الحوار المفروض والحوار المرفوض

د مراد باخريصة
1434/05/11 - 2013/03/23 06:27AM
الحوار المفروض والحوار المرفوض:
عقدت في الأسبوع المنصرم الجلسات الأولى لما يسمى بالحوار الوطني وانقسم الناس فيه ما بين مؤيد ومعارض وما بين مشارك ومقاطع ونحن اليوم في زمن التبس فيه الحق بالباطل ووضعت فيه المصطلحات الصحيحة التي أريد من ورائها الباطل.
وكم ردد الناس من شعارات وعبارات هي في أصلها عبارات صحيحة لا لبس فيها ولا إشكال ولكن المشكلة أن المرددين لهذه الشعارات قد اختلفت مشاربهم وتباينت أهدافهم فأراد بعضهم من وراء هذه الشعارات الحق وأراد منها آخرون أعظم الباطل وإلا فمن ينكر مشروعية التحاور أو التفاوض أو المباحثات ومن ينكر أن الحوار وسيلة من وسائل الاقناع وطريقة من طرق إحقاق الحق وإبطال الباطل وكلما تكلموا عن مشكلة قالوا أن الحل الوحيد لعلاجها هو الحوار لكن عن أي حوار يتكلمون؟ وما هي أسس الحوار؟ وما أهدافه؟ وعلى ماذا بني؟ وما هي مرجعيته؟
وقبل أن نقول نعم للحوار نقول ماهو الحوار الشرعي؟ وما هو الحوار الجاهلي؟ ماهو الحوار المقبول المفروض وماهو الحوار الباطل المفروض؟.
لقد وضعت الشريعة الإسلامية الغراء أسساً للحوار وقعدت قواعد يجب أن يتم الحوار والنقاش على أساسها ومن هذه الأسس:
أن يكون الكتاب والسنة هو المرجع عند التنازع والاختلاف لأن الناس لا يتحاورون في الغالب إلا على شيء اختلفوا فيه ولم يتفقوا عليه فإلى من نرجع عند الاختلاف؟ وعند من نحتكم عند التنازع؟ إن الاحتكام يكون إلى دين الله وشرعه {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} وقال: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}.
لقد تقدم العلماء إلى اللجنة الفنية للحوار الوطني يطلبون منهم أن تكون مرجعية الحوار هي الكتاب والسنة فرفضت اللجنة هذا الطلب وقالوا لهم لا مرجع للحوار غير الحوار ولا فصل غير قاعة الحوار وأغفلت لائحة الحوار الوطني النص على أن الشريعة الإسلامية هي المرجعية الوحيدة للحوار وقررت أن القانون الدولي هو الملزم للجميع.
إنهم يريدون من وراء هذا الحوار الالتفاف على الشريعة وصبغ الشرعية على نتائج هذا الحوار ومخرجاته ولو كانت تخالف الدين ويريدون أن يمرروا بعض القرارات التي لم تمر من قبل حتى يقولون أنها أقرت في الحوار الوطني الشامل وبإجماع الكل أو بموافقة الأغلبية.
إنها عملية مسخ لعدد من الأمور الشرعية التي تتعلق بالحقوق والحريات والمرأة والتعديلات الدستورية حتى تكون متوافقة مع قرارات الأمم المتحدة والمنظمات العالمية والدولية.
إنها لعبة كبيرة أراد الغرب بمكره الكبار أن يوقعنا فيها في ظل غفلة منا ورضوخ وخنوع لأعدائنا يلعبون بقضايانا ويسيرون أمورنا ويشرعون لنا عندما تيقنوا من ضعفنا وهزالنا.
جاءوا ليقودونا ويسيروننا لكي نبقى دائما وأبداً تابعين لهم نسير خلفهم حذو القذة بالقذة ولهذا فإنهم رفضوا رفضاً قاطعاً أن يدخل العلماء والقضاة تحت هذا الحوار وقاموا بإقصائهم وإبعادهم وتعمدوا تهميشهم حتى يتسنى لهم أن يفعلوا ما يريدون ويقرروا ما يشاءون ويلزمونا بما يشتهون فهم يعلمون أن العلماء إذا دخلوا قاعة الحوار سيعارضون كثيراً من الأمور المطروحة والمواد الموضوعة التي ستناقش في الحوار فقاموا باستثنائهم من المشاركة وإبعادهم من الحضور.
إنهم يريدون إبقاءنا تحت سيطرتهم لكي نبقى ندور في فلكهم ونمشي بأمرهم وتسيرنا ما تسمى بالدول العظمى والكبرى التي تتقاسم الملفات اليمنية فملف هيكلة الجيش بيد أمريكا والتعديلات الدستورية بيد فرنسا والحوار بيد الأمم المتحدة وتحت إشرافها ورعايتها ولهذا جاءوا بأنفسهم وحضروا بمندوبيهم ووكلائهم للمشاركة في هذا الحوار تأكيداً للتبعية وفرضاً للوصاية الأجنبية في شئون البلاد الداخلية فإلى الله نشتكي ضعفنا وهواننا وضعف قوتنا وقلة حيلتنا.
لقد رفضت بعض القوى والفصائل والأحزاب المشاركة في هذا الحوار ولكن السؤال الأهم هل رفضوا المشاركة على أساس أن هذا الحوار لم يحتكم إلى مرجعية الشريعة أم رفضوه لأنه لا يلبي طموحاتهم ولا يحقق مصالحهم ولا يخدم أهدافهم هنا السؤال الأهم وهنا مربط الفرس كما يقولون وهنا يظهر من يحكّم الدين في كل صغيرة وكبيرة ومن يحكم المصالح والأهواء وما تشتهيه الأنفس يقول الله تبارك وتعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.
من شروط الحوار التي وضعها الإسلام أن يكون لدى المتحاورين نية صادقة وإرادة حرة للوصول إلى الحلول الصحيحة يقول الله جل وعلا عن الحوار الذي يتم عند الخلاف الذي يقع بين الزوجين {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا}.
