{ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ }
مبارك العشوان 1
الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَيَقُولُ اللهُ جَلَّ وَعَلَا: { فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ }آل عمران 185
وَيَقُولُ تَعَالَى: { قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ }الزمر 15
مَنْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ يَفُزْ فَوزًا عَظِيمًا؛ وَمَنْ يَدخُلِ النَّارَ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِيْنًا.
وَلَقَدْ جَاءَتِ الآيَاتُ وَالأَحَادِيثُ الكَثِيرَةُ فِي وَصْفِ الجَنَّةِ وَنَعِيْمِهَا وَلَذَائِذِهَا، وَالنَّارِ وَأَهْوَالِهَا وَشَدَائِدِهَا؛ تَرْغِيْبًا وَتَرْهِيْبًا.
وَحَدِيثُ اليَومِ عَنِ النَّارِ - أَجَارَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْهَا -.
عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ أَعَدَّ اللهُ جَهَنَّمَ دَارًا لِلْكَافِرِينَ، وَعِقَابًا لِعُصَاةِ المُؤْمِنِينَ، وَذَكَرَ تَعَالَى أَوْصَافَهَا، وَمَا أَعَدَّ مِنَ العَذَابِ الأَلِيمِ وَالخِزْيِ المُبِينِ لِأَهْلِهَا، تَحْذِيرًا لِلْعِبَادِ مِنْهَا؛ وَمِنْ كُلِّ قَولٍ أَوْ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَيْهَا؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } التحريم 6
يُحْشَرُ أَهْلُ النَّارِ إِلَيْهَا عَلَى وُجُوهِهِمْ؛ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا، يُحْشَرُونَ إِلَيْهَا زُرْقًا، وَيُساقُونَ إِلَيْهَا عِطَاشًا؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: { وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا } مريم 86
يَقُولُ الشَّيْخُ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: وَهَذَا أَبْشَعُ مَا يَكُونُ مِنَ الحَالَاتِ، سَوْقُهُمْ عَلَى وَجْهِ الذُّلِّ والصَّغَارِ إلَى أَعْظَمِ سِجْنٍ وَأَفْظَعِ عُقُوبَةٍ، وَهُوَ جَهَنَّمُ، فِي حَالِ ظَمَئِهِمْ وَنَصَبِهِمْ، يَسْتَغِيثُونَ فَلَا يُغَاثُونَ، وَيَدْعُونَ فَلَا يُسْتَجَابُ لهُمْ، وَيَسْتَشْفِعُونَ فَلَا يُشْفَعُ لهَمُ... الخ.
يُسَاقُ أَهْلُ النَّارِ إِلَيْهَا سَوقًا عَنِيفًا، وَيُدْفَعُونَ دَفْعًا شَدِيْدًا.
قَالَ تَعَالَى: { يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } الطور 13
وَقَالَ تَعَالَى: { خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ } الدخان 47
يُسَاقُ أَهْلُ النَّارِ إِلَيْهَا فَـ : { إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا، وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا، لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا }الفرقان 12 – 14 وَقَالَ تَعَالَى: { وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ، قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ } الزمر 71ـ 72
يَجِدُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهَا مَلَائِكَةً غِلَاظًا شِدَادًا لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ.
يُقْذَفُ أَهْلُ النَّارِ فِيْهَا؛ فَـ :{ إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ، تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ } ق 7ـ 8
يُسْحَبُ أَهْلُ النَّارِ فِيْهَا عَلَى وُجُوهِهِمْ، وَتُغَلُّ أَيْدِيْهِمْ إِلَى أَعْنَاقِهِمْ: { إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ، فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ } غافر 71ـ 72 { يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ }القمر48
يَسْتَقْبِلُ أَهْلُ النَّارِ العَذَابَ بِوُجُوهِهِمْ: { أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ }الزمر24 قَالَ مُجَاهِدٌ: يُجَرُّ عِلَى وَجْهِهِ فِي النَّارِ.
وَقَالَ عَطَاءٌ: يُرْمَى بِهِ فِي النَّارِ مَنْكُوسًا؛ فَأَوَّلُ شَيءٍ مِنْهُ تَمَسُّهُ النَّارُ وَجْهَهُ.
يُقَالُ لِأَهْلِ النَّارِ تَقْرِيْعًا وَتَوبِيْخًا: { ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ } {ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ }{ فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَاباً }
{ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ }
أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ عَلَى أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ.
هَذَا أَهْوَنُهُمْ عَذَابًا؛ فَمَا ظَنُّكُمْ بِأَشَدِّهِمْ، وبِمَنْ هُوَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّار؟!
نَعُوذُ باللهِ مِنَ النَّارِ
إِذَا دَخَلَ أَهْلُ النَّارِ النَّارَ؛ فهُمْ فِي أَنْوَاعِ العَذَابِ يَتَقَلَّبُـــونَ: { لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ }الأعراف41 { قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ، يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ، وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ }الحج 19ـ 21
لَا يَذُوقُ أَهْلُ النَّارِ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا، إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا.
أَجَارَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ النَّارِ، وَبَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ.
وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمْ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا } النساء 56
وَيَقُولُ تَعَالَى: { إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا، خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا } الأحزاب 64 – 65 وَيَقُولُ تَعَالَى: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ، وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ }فاطر 36 - 37
يَخْلُدُ الكُفَّارُ فِي النَّارِ فَلَا يَخْرَجُونَ مِنْهَا أَبَدًا.
أَمَّا العُصَاةُ مِنْ أَهْلِ التَّوحِيْدِ فَلَا يَخْلُدُونَ فِي النَّارِ؛ وَهُمْ تَحْتَ مَشِيْئَةِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ المَعَاصِي ثُمَّ أَخْرَجَهُمْ إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ وَعَفَا عَنْهُمْ.
عِبَادَ اللهِ: اجْتَهِدُوا - وَفَّقَكُمُ اللهُ - فِي كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ يُقَرِّبُ إِلَى اللهِ؛ وَيُبَاعِدُ عَنِ النَّارِ، واعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ حُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ، وَالنَّارَ حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ.
اصْبِرُوا عَلَى الطَّاعَاتِ، وَاصْبِرُوا عَنِ المُحَرَّمَاتِ؛ وَأَبْشِرُوا بِالخَيْرِ مِنَ الكَرِيْمِ جَلَّ وَعَلَا.
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ المُصْطَفَى؛ فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }الأحزاب 56
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.
عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
المرفقات
1653536808_الخسران المبين.pdf
1653536834_الخسران المبين.docx
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق