الجلوسُ والــمُكْثُ في المسجد _ خطبة مختصرة_ 9 رمضان 1444
نجم الدين
الــمُكث في المسجد _ خطبة مختصرة_ 9 رمضان 1444هـ
الخُطْبَةُ الأُولَى: إن الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إلَيْهِ؛ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آله وَصَحْبِهِ أجمعين وسَلَّمَ تَسْـلِيمًا كَــثِيْــرا، أمَّا بَعْدُ :
فَأُوصِيكُمْ - عِبَادَ اللَّهِ - وَنَفْسِي بِتقوى الله تعالى ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون﴾ وأحسنوا : فإن اللهَ تعالى ﴿ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾
عبادالله: من توفيق الله للعبد أن تجده منشغلا فيما ينفعه، وإنَّ مِنْ أهم ماينفعُ الإِنسانَ عبادَتَــهُ رَبَّهُ.
﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنعام: 32].
فيا أيها المسلمون: نحن في شهر مبارك، وأيام معدودات،وهناك طاعة تُـــثــمِــرُ طاعات، وعبادةٌ تقودُ إلى عبادات، فيحصلُ الأجرُ، والــمثُــوبَةُ، والحسنات.
عِبادةٌ تحتاج إلى مجاهدٍة، وصبرٍ، وَمُــدَوَامَةٍ ، فإذا تعودتْ عليها النفسُ، وَأَلِـــفَــــــتهَـــا، صَــــعُــبَ تَركُهَا.
إنها عبادةُ الجلوسُ والــــمُكْـــثُ في المسجد، قال رَسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ أَسْوَاقُهَا "رواه مسلم.
عبادالله: أتعلمون من الذي يدعو لمن يجلس في المسجد؟ إنهم الملائكةُ الذين ﴿ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6]. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "المَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ، مَا لَمْ يُحْدِثْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، لاَ يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا دَامَتِ الصَّلاَةُ تَحْبِسُهُ، لاَ يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا الصَّلاَةُ" متفق عليه.
فالفضلُ والأجرُ ثابتٌ لمن جَلَسَ في المسجد ينتظرُ الصلاة، والأجرُ ثابتٌ وحاصلٌ لمن صلَى فجلس في مصلاه يذكرُ الله، وقد كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْس" رواه مسلم
وأما من جَلسَ في المسجد بعدما صلى الصلاة، وانتظر الصلاة التي بعدها، فقد نال مغفرةَ ذنُــوبِهِ، وليس هذا فقط، بل نالَ رِفعَــةَ الدرجات، وفي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ " رواه مسلم. قال النووي _ رحمه الله_ إنما كرر: فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ للاهتمام بأمر انتظار الصلاة بعد الصلاة وتعظيم شأنه.
ومن الأوقات التي حرص سلف الأمة على الـجلوس في المساجد ولزومها، عصر الجمعة، ففي يوم الجمعة ساعة لايُردُ فيها الدعاء، قِيلَ إنّها مِنْ حِينَ يَجْلِسُ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنَ الصَّلَاةِ، وَقِيلَ آخِرَ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فيجتهدُ المسلمُ بالدعاءِ في كلا الوقتين.
" وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ رحمه الله تعالى إِذَا صَلَّى الْعَصْرَ يومَ الجُمُعةَ لَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ"، وعن سليمانَ التيمي، قَالَ: "كان طاووس إذا صلى العصرَ يومَ الجُمُعةِ استقبل القبلة ولم يكلم أحدا حتى تغربَ الشمسُ"
باركَ اللّهُ لِي ولَكُم في الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بـما فِــيهِ مِنَ الآيَاتِ والذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُوُلُ قَوْلِي هَذَا، وأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ ا الْجَلِيلَ لي وَلَكم ولِسَائرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَانِيَةُ : الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وحدهُ لاشريك لهُ، تَعْظِيمًا لِشَأنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، وَأَصْحَابِهِ، وَأَتْبَاعِهِ، إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرا ، أمَّا بَعْدُ:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واعمروا أوقاتكم بطاعة الله، خاصة في هذا الشهر الكريم، فمع الصيام، الذكر، والدعاء، وتلاوة القرآن الكريم، والصدقة والبذل والعطاء، والحرص على أمر الصلاة،الفريضةُ والنوافل، والحرص على صلاة التراويح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "... مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ " رواه أبوداود وصححه الألباني.
أيها المسلمون: العُمرَةُ مشروعة طوال أيام السنةِ لكنَّ أجرها أعظمُ في رمضان، قال صلى الله عليه وسلم عن العُمرةِ فيهِ: " ...فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً" رواه البخاري ومسلم.
ومن اعتمر، فإنه بإذن الله يُدرك الصلاة في الحرم، والصلاةُ الواحدة فيه تعدل مئةَ ألفِ صلاةٍ،حسبها بعضهم فزادت على صلاة يصليها المسلم في غيره مدةً تزيد على الخمسة والخمسين عاما ، وأما المسجد النبوي فتعادل الصلاةُ الواحدةُ ألفَ صلاة.قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ" رواه مسلم
عبادالله: صَلُّوا وَسَلِّمُوا -رحمكم الله- على مَنْ أمركم الله بالصلاة عليه، فقال عَـــزّ مِنْ قائل:
﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [ الأحزاب:56]
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ، وَأَصْحَاْبِهِ الطَّاهِرِينَ، وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ وَ اقْتَفَى أَثَرَهُ إلى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُم بكرمكَ وَمَنّكَ، يَاْ أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا.اَللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَاجْعَلْ وِلَايَتَنَا فِيْمَنْ خَافَكَ، وَاتَّقَاكَ، وَاتَّبَعَ رِضَاكَ.
رَبِّ أَعِنّا وَلَا تُعِنْ عَلَينا، وَانْصُرْنا وَلَا تَنْصُرْ عَلَينا، وَامْكُرْ لِنا وَلَا تَمْكُرْ عَلَينا، وَاهْدِنا وَيَسِّرِ الهُدَى لِنا، وَانْصُرْنا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيّنا.
عبادالله :﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [ النحل:90] فَاذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ يَذْكُرَكُمْ ، وَاشْكُرُوهُ على نِعَمهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.