إن كانت نيتهم صالحة وصادقة يوفق الله بينهم أما إذا أراد كل واحد منهم أن يفرض نفسه ويطبق أجندته ويلزم غيره " ومن لا يعجبه فالباب أمامه " فإن هذا الحوار بهذه الطريقة لا يمكن أن يثمر ولن يخرج الناس من الأزمة بل ربما يؤججها ويعمقها ولن يؤدي في النهاية إلى حل.
إن الحوار الصحيح يحتاج إلى قصد حسن ونية حسنة وكيف يكون لهذا الحوار قصداً حسناً أو إرادة حرة أو نية حسنة ورعاته هم مجلس الأمن والأمم المتحدة ودول الكفر الذين طالما أثبتوا لنا سوء مقاصدهم وأظهروا خبث طواياهم وإذا كانوا فعلاً صادقين في نواياهم لأشركوا في هذا الحوار جميع فئات الشعب لأن الأمر يهم الجميع فيجب أن يشرك فيه الجميع.
من شروط الحوار في الشريعة الإسلامية أن يتم التحاور في الأمور الاجتهادية والخلافية أما الثوابت والقطعيات فهذه أمور مفرغ منها ولا يجوز أبداً لأحد أن يناقش فيها أو يحاول تغييرها وتبديلها لأن الله يقول {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}.
أما هؤلاء فإنهم يقولون إن الحوار الوطني لاسقف له وأن كل شيء قابل للنقاش بل إن الهدف الأعظم من هذا الحوار هو تغيير بعض المواد التي تخالف القرارات الدولية لتتطابق مع القوانين الدولية.
فالمؤتمر بمعطياته ووضعه القائم ماهو إلا بوابة لعلمنة البلاد وتغريبها وإسقاط كل التضحيات التي قدمها أبناؤها والسيطرة على مقدرات الأمة وثرواتها فالتدخل الخارجي فيه سافراً والوصاية الغربية عليه واضحة وصدق الله سبحانه وتعالى إذ يقول {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ}.
الخطبة الثانية.
من شروط الحوار التي وضعها الإسلام بين المتحاورين العدل بينهم والسماع منهم كلهم وإتاحة الفرصة لهم جميعاً وتمثيل كافة الفئات تمثيلاً عادلاً وأن يكون الممثلون ممن تتوفر فيهم صفات أهل الحل والعقد كالإسلام والكفاءة والنزاهة والعدالة وغيرها ولو لاحظنا في مؤتمر الحوار الوطني لرأينا أن العدل قد غاب عنه غياباً واضحاً واتسمت نسب التمثيل فيه بالانتقائية وأعطيت فيه نسب عالية للمرأة لقصد إفسادها وهضمت كثير من الأحزاب والائتلافات والقوى من حقها في التمثيل وأعطيت للحوثيين مقاعد أكثر من حجمهم وكأنه لا يوجد في صعدة إلا هم.
فهذا التهميش والاقصاء لهذه الفصائل وعدم قبول بعضها في المشاركة فيه سيكون له واقعه المر وسترتب عليه نتائج وخيمة لا تحمد عقباها.
إن العجيب والغريب في هذا المؤتمر هو تلك الميزانيات الضخمة التي تنفق عليه وتلك العطاءات الهائلة التي تعطى لكل مشارك فيه مبالغ خيالية وأرقام قياسية يستغرب الإنسان من صرفها في وقت ترزح فيه البلاد تحت خط الفقر ويتضور الشعب جوعاً وفقراً ويشتكي الناس من الفقر والقلة وأولئك في واد والأمة في واد آخر وكأن كل شيء قد انتهى وما بقي إلا هذا المؤتمر لتصرف له تلك الميزانية الضخمة.
إن المسلم العاقل اللبيب يعلم أن هذا الحوار بهذه الكيفية وبهذه الطريقة ماهو إلا طلاء باهت سرعان ما يذهب ويُثبت فشله ويظهر عجزه لأنه خالف كثيراً من أسس الحوار الصحيح وشروطه ومقوماته خاصة وقد صرح العلماء وعدد من الهيئات المستقلة والائتلافات السلفية وفصائل الحراك وقوى الثورة وغيرهم كثير صرحوا عن عدم رضاهم بهذا الحوار وعدم قبولهم به ورفضهم له وبينوا أن نتائجه لا تلزمهم وإذا كانت هذه القوى بثقلها وحجمها تصرح برفضها وعدم قبولها له فأنى له أن ينجح أو يخرج البلاد من أزمتها الحالية.
والله لن يخرج البلاد من أزمتها إلا الرجوع الصادق إلى الله والاعتماد على الله والتوبة النصوح لله والالتزام بمنهج الله والتمسك بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا هو الحل وهذا هو المخرج فإن ظلوا يرفضونه فليعلموا أنهم سيتيهون كما تاه من كان قبلهم ويضلون كما ضل غيرهم يقول الله سبحانه وتعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} ويقول: وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} لم يصبحوا إخواناً بحوار وطني ولا بمهرجانات وخطابات وإنما أصبحوا إخواناً بنعمة الله وهي نعمة الدين يقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ، لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللهِ , وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ صَلى الله عَلَيه وَسَلم".
صلوا وسلموا
المرفقات

الحوار المفروض والحوار المرفوض.doc

الحوار المفروض والحوار المرفوض.doc

المشاهدات 1968 | التعليقات 1

نفع الله بك وجزيت خيرا أجدت يا شيخ مراد وأفدت أسأل الله أن تجد لهذه الكلمات واقعا وقبولا