الحر الشديد وصيام رمضان

محمد البدر
1433/09/07 - 2012/07/26 15:08PM
الخطبة الأولى :
أما بعد عباد الله :إن الله تعالى قد كلفنا من الأعمال ما نطيق كما قال تعالى{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا}ومتى عجز الإنسان عن شيء سقط عنه بحسبه قال تعالى{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } وقال تعالى { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا } وإن من قدر الله علينا أن جعل شهر رمضان هذا العام في فصل الصيف وقت اشتداد الحر وكلما وجدتَ مشقةً في العبادةٍ ذَاتِها كلما كان ارفع للدرجات وأحط للخطيئات كما قال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألا أدلكم على ما يمحوا الله به الخطايا ويرفع به الدرجات قالوا بلى يا رَسُولُ اللَّهِ قال«إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ » رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
ولذلك كان النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصوم في اليوم الشديد الحر أثناء السفر فعَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فِي يَوْمٍ حَارٍّ، حَتَّى يضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ، وَمَا فِينَا صَائمٌ، إِلاَّ مَا كَانَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنِ رَوَاحَةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
عباد الله :صيام الهواجر ومكابدة الجوع والعطش في يوم شديدٍ حرُّه بعيدٍ ما بين طرفيه، ذاك دأب الصالحين وسنة السابقين .
وقال بعض السلف: (تصدَّقوا بصدقةِ السّرّ ليومٍ عسير، صلُّوا في ظلمَة الله لظلمَةِ القبور، صوموا يَومًا شديدًا حرُّه ليومِ النّشور).

عباد الله : وإذا تذكرنا شدة الحر في هذا الشهر المبارك، فلا ننسى فضل الصدقة ، وظلها الوارف لأصحابها في ذلك اليوم العظيم الذي تدنو فيه الشمس من الخلائق .
فقد رَوَى أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ عَنْ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: « كُلُّ امْرِئٍ فِى ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ ». أَوْ قَالَ « يُحْكَمَ بَيْنَ النَّاسِ » .
عن معاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «الصّدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماءُ النارَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ (614) وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ في صحيح وضعيف الجامع الصغير (5262) .
فهذه الأعمالُ الصالحة يعمُر بها المسلِم حياتَه؛ لتكونَ حياةَ خير وحياةَ بركةٍ وحياةً طيبة، إنها الحياةُ الطيّبة التي يقول فيها الله:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [النحل:97].
وقال الله تعالى:{كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأيَّامِ الْخَالِيَةِ } قال مجاهد و غيره : نزلت في الصائمين

عباد الله :ومما يُضاعف ثوابه في شدة الحر من الطاعات: الصيام في هذه الأيام ؛ لما فيه من ظمأ الهواجر، وشدة الحر، ولعله يتذكر عند شرب الماء البارد نعمة الله عليه بذهاب عطشه، وامتلاء عروقه، وكان بعض السلف إذا شربوا ماء بارداً بكوا، وذكروا أُمنية أهل النار، وأنهم يشتهون الماء البارد وقد حيل بينهم وبين ما يشتهون قال تعالى:{وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ}.
ويجب على المسلم أن يتذكر ويتصور نعم الله تعالى التي بين يديه في هذا الزمان من نعم كثيرة، وخيرات عظيمة، ومن تلك النعم نعمة هذه الأجهزة الباردة، التي تكاد أن ترافقه في كل مكان، في البيت والسيارة والمسجد والعمل، بحيث لا يحس بحرارة الجو، ولا يشعر بشدة الحر.
أقول قولي هذا ...

الخطبة الثانية :
فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا ﴾.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ:رَحَلَ الثُّلُثُ الأَوَّلُ مِن رَمَضَانَ وَمَضَى، فَيَا أَيُّهَا المُجتَهِدُ المُحسِنُ فِيمَا مَضَى، دُمْ عَلَى طَاعَتِك وَإِحسَانِك فِيمَا بَقِيَ، وَيَا أَيُّهَا المُسِيءُ المُفَرِّطُ الغَافِلُ، وَبِّخْ نَفسَكَ عَلَى التَّفرِيطِ وَلُمْهَا عَلَى التَّقصِيرِ، وَقُلْ لي بِرَبِّكَ إِذَا خَسِرتَ في هَذَا الشَّهرِ فَمَتَى سَتَربَحُ؟ إِلى مَتى الكَسَلُ وَالتَّوَاني؟! وَحَتى مَتى التَّفرِيطُ وَالتَّهَاوُنُ؟كَفَى لَهوًا وَسَهوًا وَنَومًا وَغَفلَةً!
لَقَد أَوشَكَ الثُّلُثُ الأَوَّلُ مِن شَهرِنَا عَلَى الرَّحِيلِ وَبَينَ صُفُوفِنَا مَن فَاتَتهُ صَلَوَاتٌ وَجَمَاعَاتٌ، لَقَد أَوشَكَ الثُّلُثُ الأَوَّلُ عَلَى الرَّحِيلِ وَفِينَا مَن آثَرَ النَّومَ عَلَى كَسبِ الطَّاعَاتِ وَفَضَّلَ الرَّاحَةَ عَلَى تَنوِيعِ العِبَادَاتِ، فَأَحسَنَ اللهُ عَزَاءَ مَن قَصَّرَ في ثُلُثِ شَهرِهِ الأَوَّلِ وَجَبَرَ مُصِيبَتَهُ، وَأَحسَنَ لَهُ استِقبَالَ بَقِيَّةِ المَوسِمِ العَظِيمِ، وَجَعَلَنَا جَمِيعًا فِيمَا نَستَقبِلُ مِن شَهرِنَا خَيرًا مِمَّا وَدَّعنَا.
إِنَّ عَلَينَا - مَعشَرَ المُؤمِنِينَ - أَن نُصلِحَ نِيَّاتِنَا، وَأَن نُرِيَ اللهَ مِن أَنفُسِنَا خَيرًا، وَاللهَ اللهَ أَن يَتَكَرَّرَ مِنَّا شَرِيطُ التَّهَاوُنِ أَو تَستَمِرَّ فِينَا دَوَاعِي الكَسَلِ، فَلُقيَا الشَّهرِ مَرَّةً أُخرَى غَيرُ مُؤَكَّدَةٍ، وَرَحِيلُ الإِنسَانِ مُنتَظَرٌ في كُلِّ لَحظَةٍ

ألا وصلوا .....
المشاهدات 2449 | التعليقات 0