الحرية والتحرش-2-3-1443هـ-مستفادةٌ من خطبةِ الشيخِ هلالٍ الهاجري

محمد بن سامر
1443/03/01 - 2021/10/07 14:50PM

الحرية والتحرش-2-3-1443هـ-مستفادةٌ من خطبةِ الشيخِ هلالٍ الهاجري

    إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ونستغفره، ونعوذ باللهِ من شرورِ أنفسِنا، وسيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عليه وآلهِ صلاتُه وسلامُه وبركاتُه.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

أما بعد: فيا إخواني الكرام:

يقول: جورجْ بِرْنَارْدْشُو المفكرُ الغربيُّ والأديبُ الكبيرُ: "لو كَانَ مُحمدٌ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ-حَيًّا، لَحَلَّ مَشاكلَ العَالمِ أَجمعَ وهو يشربُ فِنجانًا من القَهوةِ"، فالرسولُ-عليهِ وآلِه الصَّلاةُ والسَّلامُ-لم يَمُتْ إلا وقد تركَ للعالمِ الخيرَ والهُدى كلَّه، تركَ له كتابَ اللهِ-تعالى-وسُنتَه فقالَ: "تركتُكم على البَيضاءِ، ليلُها كنهارِها، لا يَزيغُ عنها إلا هَالكٌ"، فهذا الدينُ قد أكملَه اللهُ-تعالى-، وجعلَه صالحًا لكلِّ زمانٍ ومكانٍ، ففيه المخرجُ مما يُعانيهِ العالَمُ من أزماتٍ، عَلِمَ ذلكَ من عَلِمَ، وجَهِلَ من جَهِلَ.

ومن ذلكَ سيرتُه المُباركةِ-عليهِ وآلِه الصَّلاةُ والسَّلامُ-ففي كلِّ موقفٍ منها فوائدُ ودروسٌ تُقيمُ حياةَ الإنسانِ، وتَصحِّحُ مفاهيمَ الزَّمانِ.

تأملوا في هذا الموقفِ وما فيهِ من الخيرِ، عَنْ جَرْهَدٍ الْأَسْلَمِيِّ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قَالَ: "مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-فِي المَسْجِدِ وَعَلَيَّ بُرْدَةٌ، وَقَدِ انْكَشَفَتْ فَخِذِي، فَقَالَ: غَطِّ فَخِذَكَ، فَإِنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ".

جَرْهَدٌ رجلٌ فقيرٌ من أهلِ الصُّفةِ-من الفُقراءِ الذي يَسكنونَ المسجدَ-، ثيابُه قليلةٌ، وليسَ في كَشفِ فَخذِه ما يُثيرُ الشَّهوةَ، وقد انكشفتْ فَخِذُهُ بغيرِ قصدٍ منه، وهو جاهلٌ بالحكمِ فلا يعلمُ أنَّ الفَخِذَ عورةٌ، ومع ذلكَ كلِّهِ يقولُ لهُ رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ-: "غَطِّ فَخِذَكَ، فَإِنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ".

موقفٌ استغرقَ ثوانٍ معدودةً، وكلماتٍ محدودةً، فيهِ حلٌّ لمُشكلةٌ من أكبرِ مشكلاتِ العصرِ الحديثِ.

إنَّها مُشكلةُ الحُريةِ، الكلمةُ البرَّاقةُ، ذاتُ المعاني السَّرَّاقةِ، يتغنَّى بها الجميعُ، وتُفتتحُ بها المواضيعُ، حُريَّاتٌ كثيرةٌ، فهناكَ حُريةُ الدِّينِ، وحريةُ الرأيِّ، وحريةُ الفِكْرِ، وحُريةُ اللِّباسِ، والمُصيبةُ أنَّ معنى كلمةِ الحريةِ غيرُ مُحدَّدٍ، يتلاعبُ به كلُّ أحدٍ، وإذا أردتَ أن تُنكرَ معانيَهُ الخاطئةَ، فأنتَ عدوُ الحريةِ.

هذا مِثالٌ على حُريَّةِ اللِّباسِ، وسائرُ الحُريَّاتِ عليهِ تُقاسُ، وليسَ كما يَقولونَ: تَنتهي حُريَّتُكَ عندَما تَبدأُ حُريةُ الآخرينَ، بل حُريَّتُك تنتهي عندَ حدودِ شَّرعِ اللهِ والدينِ، فمن كشفَ عورتَهُ، فقد تجاوزَ حُريتَه، والأمرُ بالمعروفِ والنَّهيُّ عن المنكرِ واجبُ على الجميعِ، بِـحَسْبِ القُدْرَةِ والعِلْمِ، لأجلِ المُحافظةِ على سِترِ المُجتمعِ وصلاحِهِ، حتى لا تغرقَ السَّفينةُ.

