الحمد والشكر-على نزول الغيث والمطر

خالد علي أبا الخيل
1438/03/08 - 2016/12/07 15:05PM
الحمد والشكر-على نزول الغيث والمطر
التاريخ: الجمعة:3/ربيع أول/1438 هـ

الحمد لله، الحمد لله الذي أغنى وأعطى، الحمد لله الذي أقنى وأعطى، وله الشكر على ما أنزل من الغيث وشقى، والحمد لله اللطيف بعباده، الرحيم بخلقه، الواسع فضله، الكريم عطاءه، العظيم جهوده، الكثير موجوده، السابغ إحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد الأحد، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أفضل من شكر وركع وسجد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه من أهل البر والثناء الأمجد.
أما بعد عباد الله،،
اتقوا الله فتقواه فوز وسعادة، ونماء وزيادة، وعطاء ليس له نهاية.
إن الله سبحانه لا يقنط عباده، ورحمته واسعة، ولطفه كبير، وجهده كثير، يريك عزته ثم يبدي لطفه، والعبد في الغفلات عن ذا الشان، أمر عباده بالدعاء، ووعدهم بالإجابة، شريطة الإيمان والإجابة، (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة:186)، فأغاث عباده وأنزل عليهم من خيراته، (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) (الشورى:28)، (فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49) فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الروم 48-50)، فله الشكر على إنزال الغيث المضرار، والأمطار الغزار، وسالت الأودية، فابتهجت الأرض، واخضرت الأشجار، وازدهرت الثمار.

أيها المسلمون: إن النعم إذا شكرت نمت وزادت، وإذا كفرت فرت وزالت، والله يأمرنا بشكره: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (البقرة:172)، وقال سبحانه: (كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ) (سبأ:15).
«والشكر» هو الاعتراف بالإحسان، هو قول باللسان، وعمل بالأركان، واعتقاد بالجنان، بالقلب اعترافًا وخضوعًا، وباللسان ثناء وحمدًا، وبالجوارح طاعة وامتثالًا، وعملًا وإتباعًا.
أفادتكم النعماء مني ثلاثة
يدي ولساني والضمير المحجبا

فالإظهار لشكر النعمة يعني الاعتراف بهذه المنة، وأعظم نعمة: توحيد الله وإخلاص العبادة له، فالمسلم يعلن ذلك مدويا بعد كل صلاة، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، والمسلم يفتح صباحه ويختم مساءه: (أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء لك بذنبي).
إن «الماء» مادة الحياة والإحياء، سبب للبقاء، ووسيلة للنقاء، وعنصر النماء، الماء لا يستغني عنه أحد طرفة عين، الناس منه يشربون، وبه يزرعون، ويحرثون، ويتطهرون، وربنا يمتن به على عباده: (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة:22). (وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْء) (الأنعام:99)، فهذه القطرات النازلة والنقاط المتتالية والأمطار المتدفقة منها تمتلئ الأنهار، وتسيل الأودية والبحار: (أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا) (الرعد:17).

«بالمياه» تخضر الأشجار، وتزدهر الثمار، قال الواحد القهار: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً) (الحج:63)، هذا الماء نماء للأكل والطعام، وبدونه لا أكل ولا منام، قال الملك العلام: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ) (السجدة:27).
«والغيث» لا يعلم مكان نزوله إلا الله، إن الله عنده علم الساعة، وينزل الغيث، ولا ينزله إلا الله: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ) (الملك:30)، فالله منزله، والمنفرد بعلمه ونزوله، وينزله بقدر على من يشاء: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا) (الفرقان:50).
قال ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما: (ليس عام بأكثر مطرًا من عام ولكن يصرفه كيف شاء) ثم قرأ: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ) (الفرقان:50).
هذا الماء به حياة الأرض، وإحياء النبات، قال سبحانه: (أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) (النحل:65)، وكما أنه حياة الأرض فهو حياة الأحياء، قال المولى عز وجل وعل: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) (الأنبياء:30)، وفي الماء أيها الأصحاب سقي وشراب ورعي للدواب، قال الكريم الوهاب: (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ) (النحل:10)، وقال: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ) (الحجر:22).

وفي «الماء» أيها الأخيار إخراج ألوان الثمار والفواكه والأشجار، قال الهاد لكل محتار: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا) (فاطر:27)، (وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا) (النبأ14-16)، (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ) (ق:10).

«ومن منافع المياه»
أن الله يقرر توحيده، وأنه المستحق للعبادة، إن هذا الماء الذي يعجز المخلوق إنزال قطرة واحدة منه، (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ) (الواقعة68-70).
ومن فوائد الماء:
إن الأرض تراها مصفرة ذابلة، فبنزوله تتفتح وتخضر وتتشقق، (وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) (الحج:5).

إن نعمة نزول المطر: لا يعرف قدرها إلا من حرمها، فنزوله فيه خيرات وبركات، وسعة أرزاق للأحياء والأرض والمواد، تأملوا عباد الله في أحوال شتى، وبقاع تطرى عندما يتأخر نزول المطر، وتصفر الأرض وتيبس الثمار، ويتحول الخصب إلى جدب، والربيع إل خريف، والزرع هشيمة، وتموت منه الدواب والبلاد.
تعالوا قليلا، واسألوا أهل الفلاحة، والزراعة والحراثة، كيف حالهم إذا أجدبت الأرض وغارت المياه؟ تعالوا، واسألوا أهل الأنعام والمواشي، أي حالة من الضر يعيشون؟ بل اسألوا أنفسكم: إذا وقف الطعام في الحلقوم، وبلغت النفس في الحلقوم، وأشربت على الأجل المحكوم، فيجرع جرعة مما تنفتح بإذن الله بها المجاري، ويسلك الطعام جاري، فالحمد لله الخالق الباري، علينا أن نحمد الله على إنزال الغيث والماء، ونحمد الله ونشكره ونثني عليه ونعظمه.

هذا ومما ينبغي أن يعلم ويذكر عند نزول الغيث والمطر، عند نزول الأمطار للإنسان:
الجمع بين الظهرين، أو العشاءين، في الحضر إذا كثرت الأمطار، شريطة أن يكون هناك مشقة أو مضرة أو حاجة، وإذا تجاوز المسافة المعتبرة المقدرة بثمانين كيلو تقريبا: فله أن يقصر ويجمع، حتى ولو كان للفرجة والنزهة.
وعند نزول الغيث للإنسان أن يدعو لاسيما فيما ورد، كأدعية نزول الغيث: (اللهم صيبًا نافعًا، مطرنا بفضل الله ورحمته)، وقول: إذا نزل المطر (رحمة)، كما جاء عن رسول الأمة وإذا نزل المطر وخشي من الضرر قال: (اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الظراب والآكام، وبطون الأودية ومنابت الشجر) وعند سماع الرعد يقول ما ثبت عن عبد الله بن الزبير: (سبحان من سبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته).

ومن الآداب:
أولًا: أن يحصر الإنسان عن رأسه؛ ليصيب المطر رأسه وجسده، كما فعل رسول الله ﷺ، ومنها الفرح والسرور بما أنزل الله فهو عبادة وطاعة: (فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (الروم:48)، (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (يونس:58)، وللإنسان التأكد من استقبال القبلة لمن خرج للبرية.
ثانيًا: ومن الآداب احترام المتنزهين، لاسيما من معه عوائل وبنين، وعدم الإيذاء والتفحيط، والإزعاج بالغناء والدخان والتفريط، ومنها أن الأصل في المياه والأودية والآبار والمناقع وطين الشوارع، والمياه الطهارة، بل هو نظافة وبركة وطهارة، (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) (الأنفال:11)، (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) (الفرقان:48).
قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، الناس بحمد الله وبفضل الله يفرحون، ولنعمه يشكرون، ولخيراته ونعمائه يسترون، فأنظرهم بحمد الله عند هطول الأمطار ونزول القطر المضرار، يستبشرون ويدعون، ويسألون ويشكرون، وحق لهم وهذا واجب نحو ربهم، وربنا يقول: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) (إبراهيم:7)، (فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) (الروم:50)، وقبلها يقول: (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ) (الروم:48).
والفرح بنزول الأمطار سنة الرسول المختار، فكان عليه الصلاة والسلام إذا كان يوم الريح والغيم عرف ذلك في وجهه، وأقبل وأدبر، فإذا مطرت سر به وذهب عنه ذلك، قالت له عائشة، فقال: (إني خشيت أن يكون عذابًا سلط على أمتي) ويقول: (إذا رأى المطر رحمه) رواه مسلم.
وكان النبي ﷺ إذا نزل المطر خرج إليه، يقول أنس: (أصابنا ونحن مع رسول الله ﷺ مطر، فحصر ثوبه، حتى أصابه من المطر، فقلنا يا رسول الله: لما صنعت هذا؟ قال: (لأنه حديث عهد بربه)) وحصر ثوبه: أي عن بعض بدنه، وحديث عهده بربه: أي جديد قريب لم يتناول بعده، ولم يتغير بملابسة شيء.
كما أنه من باب الفرح والسرور الذهاب بالنفس والأهل إلى النزهة، والنظر إلى أماكن السير ومجرى الماء، فكان النبي ﷺ يذهب إلى التلاع، وكذا أصحابه يقول ابن رجب -رحمه الله-: وأما الخروج إلى البادية أحيانًا للنزهة، ونحوه في أوقات الربيع وما أشبه، فقد ورد فيه رخصة، ففي سنن أبي داوود عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة سُئلت: هل كان النبي ﷺ يبدو؟ فقالت: نعم إلى هذه التلاع، ولقد بدى مرة فأتي بناقة، فقال: (يا عائشة أركبيها).
وفي الخروج ترفيه بريء، وطيب للنفس، وراحة البال، وإيناس العيال، وتنشيط للنفس على الطاعة والعبادة، بعده والسعادة، وفي الخروج تأمل نعم الله، وخيراته، وبركاته، وعطاءه، وفي الخروج التفكر في آيات الله ومخلوقاته، والنظر إلى هذه الأمطار والنباتات والأشجار والثمرات (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ) (العنكبوت:19)، وقال: (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ) (ق9-11).
فالتفكر عبادة، لاسيما إذا قارنته بشيء محسوس، فذلك أرسخ لما في النفوس، فتعطي نفسك وذريتك وأهلك درسًا واقعيًا عمليًا، فاستغل المواقف، وأتحف المجلس بالأنس والطرائف.

ومن فوائد الخروج إلى التلاع والبر والبروز:
النظر إلى الخضروات والثمرات، فيجد المرء راحة نفسه، وانشراح صدره، وذهاب همه وغمه، وقد روى أبو نعيم أن سعيد بن المسيب اشتكى عينه، فقيل له: لو خرجت إلى العقيق، فنظرت إلى الخضرة، ووجدت ريح البرية، لنفع ذلك بصرك، فقال سعيد: وكيف أصنع بشهود العشاء والعتمة. رحمك الله يا سعيد، همك الشاغل: خوفك فوات الجماعة، وشهودها مع الجماعة.
فماذا تقول لأناس إذا خرجوا إلى البراري والمنتزهات ضيعوا الصلوات، ربما جمعوها بدون عذر شرعي، وتساهلوا بالطاعات، وارتكبوا السيئات، مع العلم أن سعيد ابن المسيب مكث أربعين سنة، ما أذن المؤذن إلا وهو في المسجد، رحمة الله على تلك الأرواح، ورحمة الله على تلك الأشباح، ألا فليكن خروجنا إلى رؤية الأمطار مقرون بالشكر والاعتبار، والتفكر والابتكار، والتوبة والاستغفار، والفرح والسرور والاستبشار، بعيد عن ما يسخطه الجبار، فالفرح المحمود طاعة الرب المعبود.
أما إذا اقترن بالخروج كما هو مشاهد في التنزه والاستمتاع: ترك للصلوات، أو تساهل بالأوقات، وسفور للبنات، وركوبهن للدبابات، على مرأى من الرجال، يصحب ذلك كشف الوجه، ولبس البنطال، بل ربما ترجلت فلبست هي بالرجال، فزاد الإثم والوبال، بلا حياء ولا خجل، وكذا كشف الحجاب، والتساهل بالغطاء والنقاب، والتصوير والتساهل باللباس، وكذا دوران الشباب، وإفساد المركوبات، والتطعيس في الرمال، واستخفاف بالنعم، ورميها في الطرقات، وتعريض الأرواح والممتلكات للإتلاف والنكبات، وأذية للجالسين والمتنزهين، وإفساد أنسهم بالتفحيط تارة، وبالدوران تارة أخرى، وبالمعاكسات ثالثة.
وكذا السرعة الجنونية، وكأن الإنسان في حالة طارئة إسعافية، وكذا شرب المسكرات والدخان، مفتاح الشرور والهلكات، وكذا ما تسمع من أصوات الغناء، والمزامير، ومعاكسة المردان، وقلة الحياء واحترام الآخرين، والرقص والاستهتار، وكذا المغامرة والمخاطرة في سلوك الطرقات الواعرة، والشعاب والأودية، وكذا عدم الانتباه للأبناء في ذهابهم مع من يشاءون، بحجة الاستمتاع بهذه الأجواء الجميلة، ربما زلقوا في مهاوي الرذيلة والأخلاق الذميمة.
وكذا الحضر من الأودية ومزالق الطين، ومجاري المياه، ومجتمع السيول من الاقتراب والتساهل لاسيما الأطفال والعيال، فاستمتعوا عباد الله بما أباح الله لكم، وألزموا طاعة ربكم، وأخرجوا، وانبسطوا، واحمدوا ربكم واشكروه، وعليكم بالمحافظة والنزاهة، والحشمة والعفة واللطافة، ودع المكان أفضل مما كان، وتساعدوا وتعاونوا على الإحسان.
هذا واسأل الله الكريم رب العرش العظيم: أن يجعل ما أنزل على أرضنا أن يورينا بها زينتها وبهجتها وجمالها، اللهم كما رزقتنا هذه الأمطار وهذه المياه، اللهم أجعلها عطاء خير وبركة ورزق، وعز ونصر وهداية للإسلام والمسلمين يا رب العالمين.
والله أعلم
المشاهدات 4117 | التعليقات 0