الحربُ على الفسادِ الماليِ

راشد بن عبد الرحمن البداح
1446/06/02 - 2024/12/04 20:54PM

الحمدُ للهِ الذِي أعطانَا الإسلامَ بفضلهِ ونحنُ ما سألْناهُ، وسيُدخِلُنا الجنةَ برحمتهِ وقدْ سألناهُ. أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا هوَ الحقُّ المبينُ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه المبعوثُ رحمةً للعالمينَ، صلى اللهُ وسلمَ عليه تسليمًا كثيرًا، أمّا بعدُ:

فإنَّ الهُدَى خيرُ العطَايا، والتُّقى خيرُ الوصايا (ولاَ بَأْسَ بِالْغِنَى لِمَنِ اتَّقَى، وَالصِّحَّةُ لِمَنِ اتَّقَى خَيْرٌ مِنَ الْغِنَى)().

لكنْ هلْ ذُو الغِنَى يَطْغَى؟! {كَلَّا إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ ‌رَآهُ‌اسْتَغْنَى} وإنَّ من أعظمِ فِتَنِ هذا العصرِ فتنةَ المالِ، حتى لقدْ قالَعنها نبيُنا -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً، وَفِتْنَةُ أُمَّتِي الْمَالُ.() فتنةٌ في تحصيلِهِ، وفتنةٌ في تمويلِهِ، وفتنةٌ في إنفاقِهِ.

ومِن أساليبِ المفتونينَ بالمالِ: التحايلُ في أكلِه بالباطلِ، بل تجدُبعضَهُم يَتفنّنونَ في الاحتيالِ، ويرَوْنَ أنه حلالٌ، ولا يَرونَ بأسًا حينما تأتيهِمْ أموالٌ من الأبوابِ الخلفيةِ، أو تُمَرَّرَ تحتَ الطاولاتِ التفاوضيةِ، ولسانُحالِهِم: مَنْ له حِيْلَةٌ فَلْيَحْتَلْ! وما أعظمَ خيانةَ مَنْ حَمَلَ أمانةَ عَمَلٍ من أعمالِ المسلمينَ، ثم اتَّخذَ منه مطيّةً لجمعِ الأموالِ بالرشوةِ، والرشوةُ أدْهَى وأمَرّ.

ويَتضاعَفُ إثمُ التحايُلاتِ والرشاوِيْ إذا كانتْ مِنْ مالِ الدولةِ.

قالَ الشيخُ ابنُ عثيمينَ –رحمهُ اللهُ-: (لا تَستهينُوا بنظامِ الدولةِ؛ [فإنه] إذا لم يخالِفِ الشرعَ فهوَ من الشرعِ، لقولهِ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ.ومَنْ ظنَ أنَ ولاةَ الأمورِ لا يُطاعُونَ إلا فيما شَرَعَه اللهُ فقد أخطأَ). و(بيتُ مالِ المسلمينَ أعظمُ من مُلكِ واحدٍ معيّنٍ؛ وذلكَ لأنَ سرِقتَه خيانةٌلكلِ مسلمٍ)().أ.هـ.

ومِنْ أَعجَبِ الأحاديثِ المحذِّرةِ من الفسادِ الماليِ، حديثٌ صحيحٌ قَالَ فيهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَكْسِبُ عَبْدٌ مَالًا مِنْ حَرَامٍ، فَيُنْفِقَ مِنْهُ فَيُبَارَكَ لَهُ فِيهِ، وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ فَيُقْبَلَ مِنْهُ، وَلَا يَتْرُكُ خَلْفَ ظَهْرِهِ إِلَّا كَانَ زَادَهُ إِلَى النَّار. إِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- لَا يَمْحُو السَّيِّئَ بِالسَّيِّئِ، وَلَكِنْ يَمْحُو السَّيِّئَ بِالْحَسَنِ، إِنَّ الْخَبِيثَ لَا يَمْحُو الْخَبِيثَ().

ففي هذا الحديثِ موعظةٌ زاجرةٌ؛ فإنه يدُلُ على أن كسبَ الحرامِ تجارةٌ خاسرةٌ، فإنْ تَصدّقَ به لم يُقبَلْ منه، وإنْ أَنفقَهُ لم يبارَكْ له فيهِ، وإن خلَّفَهُ بعدَه كان زادَه إلى النارِ، فكيفَ يَليقُ بالمؤمنِ أن يُذهِبَ دينَه لأجلِ دُنياهُ().

يَقُوْلُ وُهَيْبُ بْنُ الْوَرْدِ: لَوْ قُمْتَ (للعبادةِ) قِيَامَ هَذِهِ السَّارِيَةِ مَا نَفَعَكَ،حَتَّى تَنْظُرَ مَا يَدْخُلُ بَطْنَكَ؛ حَلَالٌ أَمْ حَرَامٌ().

