الحياء (خطبة)

وائل عبدالله باجروان
1431/03/25 - 2010/03/11 20:31PM
أسأل الله أن ينفع بها

الحياء

الخطبة الأولى

أيها الإخوة المؤمنون
إن للأخلاق الحميدة في ديننا العظيم منزلة كبيرة، فقد أولى الشرع المطهر الأخلاق الحسنة اهتماما كبيرا، ورفع مكانتها، ومن تلكم الأخلاق خلق عظيم، وخلق فاضل، هذا الخلق، جميل في حق الرجال وهو في حق النساء أجمل، اتصف به أشرف الخلق نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، عندما أراد أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن يصف هذا الخلق في النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها)) رواه البخاري.
أيها الإخوة المؤمنون والأخوات المؤمنات
الحياء دليل على المروءة، وعنوان على الشهامة، وآية على حسن الخُلق.
الحياء انكسار للعظيم، وخجل من الكريم، واحترام للكبير.
الحياء عزة في ثوب التذلل، وشموخ في زي الانكسار، والهمّة في رداء التواضع.
الحياء من الحبيب يكسر حدة البصر، ويكبح جماح النفس، ويطأطئ عنفوان الرأس.
الحياء أمارة صادقة على طبيعة الإنسان!، فهو يكشف عن قيمة إيمانه، ومقدار أدبه.
أيها الإخوة المؤمنون،،،
إن خلق الحياء من الأخلاق الحميدة التي حث عليها الشرع المطهر، ورغب فيها، بل عدها نبينا صلى الله عليه وسلم من شعب الإيمان، فقال: ((الإيمان بضع وستون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان)). رواه البخاري.
وإن مما يرفع قيمة الحياء ويعلي من شأنه أنه صفة من صفات المولى جل وعلا، فمن صفاته الحيي، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن ربكم حيي كريم، يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه يدعوه، أن يردهما صفرا ليس فيهما شيء)). رواه الترمذي وأبو داود وصححه الألباني، حياؤه سبحانه من عبده، هو حياءٌ يليق بجلاله وعظيم سلطانه، لا تدركه ولا تكيفه العقول، وهو حياء كرم وبر وجود وعطاء.
قال الفيروز ابادي: وأما حياء الرب تبارك وتعالى من عبده، فنوع آخر لا تدركه ولا تكيفه العقول فإنه حياء كرم وبر وجود، فإنه كريم يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرا، ويستحي أن يعذب شيبة شابت في الإسلام. أ.هـ.
إن الحياء خلق يبعث على ترك القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق، كل من له حق عليك، تستحي أن تقصر في حقه.
وقد ((مر النبي صلى الله عليه وسلم على رجل وهو يعاتب أخاه في الحياء يقول: إنك لتستحي –حتى كأنه يقول: قد أضر بك- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعه فإن الحياء من الإيمان)). رواه البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((الحياء لا يأتي إلا بخير)). رواه البخاري.
عبد الله،،، أمة الله،،،
إن أسمى صور الحياء تتجلى في الحياء من الخالق سبحانه وتعالى، فالحياء استشعار لعظمة الله تبارك وتعالى، واستحضار لهيبته، ومراقبة لجلاله.
وإذا كان الصحابة رضوان الله عليهم هم أكثر الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم حياء من الله، وأشدهم خجلا منه، وخشية له، ومراقبة لجلاله، ومع ذلك يقول لهم صلى الله عليه وسلم: ((استحيوا من الله حق الحياء))، قال: قلنا: يا رسول الله إنا نستحي والحمد الله، قال: ((ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء، أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء)). رواه الترمذي وصححه الحاكم.