فأنتَ حرٌّ فيما تلبسُ، وفيما تقولُ، وفيما تأكلُ، وفيما تشربُ، ما لم تصلْ إلى حدودِ اللهِ-تعالى-، فإذا وصلتْ إلى حدودِ اللهِ فقِفْ، قالَ-سُبحانَه-: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، فما أجملَ فهمَ معنى الحُريَّةِ بمعناها الشَّرعيِّ الصَّحيحِ!

أما الغربُ الكافرُ فَيُفَسِّرُ معنى الحُريةِ كيفما يشاءُ، وما كانَ حُريَّةً لهم فليسَ بُحريَّةٍ لغيرِهم، فهم الشَّعبُ الذي يستحقُّ أن يعيشَ الحريةَ، وأما باقي الشُّعوبِ فليسَ لهم إلا العبوديةُ.

أستغفر اللهَ لي ولكم وللمسلمين...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

 فإذا كانَ الحديثُ عن حُريَّةِ اللِّباسِ، فانظروا كيفَ وصلَ الحالُ بالغربِ في لباسِ نسائهم، والمُصيبةُ أنَّهم يُريدونَ تصديرَ ما عندَهم من آفاتٍ، إلى بلادِ الإسلامِ بدعوى الحُريَّاتِ، ويَتوَّلى أتباعُهم وأذنابُهم من أدعياءِ المسلمينَ تَنفيذَ الخُطواتِ، فيَبدأُ الحديثُ عن الخلافِ في كشفِ الوجهِ، ثُمَّ عن الرأيِّ الفقهيِّ في لونِ العباءةِ، ثُمَّ عن أنَّ المرأةَ لنْ تَنْجَحَ وتُبْدِعَ بالنِّقَابِ، ثُمَّ تتدرجُ الأمورُ إلى ما لا يُحمدُ عُقباهُ، إذا لم يتداركْ العقلاءُ الأمرَ، فإلى اللهِ المشتكى.

والأخطرُ أنَّها تنتشرُ مع التَّبرجِ والسُّفورِ ظاهرةُ التَّحرشِ بأنواعِهِ، فكلما زادَ هذا زادَ هذا، واسألوا الغربَ وقد طبَّقَ الرَّقابةَ الدَّقيقةَ، وسَنَّ العُقوباتِ الوَثيقةَ، ومع ذلكَ ما تَزالُ حالاتُ التَّحرشِ بل حالاتُ الاغتصابِ في ازديادٍ، وليسَ هذا تسويغًا للتَّحرشِ، وإنما هو بيانٌ للسببِ الدَّافعِ، والعلاجِ النَّافعِ، وإذا كانَ اللهُ أمرَ خيرَ النِّساءِ-نساءَ النبيِّ-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ-، بأن يحتجبنَ عن خيرِ الرَّجالِ-الصحابةِ-رضيَ اللهُ عنهم-فقالَ: (ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)، فكيفَ بغيرِهم وغيرِهنَّ؟ فمُحاربةِ التَّحرشِ لا تَكونُ إلا بالرُّجوعِ إلى السِّترِ والعفافِ.

قُلْ للذين بنوا قصرًا على جُرُفٍ: *

مَنْ ذا يُقيمُ على الأوحالِ بُنيانا؟!

وارفعْ بها صوتَكَ العالي يخالُطُه*

صوتي، وصرخةُ حقٍ من صَبَايَانا:

