلالها آراءهم ومقترحاتهم فهم أعرف بقضاياهم واحتياجاتهم من الخطيب.([16])

             

            # تسجيل الخطبة ويفضل بالصوت والصورة ليتمكن الخطيب من سماع نفسه ورؤية هيئته والتأمل في إلقائه وطريقة أدائه وكيفية استخدامه للغة الجسد ونبرات الصوت.

             

            وأما ما يتعلق بالمجتمع وإن شئت قل جمهور الخطيب؛ فمتى رام الخطيب إصلاح المجتمع وتعديل انحرافه؛ فليجتهد في صناعة خطب تلبي حاجة جمهوره وتجذب قلوب مستمعيه وعليه اتخاذ خطوات واتباع إجراءات منها:

            # دراسة الاحتياج الدعوي لبيئة الخطيب وتشخيص مشكلاته وتحديد نقاط الضعف فيه ومكامن الخلل.([17])

             

            #الموازنة بين المحافظة على جميع مظاهر المعروف وصيانته وبين معالجة مظاهر المنكر وإزالته، وكذلك جدولة المواضيع وفرزها والبدء بالأولويات وهي: كلما عظمه الله ورسوله وتناولته النصوص كثيرا بتصريف بديع كالعقيدة والصلاة وغيرهما).([18])

             

            # إشراك المستفيد الأول (مجتمع الخطيب وجمهوره) في تشخيص حاجاته ومعرفة قضاياه؛ فهو أعرف بثغراته وتفاصيل حياته، باتخاذ وسيلة أو أكثر ك (قروبات واتس، صندوق اقتراحات، ديوانية الحي، استبانة، زيارة الدوائر الحكومية والمدينة؛ كأقسام الشرطة ومكاتب الدعوة والقضاء، غيرها).([19])

             

            # وضع التشخصيات والتحليلات المجتمعية والدراسات والاستبانات الميدانية ضمن خطة استراتيجية محددة الأهداف ممكنة التنفيذ قابلة التعديل.([20])

             

            وأما متعلقات موضوع الخطبة ومضمونها؛ فلا ينبغي أن يكون عشوائيا دون اختيار وانتقاء؛ كما هو حال جم كبير من الخطباء حيث ينتظر الساعات الأولى من يوم الجمعة أو ليلتها فيهرع إلى مذكراته القديمة أو إلى المواقع الإلكترونية والقربات ليبحث عن خطبة ما فيطبعها، ولو لم تكن هي حاجة المجتمع ولا ضمن متطلباته ولا حديث الساعة والأسبوع ولا قضية المجتمع، وحينها لا تسل عن المفاجأة الكبيرة التي يتعرض لها وجمهوره نتيجة هذا التصرف ألا مسؤول؛ وهذا يتنافى مع الإحسان والإتقان الذي أرشد إليه الإسلام.([21])

             

            إن على خطيبنا أن يدرك أن هذه الساعة من يوم الجمعة ملك للجمهور وحق للمستمعين؛ فإن لم يلبي حاجتهم ويعالج قضاياهم فإنه يحمل عليهم ورزا ويساهم في تجهليهم وإلى النار في ترحيلهم.

             

            أنت هنا خطيبنا لفائدة جمهورك اعتليت لا لنفسك أتيت، لم تأت لتعرض للجمهور صوتك أو لتريه هندامك؛ بل وقفت هنا لتسمعهم صوت الحق وتريهم صورة الحقيقة تقرع آذانهم وتخترق قلوبهم فتذرف عيونهم دمعا وتلين قلوبهم خشعا وتقشعر جلودهم وجلا. قال الشاعر:

            ولسـان صيـرفي صـارم *** كذباب السيف ما مس قطع

            سحر هاروت وماروت ولـو *** كلم الصخر بحق لانصدع

             

            أنت هنا خطيبنا دليل للحيارى مسوق للمعروف محذر من المنكر طبيب للمرضى، ولا يكون ذلك حتى تحترم متكرما العقول وتثمن الحضور وتقدر الإنصات؛ بموضوع يكون بمثابة جرعة دواء على الداء وضماد عافية على الجروح، وتحقيق ذلك بالتالي:

            # الاستعانة بالله -تعالى- أن يلهمه الحق ويبلغه الصواب وأن يفتح له قلوب خلقه ويشرح لخطبته صدور عباده؛ فالله الهادي وقلوب العباد بيده.([22])

             

            # تحديد موضوع الخطبة وفكرتها من خلال الوسائل المذكورة سلفا.

             

            # الرجوع إلى الموضوعات الخاصة بموضوع الخطبة ك (خطب، محاضرات) والتي عنيت بالموضوع وتحدثت عنه حتى يخدم موضوع الخطبة ويعطى حقه، وكذا الرجوع الى المصادر العامة والمراجع الكبيرة التي عنيت الموضوع عموما ووقفت على جميع أطرافه.

             

            # استشارة أصحاب التخصص من الخطباء والدعاة إلى الله في مناسبة الفكرة زمن ومكان وحال الخطيب ثم عناصر الخطبة وأفكارها المهمة فيها إن أمكن واقتراحهم لأهم المراجع والكتب لتبدأ من حيث وصلوا.([23])

             

            # مساهمة جماعة الحي في اقتراح الموضوع عموما وعناصره ومحاوره بشكل خاص؛ فربما لديهم مسائل خفية في الموضوع ويطلعون على ثغرات كبيرة فيه لم يكن للخطيب ليتنبه لها، وذلك عبر وسائل اقترحناها سابقا وغيرها.

             

            أيها الخطباء الفضلاء يا نخبة المجتمع ويا ثلته النجباء يا منارات سيره وأنوار ظلمته ويا نجوم هدايته ومفاتيح صلاحه؛ ليدرك كل منكم أنه متى استوفيتم هذه المقومات في خطبكم واستجمعتم هذه الأسس في موضوعاتكم وأسمعتموها على منابركم فإني أجزم بإذن الله أن القلوب ستكون فيها حاضرة والأذان لها صاغية والعقول معها واعية والجوارح لها مستجيبة، وهنا ستؤتي الخطبة أكلها وتنتج ثمرتها ويطيب حصادها.

             

            وإلى هنا -يا كرام- أرجو أن أكون قد حققت المراد ووفقت للصواب وأبنت عن فكرتي وأوضحت رسالتي.. سائلا من ربي لمقالتي القبول وألا يستثقلها ملول ولا يستكثرها مشغول.. والصلاة والسلام على خير رسول وعلى صحابته الأئمة العدول ومن تبعهم إلى يوم النشور.

             

            ----------

            (1) كما في حديث "وإنَّ العُلَماءَ ورَثةُ الأنبياءِ، وإنَّ الأنبياءَ لم يُورِّثوا دينارًا ولا درهًما، ورَّثوا العِلْمَ، فمَن أخَذه أخَذ بحظٍّ وافرٍ"(أبو الدرداء، الألباني، صحيح الجامع 6297).

            (2) المصدر السابق.

            (3) قال الله: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)[النساء: 8]، وقوله: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[النحل: 43]، وكما كانت بعض خطبة النبي عليه الصلاة والسلام من قبيل هذا.

            (4) فعن علقمة بن وقاص الليثي قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" ومثله حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تُحدُّ على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً"(رواه البخاري (1282) ومسلم (3725)، ومثاله أيضا الأثر الذي رواه مالك في الموطأ (1/90) بإسناد صحيح عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه سمع عمر بن الخطاب وهو على المنبر يعلم الناس التشهد، يقول: "قولوا: التحيات لله" وغيرها كثير مما يدل على تعليمك النبي أصحابه من على المنبر.

            (5) لذا قال ابن القيم في زاد المعاد (1/188): "وكان مدار خطبه صلى الله عليه وسلم على حمد الله والثناء عليه بآلائه وأوصاف كماله ومحامده، وتعليم قواعد الإسلام وذكر الجنة والنار والمعاد، والأمر بتقوى الله، وتبيين موارد غضبه ومواقع رضاه، فعلى هذا كان مدار خطبه صلى الله عليه وسلم".