وهذه العظة تحوي كثيرا من آداب الإسلام ومناهج الفضيلة، فإن على المسلم تنزيه لسانه أن يخوض في باطل، وبصره أن يرمق عورة أو ينظر شهوة، وأذنه أن تسرق سرا، أو تستكشف خبئا، وعليه أن يفطم بطنه عن الحرام، ويقنعه بالطيب الميسور، ثم عليه أن يصرف أوقاته في مرضاة الله وإيثار ما لديه من ثواب، فلا تستخفه نزوات العيش ومتعه الخادعة.
وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أوصني، قال: ((أوصيك أن تستحي من الله عز وجل كما تستحي رجلا من صالحي قومك)). ذكره الألباني في السلسلة الصحيحة.
عجيب أمر بعض الناس الذين يتجرأون على انتهاك الحرمات ويهتكون ستر الحياء، ثم يمضي الواحد منهم دون خجل من ربه أو حياة لقلبه، أو وخز لضيمره: ((أيحسب أن لم يره أحد، ألم نجعل له عينين، ولسانا وشفتين، وهديناه النجدين)).
إن مما يورث ويجلب الحياء في النفس أن يرى آلاء الله ونعمه عليه، ويرى إحسان الله عليه بأنواع النعم، فكيف يقابل تلك النعم بالمعاصي.
وكذلك عندما يعلم العبد أن الله عز وجل مطلع عليه في جميع أوقاته، فإن ذلك يورث عند العبد حياء من ربه أن يفعل ما لا يرضاه الله عز وجل.
يقول ابن القيم رحمه الله: إن العبد متى علم أن الرب تعالى ناظر إليه، أورثه هذا العلم حياء منه سبحانه، فيجذبه إلى احتمال أعباء الطاعة، وذلك كمثل العبد إذا عمل الشغل بين يدي سيده، فإنه يكون نشيطا فيه، محتملا لأعبائه، ولا سيما مع الإحسان من سيده، والله عز وجل لا يغيب نظره عن عبده، فإذا ما غاب نظر العبد عن كون المولى ناظرا إليه تولد من ذلك قلة الحياء والقِحة. أ.هـ.
إذا كان هذا مما يجلب الحياء ويقويه فإن مما يذهب الحياء ويضعفه في النفس اقتراف المعاصي.
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: من عقوبات المعاصي ذهاب الحياء، الذي هو مادة حياة القلب، وهو أصل كل خير وذهابه ذهاب الخير أجمعه، فقد جاء في الحديث الصحيح ((الحياء خير كله)) والمقصود أن الذنوب تضعف الحياء من العبد، حتى ربما انسلخ منه بالكلية حتى إنه ربما لا يتأثر بعلم الناس بسوء حاله، ولا بطلاعهم عليه، بل كثير منهم يخبر عن حاله وقبح ما يفعل، والحامل له على ذلك انسلاخه من الحياء، وإذا وصل العبد إلى هذه الحالة لم يبق في صلاحه مطمع. أ.هـ.
عباد الله،،، وكذلك يتجلى خلق الحياء في تعامل الإنسان مع الخلق، فيستحي أن يصدر منه تصرف مستهجن، أو فعل قبيح.
فعندما ترى الرجل يتحرج من فعل ما لا ينبغي، أو ترى حُمرة الخجل تصبغ وجهه إذا بدر منه ما لا يليق فاعلم أنه حي الضمير، نقي المعدن، زكي العنصر، وإذا رأيت الشخص صفيقا بليد الشعور، لا يبالي ما يأخذ وما يترك، وليس له حياء وازع يعصمه عن اقتراف الآثام وارتكاب الدنايا، فاعلم أن خلق الحياء لديه معدوم.
وخلق الحياء هو خلق يميز أتباع هذا الدين كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إن لكل دين خلقا وخلق الإسلام الحياء)) حديث حسن.
ومن سمت الحياء ما يتميز به الحيي من مظاهر الوقار والسكينة، فإن من الحياء ما يحمل صاحبه على الوقار، بأن يوقر غيره، ويتوقر هو في نفسه، ومنه ما يحمله على أنه يسكن عن كثير مما يتحرك الناس فيه من الأمور التي لا تليق بذي المروءة، فالحياء يحجز النفس عن كثير من خوارم المروءة وقوادح الدين.
عباد الله،،،
وليس من الحياء في شيء حياء يمنع الحق، كحياء يمنع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو حياء يمنع من المطالبة بالحقوق، أو التفقه في الدين، بل هذا يسمى عجز وضعف، فقد كان صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها ومع ذلك فهو نفسه عليه الصلاة والسلام إذا انتهكت محارم الله احمر وجهه، وعلا صوته واشتد غضبه لله عز وجل.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.


الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه. وبعد..
إذا انعدم الحياء في نفس الإنسان فلا تسل عن أفعاله ولا تتعجب من تصرفاته، عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت)) روه البخاري.
أيها الإخوة المؤمنون والأخوات المؤمنات،،،
أين خلق الحياء من رجل أو امرأة يعصي الله عز وجل في الخلوة وينسى أن الله مطالع عليه
أين خلق الحياء من شباب أو رجال يتبادلون الصور الخليعة في أجهزة الجوال لا يستحون من الله ولا يستحي أحد منهم من الأخر
أين خلق الحياء من فتاة تتكلم مع شاب أجنبي، مكالمات مشبوهة، وتصرف مستهجن، بل أين خلق الحياء من ذلك الشاب الذي يؤذي بيوت المسلمين بالتصيد لبناتهم
أين خلق الحياء من شباب يجلس بعضهم إلى بعض فتصدر منهم الكلمات النابية والعبارات السفيهة
أين خلق الحياء من رجل بعد أن بلغ والداه الكبر واحتاجا إليه فإذا به يقابل تلك المعاملة الحسنة في السنين الطوال بالنكران للجميل والعقوق
أين خلق الحياء من امرأة تخرج من بيتها متبرجة متعطرة، تخالف بذلك أمر الله
أين خلق الحياء من رجل يؤذي جاره ويتسلط عليه ويضايقه
أيها الأحبة إن خلق الحياء شامل لجميع جوانب الحياة في التعامل مع الله عز وجل وفي التعامل مع الوالدين وفي التعامل مع الزملاء وفي التعامل مع الأقارب والجيران وفي التعامل مع كبار السن.
إذا لم تخش عاقبة الليالي ولم تستحي فاصنع ما تشاء

فلا والله ما في العيش خير ولا في الدنيا إذا ذهب الحياء

يعيش المرء ما استحيا بخير ويبقى العود ما بقي اللحاء

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (من قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه)
عبد الله،،، أمة الله،،،
رب في نفسك خلق الحياء فمن الحياء ما يكون في غريزة العبد، ومنه ما يحتاج المرء إلى اكتسابه وتهذيب نفسه عليه، فاحرص عليه واتصف به كما اتصف به حبيبك ونبيك صلى الله عليه وسلم، فالحياء لا يأتي إلا بخير.
ألا وصلوا ـ رحمكم الله ـ على خير البرية وأفضل البشرية كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ((إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً)) [الأحزاب: 56]. وقال صلى الله عليه وسلم: ((من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشراً)).
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم ..
المشاهدات 17255 | التعليقات 1

Quote:
إذا انعدم الحياء في نفس الإنسان فلا تسل عن أفعاله ولا تتعجب من تصرفاته، عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت)) روه البخاري.
والله كفى بالحياء حاجزا ومانعا من ارتكاب القبائح, ومعاقرة الفواحش, ولو غاب الوازع الديني.
فلو كان الحياء في النفوس:
لما تفشت الرذائل.
ولما ارتضت المرأة أن تعمل أوساط الرجال، ولو نادى المنادون، ونعق الناعقون!!
ولما ارتضى الرجل أن يدخل القنوات الرذيلة الى بيته.
ولما تشبّه الشباب في بغيرهم من في اللباس والمحاكاة.
ولما ولمّا..

والشكر للشيخ وائل على الخطبة