الجرأة في الإنكار // الكاتب: أحمد بن أحمد البشاري
احمد ابوبكر
1435/05/29 - 2014/03/30 08:04AM
الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالناظر في واقع الأمة اليوم لا تخطئ عينه فشو المنكرات وانتشارها في كثير من المجتمعات, وهناك أسباب كثيرة لهذه الظاهرة الخطيرة, منها: انتشار الجهل بأحكام الشريعة, وبعد الناس عن تعاليم الدين.
ومنها: كثرة مغريات وفتن هذا العصر.
ومنها: الحرب الشرسة التي يشنها شياطين الإنس والجن على هذه الأمة؛ لتضييع ثوابتها, وتمييع عقيدتها, والانغماس في الشهوات.. وغيرها من الأسباب.
ولعل من الأسباب المهمة في هذا الأمر عدم جرأة أهل الحق في إنكار المنكرات, ما أدى إلى تجرؤِ كثير من الناس على ارتكابها؛ فإن عدم الإنكار يشجع المفسدين على التمادي, ويترك الناس عرضة للوقوع في حبالهم، فكان لزامًا على كل مسلم غيور أن يقوم بواجبه تجاه هذه المنكرات المتفشية الكثيرة المتنوعة, وذلك بالإنكار على مرتكبيها بكل جرأة وشجاعة.
إن الجرأة بمفهومها الشامل تعني توافر روح المبادرة والإقدام؛ بحيث يعبر الشخص عن أفكاره ومشاعره دون خجل، ويتخذ المواقف ويقدم على الأعمال التي تتفق مع ما يعتقده دون وجل. والجرأة في الحق قوة نفسية يستمدها المؤمن من الإيمان بالله وحده, ومن الحق الذي يعتنقه, ومن المسئولية التي يستشعر بها, وعلى قدر نصيب المؤمن من الإيمان بالله الذي لا يُغلَب, وبالحق الذي لا يُخذَل, وبالمسئولية التي لا تكل, بقدر هذا كله يكون نصيبه من قوة الجرأة والشجاعة وإعلان كلمة الحق[1].
إن الجرأة في الإنكار لا تعني أن يكون المرء شديدًا في كل أموره, لا, بل عليه أن يضع الشدة في موضعها واللين والرفق في موضعهما, ويكون ذا حزم وجرأة في الحالتين؛ وأنه متى ما رأى المنكر أنكر على فاعله؛ إقامة لدين الله, ونصرة لشرعه, وذلك لقول النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: »مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ «[2].
فالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر لا يحابي أحدًا مهما كان, لا لقرابته ومعرفته, ولا لجاهه وسلطانه, ولا لماله وغناه, ولا لحسبه ونسبه, ولا حتى لجبروته وطغيانه.
والناظر في حياة الأنبياء –صلوات الله وسلامه عليهم- يجد حزمهم وجرأتهم في مواجهة المنكرات وأهلها.
* فهذا نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد –صلى الله عليه وسلم- يواجه رؤوس كفار قريش بكل جرأة وشجاعة وحزم؛ وذلك حين اشتد عنادهم وطغيانهم وعنتهم, فقال لهم وهم مجتمعون حول الكعبة: «أَتَسْمَعُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَمَا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ... حَتَّى إِنَّ أَشَدَّهُمْ فِيهِ وَطْأَةً قَبْلَ ذَلِكَ يَتَوَقَّاهُ بِأَحْسَنِ مَا يُجِيبُ مِنَ الْقَوْلِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَقُولُ: انْصَرِفْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، انْصَرِفْ رَاشِدًا، فَوَ اللَّهِ مَا كُنْتَ جَهُولًا».[3].
* وهذا نوح –عليه السلام-, يقول لقومه متحديًا لهم: ﴿يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ﴾[يونس:71].
يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- في تفسير هذه الآية: "مَهْمَا قَدَرْتُمْ فَافْعَلُوا؛ فَإِنِّي لَا أُبَالِيكُم وَلَا أَخَافُ مِنْكُمْ؛ لِأَنَّكُمْ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ"[4].
