الخشوع روح الصلاة
حسام بن عبدالعزيز الجبرين
1435/08/02 - 2014/05/31 12:28PM
الحمد لله ، الخلاق العليم ، الرؤوف الرحيم ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك ، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله ، وصفيه وخليله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد : فأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله وإن من أعظم خصال التقوى إقامة الصلاة قال الحق سبحانه {وَأَنْ أَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }
معشر الكرام : يسأل كثير من الناس أهل العلم عن أحكام الصلاة ويحرصون على مراعاتها وهذا أمر واجب ومحمود ، ولكن نجد ضعفا في اهتمامنا بشأن عظيم هو في الحقيقة لب الصلاة وروحها ، ونحن مقصرون كثيرا في الجانب إنه جانب الخشوع في الصلاة وأنا والله أول المقصرين .
تعالوا نتأمل بعض الأمور الشرعية التي تبين أهمية الخشوع في الصلاة وجلاله أمره ، أول أمر هو في طريقة إنشاء وتصميم المسجد الذي سيصلى فيه فبرغم أن التزيين والتجميل فرع عن الاهتمام في الأصل .. إلا أن الشارع نهى عن زخرفة المساجد لأنها تشغل المصلين والخشوع أهم وأولى .. وقد بوب البخاري في صحيحه فقال (باب بنيان المسجد: وأمر عمر ببناء المسجد وقال "وإياك أن تحمّر أو تصفّر فتفتن الناس" وقال ابن عباس "لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى).
تعالوا إلى أمر آخر : إذا جلجل الأذان وهم المصلي بالذهاب، ولكن سفرة الطعام قد انبعثت رائحتها الزكية فانشغل القلب فما الحكم هنا ؟! قال عليه الصلاة والسلام : (إذا قُرِّب العشاء، وحضرت الصلاة، فابدءوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب، ولا تعجلوا عن عشائكم ) أخرجه الشيخان . يجلس ويكمل طعامه حتى يفرغ باله ثم يقوم للصلاة منصباً تفكيره على صلاته بخشوع.. وهكذا في كل المشغلات وجّهنا النبي صلى الله عليه وسلم للتخلص منها قبل أن نمضي للصلاة حتى لا ينخدش مقصود الصلاة الأعظم وهو الخشوع .. ومن ذلك ما في صحيح مسلم مرفوعا (لا صلاة بحضرة الطعام، ولا هو يدافعه الأخبثان) .
عباد الله : ثم إذا تخلص المؤمن من هذه المشغلات التي تقطع صفاء تفكيره في الصلاة وهم بالمضي للمسجد الهادئ فقد نبّهه رسول الله صلى الله عليه وسلم على نمط المشي ففي الصحيحين مرفوعا (إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون وعليكم السكينة) والحقيقة أن التحليل الذهني الصرف قد يرى أن الاستعجال في المشي للصلاة يظهر منه معنى المسارعة للخيرات .. ولكني النبي صلى الله عليه وسلم نبّه لخلاف ذلك.. فالاستعجال في المشي للصلاة تثور معه الأصوات وتتشوش السكينة على الماشي وعلى غيره ، ثم إذا وصل المصلي للمسجد قبل أن يكبر المصلي إماماً أو منفرداً فقد ندبه النبي صلى الله عليه وسلم لوضع سترة والحكمة والله أعلم حجز نظر المصلي لتحفظ عليه خشوعه حيث لا يسرح البصر يمنة ويسرة وفي البخاري عن أنس بن مالك قال (لقد رأيت كبار أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يبتدرون السواري عند المغرب) وغلّظ النبي -صلى الله عليه وسلم- تغليظاً شديداً في المرور بين المصلي وسترته وفي الحديث عند الشيخان (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه، لكان أن يقف أربعين خيرا له، من أن يمر بين يديه) .
فإذا انتهى المؤمنون من بناء مسجدهم الهادئ في تصميمه .. وفرغوا من المشغلات من الطعام وحاجات الخلاء .. ومشوا للصلاة بسكينة.. وسمعوا الإقامة فإنهم أيضا يقومون بسكينة ففي حديث البخاري (إذا أقيمت الصلاة، فلا تقوموا حتى تروني وعليكم بالسكينة) .
ثم إذا كبروا بين يدي الله شُرع قبض الأيدي على الصدر ؛ فإن بقاء يدي المصلي بعد التكبير مرسلتين حرّتين تهيجهما للحركة والتجول بين أعضاء الجسم ..ووظيفة هذا تحصيل الخشوع واعتقال بواعث العبث قال النووي " قال العلماء والحكمة في وضع إحداهما على الأخرى أنه أقرب إلى الخشوع ومنعهما من العبث "اهـ
وتأمل كيف نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تسوية محل السجود إلا بأقل حركة، ففي الصحيحين عن معيقيب (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في الرجل يسوي التراب حيث يسجد " إن كنت لا بد فاعلا فواحدة " )
نفعني الله وإياكم ....
الحمد لله القائل {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ } وصلى الله وسلم على نبيه القائل " أرحنا بها يا بلال " وعلى آله وصحبه أما بعد :
فكم نحن بحاجة إلى مراجعة أنفسنا وتصحيح حالنا في صلاتنا ، ففي الحديث " إنَّ العبدَ لَيصلِّي الصَّلاةَ ما يُكتُبُ لَهُ منْها إلَّا عُشرُها، تُسعُها، ثمنُها، سُبعُها، سُدسُها، خمسُها، ربعُها، ثلثُها نصفُها" صححه الألباني .
أيها المصلون : وبرغم أن الأصل أن يكون السجود على الأرض، لكن مع الحر شرع الشارع السجود على "الثوب" ففي الصحيحين عن أنس (كنا نصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض، بسط ثوبه، فسجد عليه) . قال ابن حجر: (وفيه مراعاة الخشوع في الصلاة لأن الظاهر أن صنيعهم ذلك لإزالة التشويش العارض من حرارة الأرض) .
إخوة الإيمان : ولأن جوهر "الخشوع" الذي تدور حوله أحكام الصلاة هو أن يعقل الإنسان صلاته ومعانيها ومعاني أذكارها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل للناعس اذهب وجدد بالماء نشاطك، بل قال له "اذهب ونم"! فنهى الناعس عن مواصلة الصلاة لفوات المقصود الأصل وهو عقل المعاني، ففي البخاري مرفوعا (إذا نعس أحدكم في الصلاة فلينم، حتى يعلم ما يقرأ) .
ومع عظم شأن الجماعة ألا أنه قد جاء النهي لمن أكل ثوما أو بصلا أن يأتي المسجد ففي الصحيحين مرفوعا" من أكل ثومًا أو بصلًا فليَعتزلنا ، أو ليعتزلَ مسجدَنا ، وليقعد في بيتِه ".فالروائح الكريهة تؤذي المصلين وتمنع الخشوع ،
و المساجد قد تغشاها النساء أحياناً للصلاة وقد شرع النبي صلى الله عليه وسلم لهن أحكاماً تنتهي كالعادة بالمطلوب الأجل وهو منع كل ما يشوش "الخشوع" .. فندب لمباعدة المسافة بين مواضع صلاة كل جنس منهما .. فجعل الصف الأول للنساء شر الصفوف! بينما الصف الأول للرجال خير الصفوف (خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها)[مسلم:440]..ونهى النبي -صلى الله عليه وسلم- المرأة أن تخطو للمسجد وقد تعطرت فقال (إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيباً) رواه مسلم . فإن فعلت وتعطّرت منعها النبي عليه الصلاة والسلام من شهود الصلاة (أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة) أخرجه مسلم ، فإذا تأملت مباعدة صفوف الجنسين ومنع النساء العطور لأجل المسجد لم يخطئ شعورك بكمال اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ جناب الخشوع من أن يتشوش بتنمّل الدواعي الغريزية .
