الحياء

سعيد بن ظافر
1442/06/15 - 2021/01/28 10:55AM
*الحَيَــاء* *
 
*الخطبة الأولى*
الحمد لله أضحك وأبكى، وأمات وأحيا، وخلق الذكر والأنثى، أغنى وأقنى، ومنع وأعطى، وأشهد أن لا إله إلا الله على العرش استوى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ما ضلّ وما غوى، وما ينطق عن الهوى، أعظم الناس خُلقًا، وأشدهم حياء.
يا من أنابوا للعظيم وأسلموا **  
بالشكر للمولى الكريم ترنموا
يا من تحبون الرسول محمدا **  
صلوا على خير الأنام وسلموا
 
فصلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه مصابيح الدجى، ومن تبعهم بإحسان من أولي النهى.
*أما بعد...* فاتقوا الله جل وعلا، واستحيوا منه حق الحياء، واعملوا للآخرة فهي خيرٌ وأبقى.
 
*أيها الكرام:*
خُلقٌ من الأخلاق العظيمة، دعا إليه ربنا، وحث عليه نبينا، وأراه قد خف ميزانه في أوساطنا، ألا إنه خُلُق الحياء، هذا الخلق خير كله، والحياء لا يأتي إلا بخير، وهو شعبة من شعب الإيمان، وخصلة من خصال الإسلام، وفي الحديث (إن لكل دين خُلُقا، وخلق الإسلام الحياء)
والحياء قرين الإيمان، وفي الحديث (الحياء والإيمان قرنا جميعا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر)
وكان صلى الله عليه وسلم أعظم الناس حياءً، فكان أشد حياءً من العذراء في خِدْرها، وفي هذا الوقت الذي نعيش لحظاتِه وأيامَه، أرى بأن خلق الحياء قد خفَّ، ونقص عند البعض في صورٍ كثيرة منها:
 
*الحياء من الله عز وجل:* فمن يتهاون في الصلاة فقد خف حياؤه من الله، ومن يتحايل في الزكاة فقد خف حياؤه من الله، ومن يأكل أموال الناس بالباطل والدعاوى الكاذبة الفاجرة فقد خف حياؤه من الله، ومن يمنع النساء حقهن في الإرث الذي فرضه الله لهن من فوق سبع سماوات ويقطعهن ويهجرهن من أجل أنهن طَلبْنَ حقهن فقد خف حياؤه من الله، من يغلق عليه بابه ثم يبارز ربه بالمعاصي نظرًا أو سمعًا أو فعلًا فقد خف حياؤه من الله، وقد أحسن من أوصى فقال: عبْدَ الله حياءً من الله، أن تخطو خطوة لغير الله، وراقب الله الذي يراقبك في الأمر كله وقد يعاقبك، حياءً من الله أن تبارزه بالمعصية وهو يوالي عليك نعمه، حياءً من الله إذا عملت فاذكر نظره، وإذا تكلمت فاذكر سمعه، وإذا أضمرت سوءًا فاذكر علمه، فالسر عند ربنا علانية، والله لا تخفى عليه خافية.
 
*وبعضهم قل حياؤه من والديه:* فتراه إن جلس معهما، أو مع أحدهما، جلس جلسة لا تليق بمقامهما، أو تراه ممسكًا بجواله يقُصُّ ويُلصِق، ويراسل ويُقَهْقِه، انشغل عن محادثة والديه وإدخال السرور عليهما بهذا الجوال الذي فُتِن به كثير من الناس، حتى في المساجد والله المستعان.
 
*وبعضهم قل حياؤه من الناس في الطرقات:* فتراه يرمي مخلفاته وبقايا طعامه وشرابه عبر نافذة السيارة أمام الناس وفي طرقاتهم، وأمام بيوتهم، دون حياء أو خجل.
وبعضهم تراه يقضي حاجته بجانب الطريق أمام أعين الناس دون حياء أو خجل.
وبعضهم يرفع أصوات الغناء والشَّيْلات والطبل ويؤذي عباد الله عند الإشارات وأمام المحلات دون حياء أو خجل.
وبعضهم يُشعِل سيجارته في الأماكن العامة دون مراعاة لمشاعر الناس وبلا حياء وخجل.
 
