الحســــــــــــد
عبدالرحمن سليمان المصري
الحســـد
الخطبة الأولى
الحمد لله الغني الحميد، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، لا مانع لما أعطى، ولا معطى لما منع، وهو الحكيم الخبير ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا . أما بعد
أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فهي وصية الله للأولين والآخرين، قال تعالى :﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ النساء : 131 .
عباد الله : إن دينَ الإسلام دينُ صلاحٍ وإصلاح , ودين تربيةٍ وسموٍ ورفعة ، جاء بتزكيةِ القلوب ، وتنقيةِ النفوس ، وإصلاحِ الظاهرِ والباطن ، قال تعالى:﴿ وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ﴾ وظاهر الإثم هو: كل ذنب وعيب يراه الناس ويدركونه بحواسهم ، وباطن الإثم هو: أمراض القلوب ، وذنوب الخفاءِ والسرّ ، وإن من الأمراض الخطيرة التي تصيب القلوب وتُبتلى بها الأفئدة ، مرض الحسد ، فما دخل قلبا إلا أفسده ولا أصاب نفسا إلا خربها .
عباد الله : والحسد هو بغض نعمة الله تعالى على المحسود ، فإذا أضاف إلى ذلك تمني زوالها ؛ فقد أضاف إلى الحسد ، بغيًا وعدوانًا ، وشرًّا وطغيانًا، وهو من الأخلاق الذميمة والطبائع اللئيمة .
والحسد قيل أنه أول ذنب عُصي الله به ، حينما امتنع إبليس لعنه الله ، من السجود لأبينا آدم عليه السلام ، حسدا منه على ما أعطاه الله من الفضائل .
والحسد هو الذي أفضى بأحد ابني آدم ، إلى قتل أخيه ، وهو ما دفع إخوة يوسف إلى أن يُلقوه في البئر ، وهو الذي جعل أبو جهل لعنه الله ، يُكذِّب برسالة النبي صلى الله عليه وسلم .
عباد الله: وحاسدُ النعمة لا يُرضيه إلا زوالُها، ولا يسرُّه إلا انتقالُها، لا يرضى بقضاءٍ، ولا يقنع بعطاءٍ ، إذا نظر إلى من فوقه في علمٍ أو في خَلْقٍ، أو خُلُقٍ، أو مالٍ ، أو ولدٍ أو بلدٍ ، أو أي خصلةٍ من خصالِ التفضيل ، اغتاظ من فضل الله وقِسمته، ولا شكّ أن ذلك ناتجٌ في حقيقته ، إلى الاعتراض على أقدارِ الله الكونية ؛ وأحكامه الشرعية، وعدم الرضا بقضائه، والتسليم لقدره، قال تعالى: ﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾النساء:54 .
عباد الله : والحسد من الذنوب العظام، والكبائر الجسام؛ لأنَّه يأكل الحسنات، ويديم الحسرات ، وهو من خصال اليهود ، قال صلى الله عليه وسلم : " لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَقَاطَعُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا " رواه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم : " دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ: الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ ، وَهِيَ الْحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ: تَحْلِقُ الشَّعْرَ، وَلَكِنَّهَا تَحْلِقُ الدِّينَ "رواه الترمذي وحسنه الألباني .
عباد الله :وأضرار الحسدِ على الحاسدِ كثيرة ، فمنها تنقيص العمر ، وتشتيت الفكر، فالحسدُ داءُ الجسدِ ، ومنها غَمٌّ لا يَنْقَطِعُ ، ومُصِيبةٌ لا يُؤجر عليها ، ومَذَمّةٌ لا يُحْمَدُ عليها ، ويحملُ الحاسدَ في كثير من الأحيان إلى البغي والظلم، والاعتداء والايذاء، والإيقاع بالمحسودين ؛ فينال صاحبه العذاب يوم القيامة، لأنه بحسده أدى إلى أن يعتدي على أخيه المسلم .
وأما أضرار الحسد على المجتمع ، فهو سببٌ في العداوةِ والبغضاء ؛ ومُولِّدٌ للأحقادِ والضغائِن ، ومفكّكٌ للأسرِ المترابطةِ والبيوتِ المجتمعةِ .
قال صلى الله عليه وسلم : " إذا فُتِحَتْ عليكم فارسُ والروم أيّ قوم أنتم؟" فقال عبد الرحمن بن عوف: نقول كما أَمَرَنا الله ، فقال صلى الله عليه وسلم : " أوْ غير ذلك؛ تتنافسون، ثمّ تتحاسدون، ثمّ تتدابرون، ثمّ تتباغضون، أو نحو ذلك " رواه مسلم.