وختاما إخوة الإيمان : أرأيتم كيف أن كثيرا من أحاديث الصلاة دروب تنتهي بنا إلى بيت الخشوع ...
مادة هذه الخطبة من مقال "صفاء الأنبجانية " للشيخ إبراهيم السكران بارك الله له وفيه ، وهو على هذا الرابط http://www.dorar.net/article/1728
معشر الكرام : يسأل كثير من الناس أهل العلم عن أحكام الصلاة ويحرصون على مراعاتها وهذا أمر واجب ومحمود ، ولكن نجد ضعفا في اهتمامنا بشأن عظيم هو في الحقيقة لب الصلاة وروحها ، ونحن مقصرون كثيرا في الجانب إنه جانب الخشوع في الصلاة وأنا والله أول المقصرين .
تعالوا نتأمل بعض الأمور الشرعية التي تبين أهمية الخشوع في الصلاة وجلاله أمره ، أول أمر هو في طريقة إنشاء وتصميم المسجد الذي سيصلى فيه فبرغم أن التزيين والتجميل فرع عن الاهتمام في الأصل .. إلا أن الشارع نهى عن زخرفة المساجد لأنها تشغل المصلين والخشوع أهم وأولى .. وقد بوب البخاري في صحيحه فقال (باب بنيان المسجد: وأمر عمر ببناء المسجد وقال "وإياك أن تحمّر أو تصفّر فتفتن الناس" وقال ابن عباس "لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى).
تعالوا إلى أمر آخر : إذا جلجل الأذان وهم المصلي بالذهاب، ولكن سفرة الطعام قد انبعثت رائحتها الزكية فانشغل القلب فما الحكم هنا ؟! قال عليه الصلاة والسلام : (إذا قُرِّب العشاء، وحضرت الصلاة، فابدءوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب، ولا تعجلوا عن عشائكم ) أخرجه الشيخان . يجلس ويكمل طعامه حتى يفرغ باله ثم يقوم للصلاة منصباً تفكيره على صلاته بخشوع.. وهكذا في كل المشغلات وجّهنا النبي صلى الله عليه وسلم للتخلص منها قبل أن نمضي للصلاة حتى لا ينخدش مقصود الصلاة الأعظم وهو الخشوع .. ومن ذلك ما في صحيح مسلم مرفوعا (لا صلاة بحضرة الطعام، ولا هو يدافعه الأخبثان) .
عباد الله : ثم إذا تخلص المؤمن من هذه المشغلات التي تقطع صفاء تفكيره في الصلاة وهم بالمضي للمسجد الهادئ فقد نبّهه رسول الله صلى الله عليه وسلم على نمط المشي ففي الصحيحين مرفوعا (إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون وعليكم السكينة) والحقيقة أن التحليل الذهني الصرف قد يرى أن الاستعجال في المشي للصلاة يظهر منه معنى المسارعة للخيرات .. ولكني النبي صلى الله عليه وسلم نبّه لخلاف ذلك.. فالاستعجال في المشي للصلاة تثور معه الأصوات وتتشوش السكينة على الماشي وعلى غيره ، ثم إذا وصل المصلي للمسجد قبل أن يكبر المصلي إماماً أو منفرداً فقد ندبه النبي صلى الله عليه وسلم لوضع سترة والحكمة والله أعلم حجز نظر المصلي لتحفظ عليه خشوعه حيث لا يسرح البصر يمنة ويسرة وفي البخاري عن أنس بن مالك قال (لقد رأيت كبار أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يبتدرون السواري عند المغرب) وغلّظ النبي -صلى الله عليه وسلم- تغليظاً شديداً في المرور بين المصلي وسترته وفي الحديث عند الشيخان (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه، لكان أن يقف أربعين خيرا له، من أن يمر بين يديه) .
