الحب في الله عزو جل

كامل الضبع زيدان
1436/08/19 - 2015/06/06 13:40PM
خطبة الجمعة بجامع الأخوين سحيم وناصر ابني الشيخ حمد بن عبد الله بن جاسم آل ثاني رحمهما الله تعالى. المتحابون في الله في ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله هكذا أخبرنا الحبيب صلى الله عليه وسلم عن ربه عزو جل أنه ينادي عليهم يوم القيامة (أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي) رواه مسلم. تحابوا بجلال الله واجتمعوا على تعظيم الله وعلى طاعة الله وعلى حب الله عزو جل وتفرقوا على ذلك فكان لهم الظل الظليل والناس في حر الشمس وفي حر الزحام غارقون في عرقهم وهؤلاء المتحابون بجلال الله لا يفزعون إذا فزع الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس ولا يخافون إذا خاف الناس أمن وأمان واطمئنان لهم من رب العالمين هكذا أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم كما روى الحاكم وصححه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(إن لله عباد ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة لقربهم من الله تعالى ومجلسهم منه عزو جل فجثا أعرابي على ركبتيه وقال: صفهم لنا وجلهم لنا يا رسول الله ـ فتهلل وجه النبي صلى الله عليه وسلم من البشر من صنيع الأعرابي لفرحه بحديث النبي صلى الله عليه وسلم عساه أن يكون منهم ـ فقال صلى الله عليه وسلم :هم عباد من عباد الله من بلدان شتى ومن قبائل شتى لم تكن بينهم أرحام يتواصلون بها ولا دنيا يتباذلون بها يتحابون بروح الله يجعل الله لهم منابر من لؤلؤ قدام الناس وفي رواية على منابر من نور وفي وجوههم النور وفي ثيابهم النور وهم عن يمين الرحمن أقرب ما يكونون من رب العالمين يفزع الناس ولا يفزعون ويخاف الناس ولا يخافون وهم أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) يا لها من بشارة من الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم لنا جميعا أسأل الله عزو جل أن يجعلنا منهم ومعهم بكرمه وجوده وإحسانه وعلى كل واحد منا أن يتخير إخوة من إخوانه في الله يحبهم في الله ولله لينال هذا الشرف العظيم والأمن والأمان في دنياه وفي قبره وفي أخرته.
تذوق حلاوة الإيمان
كما أخبر الحبيب صلى الله عليه وسلم (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار) فبذلك يجد لإيمانه حلاوة عظيمة لو علمها الملوك وأبناء الملوك لجالدوه عليها بالسيوف وهذا يجعله يجد ويجتهد ويزداد هدى على هداه ويسارع في الخيرات والطاعة تأتي بطاعات لها بعدها وهكذا حتى يلقى الله محسنا فينال الرضوان من رب العالمين.
محبة الله للمتحابين فيه جل جلاله
وهذا حق وواجب أوجبه جل جلاله على نفسه بنفسه فليس للعباد أن يوجبوا على الله شيئا ولكن الله عزو جل يتفضل بكرمه وجوده وبره وإحسانه على من يشاء من عباده فقد أخبرنا حبيبنا صلى الله عليه وسلم عن ربه عزو جل أنه قال: (وجبت محبتي للمتحابين في والمتجالسين في والمتزاورين في والمتباذلين في) رواه الإمام مالك في الموطأ وكما روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:(أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى فأرصد الله له على مدرجته ملكا ـ أي على طريقه ـ فلما أتى عليه قال أين تريد قال أريد أخا لي في هذه القرية قال هل لك عليه من نعمة تربها قال لا غير أني أحببته في الله عزو جل قال فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه) يا لها من كرامة ينال العبد محبة الله بمحبته لإخوانه في الله عزو جل وإذا أحب الله عزو جل عبدا أكرمه ولا تسأل عن إكرام أكرم الأكرمين لعباده فهو كرم يفوق الوصف مهما تخيل المتخيلون واجتهد المجتهدون لا يصلون إلى عشر معشار ما أعده الله لعباده من الكرامة ولا يخطر على بالهم أصلا فنسأل الله جل وعلا من عظيم عطاياه.