ندعو "فرنسا" و "أُوروبا" وقبلَهما

ندعو قساوسةً فيهم ورُهبانا: *

دَعوا الحجابَ لنا، آيًا مرتَّلةً*

تُضيءُ روحًا وإحساسًا ووِجْدانا

دعوا الحجابَ لنا نورًا يُضيءُ لنا*

دَرْبَ العفافِ ويُبدي وجهَ مَنْ خانا

دعوا الحجابَ لنا عِزًّا ومَكْرُمَةً*

دعوه نورًا من التقوى وبُرهانا

دَعوا الحجابَ امتثالًا نستلذُّ به*

شكرًا على نِعَم المولى وعِرفانا

دَعوه روضًا من الأخلاقِ مُزْدهرًا*

ومُزْنَةً أَنْعشتْ بالغيثِ بُستانا

دعوه سَدًّا أمامَ العابثينَ بما*

يسمو به دينُنا طُهْرًا وإحصانا

دعوا الحجابَ لنا حقًا يُنَزِّهُنا*

واستكملوا سيرًكُم لهوًا وعصيانا

صوغوا قوانينَكم وهمًا يضلِّلكم*

بها تطيعونَ في الأهواءِ شيطانا

وسافروا في دوربِ اللّهوِ واتخذوا*

من النساءِ إلى إبليسَ قُرْبانا

سيحوا، وغوصوا، وذوبوا في رذائِلِكم*

فنحن أثْبَتُ بالإسلامِ أركانا

إنَّـا نقـولُ لكـم، والليـلُ ملتحـفٌ*

بوحشـةٍ أشعلـتْ للرعـبِ نيرانـا:

مَـنْ كـان مـولاه شيطانـًا يضلِّلُـهُ*

عـن الطريـقِ، فـإنَّ اللهَ مـولانـا

ومَنْ تهاوتْ به فـي الوَحْـلِ غفلتُـه*

فـإنَّ إسلامَنـا بالـوعـي رقَّـانـا

ليلى، ولُبّنَى، وسُعْدى، والرَّبابُ، على*

مِنْهـاجِ خالقِنـا يُشْـرِقْـنَ إيمـانـا

فما لنا، ولمـن يَمْشيـنَ فـي لُجـجٍ*

من الضَّياعِ، ومَنْ يأخُـذْنَ أخْدانـا؟!

نَهْـرُ العَفـافِ مـن القـرآنِ مَنْبَعُـه*

لولاه لم تُـوْرِفِ الأخـلاقُ أغصانـا

نهـرٌ تدفَّـقَ لـم تَتْـركْ روافــدُه*

جَدْبـًا، يُقنِّـطُ فـي البيـداءِ ظمآنـا

فـي دينِنـا الخيـرُ للدنيـا وساكنِهـا*

ولـم يَـزَلْ لدُعـاةِ العـدلِ ميزانـا

سلطانُه في قلـوبِ النـاسِ، مَنْشَـؤُه*

مِن صِدقِه، وكفى بالصـدقِ سُلطانـا

يا صرخةً خرجتْ من ثغـرِ قافيتـي*

وسافرتْ في نواحي الكـونِ ألحانـا

مُـدِّي نـداءَكِ فـالآفـاقُ مُصغـيـةٌ*

وشَنِّفـي بجميـلِ الـقـولِ آذانــا

شَتَّانَ بينَ حِجابٍ تَستضيءُ بِـهِ*

أُنثى، وبيـنَ ظَلامِ العُـرْيِ، شَتَّانا

يا حيُ يا قيومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، لا إلهَ إلا أنتَ سبحانَك إنَّا كنا من الظالمينَ، أسألكَ بأسمائِك الحسنى، وصفاتِك العلى، اللهم أصلحْ ولاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ، اللهم اهدنا والمسلمين لأحسن الأخلاق والأعمال، واصرف عنا وعنهم سيِئها، اللهم اغفرْ لوالدينا وارحمهم واجعلهم في الفردوسِ الأعلى من الجنةِ وإيانا والمسلمين، اللهم إنَّي أسألك لي وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، وأعوذُ وأعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، حسبيَ اللهُ ونعمَ الوكيلُ لا إلهَ إلَّا هوَ عليهِ توكلتُ وهو ربُّ العرشِ العظيمِ، اللهُمَّ عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ والظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ يا قويُ يا عزيزُ، اللهُمَّ إنَّا نجعلُكَ في نـُحورِهم، ونعوذُ بكَ مِنْ شرورِهم، اللهُمَّ اسقنا وأغثنا(ثلاثًا).

اللهم صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ وأنبياءِ ورسلِه وآلِهِ وصحبِهِ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.

المرفقات

1633618200_الحرية والتحرش-2-3-1443هـ-مستفادةٌ من خطبةِ الشيخِ هلالٍ الهاجري.docx

1633618201_الحرية والتحرش-2-3-1443هـ-مستفادةٌ من خطبةِ الشيخِ هلالٍ الهاجري.pdf

المشاهدات 589 | التعليقات 0