الحج والالتزام بالأنظمة

خالد الكناني
1445/11/09 - 2024/05/17 06:25AM

الحج والالتزام بالأنظمة 9 / 11 / 1445هـ

الحمد لله ربّ العالمين نَحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هاديَ لهُ ، وأشهدُ أن إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبدُهُ ورسُولُهُ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسَلَمَ تسليما كثيرا .

أمَّا بَعْدُ : أيها المسلمون : اتقوا الله تعالى حق التقوى ، قال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }

عباد الله : يستقبل المسلمون بعد أيام شهر ذي الحجة ، الشهر الذي فيه يُحَجّ إلى بيت الله الحرام ، استجابة للنداء الرباني الكريم {  وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ }(29) سورة الحج

فأجاب الندى كل مَنْ آمَنَ، وَمَنْ كَانَ سَبَقَ فِي عِلْم الله أَنَّهُ يَحُجُّ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ( لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ , لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ , إِنَّ الْحَمْدَ , وَالنِّعْمَةَ , لَكَ وَالْمُلْكَ , لَا شَرِيكَ لَكَ)

عباد الله : الحج أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام ، ودعائمه الخمس وهو فرض عين على المكلف المستطيع مرة واحدة في العمر ، قال تعالى { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ  } سورة آل عمران(97)

ففي الآية الكريمة دليل على وجوب الحج على من استطاع إليه سبيلا  ، أي ملك زاداً وراحلةً وصحة وأمناً ( تكاليف الحج )

وقد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الإسلام بني على أركان خمسة لا يقوم إلا بها ولا يكتمل إلا بتواجدها ومن هذه الأركان الخمسة الحج مرة في العمر.

عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -: " بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ : شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ , وَإِقَامِ الصَلَاةِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ .

عباد الله :إن من يسر وسماحة هذا الدين أنه فرض الحج مرة واحدة في العمر ......

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ، فَحُجُّوا»، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ "، ثُمَّ قَالَ: «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ»

لذا ينبغي للمستطيع المبادرة لتأدية فريضة الحج وجعل الحج في مقدمة الاهتمامات والأولويات ، فعلى المسلم أن يحذر كل الحذر من التقاعس والتسويف وأن لا يجعل للشيطان مداخل للتأخير عن القيام بهذه الفريضة بحجج واهية ، وأن يؤدي فريضة الحج فإنه لا يدري ماذا يحدث له وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من تأخير الحج مع الاستطاعة والقدرة أشد التحذير عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -: (" تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ - يَعْنِي الْفَرِيضَةَ - فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ) ) ، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الْفَضْلِ، أَوْ أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ، فَلْيَتَعَجَّلْ، فَإِنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ الْمَرِيضُ، وَتَضِلُّ الضَّالَّةُ، وَتَعْرِضُ الْحَاجَةُ» ، ولنتأمل لمن يقطعون الفيافي ويخسرون المبالغ الكبيرة من أجل الوصول إلى هذه الديار المباركة  لأداء فريضة الحج يفرح الواحد منهم عندما يرى الكعبة بعينية فتسيل الدموع فرحا وشوقا لبيت الله الحرام ، فكيف بمن هو في جوار بيت الله الحرام يا لها من فرصة عظيمة وغنيمة كبيرة ،عباد الله :  إن من أنعم الله علية بالصحة والمال والقدرة ثم لا يقوم بهذه الفريضة لمحروم .

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " قَالَ اللهُ تَعَالَى: إِنَّ عَبْدًا صَحَّحْتُ لَهُ جِسْمَهُ , وَوَسَّعْتُ عَلَيْهِ فِي الْمَعِيشَةِ، يَمْضِي عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَعْوَامٍ لَا يَفِدُ إِلَيَّ , لَمَحْرُومٌ ))

عباد الله : إن مما أثر عن السلف أنهم كانوا يبادرون لتأدية فريضة الحج ويحذرون من تأخيرها ، فالله الله أيها المسلمون بادروا لإكمال دينكم ، وإتمام أركان إسلامكم بأداء  فريضة الحج ، اغتنم يا عبد الله غناك قبل فقرك وصحتك قبل مرضك وشبابك قبل هرمك بل اغتنم حياتك قبل موتك .

ولك أن تتخيل الفضائل والمكاسب التي ينالها الحاج ويفوز بها مقابل حجه

قال صلى الله عليه وسلم :«مَنْ حَجَّ هَذَا البَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» وقال صلى الله عليه وسلم : (( الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ ))

وسُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ» قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «حَجٌّ مَبْرُورٌ»

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْحَاجُّ وَالْمُعْتَمِرُ، وَفْدُ اللَّهِ، دَعَاهُمْ، فَأَجَابُوهُ، وَسَأَلُوهُ، فَأَعْطَاهُمْ»

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي مَلَائِكَتَهُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِأَهْلِ عَرَفَةَ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا ) ، لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ , لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ , إِنَّ الْحَمْدَ , وَالنِّعْمَةَ , لَكَ وَالْمُلْكَ , لَا شَرِيكَ لَكَ) ))

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه واشهد الا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى أله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .

أما بعد ، أيها المسلمون : حتى يكون الحج مبرورا مقبولا ، ليس له جزاء إلا الجنة

فإنه لا بد من الأمور التالية :

+ الإخلاص بمعنى أن تكون عبادة الحج خالصة لوجه الله فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا صوبا ، قال تعالى : { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ }

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: حَجَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَحْلٍ، رَثٍّ، وَقَطِيفَةٍ تُسَاوِي أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، أَوْ لَا تُسَاوِي، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ حَجَّةٌ لَا رِيَاءَ فِيهَا، وَلَا سُمْعَةَ»

+ أن يكون وفق ما جاء عن النبي صلى الله عليه ،  عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ يَقُولُ: «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ»

+ وأن يكون المال حلالا لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}  ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟

وكذلك الحرص على التقيد بالأنظمة التي وضعتها الدولة ومن ذلك استخراج تصاريح الحج ، فهي خير للجميع وضعها ولي الأمر لمصلحة حجاج بيت الله الحرام ، والله تعالى يقول : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } ، وقد ورد عن هيئة كبار العلماءعدم جواز الذهاب إلى الحج دون أخذ تصريح ، وأن من حج بلا تصريح فهو آثمٌ لما فيه من مخالفة أمر وليِّ الأمرِ، ولما في ذلك من الاضرار بعموم الحجاج ، ومن المقرر شرعا أن الضرر المتعدي أعظم إثما من الضرر القاصر وفي الحديث المتفق عليه عنه صلى الله عليه وسلم : «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» ، و عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»

وأكدت الهيئة على الالتزام بالتعليمات الصادرة من وليّ الأمر لتنظيم الحج وتيسيره للناس ، وأن المكلف إذا لم يتمكن من استخراج تصريح الحجِّ لحجِّ الفريضة فإنه في حكم عدم المستطيع ، لقول الله تعالى { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } وقوله تعالى : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا }

+ وقبل الشروع فيه لا بد أن نتعلم صفته وأن نتعرف على أركانه وواجباته وسننه وكيفية اداءه وما يترتب على ذلك ، بسؤال أهل العلم والقراءة حتى لا نقع في محذور أو تقصير.

+ وكذلك استغلال أيام الحج بالذكر والعبادة ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إِنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَرَمْيُ الْجِمَارِ لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ"

هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله تبارك وتعالى بالصلاة والسلام عليه ، قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }

 

 

المرفقات

1715916338_الحج والالتزام بالأنظمة.pdf

المشاهدات 611 | التعليقات 0