((الحج وفضل عشر ذي الحجه))

algehani algehani
1440/11/20 - 2019/07/23 00:57AM
         الحج وفضل عشر ذي الحجه
الْـخُطْبَةُ الأُولَى
الحَمْدُ للهِ جَعَلَ البَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا، وشَرَعَ الحَجَّ إِلَيْهِ فَرْضًا وَنَفْلاً، أَمَّنَ قَاصِدِيهِ، وَحَرَّمَ الإِلْحَادَ فِيهِ، وأَشْهَدُ أَلَّاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ؛  وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ؛ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإحْسَانٍ وَإيمَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
الحمد لله القائل  (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) ونبينا -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ يقول : “يأيُّهَا النَّاسُ قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ الْحَجُّ فَحُجُّوا“، وَالْحَجُّ (عباد الله) ركْنٌ مِنْ أركانِ الإِسْلَامِ، الَّتِي بُنِيَ علَيْهَا، وَفَرْضُ عَيْنٍ بالإجماعِ، ومعلومٌ مِنَ الدينِ بالضرورةِ.
وإِنَّ القلوبَ الْمُؤْمِنَةَ لَتَسْتَجِيبُ لأمرِ اللهِ تَعَالَى بالحجِّ إِلَى بيتِهِ؛ شَوْقًا إِلَى مغفرتِهِ، قَالَ تَعَالَى: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ).
وإِنَّ القلوبَ المؤمنةَ لَتَنْطَلِقُ شوقًا إِلَى هَذَا البيتِ؛ تحقيقًا لدعاءِ الخليلِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ)  فقلوبُ المؤمنينَ تَهْوِي إِلَى ذلكَ البيتِ العظيمِ، الذي أُقِيمَ علَى التَّوحيدِ مِنْ أَوَّلِ لحظةٍ، فَمَا أَنْ أَذَّنَ الخليلُ بالحجَّ -إِلَّا وجُموعُ المؤمنينَ تأتِي إليهِ مُلّبِّيَةً، يَتَقَاطَرُونَ مِنْ كُلِّ فّجٍّ.
وَمَا يَزَالُ وَعْدُ اللهِ يَتَحَقَّقُ مُنْذُ عَهْدِ إِبْرَاهِيمَ -علَيْهِ السلامُ- إلى اليومِ والغَدِ، ولَا تَزالُ أفئدةُ الناسِ تَهْوَي البيتَ الْحَرَامَ، وتَهْفُو إِلَى رُؤْيتِهِ والطَّوافِ بِهِ، وإِنَّ مَلَايِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَتَقَاطَرُونَ مِنْ فِجَاجِ الأَرْضِ البَعِيدةِ؛ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ، وَيَذْكُرُوا اِسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ.
والحج (عباد الله) مَوْسِمٌ تَلْتَقِي فِيهِ الدُّنْيَا والآخرةُ، وَمَوْسِمُ عبادةٍ تصفُو فيهِ الأرواحُ وهِيَ تَسْتَشْعِرُ قُرْبَـهَا مِنَ اللهِ فِي بَيْتِهِ الْـحَرَامِ.
ويا لمشهد الْـحَجِيجَ وهم يَتَوَافَدُونَ مِنْ كُلِّ فِجَاجِ الأرضِ وَحَنَاجِرُهُمْ تَـجْأَرُ بِإجَابَةِ التَّوْحِيدِ ونداءِ الإخلاصِ، لبيكَ اللهمَّ لبيكَ، لبيكَ لَا شَرِيكَ لكَ لبيكَ. يُـجِيبُونَ دَاعِيَ التوحيدِ بإعلانِ التوحيدِ.
في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-،  سُئِلَ: أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: “إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ” قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ:”الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ” قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ:”حَجٌّ مَبْرُورٌ“.
وَالْـحَجُّ الْمَبْـرُورُ هُوَ الَّذِي لَا يُـخَالِطُهُ إِثْـمٌ، وَلَا رِيَاءٌ، وَلَا سُـمْعَةٌ، وَلَا رَفَثٌ، وَلَا فُسُوقٌ، قَالَ تَعَالَى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ)
وَقَالَ، -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: “مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ”
وإعلموا عِبَادَ اللهِ أن مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ؛ فَلَمْ يَـحُجْ، وَهُوَ قَادِرٌ؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ مَـخْذُولٌ، وَلِنَفْسِهِ ظَالِـمٌ مُبِينٌ.
ولقد حث نبينا صلى الله عليه وسلم على المبادرة بالحج؛ فقال صلَّى الله عليه وسلَّم: ((تَعَجَّلوا إلى الحج - يعني: الفريضة - فإنَّ أحدكم لا يدري ما يَعْرِض له))، وقال عليه الصلاة والسلام: ((من أراد الحج، فليتعجل، فإنَّه قد يَمرض المريض، وتضل الضالة، وتعرض الحاجة))
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بمافيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئه فإستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم
 
 
 
 
 
 
 
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، الداعي إلى رضوانه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.
أمَّا بَعْدُ.. فَاِتَّقُوا اللهَ – عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا (عباد الله) أن الله عز وجل حين خلق الزمان فضل بعضه على بعض؛ كما فضل رمضان على سائر الشهور، وكما فضل أيام الجمعة وعرفة والنحر على سائر الأيام، وفضل ليلة القدر على سائر الليالي، وفضل ثلث الليل الآخر على سائر أجزاء الليل، وفضل ساعة الجمعة على سائر الساعات، وفضل العمل في الليالي العشر الأخيرة من رمضان فاختصها بالاعتكاف والاجتهاد دون سائر الليالي، وفضل العمل في أيام عشر ذي الحجة على العمل في غيرها، واختصها بأمهات الأعمال والعبادات.
(وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ )
وعشر ذي الحجة (عباد الله) عشر عظيمة مباركة، فضلها الله تعالى على غيرها من الأيام، فأقسم سبحانه بها في كتابه العزيز (وَالفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ)
وقد اختار الله تعالى أن يكون العمل الصالح فيها أفضل منه في غيرها؛ قال صلى الله عليه وسلم : "ما من أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فيها أَحَبُّ إلى الله من هذه الْأَيَّامِ (يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْر) قالوا: يا رَسُولَ الله، ولا الْجِهَادُ في سَبِيلِ الله؟ قال: ولا الْجِهَادُ في سَبِيلِ الله إلا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فلم يَرْجِعْ من ذلك بِشَيْءٍ"
وما اختار الله تعالى فضيلة العمل الصالح في عشر ذي الحجة على غيرها إلا لعظيم منزلتها عنده عز وجل.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: "والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج ولا يتأتى ذلك في غيره"اهـ .
ومما يدل على فضل عشر ذي الحجة وقوعُ يومين عظيمين فيها هما يوم عرفة ويوم النحر.
أما يوم عرفة فقد قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : (ما من يَوْمٍ أَكْثَرَ من أَنْ يُعْتِقَ الله فيه عَبْدًا من النَّارِ من يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلائِكَةَ فيقول ما أَرَادَ هَؤُلاءِ)
وأما يوم النحر فقد قال فيه صلى الله عليه وسلم : "إِنَّ أَعْظَمَ الأَيَّامِ عِنْدَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ "
فاتقوا الله -عباد الله- وجِدُّوا واجتهدوا في هذه العشر المباركات، واقدروها حق قدرها كما فضلها الله تعالى على سائر أيام العام، وعظموا فيها حرمات الله عز وجل (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ الله فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ)
(ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ)
وإعلموا (عباد الله) أن مشقة العمل الصالح تزول ويبقى الأجر،
وأن لذة المعاصي تزول ويبقى الوزر.
و أكثروا (عباد الله) في هذه العشر المباركة من ذكر الله تعالى فقد قال صلى الله عليه وسلم : "ما من أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ الله وَلاَ أَحَبُّ إليه الْعَمَلُ فِيهِنَّ من هذه الأَيَّامِ الْعَشْرِ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ والتحميد"
وأذكر نفسي وإياكم (عباد الله) أن من كان في نيته أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره من أول ليالي العشر؛ لما جاء في حديث أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دَخَلَتْ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُم أَنْ يُضَحِّيَ فلا يَمَسَّ من شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شيئا) وفي رواية (فلا يَأْخُذَنَّ شَعْرًا ولا يَقْلِمَنَّ ظُفُرًا) رواه مسلم.
هذا وصلوا رحمكم الله على خير البرية وأزكى البشريه  فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل
( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا )
اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحابته أجمعين
اللهم أعز الإسلام والمسلمين
اللهم أعز الإسلام والمسلمين
اللهم أعز الإسلام والمسلمين
اللهم أذل الشرك والمشركين والكافرين والمنافقين وجميع أعدائك أعداء الملة والدين
اللهم أشغلهم بأنفسهم ورد كيدهم في نحورهم وأدفع عنا وعن المسلمين شرهم وسوءهم
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أإمتنا وولاة أمورنا
وإجعل ولايتنا في من خافك وإتقاك وإتبع رضاك
اللهم أصلح أحوال عبادك المسلمين أجمعين في كل مكان
اللهم إغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات يا أرحم الراحمين
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
عباد الله
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي
يعظكم لعلكم تذكرون
فأذكروا الله العظيم الجليل يذكركم
وأشكروه على نعمه يزدكم
ولذكر الله أكبر والله يعلم ماتصنعون
المشاهدات 1038 | التعليقات 0