الحث على لزوم منهج السلف الصالح
الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله الهويمل
الحث على لزوم مَنهجِ السَّلَفِ الصَّالحِ
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ، وَسَلِّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا . أمَّا بَعْدُ :-
فاتقوا الله وراقبوه ، فتقوى الله هي سبب للسعادة ، والفلاح في الدنيا والآخرة .
عِبَادَ اللَّهِ : لقد حثنا الله تعالى على لزوم منهج السلف الصالح الذي هو طريق النجاة ، ولأنَّ اتباع هديهم ومنهجهم وفهمهم للكتاب والسُّنَّة هو الفارق الأكبر بين أهل السنة وبين أصحاب البدع والأهواء ، كما في قوله جل وعلا : ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ ، والسلف الصالح هم صحابة رسول الله ﷺ ، وأئمة الهدى من التابعين ، وتابع التابعين ، من القرون الثلاثة الأولى ، الذين شهد لهم رسول الله ﷺ بأنهم خير هذه الأمة ، كما جاء في الصحيحين من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه ، عن النبي ﷺ قال : " خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم " .
يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : " مَن كانَ مُستنًّا فليستَنَّ بمَن قَد ماتَ ؛ فإنَّ الحيَّ لا تُؤمَنُ علَيهِ الفِتنةُ ، أولئِكَ أصحابُ محمَّدٍ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ كانوا أفضلَ هذِهِ الأمَّةِ ، أبرَّها قلوبًا ، وأعمقَها عِلمًا ، وأقلَّها تَكَلُّفًا ، اختارَهُمُ اللَّهُ لِصُحبةِ نبيِّهِ ، ولإقامةِ دينِهِ ؛ فاعرِفوا لَهُم فضلَهُم ، واتَّبعوا علَى آثارِهِم ، وتمسَّكوا بما استطعتُمْ مِن أخلاقِهِم وسِيَرِهِم ؛ فإنَّهم كانوا علَى الهُدى المستقيمِ" . لذا يجب علينا اتباع هدي السلف الصالح ، ومنهجهم وطريقتهم وفهمهم للدين ، لأسباب كثيرة منها : -
أولاً : أن الله تعالى أمر باتباع سبيل المنيبين الصادقين ، قال تعالى : { وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ } [ لقمان: 15] . وقال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119] . عموماً . فكيف برأس أولئك المنيبين الصادقين وصفوتهم .
ثانياً : أن الشريعة أمرت باتباعهم ، قال صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ : ( فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ من بعدي تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ ) .
ثالثاً : أن الشريعة قد أثنت على اتباعهم ، وحثُّت على سلوك مسلكهم ، قال تعالى : ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ فالذين اتبعوا سبيل السابقين الأولين هم على خير عظيم ، وينتظرهم فضل كبير .
رابعاً : أنهم أقرب إلى الخير والصلاح ، فهم أرجى إصابة للحق ، فمن نظر في سيرتهم بعلم وبصيرة ؛ علم أنهم خير الناس وأفضل الناس بعد الأنبياء .
خامساً : أنهم أعلم الأمة ؛ وهم أجدر الناس بإصابة الحق ، فهم أعلم بالكتاب والسنة ، وأدرى بما تُحمل عليه آيات الكتاب وأحاديث السنة ، لأنهم عاصروا ذلك ، وأنهم أعلم بلغة العرب ؛ والوحي نزل بلسان عربي مبين ، فهم أقدر على فهمه ، وعلى حمله المحمل الصحيح ، فاتباعهم هو المسلك الرشيد .
سادساً : أنهم كانوا على الخيرية بشهادة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، كما جاء في الصحيحين من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه ، عن النبي ﷺ قال : " خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم " . فشهد لهم خير البشر وأصدق البشر صلى الله عليه وسلم بأنهم خير الناس ؛ أو بأنهم خير هذه الأمة .
سابعاً : أن السنة دلت على أن وجود الصحابة أمان للأمة من الفتنة ؛ فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال : ( ... وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي ، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتي ما يُوعَدُونَ ) أخرجه مسلم . يعني : أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي مِن ظُهورِ البِدعِ والحوادثِ في الدِّينِ والفِتَنِ فيه . فإذا كان وجود الصحابة بأشخاصهم أمان من الفتن ، فإنَّ منهجهم أمان من الضلال من بعدهم .
ثامناً : أن الله تعالى قد نهى عباده عن سلوك سبيل غير المؤمنين ، وحذَّر عن ذلك وأنذر ، فقال تعالى : { وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } النساء 115 . فهم أحق وأجدر وأولى بوصف الإيمان بعد النبيين ؛ ثم التابعين ثم أتباع التابعين ، وهم أهل القرون المفضلة . فالزموا منهجهم تفوزوا وتفلحوا . أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحمد لله عظيم الإحسان واسع الفضل والجود والامتنان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليماً كثيرا . أما بعد :-
فمن الأسباب أيضاً التي توجب علينا اتباع منهج السلف وطريقتهم :
تاسعاً : أن السلف الصالح على الحق قطعاً ، لأنهم لو لم يكونوا على الحق المحض ؛ لَلَزِمَهُمْ أن يكونوا متصفين بأحد هذه الأوصاف ؛ وهي الجهل ؛ أو كتم الحق والخيانة ؛ أو أن يكونوا كاذبين . ولكن هذه الصفات منتفية عنهم ؛ لأنهم على الحق المحض .
عاشراً : أنهم المهتدون ، ومن سار على نهجهم اهتدى ، يقول الله جلَّ وعلا : ﴿ فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: 137] . الخطاب موجه إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ، فهم على الهداية المَحْضَة ، فمن سلك سبيلهم كان مهتدياً بنص القرآن .
فعلينا جميعاً اتباع هدي السلف الصالح ، ومنهجهم وطريقتهم وفهمهم للدين ، فإن منهجهم هو المنهج الصحيح ، وفهمهم للكتاب والسنة هو الفهم السديد .
عباد الله : إن اتباع منهج السلف في التلقي يُثْمِر سلامة المُعْتَقَد ؛ بأنْ يكون اعتقاد المتأخرين موافقًا لاعتقاد سلف الأُمة في توحيد الله والإيمان به ، وكذا يضمن سلامة فَهْم الكتاب والسُّنَّة في ضوء ما أصَّلهُ السَّلف من أُصول ، وما قعَّدوهُ من قواعد شرعيَّة ، وكذا يحول دون الابتداع في الدين ، فيكون سلوك المسلم خالصًا لوجه الله تعالى ، موافقًا لشرعه في العقائد والأعمال والأقوال . فإنَّه لا صلاحَ لآخر هذه الأُمَّة إلا بما صلح عليه أولها من التمسُّك بالكتاب والسُّنة وسلوك منهجهم في التلقّي والاتباع ؛ وإن عصمة الأمة من الانحرافات الاعتقادية والسلوكية تتمثل في اتباع الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة ، وأن تنطلق الأُمّة في أحكامها وأخلاقها وآدابها ومعاملتها من هَدْي الكتاب والسُّنة بفَهْم سلف الأُمة ، فذلك أهم معالم الصراط المستقيم والمنهج القويم الذي أمرنا الله بلزومه وعدم الحيدة عنه . وكل هذه الفرق والأحزاب التي حذر منها النبي صلى الله عليه ، لا تكون النجاة منها بعد الله تعالى والاستعانة به ؛ إلا بالالتزام بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه . وعلى المسلم التمسك بمنهج السلف الذي حث على الاجتماع ونبذ الفرقة والسمع والطاعة لولاة أمر المسلمين في غير معصية ، قال تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [آل عمران: 103] . هذا وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة محمد بن عبد الله فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال جل في علاه : [ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ] . اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك وحبيبك نبينا محمد ، وارض اللهم عن أمهات المؤمنين ، وسائر الصحابة والتابعين ، وارض عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين . اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين . اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا ، والزلازل والمحن ، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن ، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين . اللهم أدم علينا نعمة الأمن والإيمان ، والسلامة والإسلام . اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعلهم هداة مهتدين . اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحب وترضى وأعنهم على البر والتقوى وسددهم في أقوالهم وأعمالهم ، ويسر لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين . اللهم ووفق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك واتباع سنة نبيك صلى الله عليه وسلم ، واجعلهم رأفةً ورحمة على عبادك المؤمنين . اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات . اللهم فرج همَّ المهمومين من المسلمين ونفِّس كرب المكروبين ، اللهم واشف مرضانا ومرضى المسلمين ، اللهم انصر جنودنا المرابطين على حدود بلادنا ، اللهم أيِّدْهم بتأييدِكَ واحفظهم بحفظك يا أرحم الراحمين . ( ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ) . ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ) .
عباد الله : اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ( وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ) .
( خطبة الجمعة 27/5/1446هـ . جمع وتنسيق خطيب جامع العمار بمحافظة الرين / عبد الرحمن عبد الله الهويمل للتواصل جوال و واتساب / 0504750883 ) .
المرفقات
1732703331_الحث على لزوم مَنهجِ السَّلَفِ الصَّالحِ.docx