الحياة في السجن
عنان عنان
1436/04/28 - 2015/02/17 20:19PM
لخُطبةُ الاولى "
إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُهُ ونتوبُ إليهِ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهديهِ اللهُ فَهُوَ المُهتدِ، ومَنْ يضللْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا الَّلهُ وحدَهُ لا شَريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيدنا محمدٌ عبدُهُ ورسولُهُ..........
عبادَ اللهِ، عن أبي هريرةَ-رضي الله عنه-قالَ: قالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: " الدنيا سِجنُ المؤمنِ، وجنَّةُ الكافرِ " [رواه مسلم]
إنه حديثٌ عظيمٌ من سيدِ المرسلينَ، وقدْ اشتهرَ على ألسنتةِ النَّاسِ ولكنْ قليلٌ منَّا من يفقهُ معانيَهُ،
سؤالٌ أسألك إياه ماذا تعرفُ عن السجنِ؟ وكيفَ هيَ الحياةُ داخِلِ السجنِ؟
فالمسجونُ مُقيدٌ بالسدودِ، لا يملكُ الحُريةَ، وليسَ لهُ من أمرهِ شيءٌ، لا يستطيعُ أن يفعلَ ما يشاءُ ولا يلهوَ ما يشاءُ ولا يأكلَ ما يشاءُ ولا يتكلمَ ما يشاءُ، فهو مقيدٌ بأوامرٍ وحدودٍ لا يستطيعُ أن يردها عن نفسِهِ، فكذلك المؤمنُ في الدنيا فهو عبدٌ للهِ، مقيدٌ بأوامرٍ وحدودٍ لا يستطيعُ أن يردها عن نفسِهِ، لا يستطيعُ أن يفعلَ ما يشاءُ ولا يلهوَ ما يشاءُ ولا ينكحَ ما يشاءُ ولا يأكلَ ما يشاءَ ولا يتكلمَ ما يشاءُ، فهو مقيدٌ بأوامرٍ وحدودٍ تحتوي على الحلالِ والحرامِ والأمرِ والنهيِّ والخيرِ والشرِ.
عبادَ اللهِ، لماذا يُسجنُ الإنسانُ؟ يُسجنُ الإنسانُ عندما يقومُ بعملٍ خاطئٍ، فيُسجنُ لتهذيبِ النَّفسِ وصلاحِها، فالله-عز وجل- عندما وضعَ هذه القيودَ والحدودَ للعبادِ جعلها لتهذيبِ النفوسِ وصلاحِها، وواعدَ على أدائِها حياةً طيبةً
قالَ تعالى: " من عملَ صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فلنحيينه حياةً طيبةً ولنجزينهم أجرَهم بأحسنِ ما كانوا يعملونَ " والذي يعيشُ على مُرادِ اللهِ ولا يتعدى حُدودَ اللهِ، يسعُدُ وينجو، قالَ ابنُ القيمِ-رحمه الله-: " عاشَ النَّاسُ على مُرادِهم فهُلكوا، وواللهِ لوْ عاشوا على مُرادِ اللهِ لسعدوا ولنجوْا ".
السجينُ لا يستطيعُ أن ينظرَ إلى النساءِ، ولا أن يزنيَ بالنساءِ، لأنه محصورٌ عن اللذاتِ والشهواتِ، وهكذا يجبُ أن يكونَ المؤمنُ في الدنيا محصورٌ عن لذةِ النساءِ والشهواتِ.
السجينُ لا يستطيعُ أن يغتابَ الناس ولا أن ينمَّ عن النَّاس ولا يَفسدَ بين النَّاسِ، لأنه مقطوعٌ عن الدنيا، وهكذا يجبُ أن يكونَ المؤمنُ في الدنيا.
السجينُ لا يستطيعُ أن يأكلَ الحرامَ ولا أن يخوصَ بمالِ اللهِ بغيرِ حقٍّ، لأنه مقطوعٌ عن الدنيا، وهكذا يجبُ أن يكونَ المؤمنُ في الدنيا.