فيا أيُها الموظفونَ ويا أيُها المُتاجِرونَ ويا أيُها البائعونَ: كيفَ نرجُو أنْ تُستجابَ الدعواتُ، وقد رَدَدْناها بالتحايلاتِ؟ ولماذا تُنزعُ البركاتُ؟ كيفَ نَستسقِي قَطْرَ السماءِ، وقد أَقحَطْنا الأرضَ بالتمادِي، وتمريرِالجشعِ المادِيِ؟ {أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ* لِيَوْمٍ عَظِيمٍ* يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}.

ألا فلنُرَبِّ أهلِينا ومَن يَلِينا على العفةِ عن الحرامِ ولو قَلَّ ثمنُهُ، فإنَّالاستهانةَ باختلاسِ المالِ الحقيرِ يُجَرِّيُء على انتهابِ الخطيرِ.

وفي الصحيحينِ أن النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ؛ ‌يَسْرِقُ ‌الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ().

(والْمُرَادَ التَّنْبِيهُ عَلَى عَظِيمِ مَا خَسِرَ وَهِيَ يَدُهُ؛ ‌فِي ‌مُقَابَلَةِ ‌حَقِيرٍ مِنَ الْمَالِ)().

الحمدُ للهِ وكفَى، وصلاةً وسلامًا على النبيِ المصطفَى، أما بعدُ:

فيا معاشرَ المسلمينَ: اعلمُوا أن ثمتَ مفسدينَ في الأرضِ، فلا تَسكُتوا عن إفسادِهم، فسَفِيْنَتُنا واحدةٌ، ولْنبلِّغْ عن جرائمِالفسادِ؛ محافِظِينَ على المالِ العامِ: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.

ألَا إنّ الفسادَ الماليَ هو الداءُ الدَّوِيُّ الذي يَئِدُ المشاريعَ الإنمائيةَ، بِيَدِ مَن يَبِيعونَ دينَهم، ويُرخِصُونَ أوطانَهم بحفنةٍ من سُحتٍ؛ قدغرَّتْ وأغْرَتْ ضِعافَ نفوسٍ، بأداءِ المهامِّ ناقصةً مغشوشةً، فجرَّعتِالبُرَآءَ العَناءَ، وكبَّدتِ الأوطانَ الأرْزاءَ.

ولا يوقِفُ هذهِ التَّخَوُّناتِ كمِثْلِ تصدِّي وليِّ الأمرِ لها بالعقوبةِ الصارمةِ لمكافحتِها، وقدْ فَعَلَ -سَدَّدهُ اللهُ- بتقصِّي مصادرِ الذين يُخِلُّونَ أو يَغُلُّونَ، وفي المالِ العامّ يتخوّضونَ.

قالَ رسولُنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- متوعِدًا أولئكَ: مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَلْيَجِئْ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ. رواهُ مسلمٌ. وقالَ: مَنِاسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا، فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَغُلُولٌ. رواهُ أبو داودَ().

ألا فلْيُفِقِ الغالُّونَ المُتَمَادُونَ في الردَى، وإلا فإن عقابُهم آتٍ ولوْ طالَ المدَى.

• فاللهم جنِبْنا الفسادَ والمفسدينَ. ولا تَفْتِنَّا بما رزقتَنَا.
• اللهم أخرِجنا من هذهِ الدنيا ولا أحدَ يطلبُنا بمظلمةٍ.
• اللهم طيِّبْ أقواتَنا، وباركْ أموالَنا، واقضِ ديونَنا.
• اللهم اجعلنا أغنَى خلقِكَ بكَ، وأفقرَ عبادِكَ إليكَ.
• اللهم أَلْقِ على النفوسِ المضطربةِ سكينةً، وأثِبْها فتحًا قريبًا.
• ربَّنا اهدِ حيارَى البصائرِ إلى نورِك، وضُلَّالَ المناهجِ إلى صراطِك.
• اللهمَّ وارحمْنا ووالدِينا، وهبْ لنا من أزواجِنا وذرياتِنا قرةَ أعينٍ.
• اللهم واحفظْ علينا إيمانَنا وأمنَنا، وحدودَنا وجنودَنا. واحفَظْ ثرواتِناوثمراتِنا، واقتصادَنا وعتادَنا.
• اللهم وفقْ وسدِّدْ خادمَ الحرمينِ الشريفينِ ووليَ عهدِه لهُداكَ. واجعلْ عمَلَهما في رضاكَ.
• لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ، وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ.
• اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا.
• اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.

المرفقات

1733334888_‎⁨الحرب على الفساد المالي (تعميم وزاري)⁩.docx

1733334888_‎⁨الحرب على الفساد المالي (تعميم وزاري)⁩.pdf

المشاهدات 965 | التعليقات 0