الحث على صيام الست من شوال 6-10-1446هـ
عايد القزلان التميمي
1446/10/05 - 2025/04/03 23:17PM
إن الْحَمْد للهِ نَحْمَدُه ونستعينُه ، ونستغفرُه ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ، ومن سيئاتِ أعمالِنا ، مَن يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له ، ومَن يُضْلِلْ فلا هادِيَ له ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه . (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا))
أما بعدُ فيا أيها المؤمنون : فعَنْ أَبي أَيوبٍ رضي الله عنه
، أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قَالَ: (( مَنْ صَامَ رَمَضانَ ثُمَّ أَتَبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كانَ كصِيَامِ الدَّهْرِ )) رواهُ مُسْلِمٌ.
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يَصومُ مِن كلِّ شَهرٍ أيَّامًا نافلةً، وحثَّ أصحابَه على ذلِكَ، وحثَّ أيضًا على صِيامِ بَعضِ الأيَّامِ مِن شُهورِ السَّنةِ؛ لِمَا فيها مِن الأجْرِ والثَّوابِ الجَزيلِ لصاحِبِها.
وفي هذا الحديثِ أَرشَدَ المُسلمينَ إلى صِيامِ ستَّةِ أيَّامٍ مِن شوَّالٍ بعْدَ رَمضانَ، وبيَّن أنَّ مَن صامَ شَهرَ رَمضانَ كاملًا، ثُمَّ صامَ بعْدَ رَمضانَ ستَّةَ أيَّامٍ مِن شوَّالٍ مُتوالياتٍ أو مُتفرِّقاتٍ؛ فمَن فَعَل ذلكَ، كانَ لَه مِن الأَجرِ مِثلُ ما يُعادِلُ صِيامَ العامِ كلِّه، وهذا مِن عَظيمِ فَضلِ اللهِ عَلى عِبادِه المُسلمينَ بمُضاعفةِ الأَجرِ لَهم. ويُفسِّرُ هذا قولُه تَعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} ، وشَهرُ رَمضانَ بمَنزلةِ عَشرةِ أَشهُرٍ، وصِيامُ ستَّةِ أيَّامٍ بعْدَ الفِطرِ تَمامُ السَّنةِ.
عِبَاد اللَّهُ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِصِيَام سِتٍّ مِنْ شَوَّال مَا يَلِي: يَتَوَهَّمُ بَعْضُ النَّاسِ أَنّ مَنْ صَامَهَا عَامًّا لَزِمَتْه كُلَّ عَامٍ؛ فَلِذَلِك يَتَكَاسَل عَنْ صِيَامِهَا حَتَّى لَا تَجِبُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهَذَا كَلَامٌ بَاطِلٌ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ.
وَمَنْ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِصِيَام سِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ: مِنْ شَرْعِ فِي صِيَامِ يَوْمٍ مِنْ السِّتِّ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُفْطِرَ لِأَمْرٍ عَرَضَ لَهُ، فَلَا بَأْسَ بِالْفِطْرِ؛ لِأَنَّ صَوْمَ التَّطَوُّعِ يَجُوزُ قَطْعُهُ، وَيَصُوم بَدَلًا عَنْهُ يَوْمًا آخَرَ، بِخِلَافِ صَوْمِ الْقَضَاءِ فَمِنْ شَرَعَ فِيهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ
قَطْعُهُ إلَّا بِعُذْرٍ شَرْعِيٍّ كَسَفَرٍ أَوْ مَرَض.
وَمِنْ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِصِيَام سِتٍّ مِنْ شَوَّال: يَصِحُّ صِيَامُ السِّتُ مِنْ شَوَّالٍ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِي صِيَامِهَا تَبْيِيتُ النِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ صَوْمِ التَّطَوُّعِ، وَصَوْمِ التَّطَوُّعِ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ تَبْيِيت النِّيَّة.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : وَاعْلَمُوا (بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمْ) أَنّ فِي مُعَاوَدَةِ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَان فَوَائِد عَدِيدَةٌ، يَأْتِي مِنْ أبْرَزِهَا: أَنَّ صِيَامَ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَهْرِ شَوَّالٍ بَعْدَ رَمَضَانَ كَأَجْر صِيَامِ الدَّهْرِ كُلّه .