            (6) فقد ألزم النبي شاهدها بالإنصات وعدم الانشغال فقال عليه الصلاة والسلام: "مَن تَوَضَّأَ فأحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ أتى الجُمُعَةَ، فاسْتَمع وأَنْصَتَ، غُفِرَ له ما بيْنَهُ وبيْنَ الجُمُعَةِ، وزِيادَةُ ثَلاثَةِ أيّامٍ، ومَن مَسَّ الحَصى فقَدْ لَغا"(صحيح مسلم ٨٥٧).

            (7) بدليل قوله: (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ)[التوبة: 109].

            (8) لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: "أنا أغْنَى الشُّرَكاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَن عَمِلَ عَمَلًا أشْرَكَ فيه مَعِي غيرِي، تَرَكْتُهُ وشِرْكَهُ"(صحيح مسلم: 2985).

            ([9]) لقوله تعالى: (عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً} [الغاشية: 3، 4].

            (10) قول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: "فَواللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بكَ رَجُلًا واحِدًا، خَيْرٌ لكَ مِن أنْ يَكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَمِ"(البخاري ٣٧٠١ ومسلم 2406).

            (11) قول سلما الفارسي لأبي ذر رضي الله عنه إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فأعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فأتى النبيَّ ﷺ فَذَكَرَ ذلكَ له، فقالَ النبيُّ ﷺ: "صَدَقَ سَلْمانُ"(البخاري ٦١٣٩)

            (12) قول الله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)[فصلت: 33].

            (13) كما في قصة موسى نبي الله مع الخضر؛ (قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا * قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا 8 قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا)[الكهف: 66 - 69].

            (14) حيث قال الله لنبيه بعد قصه سبحانه لبعض أنبيائه: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)[الأنعام: 90].

            (15) قال الله: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)[الكهف: 28].

            (16) لقوله تعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ)[آل عمران: 159]، وقد كان الخليفة في السابق بعد مبايعته يخطب في رعيته ويمنحهم الصلاحية في تقييمه وتعديل انحرافه.

            (17) وهذا مستنبط أولا من بعثة الله تعالى لأنبيائه حيث أرسل لكل قوم نبيا واعطاه من الإمكانات ما يعالج المشكلات التي اشتهروا بها ثانيا من تدرج النبي في دعوته حيث بدأ بإقرأ ثم أنذر عشيرتك ثم البلاغ العام للناس كافة..

            (18) وهذا مستنبط من تدرج التشريع ومرحلية الأحكام وأول ما دعا نبينا الناس إليه...

            (19) لقوله تعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ)[آل عمران: 159].

            (20) فالخطيب الذي لا يحدد أولويات ولا يرتب مهامه ولا يشخص مشكلات مجتمعة ولا نقاط الضعف لديهم ولا يوجد توازن بين قائمة المعروف الذي ينبغي لجمهوره امتثاله وبين المنكر الذي ينبغي عليهم اجتنابه؛ فإن تلك الجهود ستصبح سدى وعبثا ولن تكون هناك ثمرة ولن يحدث تغيير جوهري وسيقضي الخطيب عمره دون جدوى والجمهور حياته وهو يغرق في مشكلاته دون تحسن.

            (21) فقد ورد من حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ"(الألباني، صحيح الجامع: 1880). وفي الآية الكريمة يقول الله: (فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا)[الأعراف: 145].

            (22) ولأهميتها جعلها الله في كل ركعة من ركعات صلاتنا؛ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)[الفاتحة: 5]، وقوله: (وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)[سبأ: 6].

            (23) والأخذ بمبدأ الشورى منهج نبوي سار عليه نبينا صلى الله عليه وسلم ووجهه القرآن بذلك وسار على ذلك خلفاؤه ولا يزال الأخذ بالشورى دليل على العقلاء ومستند الاتقياء فهم يدركون أن الناس درجات في العلم وغيره قوله: (نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ)[يوسف: 76] وقوله: (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)[الإسراء: 85]. وأن الشورى هي علامة رجحان عقل الإنسان وبرهان شعوره بالمسؤولية وخشيته لله تعالى.

            المشاهدات 713 | التعليقات 0