*وبعض النساء:* قل حياؤهن وذلك بعدم التستر والحشمة في اللباس والزينة ومخالطة الرجال بطريقة فيها من الجرأة وعدم الحياء وكأنها تتحدث مع أحد محارمها.
من خلعَتْ الثوب الحياء سقطت*
وافتَضَحتْ للخلق افتضاحا*
مِن بعدِه لا تترجي فلاحا
 
ليست المرأة إلا دُرّةً**
أيكون الدُّرُّ في غير الصَّدَفْ
 
*وبعض الشباب قل حياؤه في لباسه:* فتجده يلبس ملابس ضيقة، ممزقة وقصيرة وتُبْدِي بعض عورته، أو في قَصَّتِه لشعره بطريقة مخالفة للشرع وللأدب والحياء.
وبعضهم قل حياؤه واحترامه لمن هو أكبر منه سنًا، فتجده يتقدم عليه في المجلس وفي الكلام، وفي الطريق، دون حياءٍ أو خجل.
وبعضهم قل حياؤه في المجالس، فتجده يقاطع المتحدثين، أو يستأثر بالحديث وما كأن في ذلك المجلس إلا هو، ويغتاب ويلمز، دون حياء أو خجل.
وبعضهم قل حياؤه من العلماء الربانيين، فتجده يتطاول عليهم، ويستهزئ بهم، وينال من أعراضهم، دون حياءٍ أو خجل.
وبعضهم قل حياؤه من معلمه، فتجده لا يتأدب في الدرس، ولا يلتزم بالأدب وخِفّة النفْس، ولا يحفظ لصاحب الفضل فضله، ولا يُقيم له وزنه.
وبعضهم قل حياؤه في كلامه، فتجد لسانه قد اعتاد على قول كل قبيح، من لعن وسب وكلمات سوقيه، يقولها دون حياءٍ أو خجل.
وبعضهم قل حياؤه من أصحاب الفضل عليه، فقد يتجمَّل معه قريب أو صديق أو زميل، بإقراض أو مساعدة في مأْزِقٍ قد مرَّ به، وبعد حين تجده ينكر لأهل الفضل فضلهم، ويماطل الناس في حقوقهم، دون حياء وخجل.
وبعضهم قل حياؤه من إخوانه وأخواته وأرحامه وجيرانه فلا يريهم احتراما ولا تقديرا، ولا زيارة ولا برًا ولا توقيرًا، ويا ليتهم يسلمون من أذاه وحسده وشره، ولو حصل لهم ذلك لكان خيرا كثيرا.
 
*عباد الله:* قلتُ ما سمعتم واستغفر الله إنه كان رحيما غفورًا.
*الخطبة الثانية*
الحمد لله حمدً كثيرًا، وصلى الله وسلم على نبيه محمد وآله وصحبه بكرة وأصيلًا، أما بعد.
 
*فيا عباد الله:* قد أحسن من قال (نزْع الحياء عين الهلكة، ومتى نُزِع الحياء فليس إلا نفس دنيئة جلالة، تلاحق كل مستقذر، ووجهه وَقَاح، لا يميز حسانا من قِبَاح، ومن لا يستحي فليصنع ما يشاء)
 
إن الحياء زينة الحُرِّ وإنْ**
منه رأيتَ الحُرَّ يخلو فَقِنْ
وما خلا منه سوى الفُسّاقِ **
أو من له عِرْق في الاسترقاقِ
إن الحياء سياج أخلاق الفتى **
من حازه حاز الفضائل أجمعا
 
إن الحياء نعمة عظيمة، وهو لمن فاز به غنيمة، وشامة وشِيمةٌ وزينة، والدين المعاملة.
 
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذلّ الشرك والمشركين، ودمّر أعداء الملة والدين.
اللهم انصر إخواننا المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك لإعلاء كلمة الحق والدين على حدودنا وفي كل مكان.
اللهم وفّق ولي أمرنا إلى ما تحبه وترضاه، وجنِّبْه ما تبغضه وتأباه، اللهم وفّقه لهداك، واجعل عمله في رضاك وارزقه البطانة الصالحة يا رب العالمين.
‏اللهم ‏اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين
اللهم ‏اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين
اللهم ‏اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين
 
والحمد لله رب العالمين ..
 
 
___________
* خطبة للشيخ/ علي بن سعيد آل ماهل 
يوم الجمعة ١٤٤٢/٦/٩
المشاهدات 1278 | التعليقات 1

هذه الخطبة بصيغة pdf + وورد