عباد الله : والمسلم متى كَرِهَ إِنْعامَ اللهِ عَلَىَ غَيْرِهِ ، فقد تورط في شعبة من شعب الحسد الحقيقي ، وقامت فيه هذه الخصلة القبيحة، وأما تَمَنِي مثلَ ما للغَيرِ من النّعمة والخير ، دون أن يكرهها ، أو يتمني زوالها عنهم ، فهذا حسد مجازي ، وهو ما يسمى بالغبطة ، سواء كانت في أمور الدين أو الدنيا ، وإن كانت في أمور الآخرة كانت مشروعة ومستحبة ، قال صلى الله عليه وسلم : " لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا، فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَآنَاءَ النَّهَارِ " رواه مسلم .
قال تعالى: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا . أما بعد :
عباد الله : لا يخلو جسدٌ من حسد ، لكن الكريم يُخفيه، واللئيم يُبديه ، ومَنْ وجَد في نفسه حسدًا فأخفاه في نفسه ، وواراه ولم يتعدى على المحسود بلسانه ولا بيده ، ولم يجاوزه إلى البغي والظلم ، ولم يقابل أخاه إلا بما يحبه الله ، لم يضره ذلك .
ومدافعة الحسد في نفس المسلم تكون : بذكر الله عز وجل والتبريك على ما يعجبه ، و الرضا بقضاء الله وقدره ، والقناعة بما قسَم الله سبحانه ، والعلم بأن العطاء ابتلاءٌ ، كما أن المنعَ ابتلاء، وأن يعلم بأن الدنيا ظلٌ زائل، وعارية مُسترجَعة، لا تعدل عند الله جَناح بعوضة .
عباد الله : وأما المحسود فيدفع شر الحاسد عنه: بالاعتماد على الله وحده ، فهو النافع الضار ، ولا يكون شيءٌ إلا بإذنه ، والتعوذ بالله تعالى من شره ﴿ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴾ ، وصدق التوكل على الله ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ ، والصبر على عدوه ، وفراغ القلب من التفكير فيه ، وتجديد التوبة مع الله تعالى ، وأصعبها على النفس الإحسان إلى الحاسد والشفقة عليه ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾فصلت :34 .
عباد الله : والتحدُّث بالنعم من شكرها، ومتى خَشِيَ المسلمُ نفوسَ الحاسدين وعيون الحاقدين كتم وأخفى ، كما قال عز وجل على لسان يعقوب عليه السلام ﴿ قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾يوسف.
وليعلم المؤمن أن صفاءَ النفس ، من الغل والحقد والحسد ، من صفات أهل الجنة ، وقد أثنى الله تعالى على الأنصار، حيث لم يجدوا في أنفسهم حسداً وغيظاً مما أوتي المهاجرون من الفضل والمنزلة، قال تعالى: ﴿ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا ﴾ ، وسُئل النبي صلى الله عليه وسلم : أيُّ الناسِ أفضَلُ؟ قال:" كلُّ مَخْمومِ القلْبِ، صدوق اللِّسانِ " قالوا: (صدوقُ اللِّسانِ) نَعرِفه، فما (مَخْمومُ القَلْبِ)؛ قال:" هو التقيُّ النقيُّ، لا إثْمَ فيه، ولا بَغْيَ، ولا غِلَّ ولا حَسَد " رواه ابن ماجه بإسناد صحيح.
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ الأحزاب : 56. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين ، اللهم احفظ شبابنا وفتياتنا وردهم إليك ردا جميلا .
اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده لما تحبه وترضاه ، اللهم أعز بهم دينك وأعلي بهم كلمتك.
اللهم احفظ بلادنا وأمننا ، واجمع شملنا على الخير مع قادتنا وعلمائنا وعامتنا ، ووفق رجال أمننا .
اللهم فرج هم المهمومين ، ونفس كرب المكروبين ، واقض الدين عن المدينيين ، واشف مرضانا ومرضى المسلمين ، وارحم اللهم موتانا وموتى المسلمين يا ذا الجلال والإكرام .
اَللَّهُمَّ كن لإِخْوَانَنَا فِي فِلَسْطِينَ ، اللهم فرج همهم، ونفس كربهم ، واكشف ضرهم ، واحقن دماءهم ، وأذن بانكشاف الغمة عنهم ،يا أرحم الراحمين، اللهم وادر دائرة السوء على اليهود الظالمين ، يا قوي يا عزيز .
نستغفر الله ، نستغفر الله ، نستغفر الله اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا ، فأرسل السماء علينا مدرارا
اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، ...اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ، ولا بلاء ، ولا هدم ، ولا غرق ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين .
عبادَ الله: اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
المرفقات
1706945584_الحسد خطبة جمعة.docx