السجينُ لا يستطيعُ أن ينظرَ إلى الأفلامِ الساقطةِ، لأنه لا يملكُ جوالاً ولا شيئاً من الأمورِ الأُلكترونيةِ، وهكذا يجبُ أن يكونَ المؤمنُ في الدنيا.
السجينُ لا يستطيعُ أن يأذيَ إخوانَهُ السجناءَ، لأنه إذا فعلَ ذلكَ ترتَّبَ عليهِ عقوبةً وربُّما زادَ حكمُهُ، وهكذا يجبُ أن يكونَ المؤمنُ في الدنيا.
السجينُ يرضى بالرزقِ والأكلِ الذي يضعونَ لهُ، وهكذا يجبُ أن يكونَ المؤمنُ في الدنيا، أن يرضى بما قسمَ اللهُ لهُ، وقدْ قالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: " ارضى بما قسمَ اللهُ لكَ، تكنْ مؤمناً ".
السجينُ ربُّما يتأخرُ زواجُهُ ورزقُهُ، ولكنَّه رغمَ أنفُهُ سيصبرُ، وهكذا المؤمنُ في الدنيا إذا تأخرَ رزقُهُ أو زواجُهُ يجبُ عليهِ أن يصبرَ على أقدارِ اللهِ المؤلمةِ.
السجينُ يعتريَهُ الهمُّ والغمُّ والبلاءُ والضيقُ، ويشعرُ بالأذى والضيقِ والتشديدِ، وهكذا المؤمنُ في الدنيا يبتليَهُ اللهُ-عز وجل- حتى يختبرَه هل يصبرُ على قدرِ اللهِ أم يستخطُ؟ قالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: " إنَّ عِظمَ البلاءِ مع عظمِ الجزاءِ، وإنَّ اللهَ إذا أحبَّ قوماً إبتلاهم، فمنْ رضيَ فلهُ الرضا، ومنْ سخطَ فلهُ السخطُ " [صححه الالباني]
يبتليَهُ ليكفِّرَ عنه خطاياهُ وذنوبَه، عن مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: "سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: مَنْ أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً؟ قَالَ: "النَّبِيُّونَ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، إِنْ كَانَ صُلْبَ الدِّينِ اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ عَلَى الْعَبْدِ حَتَّى يَدَعَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ لَيْسَ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ " [رواه الحاكم]
السجينُ ينتظرُ الفرجَ وتفريجَ الكربِ دائماً، وهكذا المؤمنُ في الدنيا ينتظرُ الفرجَ وتفريجَ الكربِ وينتظرُ النصرَ،
قال تعالى: " إنَّ مع العسرِ يُسراً إنَّ مع العُسرِ يُسراً " واعلمْ أنَّ النصرَ مع الصبرِ، وأنَّ الفرجَ مع الكربِ، وأنَّ مع العُسرِ يُسراً ".
السجينُ ينتظرُ بشوقٍ الخروجَ من السجنِ، ليظفرَ بالدنيا ويتنعمَ بها، وهكذا المؤمنُ يتمنى خروجَهُ من الدنيا بشوقٍ وحميمٍ، لأنه أحبَّ لقاءَ اللهِ فأحبَّ اللهُ لقاءَهُ، تجدُه يعشقُ الموتَ في سبيلِ اللهِ، ليظفرَ بالنعيمِ المُقيمِ والحياةِ السرمديةِ.
قالَ تعالى: " وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ " وقالَ " وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ "
عبادَ اللهِ، المؤمنُ يتذكرُ دائماً أنه في سجنٍ محصورٍ، بينَ ما شُرعَ له وما نُهيَ عنه، فكلما أرادت نفسُهُ الخروجَ من السجنِ، أرجعها وألجمها وذكَّرها بحقيقةِ الدنيا التي هيَ سِجنُ المؤمنِ، وجنَّةُ الكافرِ، قالَ تعالى:" وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ "
عبادَ اللهِ، اللهَ اللهَ في تقوى اللهِ، والصبرِ عن محارمِ اللهِ، وتوطينِ النفسِ على طاعةِ اللهِ، والبعدِ عن معصيةِ اللهِ، والصبرِ على أقدارِ اللهِ المؤلمةِ، وأن يكونَ حالُنا في هذه الدنيا كالسجناءِ فِعلاً، لنظفرَ بالنعيمِ المُقيمِ والثوابِ الكبيرِ.