علو مكانة العبد في الجنة رغم قلة عمله
نعم والله فإن العبد يحشر يوم القيامة ويرتقي في درجات الجنة حتى يصل إلى درجة أحبابه الذين أحبهم في الله عزو جل ويا حبذا لو كانت محبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهو رغم استحالة عمله كعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنه يحشر معه بأبي هو وأمي وروحي صلى الله عليه وسلم. ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم متى الساعة قال وما أعددت لها قال ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة ولكني أحب الله ورسوله قال أنت مع من أحببت قال أنس فما فرحنا بشيء بعد الإسلام فرحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم أنت مع من أحببت فأنا أحب النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم وإن لم أعمل بمثل أعمالهم. من هنا على العبد العاقل أن ينتقي من عباد الله الصالحين من يظن أنهم على خير وهداية وصلاح ويصحبهم ويحبهم في الله عزو جل وإن قصرت أعماله عن أعمالهم فهو معهم وفي درجتهم بمحبته لهم في الله عزو جل.
من أعظم السبل لدخول الجنان
فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم). فبالحب في الله عزو جل يكتمل الإيمان الذي هو السبيل الوحيد لنيل رضا الله وسكنى الجنان فلنحرص على ذلك غاية الحرص وكما قال الإمام الحسن البصري رحمه الله إخواننا أحب إلينا من أهلينا فإخواننا يذكروننا بالله والآخرة وأهلونا يذكروننا بالدنيا. وفي هذا الحديث الحض على إفشاء السلام وهو حق للمسلم على أخيه المسلم إذا لقيه أن يسلم عليه ليزرع بذلك المحبة في قلبه تجاهه وهذا الهدي قصر فيه كثير من المسلمين في هذا الزمان الذي طغت فيه المادة وتكالب الناس على الدنيا والسعي في جمعها والعلو والرفعة فيها فأنساهم ذلك كثير من الحقوق والواجبات التي أوجبها رب العالمين وبينها حبيبه صلى الله عليه وسلم والتي بها ينال العبد عز الدارين.
الصحابة ضربوا أروع الأمثلة في الحب في الله عزو جل
وكان من أول ما بدأ به الحبيب صلى الله عليه وسلم من أعمال بعدما هاجر إلى المدينة أن بنى مسجده الشريف لتوثيق الصلة بين العباد وربهم عزو جل ثم المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ليترابط المجتمع المسلم برباط الأخوة والمحبة والألفة ويحب كل واحد منهم لأخيه ما يحب لنفسه وأعانهم الله عزو جل على ذلك وقال لحبيبه صلى الله عليه وسلم: {وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم} وهاكم قصة من قصصهم سعد بن الربيع الأنصاري وعبد الرحمن بن عوف القرشي المهاجري رضوان الله عليهما آخى بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سعد لعبد الرحمن يا أخي إني كما ترى من أكثر الأنصار مالا فتعالى نقتسم المال بيننا بالسوية والأعجب والأغرب من ذلك والذي لا يفعله إلا هؤلاء الأفزاز الأماجد الأخيار الأطهار الذين اختارهم رب العالمين لصحبة حبيبه صلى الله عليه وسلم قال ولي زوجتان انظر إليهما فأيتهما أعجبتك أطلقها لك فإذا انقضت عدتها تتزوجها يا له من كرم فهم الأنصار أحباب الله وأحباب رسول الله وأحباب المؤمنين الذين قال الله عزو جل فيهم{يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} والأعجب من ذلك عفة عبدالرحمن رضي الله عنه وهو يعلم صدق أخيه سعد إلا أنه قال له يا أخي بارك الله لك في أهلك ومالك ولكن دلني على السوق فأنا تاجر أجيد التجارة وسيرزقني الله عزو جل من فضله وقد كان . هؤلاء الأخيار أسسوا دولة الإسلام على هذا الحب والبذل والتضحية والترابط فيما بينهم وواسوا إخوانهم وفدوهم بأموالهم وبأرواحهم وبكل ما يملكون فلذلك عزوا وسادوا وقهروا أعتى الأمم وعبدوهم لله رب العالمين وأخرجوهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ووالله لن تقوم لنا قائمة إلا إذا سرنا على خطاهم وعدنا إلى نهجهم وسلكنا طريقهم بحب الله وبحب رسول الله وبحب عباد الله المؤمنين الصادقين من إخواننا وعندها سيسود العدل وتسود المحبة والإخاء وعطف الأغنياء على الفقراء وينصلح حال الأمة جمعاء بالعمل والجد والاجتهاد ولن تتجرأ أمة من الأمم على ذمنا أو ذم ديننا أو ذم نبينا صلى الله عليه وسلم وتكون لنا عزة وكرامة بديننا وبربنا وبنبينا أسأل الله أن يردنا إلى ديننا مردا جميلا اللهم آمين والحمد لله رب العالمين.
أخوكم / كامل الضبع محمد زيدان
المشاهدات 1052 | التعليقات 0