الحث على مخالفة الكفار

عناصر الخطبة

1/حقيقة التشبه بالكفار وضوابطه 2/حكم التشبه بالكفار 3/الحكمة من النهي عن التشبه بالكفار 4/بعض صور التشبه بالكفار وآثاره.

 

 اقتباس

والتشبه بالكفار حرمه الشرع الحنيف والدين الذي ارتضاه الكريم اللطيف؛ كما حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من اتباع سبيلهم والانخداع بهم؛ كما في الحديث الذي.. والحكمة من تحريم التشبه بالكفار؛ أن التشبه بهم في الظاهر يقود...

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71]، أما بعد:

 

أيها المسلمون: اتقوا الله واعتزوا بدينكم تغنموا، وسيروا على طريقه تهتدوا، وتمسكوا به ترشدوا، ثم اعلموا أن الله -سبحانه- قد أنعم على المسلمين بشريعة كاملة شملت مصالحهم الدينية والدنيوية والأخروية، وجعلها مصدرا لعزهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، قال -تعالى-: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى)[طه:123]، وقال -تعالى-: (فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[البقرة:38].

 

عباد الله: وحتى نستمر في السير على الصراط المستقيم والطريق القويم لابد أن نحذر من كل ما يحرفنا عن هذا المنهج الصحيح والنهج الصريح؛ ألا وإن مما يضعف المسلم ويعيقه عن الوصول إلى تلك الغايات التي وصل إليها الذين أنعم الله عليهم واصطفاهم من الأنبياء والأولياء والصديقين والشهداء؛ التشبه بأعداء هذا السبيل من الذين كفروا بالله وبدينه ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.

 

وحقيقة التشبه ومعناه؛ محاولة الإنسان أن يكون شبهَ المتشبَّه به، وعلى هيئته وحليته ونعته وصفته، وقيل أن المراد بالتشبه؛ تمثُّل المسلم بالكفار في عقائدهم أو عباداتهم أو أخلاقهم أو فيما يختصون به من عادات، أو خضوعه لهم بشكل من الأشكال.

وضابط التشبه بالكفار يكون؛ بمشابهتهم  في كل ما هو من خصائصهم الدينية؛ سواء كان مشابهتهم في أصل الفعل أو وصفه؛ كالاحتفال بعيد الميلاد أو مشاركتهم بما يسمى بعيد رأس السنة وغير ذلك مما هو من اختصاصاتهم الدينية.

 

والتشبه بالكفار حرمه الشرع الحنيف والدين الذي ارتضاه الكريم اللطيف؛ كما حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من اتباع سبيلهم والانخداع بهم؛ كما في الحديث الذي رواه أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى قال: فمن"(رواه البخاري)، وروى أبو هريرة -رضي الله- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي مأخذ القرون شبرًا بشبر وذراعًا بذراع فقيل يا رسول الله كفارس والروم قال: ومن الناس إلا أولئك"(رواه البخاري).

 

والحكمة من تحريم التشبه بالكفار؛ أن التشبه بهم في الظاهر يقود صاحبه إلى مشابهتهم في الباطن؛ ولهذا تواترت الأدلة الصحيحة الصريحة على وجوب مخالفتهم، والحذر من التشبه بهم درءا للمضار والمفاسد التي تلحق بالمتشبه بهم في دينه ودنياه وآخرته؛ لأن كل مآل أعمال الكفار الظاهرة والباطنة الخسارة والخيبة والندامة؛ قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا)[النور: 39]، وقال -تعالى-: (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ)[إبراهيم: 18].

 

عباد الله: وللتشبه صور ومظاهر عديدة؛ فمنه:

ما هو كُفر؛ كالتشبه بالكفار في ما هو من عقائدهم الباطلة وعبادتهم, وتعظيـم آلهتهم ومعبوداتهم، والواجب إعلان المفاصلة التي أعلنها نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وأنزل الله في ذلك قرآنا يتلى إلى قيام الساعة؛ يقول -تعالى-: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)[الكافرون:1-6].

 

ومن صور التشبه بالكفار: ما يوقع صاحبه في الشرك بالله -عز وجل-؛ كطـاعتهم في تحليل ما حرمه الله وتحريـم ما أحله -سبحانه وتعالى-, ومن أمثلة ذلك؛ التحاكم إلى القوانين الوضعية بدلا من الرجوع إلى أحكام شريعة الإسلام, قال -تعالى-: (أًفَحُكْمَ اْلجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اْللهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)[المائدة:50].