قالَ ابنُ القيمِ-رحمه اللهُ-:
لا يُلْهِيَنَّكَ مَنْزِلٌ لَعِبْتَ بِهِ ** أَيْدِي الْبِلا مِنْ سَالِفِ الأَزْمَانِ
فَلَقَدْ تَرَحَّلَ عَنْهُ كُلُّ مُسَرَّةٍ ** وَتَبَدَلَتْ بَالْهَمِّ وَالأَحْزَانِ
سِجْنٌ يَضِيقُ بِصَاحِبِ الإِيمَانِ لَـ ** ـكِنْ جَنَّةُ الْمَأْوَى لِذِي الْكُفْرَانِ
قال رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: " وَاللهِ مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ فِي الْيَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بِمَ تَرْجِعُ؟". [رواه مسلم].
قلتُ ما سمعتم وأستغفرُ اللهَ لي ولكم، فأستغفروهُ وتوبوا إليهِ إنه هو التوابُ الرحيمُ.
" الخُطبةُ الثانيةُ" بعنوان ( الدنيا جنةُ الكافرِ )
عبادَ اللهِ، أما الكافرُ فإنه يرى نفسه حراً طليقاً لا حرامَ إلا ما حرمَه هو على نفسه، ولا منهياً إلا ما ينتهي عنه هو، ولذلك فإنه يمارسُ الشرورَ ويفعلُ المعاصي بكلِّ حريةٍ وطلاقةٍ، دونَ أن يرى نفسه مقيداً بشيءٍ اسمُه حلالٌ أو حرامٌ، أو مباحٌ أو محظورٌ.
يعربدُ، ويسكرُ، ويأكلُ الحرامَ، ويزني، ويكذبُ على الناسِ ويضحكُ عليهم، ويفعلُ كلَّ ما بدا له؛ لأنه لا يرى نفسه مقيداً من أحد أو مكلفاً منه، بخلافِ المؤمنِ الذي يرى نفسه مسجوناً في هذه الدنيا بسجنِ الأوامرِ والنواهي والتكاليفِ الشرعيةِ المشروعة والممنوعةِ.
والكفارُ فإنهم يعيشونَ في هذه الدنيا في ترفٍ ونعيمٍ، ورغدٍ من العيشِ؛ لأنهم ليسوا مقيدين بشيءٍ، فبإمكانِ الكافرِ أن يفعلَ ما يشاءُ، ويأكلَ المحرماتِ، ويأخذَ المالَ الحرامَ، ويتنعمَ بما لا يحلُ التنعمَ به، ولن يجدَ غضاضةً في فعلِ أيِّ شيءٍ يرى أنه سيزيدُه راحةً ونعيماً.
وربما يعطي اللهُ بعضَهم نعيماً هائلاً، وأموالاً طائلةً من هذه الدنيا حتى يتنعمونَ بها لأنها جنتُهم، ثم يومَ القيامةِ يصلونَ النار َويدخلونها مذمومينَ مدحورينَ، مع أن هذا لا يحصلُ لكل ِّكافرٍ وإنما يحصلُ لبعضِهم فقطْ، كما قالَ تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا) [الإسراء : 18].
قالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: " لو كانتِ الدنيا تعدلُ عندَ اللهِ جناحَ بعوضةٍ، ما سقى منها كافراً شربةَ ماءٍ " [رواه الترمذي].
وصلِّ اللهمَّ وباركْ على سيدِنا محمدٍ وعلى آلهِ وأصحابهِ وسلِّمْ تسليماً كثيراً.
إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُهُ ونتوبُ إليهِ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهديهِ اللهُ فَهُوَ المُهتدِ، ومَنْ يضللْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا الَّلهُ وحدَهُ لا شَريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيدنا محمدٌ عبدُهُ ورسولُهُ..........
عبادَ اللهِ، عن أبي هريرةَ-رضي الله عنه-قالَ: قالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: " الدنيا سِجنُ المؤمنِ، وجنَّةُ الكافرِ " [رواه مسلم]
إنه حديثٌ عظيمٌ من سيدِ المرسلينَ، وقدْ اشتهرَ على ألسنتةِ النَّاسِ ولكنْ قليلٌ منَّا من يفقهُ معانيَهُ،
سؤالٌ أسألك إياه ماذا تعرفُ عن السجنِ؟ وكيفَ هيَ الحياةُ داخِلِ السجنِ؟
فالمسجونُ مُقيدٌ بالسدودِ، لا يملكُ الحُريةَ، وليسَ لهُ من أمرهِ شيءٌ، لا يستطيعُ أن يفعلَ ما يشاءُ ولا يلهوَ ما يشاءُ ولا يأكلَ ما يشاءُ ولا يتكلمَ ما يشاءُ، فهو مقيدٌ بأوامرٍ وحدودٍ لا يستطيعُ أن يردها عن نفسِهِ، فكذلك المؤمنُ في الدنيا فهو عبدٌ للهِ، مقيدٌ بأوامرٍ وحدودٍ لا يستطيعُ أن يردها عن نفسِهِ، لا يستطيعُ أن يفعلَ ما يشاءُ ولا يلهوَ ما يشاءُ ولا ينكحَ ما يشاءُ ولا يأكلَ ما يشاءَ ولا يتكلمَ ما يشاءُ، فهو مقيدٌ بأوامرٍ وحدودٍ تحتوي على الحلالِ والحرامِ والأمرِ والنهيِّ والخيرِ والشرِ.
عبادَ اللهِ، لماذا يُسجنُ الإنسانُ؟ يُسجنُ الإنسانُ عندما يقومُ بعملٍ خاطئٍ، فيُسجنُ لتهذيبِ النَّفسِ وصلاحِها، فالله-عز وجل- عندما وضعَ هذه القيودَ والحدودَ للعبادِ جعلها لتهذيبِ النفوسِ وصلاحِها، وواعدَ على أدائِها حياةً طيبةً
قالَ تعالى: " من عملَ صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فلنحيينه حياةً طيبةً ولنجزينهم أجرَهم بأحسنِ ما كانوا يعملونَ " والذي يعيشُ على مُرادِ اللهِ ولا يتعدى حُدودَ اللهِ، يسعُدُ وينجو، قالَ ابنُ القيمِ-رحمه الله-: " عاشَ النَّاسُ على مُرادِهم فهُلكوا، وواللهِ لوْ عاشوا على مُرادِ اللهِ لسعدوا ولنجوْا ".
السجينُ لا يستطيعُ أن ينظرَ إلى النساءِ، ولا أن يزنيَ بالنساءِ، لأنه محصورٌ عن اللذاتِ والشهواتِ، وهكذا يجبُ أن يكونَ المؤمنُ في الدنيا محصورٌ عن لذةِ النساءِ والشهواتِ.
السجينُ لا يستطيعُ أن يغتابَ الناس ولا أن ينمَّ عن النَّاس ولا يَفسدَ بين النَّاسِ، لأنه مقطوعٌ عن الدنيا، وهكذا يجبُ أن يكونَ المؤمنُ في الدنيا.
السجينُ لا يستطيعُ أن يأكلَ الحرامَ ولا أن يخوصَ بمالِ اللهِ بغيرِ حقٍّ، لأنه مقطوعٌ عن الدنيا، وهكذا يجبُ أن يكونَ المؤمنُ في الدنيا.