فإذا انتهى المؤمنون من بناء مسجدهم الهادئ في تصميمه .. وفرغوا من المشغلات من الطعام وحاجات الخلاء .. ومشوا للصلاة بسكينة.. وسمعوا الإقامة فإنهم أيضا يقومون بسكينة ففي حديث البخاري (إذا أقيمت الصلاة، فلا تقوموا حتى تروني وعليكم بالسكينة) .
ثم إذا كبروا بين يدي الله شُرع قبض الأيدي على الصدر ؛ فإن بقاء يدي المصلي بعد التكبير مرسلتين حرّتين تهيجهما للحركة والتجول بين أعضاء الجسم ..ووظيفة هذا تحصيل الخشوع واعتقال بواعث العبث قال النووي " قال العلماء والحكمة في وضع إحداهما على الأخرى أنه أقرب إلى الخشوع ومنعهما من العبث "اهـ
وتأمل كيف نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تسوية محل السجود إلا بأقل حركة، ففي الصحيحين عن معيقيب (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في الرجل يسوي التراب حيث يسجد " إن كنت لا بد فاعلا فواحدة " )
نفعني الله وإياكم ....
الحمد لله القائل {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ } وصلى الله وسلم على نبيه القائل " أرحنا بها يا بلال " وعلى آله وصحبه أما بعد :
فكم نحن بحاجة إلى مراجعة أنفسنا وتصحيح حالنا في صلاتنا ، ففي الحديث " إنَّ العبدَ لَيصلِّي الصَّلاةَ ما يُكتُبُ لَهُ منْها إلَّا عُشرُها، تُسعُها، ثمنُها، سُبعُها، سُدسُها، خمسُها، ربعُها، ثلثُها نصفُها" صححه الألباني .
أيها المصلون : وبرغم أن الأصل أن يكون السجود على الأرض، لكن مع الحر شرع الشارع السجود على "الثوب" ففي الصحيحين عن أنس (كنا نصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض، بسط ثوبه، فسجد عليه) . قال ابن حجر: (وفيه مراعاة الخشوع في الصلاة لأن الظاهر أن صنيعهم ذلك لإزالة التشويش العارض من حرارة الأرض) .
إخوة الإيمان : ولأن جوهر "الخشوع" الذي تدور حوله أحكام الصلاة هو أن يعقل الإنسان صلاته ومعانيها ومعاني أذكارها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل للناعس اذهب وجدد بالماء نشاطك، بل قال له "اذهب ونم"! فنهى الناعس عن مواصلة الصلاة لفوات المقصود الأصل وهو عقل المعاني، ففي البخاري مرفوعا (إذا نعس أحدكم في الصلاة فلينم، حتى يعلم ما يقرأ) .
ومع عظم شأن الجماعة ألا أنه قد جاء النهي لمن أكل ثوما أو بصلا أن يأتي المسجد ففي الصحيحين مرفوعا" من أكل ثومًا أو بصلًا فليَعتزلنا ، أو ليعتزلَ مسجدَنا ، وليقعد في بيتِه ".فالروائح الكريهة تؤذي المصلين وتمنع الخشوع ،
و المساجد قد تغشاها النساء أحياناً للصلاة وقد شرع النبي صلى الله عليه وسلم لهن أحكاماً تنتهي كالعادة بالمطلوب الأجل وهو منع كل ما يشوش "الخشوع" .. فندب لمباعدة المسافة بين مواضع صلاة كل جنس منهما .. فجعل الصف الأول للنساء شر الصفوف! بينما الصف الأول للرجال خير الصفوف (خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها)[مسلم:440]..ونهى النبي -صلى الله عليه وسلم- المرأة أن تخطو للمسجد وقد تعطرت فقال (إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيباً) رواه مسلم . فإن فعلت وتعطّرت منعها النبي عليه الصلاة والسلام من شهود الصلاة (أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة) أخرجه مسلم ، فإذا تأملت مباعدة صفوف الجنسين ومنع النساء العطور لأجل المسجد لم يخطئ شعورك بكمال اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ جناب الخشوع من أن يتشوش بتنمّل الدواعي الغريزية .
وختاما إخوة الإيمان : أرأيتم كيف أن كثيرا من أحاديث الصلاة دروب تنتهي بنا إلى بيت الخشوع ...
مادة هذه الخطبة من مقال "صفاء الأنبجانية " للشيخ إبراهيم السكران بارك الله له وفيه ، وهو على هذا الرابط http://www.dorar.net/article/1728
المشاهدات 4264 | التعليقات 5
اسأل الله أن ينفع بك ويثيبك أحسنت في النقل وأحسنت في الاختيار وأحسنت في التسهيل والتقريب
لا حرمك الله الأجر شيخ حسام.
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
بارك الله فيكم و في ما تقدمونه للناس من خير وهدى ، رزقني الله وإياكم و إخواننا الإخبات والخشوع و الأنس بالله و الإنابة .
آمين وإياكم .. أسعدني مروركم أحسن الله إليكم .
حسام بن عبدالعزيز الجبرين
الحمد لله ذي الجلال والجمال والكمال ، الغني الكبير المتعال ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد : فأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } .
معشر الكرام : غير خاف على أحد أن أعظم العبادات بعد التوحيد هي الصلاة ، وفي الخطبة الماضية كان الحديث منصبّاً على الأمور التي رأينا من خلالها جلالة أمر الخشوع وأنه روح الصلاة ولبّها .
فالرجال الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة إذا سمعوا النداء للصلاة يتفرغون من المشغلات للقلب من الطعام وحاجات الخلاء ويمشون للصلاة بسكينة.. ثم إذا أقيمت الصلاة كبروا بين يدي الله ووضعوا أيديهم على صدورهم وأبصارهم في موضع سجودهم وقد جاء نهيهم عن كف الثوب والشعر ، وجاء أمرهم بالإبراد في شدة الحر ، وآكل الثوم والبصل جاء نهيه عن المجيء للمسجد ، وغير ذلك كلها منظومة أحكام كلها تأخذ بيد العبد ليتنفس أثير الخشوع .
إخوة الإيمان : كلنا مقصر في جانب الخشوع في الصلاة وأنا والله أولكم ،
وللأسف أن بعض عناصر هذه الخطبة التي أذكّر فيها عن الخشوع في الصلاة والبعد عن الهواجس قد وردتني في صلاة ! مع أن التخيلات والهواجس في الصلاة كلها من مؤامرات الشيطان التي كشفها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .. قال عليه الصلاة والسلام (حتى إذا قُضِي التثويب ـ أي الإقامة ـ أقبل الشيطان حتى يخطر بين المرء ونفسه، يقول له: اذكر كذا، اذكر كذا.. لما لم يكن يذكر من قبل، حتى يظل الرجل ما يدري كم صلى)[البخاري (608)مسلم(389)]. وفي رواية (فهنّاه ومنّاه، وذكره من حاجاته ما لم يكن يذكر)[مسلم:389]..
الله المستعان ، هل يختلف المشهد في صلاتنا عما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
فتأمل قوله "اذكر كذا .. اذكر كذا.." وكيف تتزاحم فعلاً أحاديث النفس في الصلاة ترتطم موضوعاتها ببعضها وتفتح الملفات واحداً تلو الآخر، ويسلمك السابق للاحق، حتى تصبح حركتك في الصلاة انتقالات آلية لا يعقل المصلي معناها.. ألسنا نقرأ "أذكار الصلاة" على ألسنتنا لا نعقل من معانيها شيئاً في أكثر الأحيان .. أصبحنا في صلاتنا كأننا أجهزة آلية تنطق نصوصاً مخزّنة مسبقاً .. وهل تعقل الآلة مما في ذاكرتها شيئاً؟! .. كم يفوتنا من أجر الصلاة ، " إنَّ العبدَ لَيصلِّي الصَّلاةَ ما يُكتُبُ لَهُ منْها إلَّا عُشرُها، تُسعُها، ثمنُها، سُبعُها، سُدسُها، خمسُها، ربعُها، ثلثُها نصفُها" صححه الألباني .
ويظهر أن الخشوع مرتبط بقضية اعتقادية .. وهي درجة العبد من منزلة الإحسان.. التي هي فوق الإسلام والإيمان.. والإحسان "أن تعبد الله كأنك تراه".. واستحضار هذا المعنى درجات متفاوتة وكلما صعد العبد في مرقاة الإحسان أومضت في قلبه نوافذ الخشوع.. ولذلك قال النووي عن قول النبي صلى الله عليه وسلم "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه": (لو قدرنا أن أحدنا قام في عبادة وهو يعاين ربه سبحانه وتعالى؛ لم يترك شيئاً مما يقدر عليه من الخضوع والخشوع وحسن السمت واجتماعه بظاهره وباطنه على الاعتناء بتتميمها على أحسن وجوهها إلا أتى به..) اهـ .
و العلماء حين يحاولون إحياء الخشوع في نفس القارئ وتذكيره بمنزلته أنهم يستخدمون المقارنة بين الوقوف أمام ملوك الأرض والوقوف أمام ملك الملوك سبحانه ، فيستعمل ابن القيم مثلا هذا الأسلوب في المقارنة بين الوقوفين فيقول :" ومَثَل من يلتفت في صلاته ببصره أو بقلبه؛ مثل رجلٍ قد استدعاه السلطان فأوقفه بين يديه وأقبل يناديه ويخاطبه، وهو في خلال ذلك يلتفت عن السلطان يميناً وشمالاً، وقد انصرف قلبه عن السلطان فلا يفهم ما يخاطبه به، لأن قلبه ليس حاضراً معه، فما ظن هذا الرجل أن يفعل به السلطان؟ أفليس أقل المراتب في حقه أن ينصرف من بين يديه ممقوتاً مبعداً قد سقط من عينيه؟! فهذا المصلي لا يستوي والحاضر القلب المقبل على الله في صلاته، الذي قد أشعر قلبه عظمة من هو واقف بين يديه فامتلأ قلبه من هيبته، وذلت عنقه له، واستحيا من ربه أن يقبل على غيره أو يلتفت عنه) اهـ .
نفعني الله وإياكم بالكتاب والسنة وبما فيهما من الآي والحكمة واستغفروا الله إنه كان غفارا
الحمد لله القائل قد أفلح المؤمنون الذي هم في صلاتهم خاشعون ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده القائل " وجعلت قرة عيني الصلاة "
أما بعد : فإليكم أخوة الإسلام أسئلة سريعة وليختبر كل واحد نفسه .
هل أنت حين تقول آمين بعد الفاتحة قد استشعرت الدعاء الذي قبلها ؟! ولو بعض الأحيان ؟! هل أنت حين تقرأ أذكار التسبيح في الركوع تستشعر عظمة الرب ؟! هل تستشعر عظمة الرب وتنزيهه حال سجودك وحال التكبير؟! هل تستحضر معنى شكر المنعم عندما ترفع من الركوع ؟! هل تعرف معنى أذكار الصلاة كلها ؟ التحيات لله والصلوات والطيبات ؟! هل أنت ممن إذا سها الإمام سبّح ؟!
هل أنت إذا طالت الصلاة قليلا ممن يقوم بجولة حول بطنه وكأنه يقيس حجم كرشه ؟!
ما مدى استحضارك في صلواتك للمناجاة الإلهية عند قراءة الفاتحة ، حمدني عبدي ، أثنى عليّ عبدي ، مجدني عبدي
أخي إن كانت إجاباتك كإجاباتي لا تسر ، فلنستعن بالله أولا ولنبحث بجدية عن علاجات لمشكلتنا هذه .
اللهم اغفر لي ولإخواني تقصيرنا في صلاتنا اللهم إنا نسألك إيمانا كاملا ويقينا صادقا وقلبا خاشعا ...
تعديل التعليق