الجمعةُ آدابٌ وأحكامٌ

محمد محمد
1446/08/07 - 2025/02/06 21:52PM

الجمعةُ آدابٌ وأحكامٌ-8-8-1446هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:

مَعَ طُلُوعِ شَمسِ يَومِ الجُمُعَةِ الفَضِيلِ، يَفرَحُ أَهلُ الإسلامِ بِهَذا العِيدِ الجَليلِ، فَيَستَعِدُّونَ لصَلاةٍ عَظِيمَةِ الأُجُورِ، بِآدَابٍ يَرجُونَ بِهَا رَحمَةَ الغَفُورِ، فَقَد قَالَ الرسولُ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "إِنَّ هَذَا يَوْمُ عِيدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَمَنْ جَاءَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ، وَإِنْ كَانَ طِيبٌ فَلْيَمَسَّ مِنْهُ، وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ"، لذلك جاءَ عَظِيمُ الأجرِ والثَّوَابِ، لِمَنْ اغتَسَلَ وَتَطَيَّبَ وَلَبِسَ أَحسَنَ الثَّيَابِ، قَالَ الرسولُ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ، وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَسْجِدَ، فَيَرْكَعَ إِنْ بَدَا لَهُ، وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا، ثُمَّ أَنْصَتَ إِذَا خَرَجَ إِمَامُهُ، حَتَّى يُصَلِّيَ، كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى"، وقد يُزادُ له في الأجرِ لكمالِ إنصاتِه، وعدمِ تخطيِه لرقابِ الـمسلمينَ، قَالَ الرسولُ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-:  "وَرَجُلٌ حَضَرَهَا بِإِنْصَاتٍ وَسُكُوتٍ، وَلَمْ يَتَخَطَّ رَقَبَةَ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا فَهِيَ كَفَّارَةٌ إِلَى الجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا، وَزِيَادَةِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، وَذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ-عَزَّ وَجَلَّ-يَقُولُ: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا)".

إخواني: لقد اعتنى الإسلامُ بصلاةِ الجمعةِ عنايةً عظيمةً، فأمرَ اللهُ-تعالى-بالسعيِ لها وتركَ الدُنيا إذا أذَّنَ الـمؤذنُ، قال-سبحانَه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)، وجاءَ الوعيدُ الشديدُ لـِمَن فرَّطَ فيها، قَالَ الرسولُ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-وَهُوَ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ: "لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ-تَركِهم-الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَلَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ"، وجاءَ في الحديثِ الآخَرِ أنَّ هَذِهِ العُقوبةَ فِيمَنْ تَركَ ثَلاثَ جُمَعٍ، قَالَ الرسولُ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ"، فالحذرَ الحذرَ!

في يومِ الجمعةِ، وعندَ بابِ كلِ جامعٍ تُقامُ فيه صلاةُ الجمعةِ، يقفُ ملائكةٌ كِرامٌ معَهم صُحُفٌ يكتبونَ فيها، فيا تُرى ماذا يكتبونَ؟ قَالَ الرسولُ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَقَفَتْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ يَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ وَمَثَلُ الْمُهَجِّرِ–الـمُبَكِّرِ-كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي بَدَنَةً-ناقةً-ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي بَقَرَةً ثُمَّ كَبْشًا ثُمَّ دَجَاجَةً ثُمَّ بَيْضَةً فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ طَوَوْا صُحُفَهُمْ وَيَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ"، فماذا قدمتَ في هذه الجمعة؟! أم أنَّ الملائكةَ طَوتْ صُحُفَها قبل أن تأتيَ ولم تُقدِّمْ شيئًا؟

وقد جاءَ في أجرِ التبكيرِ إلى الجمعةِ ما لم يأتِ في غيرِه من الأعمالِ، اسمع إلى قولِه-عليه الصلاةُ والسلامُ-: "مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ، ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، وَدَنَا مِنْ الإِمَامِ فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ؛ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا"، قَالَ بَعضُ العُلَمَاءِ: لَيْسَ فِي السُّنَّةِ فِي خَبَرٍ صَحِيحٍ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا الثَّوَابِ؛ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ.

فإذا جاءَ المسجدَ، صلى ما شاءَ اللهُ أن يصليَ، وليسَ للجمعةِ سُنةٌ قَبْليِّةٌ، قَالَ الرسولُ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ"، ثم يقرأُ سورةَ الكهفِ، فقد جاءَ في فضلِ قراءتِها يومَ الجمعةِ قولُه-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ قَرَأَ سُوَرَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ"، فيضيءُ له نورُ الهدايةِ والتوفيقِ من ربِّه حتى الجمعةِ القادمةِ، وكلُّنا محتاجونَ إلى حفظِ اللهِ-تعالى-وتوفيقِه في زمانٍ كَثُرتْ فيه الفِتنُ، وعظُمتْ فيه الـمِحَنُ.