وَمَنْ فَوَائِدِ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ: أنّ صِيَام بَعْضِ أَيَّامِ شَهْرَيّْ شَعْبَانَ وَشَوَّال؛ كَصَلَاة السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ قَبْلَ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَبَعْدَهَا، وَهِيَ كَفِيلِة بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى بِأنَّ تُكَمِّلُ مَا قَدْ يَحْصُلُ فِي صِيَامِ الْفَرْضِ مِنْ خَلَلِ أَوْ نَقْص؛ لِأَنَّ الْفَرَائِضَ تُجْبَرُ بِالنَّوَافِل يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا وَرَدَ الْإِخْبَارُ بِذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عِبَادَ الله: وَمَنْ فَوَائِدِ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ: أنّ مُعَاوَدَة الصِّيَامِ بَعْدَ صِيَامِ رَمَضَانَ عَلَامَةً عَلَى قَبُولِ صَوْمِ رَمَضَانَ، فَإِنَّ اللَّهَ إذَا تَقَبَّلَ عَمَلَ عَبْدٍ وَفَّقَهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ بَعْدَهُ، وَقَدْ قِيلَ: ثَوَابُ الْحَسَنَةِ الْحَسَنَةُ بَعْدَهَا.
وَمِنْ فَوَائِدِ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ :أنّ صِيَامَ السِّتِّ مِنْ شَوَّال شُكْرٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نِعْمَةِ صِيَامِ رَمَضَانَ، فَمَنْ جُمْلَة شُكْرَ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ عَلَى تَوْفِيقِهِ لِصِيَامِ رَمَضَانَ وَإِعَانَتِه عَلَيْه وَمَغْفِرَةِ ذُنُوبِهِ أَنْ يَصُومَ لَهُ شُكْرًا عَقِب ذَلِكَ .
أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلِّـكَمْ،...
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ جَنَّةَ الْفِرْدَوْس لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ نُزَلَا ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَمِينُهُ عَلَى وَحْيِهِ ، وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ.
أما بعدُ فيا أيها المؤمنون : إن مِن أَكْثَرِ ما يَحِثُّ المؤمنَ لمواصَلةِ الطَّاعةِ مَع ربِّ العالمينَ: تَذَكُّرُ مَا يَنتظِرُه في الجنَّةِ إِن أَحْسَنَ العملَ مع ربِّه وتَقَبَّلَهُ بقَبُولٍ حَسَنٍ. في الجنَّةِ مَا لا عَينٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ علَى قَلبِ بَشرٍ.
وَاعْلَمُوا أَنَّ الْقَوِيَّ فِي إيمَانِهِ هُوَ مِنْ دَاوَمَ عَلَى طَاعَةِ رَبِّهِ وَاتَّبَع هَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُدَاوَمَةِ وَالثَّبَاتِ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ؛ فَعَنْ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا – قَالَتْ: (( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (( أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ)) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ،
فَمَا كَانَ لِلَّهِ دَام وَاتَّصَل، وَمَا كَانَ لِغَيْرِ اللَّهِ انْقَطَع وَانْفَصَل، وَمَا دَامَ الْعَمَلُ لِلَّهِ فَإِنْ اللَّهُ – جَلَّ وَعَلَا – سِيقَبله بِرَحْمَتِهِ، وَ إِنّ اللَّه لَمْ يَجْعَلْ لِعَمَلِ الْمُؤْمِنِ أَجَلًا دُونَ الْمَوْتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}
فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ: ذُقتُمْ حَلاوةَ الإيمانِ وعَرفتُمْ طَعْمَهُ، صُمتُمْ وقُمتُمْ وصَلَّيتُمْ، ورتَّلْتُمُ القرآنَ تَرتيلاً , فَالْزَمُوا هذا الطريقَ المُنيرَ، واستَمِرُّوا على هذا الصراطِ المستقيمِ، حتى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ.
عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله .........