الجَمَال.. يا وزارة الأوقاف // الشيخ عبد الله القرشي

احمد ابوبكر
1435/08/09 - 2014/06/07 08:15AM
لا يكاد يذهبُ أحدٌ إلى تركيا إلا ويُحدثك حين يعود.. عن أصواتهم الجميلة بالأذان، ومنائرهم الشامخة في السماء! إن الأذان التركي الجميل أصبح جزءًا من هُويتها العزيزة، وملامح وجهها الجميل. وقد أصبحنا نعرف تركيا بمدينة استانبول، ومضيق البوسفور، والباب العالي، وصوت أذانها، وألوان أعلامها. كم هي حسرة المسلمين الأتراك آنذاك، حين جاء الجنرالات وقهروهم على أذانهم، واستبدلوا حروفَهم التركية بِحروفِ بلال التي كانت تجمع المسلم في أقصى المشرق، بأخيه المسلم في أقصى المغرب. ولأن الحب دائما يغلب القوة غلبت محبتُهم قوةَ جنرالاتهم وعنصريتهم، وعادت حروف الأذان إلى أفواه المنائر، عادت الكلمات التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمعها ويرددها في مسجده وحُجراته.

حدّثتُ نفسي وأنا أسمع أذانهم الجميل مع إقبال الفجر وإدبار الليل.. كم نحن بحاجة إلى مثل هذا (الجَمَال) في بلادنا، فلئن كانت أرض تركيا يتقاسمها البَرُّ والبحر، والسهول والجبال، والمدَنِيَّة والبَرّية، إلا أن فضاءهم الواسع هو لصوتهم الجميل بالأذان،
لا يزاحمه صوتٌ آخر، ولا يتمدد فيه غير التوحيد والجمال.

إن بلادنا بحاجة إلى أن نرفع أبصارنا إلى آفاقها، ثم نختار لها أجمل أصواتنا تنادي بأجمل الكلام وأغلاه: «الله أكبر، الله أكبر».
حبُّنا لهذا الكلام ومضامينه الصافية الغالية يدفعنا للبحث عن أجمل الأصوات حتى نكسوا بها أجمل حقائقنا.

لقد انشغلنا بالجدال حول أخطاء المؤذنين ومبالغاتهم.. عن الأذان نفسه، تلك الشعيرة العظيمة التي تملأ فضاءنا كل يوم مرارا وتكرارا. إن هذا الأذان يستحق منا أجمل أصواتنا وأنداها، وهذا الفضاء ينتظر أن نختار له أجمل الأصوات كما اختار له رسول الله أجمل الكلمات، وهذه الأسماع المسلمة المتعلقة بالمساجد تستحق أن نختار لها الصوت الأجمل يدعوها لبيت الله. جمال الصوت للمؤذن لا ينبغي أن نختلف حوله، أو نتهاون فيه، وقد جاء عبدالله بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم بكلمات الأذان في رؤيا حقٍ رآها، وكانت هي الحق، الذي حافظ عليه المسلمون كل هذه القرون.

وحين اختار رسول الله مؤذنه لم يختر عبدالله بن زيد وهو في ظاهر الأمر أحق وأولى، ولكن من أجل الجَمَال ونداوة الصوت، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «أَلْقِهِنَّ عَلَى بِلالٍ، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ». ربما نختلف حول تلحين الأذان وتنغيمه، وهل هو في حدود المشروع، أو جاوزه إلى الغلو الممنوع، ولكن هذا الخلاف لا ينبغي أن يُنسينا أهمية الصوت الجميل في الأذان، واختياره بعناية، والتأسي برسول الله في اختيار الصوت الأجمل والأندى.

إن الصوت الجميل لا يعرف حواجز اللغة، ولا يحتاج إلى ترجمان، يصل إلى القلوب فيَهزُّ مكامنها، ويبعث أشواقها، ويسكب معاني الأذان فيها كما يُسكب الماء الطاهر على الزرع الظامئ، والصوت الجميل يأخذ المسلم بيدٍ أرقَّ من الحرير، إلى بيت الله، حيث الجماعة والرحمة والركّع السجود.

لن نحتاج إلى كثيرٍ من الوعاظ إذا نحن عدنا على أصوات منائرنا بالتحسين والتجميل، فإن أكثر المواعظ تأثيرًا الصوت الجميل بالأذان والقرآن.

وقد يصادف الصوت الجميل بالأذان حالا لبعض القلوب المعرضة، فيشجيها ويبكيها، ويعيدها إلى باريها. إن هذا نداء لوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف، نداء للّجان التي تختار المؤذنين، نداء لمن يحدد مكافآت المؤذنين ومزاياهم: إن اختيار المؤذن قرار في غاية الأهمية والتأثير، على قلوبنا وأسماعنا وآفاق بلادنا، ومن تعظيم الأذان أن نعتني بجماله أكثر من عنايتنا بجمال دُورنا وثيابنا، و»الله جميل، يحب الجمال«.

المصدر: مكة أون لاين
المشاهدات 911 | التعليقات 0