السجينُ لا يستطيعُ أن ينظرَ إلى الأفلامِ الساقطةِ، لأنه لا يملكُ جوالاً ولا شيئاً من الأمورِ الأُلكترونيةِ، وهكذا يجبُ أن يكونَ المؤمنُ في الدنيا.
السجينُ لا يستطيعُ أن يأذيَ إخوانَهُ السجناءَ، لأنه إذا فعلَ ذلكَ ترتَّبَ عليهِ عقوبةً وربُّما زادَ حكمُهُ، وهكذا يجبُ أن يكونَ المؤمنُ في الدنيا.
السجينُ يرضى بالرزقِ والأكلِ الذي يضعونَ لهُ، وهكذا يجبُ أن يكونَ المؤمنُ في الدنيا، أن يرضى بما قسمَ اللهُ لهُ، وقدْ قالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: " ارضى بما قسمَ اللهُ لكَ، تكنْ مؤمناً ".
السجينُ ربُّما يتأخرُ زواجُهُ ورزقُهُ، ولكنَّه رغمَ أنفُهُ سيصبرُ، وهكذا المؤمنُ في الدنيا إذا تأخرَ رزقُهُ أو زواجُهُ يجبُ عليهِ أن يصبرَ على أقدارِ اللهِ المؤلمةِ.
السجينُ يعتريَهُ الهمُّ والغمُّ والبلاءُ والضيقُ، ويشعرُ بالأذى والضيقِ والتشديدِ، وهكذا المؤمنُ في الدنيا يبتليَهُ اللهُ-عز وجل- حتى يختبرَه هل يصبرُ على قدرِ اللهِ أم يستخطُ؟ قالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: " إنَّ عِظمَ البلاءِ مع عظمِ الجزاءِ، وإنَّ اللهَ إذا أحبَّ قوماً إبتلاهم، فمنْ رضيَ فلهُ الرضا، ومنْ سخطَ فلهُ السخطُ " [صححه الالباني]
يبتليَهُ ليكفِّرَ عنه خطاياهُ وذنوبَه، عن مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: "سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: مَنْ أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً؟ قَالَ: "النَّبِيُّونَ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، إِنْ كَانَ صُلْبَ الدِّينِ اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ عَلَى الْعَبْدِ حَتَّى يَدَعَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ لَيْسَ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ " [رواه الحاكم]
السجينُ ينتظرُ الفرجَ وتفريجَ الكربِ دائماً، وهكذا المؤمنُ في الدنيا ينتظرُ الفرجَ وتفريجَ الكربِ وينتظرُ النصرَ،
قال تعالى: " إنَّ مع العسرِ يُسراً إنَّ مع العُسرِ يُسراً " واعلمْ أنَّ النصرَ مع الصبرِ، وأنَّ الفرجَ مع الكربِ، وأنَّ مع العُسرِ يُسراً ".
السجينُ ينتظرُ بشوقٍ الخروجَ من السجنِ، ليظفرَ بالدنيا ويتنعمَ بها، وهكذا المؤمنُ يتمنى خروجَهُ من الدنيا بشوقٍ وحميمٍ، لأنه أحبَّ لقاءَ اللهِ فأحبَّ اللهُ لقاءَهُ، تجدُه يعشقُ الموتَ في سبيلِ اللهِ، ليظفرَ بالنعيمِ المُقيمِ والحياةِ السرمديةِ.
قالَ تعالى: " وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ " وقالَ " وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ "
عبادَ اللهِ، المؤمنُ يتذكرُ دائماً أنه في سجنٍ محصورٍ، بينَ ما شُرعَ له وما نُهيَ عنه، فكلما أرادت نفسُهُ الخروجَ من السجنِ، أرجعها وألجمها وذكَّرها بحقيقةِ الدنيا التي هيَ سِجنُ المؤمنِ، وجنَّةُ الكافرِ، قالَ تعالى:" وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ "
عبادَ اللهِ، اللهَ اللهَ في تقوى اللهِ، والصبرِ عن محارمِ اللهِ، وتوطينِ النفسِ على طاعةِ اللهِ، والبعدِ عن معصيةِ اللهِ، والصبرِ على أقدارِ اللهِ المؤلمةِ، وأن يكونَ حالُنا في هذه الدنيا كالسجناءِ فِعلاً، لنظفرَ بالنعيمِ المُقيمِ والثوابِ الكبيرِ.