 

ومن صوره: ما هو بدعــة أو من ذرائع الشرك ووسائله؛ كبنـاء المساجد والقِباب على المقابر؛ وقد لعن النبي -صلى الله عليه وسلم- من يفعل ذلك؛ فقال: "لعن الله اليهود والنصـارى اتخذوا قبورهم أنبيائهم مساجد"(أخرجه البخاري).

 

ومن صور التشبه بالكفار: تقليدهم في اللباس الذي اختص بهم، وكذا تقليدهم في قصات الشعر وغير ذلك من المظاهر التي ترد إلينا تارة باسم الموضة وتارة بمسميات أخرى؛ والواجب على المسلم أن يحذر من التشبه بالكفار؛ لأن من تشبه بقوم فهو منهم؛ كما جاء في صحيح مسلم أن النبي الكريم -عليه أزكى الصلاة وأتم التسليم- رأى على رجل ثوبين معصفرين قال له: "إن هذه ثياب الكفار فلا تلبسها"، وكتب أمير المؤمنين عمر -رضي الله عنه- إلى المسلمين بأذربيجان: "إياكم والتنعم وزي أهل الشرك".

أما مشابهة الكفار وتقليدهم في أمور الدنيا المحضة؛ كالصناعة والتجارة، وكل ما هو ليس مما اختصوا به؛ فلا يدخل في التشبه المنهي عنه.

 

أيها المؤمنون: ولم يحرم الإسلام التشبه بالكفار إلا لما يُلْحِقُهُ بصاحبه من الآثار والأضرار؛ ومن ذلك:

أنه يضعف عقيدة الولاء والبراء التي هي أصل من أصول الدين الحنيف الذي حرم على المؤمنين اتخاذ الكفار أولياء، قال -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ)[الممتحنة: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[المائدة: 57].

وعقيدة الولاء والبراء تدعو المؤمن الحق إلى أن يوالي ربه -سبحانه- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وأهل الإيمان؛ كما قال -تعالى-: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا)[المائدة:55].

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)[الممتحنة: 4].

 

اللهم وفقنا للتمسك بشرعك واتباع نبيك، ومخالفة أعدائك.

 

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من بيان سبيل الهدى وشريعة المصطفى صلى الله عليه وسلم وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

 

عباد الله: ومن آثار التشبه بالكفار: أنه يورث محبتهم ومودتهم؛ وهذا مناف للإيمان بالله -جل في عليائه-؛ القائل: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ)[المجادلة: 22]؛ كما أن من أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله؛ وهذا أصل من أصول الإسلام وأسسه العظام؛ كما أرشد إلى ذلك نبينا -عليه الصلاة والسلام- من حديث البراء بن عازب -رضي الله عنه-؛ حيث قال: "إنَّ أوْثَقَ عُرى الإسلامِ: أنْ تُحِبَّ في اللهِ، وتُبغِضَ في اللهِ"(صححه الألباني في صحيح الجامع).

 

ومن آثاره: أن التشبه بهم في الأمور الظاهرة يوجب مشابهتهم في الأمور الباطنة؛ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "فالمشابهة والمشاكلة في الأمور الظاهرة، توجب مشابهة ومشاكلة في الأمور الباطنة على وجه المسارقة والتدريج الخفي، وقد رأينا اليهود والنصارى الذين عاشروا المسلمين، هم أقل كفراً من غيرهم، كما رأينا المسلمين الذين أكثروا من معاشرة اليهود والنصارى، هم أقل إيماناً من غيرهم".

ويقول ابن القيم -رحمه الله-: "المشابهة في الزي الظاهر تدعو إلى الموافقة في الهدي الباطن كما دل عليه الشرع والعقل والحس؛ ولهذا جاءت الشريعة بالمنع من التشبه بالكفار والحيوانات والشياطين والنساء والأعراب".

 

أيها المسلمون: علينا أن نعتز بديننا ونتمسك به؛ فإن في ذلك عزنا ورفعتنا في الدنيا والآخرة، وعلينا أن نُحصِنَ إيماننا من كل ما يقدح فيه ويفسده؛ كالتشبه بأعداء الله ودينه ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وغيره من القوادح؛ فإن عاقبة ذلك الذل والهوان والتبعية والخذلان.

 

هذا وصلوا وسلموا على البشير النذير؛ حيث أمركم بذلك العليم الخبير؛ فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان.

 

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين.

 

اللهم ألف بين قلوب المسلمين، واجمع كلمتهم على الحق والدين.

المشاهدات 519 | التعليقات 0