الحجاب شريعة ماضية، خطبة د. صالح دعكيك

شادي باجبير
1446/04/22 - 2024/10/25 21:27PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الحجاب شريعة ماضية، خطبة د. صالح دعكيك، مسجد آل ياسر، المكلا، 4/7/2024م

*الحمد لله رب العالمين:

    لقد أنزل الله تعالى دين الإسلام دينا كاملا شاملا للبشرية جمعاء، وأودع الله تعالى في هذا الدين من الشرائع والأحكام والفضائل والآداب ما يشمل جميع نواحي الحياة، وأرسى فيه من الثوابت العظام ما يجعله مستوعبا لمتغيرات الحياة، وسببا لخلود هذا الدين القويم، لقد أكمل الله لنا الدين، وأتم علينا النعمة، بنزول دين الإسلام، كما قال تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)، المائدة (3).

   ومن ثوابت ديننا الإسلامي ما شرعه الله عزوجل من الأحكام القطعية، التي جاء بها القرآن، ونطقت بها السنة، وأصبحت موضع اتفاق عند أهل الحل والعقد، ولا يستقيم إسلام المسلم إلا بالتزام تلك الشرائع والأحكام.

      ومن تلك الشرائع الإسلامية المجمع عليها، حجاب المرأة، نعم .. حجاب المرأة، إنه شريعة ماضية، وفضيلة سامية، وحكم إلهي ، نزل لصلاح المرأة والرجل والمجتمع كله.

   الحجاب فريضة وشريعة لأن الله تعالى يقول في كتابه الحكيم:

-       (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ ..) جاء في سورة النور(31).

وقد روى البخاري (4759) عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (لما أنزلت هذه الآية أخذن أزورهن، فشققنها من قبل الحواشي فاختمرن بها.).

   الحجاب فريضة وشريعة لأن الله تعالى يقول في كتابه الحكيم:

 { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن  ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}. سورة الأحزاب (59).  

      والمراد بقوله: (يدنين عليهن): الإرخاء والسدل على الوجه والبدن، وستر الزينة، والجلباب هو: الثوب يستر جميع البدن، أو هو الملاءة التي تشتمل بها المرأة فوق القميص وتغطي به جميع جسمها من فوق إلى أسفل.

     الحجاب فريضة وشريعة لأن الله تعالى يقول في كتابه الحكيم:

    { وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى }. الأحزاب :(33) وكن نساء الجاهلية يبرزن عن بعض زينتهن، فيكشفن الشعر أو بعضة، ويسفرن عن وجوههن ونحورهن، فلا يغطي الثوب أو الملاءة كل أجسامهن، فكان فيهن تبذل، فنهى الله عن ذلك التبرج، وأمر أن تغطي المرأة بدنها بجلبابها.

     أخرج الترمذي (1731) وصححه من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، فقالت أم سلمة: فكيف يصنعن النساء بذيولهن؟ قال: (يرخين شبرا) فقالت: إذا تنكشف أقدامهن، قال: (فيرخينه ذراعا، لا يزدن عليه). وهو دليل ظاهر على وجوب تغطية القدمين، سواء عند الرجال الأجانب، أم في صلاتها.

   تبت عند الترمذي أيضا  (1173)  وصحيح ابن حبان (5599) واللفظ له، من  حديث عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:( المرأة عورة , فإذا خرجت استشرفها الشيطان وإنها لا تكون أقرب إلى الله منها في قعر بيتها).

    هذه بعض أدلة حجاب المرأة المسلمة، إنها أحكام  شرعية، وحدود مقدسة، غير قابلة للنقض ولا للاعتراض، فهنيئا لمن سلم لله وأحكامه وشريعته: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ، وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ). النساء (13، 14).