فإذا جاءَ المُصلَّي والـمؤذِّنُ يؤذِّنُ بعد دخولِ الإمامِ، فإنه يُصلي ركعتينِ خفيفتينِ مباشرةً، ولا ينتظرُ انتهاءَ الـمؤذِّنِ، لينتهيَ من صلاتِه قبلَ الخُطبَةِ، لأن الترديدَ خلفَ الـمؤذِّنِ سُنَّةٌ، وسـماعَ الخُطبَةِ واجبٌ، وإنْ دخلَ والإمامُ يخطبُ، فإنه يُصلي ركعتينِ خفيفتينِ، جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-يَخْطُبُ فَجَلَسَ فَقَالَ لَهُ: "يَا سُلَيْكُ، قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا-خفِفْهُما-، ثُمَّ قَالَ: إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا–يُخفِّفْهما-".

أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

فهذهِ بعضُ الأخطاءِ التي تصدرُ من بعضِ إخواني الـمسلمينَ يومَ الجمعةِ-هداني اللهُ وإياهم-:

عدمُ الاغتسالِ.

التأخيرُ وعدمُ التبكيرِ، فبعضُهم تفوتُه الخطبةُ كلُّها، وربـما فاته ركعةٌ أو الركعتان معًا، فيخالفُ ما أمرَ اللهُ به من التبكيرِ، ويقعُ في الوعيدِ الشديدِ.

البعدُ عن الخطيبِ وعدمُ الدنوِ والاقترابِ منه، والجلوسُ في آخرِ المسجدِ، مع ِ وجودِ فُرَجٍ قريبةٍ منَ الخطيبِ يـمكنُ الجلوسُ فيها.

الكلامُ أثناءَ الخطبةِ، وهذا شيءٌ مؤلمٌ مؤسفٌ، خاصةً عندما يصدرُ من البالغينَ الراشدينَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ: أَنْصِتْ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَدْ لَغَوْتَ".

وأحيانًا يصدرُ الكلامُ من الأولادِ الصغارِ مقلدينَ للكبارِ، أو لضعفِ تربيتِهم.

وربـما صدرتْ أفعالٌ من الكبارِ والصغارِ، أشدُ من الكلامِ، كاللعبِ بالجوالِ، أو شربِ الماءِ، أو مصافحةِ غيرِه، أو غيرِها من المخالفاتِ.

وإذا دعا الإمامُ في خُطبتِه فلا يُشرعُ له ولا للمستمعينَ أن يرفعوا الْيَدَيْنِ، فعَنْ عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ رضيَ اللهُ عنه: أنه رَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ رَافِعًا يَدَيْهِ وَهُوَ يَدْعُو فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ، فَقَالَ: "قَبَّحَ اللَّهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-مَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ هَكَذَا وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الْمُسَبِّحَةِ"، فَقَد كَانَ يُشِيرُ بِأُصبعِه فقط، وأما إذا استسقى الإمامُ في خُطبةِ الجمعةِ، شُرعَ له وللمأمومينَ رفعُ اليدينِ.

وأما من جاءَ مُتأخرًا، فإنْ أدركَ ركعةً مع الإمامِ فقد أدركَ الجُمُعةَ فيضيفُ إليها ركعةً واحدةً، قالَ الرسولُ-عليه الصلاةُ والسلامُ-: "مَن أدركَ ركعتَهُ من الجمعةِ فقد أدركَ الصلاةَ فليُضِفْ إليها أُخرَى"، ومن جاءَ بعد الركعةِ الثانيةِ فإنه لم يُدركْ الجُمُعةَ، فيدخلُ مع الإمامِ ويُتِمُّها أربعًا بنيةِ صلاةِ الظُهرِ.

اللَّهمَّ إنِّا نسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنَّا نَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.

اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لرضاكَ، ونَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ.

اللَّهُمَّ انصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالـمينَ غانـمينَ.

اللَّهُمَّ الطفْ بنا وبالمسلمينَ على كُلِّ حالٍ، وبَلِّغْنا وإياهُم من الخيرِ والفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.

اللَّهُمَّ أحسنْتَ خَلْقَنا فَحَسِّنْ أخلاقَنا.

اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا ولوالدِينا وأهلِنا والمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ، والهُدى والسَّدادَ، والبركةَ والتوفيقَ، وَصَلَاحَ الدِّينِ والدُنيا والآخرةِ.

اللَّهُمَّ يا شافي اِشْفِنا وأهلَنا والمسلمينَ والمسالِمين.

اللَّهُمَّ (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).

اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.

المرفقات

1738867915_الجمعةُ آدابٌ وأحكامٌ-8-8-1446هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx

1738867916_الجمعةُ آدابٌ وأحكامٌ-8-8-1446هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf

المشاهدات 510 | التعليقات 0