قالَ ابنُ القيمِ-رحمه اللهُ-:
لا يُلْهِيَنَّكَ مَنْزِلٌ لَعِبْتَ بِهِ ** أَيْدِي الْبِلا مِنْ سَالِفِ الأَزْمَانِ
فَلَقَدْ تَرَحَّلَ عَنْهُ كُلُّ مُسَرَّةٍ ** وَتَبَدَلَتْ بَالْهَمِّ وَالأَحْزَانِ
سِجْنٌ يَضِيقُ بِصَاحِبِ الإِيمَانِ لَـ ** ـكِنْ جَنَّةُ الْمَأْوَى لِذِي الْكُفْرَانِ
قال رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: " وَاللهِ مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ فِي الْيَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بِمَ تَرْجِعُ؟". [رواه مسلم].
قلتُ ما سمعتم وأستغفرُ اللهَ لي ولكم، فأستغفروهُ وتوبوا إليهِ إنه هو التوابُ الرحيمُ.
" الخُطبةُ الثانيةُ" بعنوان ( الدنيا جنةُ الكافرِ )
عبادَ اللهِ، أما الكافرُ فإنه يرى نفسه حراً طليقاً لا حرامَ إلا ما حرمَه هو على نفسه، ولا منهياً إلا ما ينتهي عنه هو، ولذلك فإنه يمارسُ الشرورَ ويفعلُ المعاصي بكلِّ حريةٍ وطلاقةٍ، دونَ أن يرى نفسه مقيداً بشيءٍ اسمُه حلالٌ أو حرامٌ، أو مباحٌ أو محظورٌ.
يعربدُ، ويسكرُ، ويأكلُ الحرامَ، ويزني، ويكذبُ على الناسِ ويضحكُ عليهم، ويفعلُ كلَّ ما بدا له؛ لأنه لا يرى نفسه مقيداً من أحد أو مكلفاً منه، بخلافِ المؤمنِ الذي يرى نفسه مسجوناً في هذه الدنيا بسجنِ الأوامرِ والنواهي والتكاليفِ الشرعيةِ المشروعة والممنوعةِ.
والكفارُ فإنهم يعيشونَ في هذه الدنيا في ترفٍ ونعيمٍ، ورغدٍ من العيشِ؛ لأنهم ليسوا مقيدين بشيءٍ، فبإمكانِ الكافرِ أن يفعلَ ما يشاءُ، ويأكلَ المحرماتِ، ويأخذَ المالَ الحرامَ، ويتنعمَ بما لا يحلُ التنعمَ به، ولن يجدَ غضاضةً في فعلِ أيِّ شيءٍ يرى أنه سيزيدُه راحةً ونعيماً.
وربما يعطي اللهُ بعضَهم نعيماً هائلاً، وأموالاً طائلةً من هذه الدنيا حتى يتنعمونَ بها لأنها جنتُهم، ثم يومَ القيامةِ يصلونَ النار َويدخلونها مذمومينَ مدحورينَ، مع أن هذا لا يحصلُ لكل ِّكافرٍ وإنما يحصلُ لبعضِهم فقطْ، كما قالَ تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا) [الإسراء : 18].
قالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: " لو كانتِ الدنيا تعدلُ عندَ اللهِ جناحَ بعوضةٍ، ما سقى منها كافراً شربةَ ماءٍ " [رواه الترمذي].
وصلِّ اللهمَّ وباركْ على سيدِنا محمدٍ وعلى آلهِ وأصحابهِ وسلِّمْ تسليماً كثيراً.