     ومنذ أن نزلت تلك الآيات المبينة، والأحكام الواضحة، على المجتمع المسلم، التزمت به أمتنا الكريمة، على مدى قرونها المتطاولة، حتى وضع الاستعمار الغربي الغاشم أقدامه محتلا بلاد المسلمين، فبدل القوانين، ومنهاج التعليم، وأنشأ الكوادر التعليمية التي تغذت بالأفكار الغربية، وشكك في الثوابت، وهاجم الحجاب، وقدم للمجتمع الإسلامي نماذج من الممسوخات دينيا وأخلاقيا، باعتبارهن يمثلن التقدم والحرية والرقي، وأن الحجاب يعني التخلف والتشدد والرجعية والظلامية ..الخ تلك العبارات التي تأثر كان لها أثر على مجتمعاتنا، وقد كان لظهور الصحوة الإسلامية أثر بارز في محاربة الشبهات، ومواجهة الهجوم على أحكام الدين ومسلماته، والعودة بالأمة إلى دينها، والتزام شرائع الدين وشعائره، التي تعرضت للتشويه والطمس.

     ولا زالت الحملات المسمومة مستمرة على ديننا، وأحكام شريعتنا، ممن تسلقوا جدار أمتنا من الخلف، ممن ينتسب إلينا، ويتلكم بلساننا مع الأسف الشديد، ويظهرون على الساحة بين الحين والآخر بعض بأولئك الممسوخين ، ممن ووقعوا فريسة لمخططات الأعداء، وتأثروا بشبهاتهم، ويطلقون كلمات قبيحة على الحجاب والمحجبات، تجريحًا وتقبيحًا، فالحجاب: حجاب على العقل، وخيمة متنقلة ،والنقاب تخلف وهمجية ..والملتزمة بأحكام الحجاب: معقّدة .. و من تأبى الاختلاط: متخلّفة.. والمتحجبة تخفي الشر بحجابها .

     وأضحت قيمة المرأة ترتفع كلّما تقلّصت مساحة القماش الذي تلبسه.. وكلّما غطّت المرأة من جسدها شبرًا؛ كلّما فقدت من قيمتها قدرًا.

    هذا هو القانون المحكَّم لديهم، كلّما أبدت المرأة من نفسها جزءًا؛ كلّما زادت في أفق الوعي!!

      إنهم المستغربون من بني جلدتنا رجلا ونساء- وسيظهرون لكم بين فترة وأخرى - ، إنهم رسل الغرب إلى مجتمعاتنا، ودعاة الشهوات والرذيلة في صفوف شبابنا وفتياتنا، من طرق السفور التبرج والاختلاط، وإلغاء الفوارق بين النساء الرجال، والحرية الهمجية، التي لا يقرها دين ولا عقل ولا عرف ولا منطق، و وصدق الله القائل: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا).

أيها الأحبة:

      الحجاب تكريم ورفعة للمرأة ، فلقد كرم الله سبحانه بني آدم على سائر المخلوقات، ومن ضمن التكريم ستر عورة الإنسان حياً وميتاً؛ فكيف تهين المرأة نفسها، وتضع عنوان كرامتها ؟!!

الحجاب عفة طهارة، قوله تعالى::{ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ }. الأحزاب (53).

  الحجاب ستر وسلامة، الحجاب حفظ وصيانة، الحجاب حشمة ووقار، الحجاب مروءة وأخلاق، وهو قبل هذا وذاك : إسلام وإيمان، وعبادة وطاعة، واستقامة ودين، الحجاب للمرأة علامة حيائها، وإمارة استقامتها، ودليل انقيادها لربها، وعبوديتها لخالقها.

   حجاب المرأة المسلمة يمثِّل اليوم في ظل هذا الهجوم مظهرًا من مظاهر الاستعلاء الفكري والسلوكي الإسلامي الذي يأبى على التركيع، في زمن تهاوت فيه الأفكار والأخلاقيات الشرقية، أمام سحر الليبراليّة الغربيَّة.

   أن أقواما من المنافقين في عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام، حاولوا أن يقلقوا المجتمع الإسلامي الأول؛ ليشيعوا الفاحشة، ويشعلوا فتنها، فأوعدهم الله بعذاب في الدنيا والآخرة، وهؤلاء الأقرام الجدد، نماذج تمضي في نفس الطريق الموحش، قال تعالى :(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ). النور (19).

    بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأجارني وإياكم من عذابه الأليم.

           أقول قولي هذا، أستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه، إنها هو الغفور الرحيم.

((الخطبة الثانية))

     إننا اليوم مدعوون رجالنا ونساءنا، حكاما ومحكومين، لمواجهة هذه الهجمة الأثيمة على ديننا وأخلاقنا، ليقف كل منا من موقعه وتخصصه، سدا منيعا أمام هذه الثلة اللئيمة انتصار للدين، وحفاظا للقيم، وصيانة للمجتمع وقيمه.

    وإن نساءنا وبناتنا بحاجة إلى تربية عميقة، ومحاضن مؤثرة، وصيانتها من كيد الفجار، وتربيتها على ما كان عليه نساء الرعيل الأول، من الستر والصون، والحشمة والعفاف.

    وما أعظم ما رواه الإمام أحمد (25660) بإسناد صحيح عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، كانت تستحي وتقول: كنت أدخل بيتي الذي دفن فيه رسول الله وأبي، فأضع ثيابي وأقول: إنما هو زوجي وأبي، فلما دفن معهما عمر بن الخطاب فوالله ما دخلت إلا وأنا مشدودة علي ثيابي حياء من عمر!!.

    أين عمر؟! إنه ميت تحت الأرض وتستحي منه عائشة رضي الله عنها، إنه حياؤها من الأموات، بكيف بحيائها من الأحياء!!

    وجاء عند البيهقي في "السنن" (3/396) أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: لأسماء بنت عميس، إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء، أن يطرح على المرأة الثوب، فيصفها، فقالت أسماء: يا ابنة رسول الله، ألا أريك شيئا رأيته بالحبشة؟ فدعت بجرائد رطبة، فحنتها، ثم طرحت عليها ثوبا، فقالت فاطمة: ما أحسن هذا وأجمله لا تعرف به المرأة من الرجل، فإذا مت أنا فاغسليني أنت وعلى، ولا يدخل علي أحد. فلما توفيت، غسلها علي وأسماء رضي الله تعالى عنهم. وحسن إسناد البيهقي الحافظ في "تلخيص الحبير" 2/143.

   رضي الله عن فاطمة ... لقد بلغ حياؤها رضي الله عنها أن صاحبها بعد مماتها!! فيالله .. أي حياء هذا بلغت به ذرى المجد.

   أن نساءنا، وبناتنا مدعوات لامتثال هذه القدوات العظيمة في سماء الطهر والعفة.

     فيا أيتها الحرة الشريفة والأخت العفيفة: يا حفيدة فاطمة وعائشة و خديجة وسمية ونسيبة و أسماء! التزمي بالحجاب، تمسكي بالجلباب، ولا تصغي إلى ما تقوله الذئاب، احذري الذئاب البشرية، والوحوش الإنسية، الذين يهدرون عفتك، وكرامتك، ويدعونك للسقوط في أوحال الرذيلة.

   أختاه .. يا من أعزك الله بالإسلام وشرفك بالإيمان! احذري الأبواق الناعقة، والأصوات الماكرة، والأعين الحاسدة، والكلمات المعسولة، والأيدي الخبيثة، التي تريد إنزالك من علياء كرامتك، وتهبط بك من سماء مجدك، وتخرجك من دائرة سعادتك.

     إياك ثم إياك من الخديعة والانهزامية أمام موجات التبرج والسفور والإباحية، التي بليت بها كثير من المجتمعات، احذري دعايات التبرج والتغريب التي تدعو إلى التهتك والسفور.

      اللهم ردنا إلى دينك ردا جميلا، وأصلحنا وأصلح نسائنا ورجالنا وذرياتنا، ربنا هب لنا من أزواجنا وذياتنا قرة أعين، واجعلنا للمتقين إماما.

   اللهم أكفنا كيد الفجار، وشر الأشرار، ورد كد الكائدين في نحورهم.

                والحمد لله رب العالمين.

المشاهدات 137 | التعليقات 0