* وهذا هود -عليه السلام- يقف أمام الطغاة متحديًا لهم بقوله: ﴿إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ﴾[هود:54-56].
* وهذا خليل الرحمن إبراهيم –عليه السلام- يواجه قومه متحديًا لهم فيقول: ﴿أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾[الأنبياء:67], ليس هذا فحسب, بل توعدهم بكسر أصنامهم, فقال: ﴿وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ﴾[الأنبياء:57], وفعلًا قام بتكسيرها: ﴿فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا﴾[الأنبياء:58], وتحمل تبعة ذلك, وها هو يتحدى النمرود الذي ادعى الإحياء والإماتة فيقول له: {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} [البقرة: 258].
* وهذا كليم الرحمن يقف بكل جرأة وشجاعة أمام أطغى الطغاة، فرعون وملئه؛ فيعلن أنه رسول رب العالمين قائلًا لفرعون: ﴿يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ﴾[الأعراف:104-105].
وقال في موضع آخر رادًا عليهم حين وصفوا ما جاء به بأنه سحر: ﴿أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ﴾[يونس:77], وقال معلنًا لفرعون أنه بعد تلك الآيات والحجج الواضحة هالك لا محالة إن هو أصر على كفره وطغيانه: ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُورًا﴾[الإسراء:101-102], وقال لفرعون أيضًا: ﴿إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾[طه:48].
فحري بنا أن نقتدي بهم ونتبع آثارهم, كما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ } [الأنعام: 90]، والله الموفق وعليه التكلان.
* باحث في موقع المحتسب
[1] - صفات الداعية النفسية لعبد الله علوان (ص:23).
[2] - رواه مسلم (1/ 69) (49).
[3] - رواه النسائي (7/ 161) (4209), وصححه الألباني.
[4] - تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/ 283).
فالناظر في واقع الأمة اليوم لا تخطئ عينه فشو المنكرات وانتشارها في كثير من المجتمعات, وهناك أسباب كثيرة لهذه الظاهرة الخطيرة, منها: انتشار الجهل بأحكام الشريعة, وبعد الناس عن تعاليم الدين.
ومنها: كثرة مغريات وفتن هذا العصر.
ومنها: الحرب الشرسة التي يشنها شياطين الإنس والجن على هذه الأمة؛ لتضييع ثوابتها, وتمييع عقيدتها, والانغماس في الشهوات.. وغيرها من الأسباب.
ولعل من الأسباب المهمة في هذا الأمر عدم جرأة أهل الحق في إنكار المنكرات, ما أدى إلى تجرؤِ كثير من الناس على ارتكابها؛ فإن عدم الإنكار يشجع المفسدين على التمادي, ويترك الناس عرضة للوقوع في حبالهم، فكان لزامًا على كل مسلم غيور أن يقوم بواجبه تجاه هذه المنكرات المتفشية الكثيرة المتنوعة, وذلك بالإنكار على مرتكبيها بكل جرأة وشجاعة.
إن الجرأة بمفهومها الشامل تعني توافر روح المبادرة والإقدام؛ بحيث يعبر الشخص عن أفكاره ومشاعره دون خجل، ويتخذ المواقف ويقدم على الأعمال التي تتفق مع ما يعتقده دون وجل. والجرأة في الحق قوة نفسية يستمدها المؤمن من الإيمان بالله وحده, ومن الحق الذي يعتنقه, ومن المسئولية التي يستشعر بها, وعلى قدر نصيب المؤمن من الإيمان بالله الذي لا يُغلَب, وبالحق الذي لا يُخذَل, وبالمسئولية التي لا تكل, بقدر هذا كله يكون نصيبه من قوة الجرأة والشجاعة وإعلان كلمة الحق[1].
إن الجرأة في الإنكار لا تعني أن يكون المرء شديدًا في كل أموره, لا, بل عليه أن يضع الشدة في موضعها واللين والرفق في موضعهما, ويكون ذا حزم وجرأة في الحالتين؛ وأنه متى ما رأى المنكر أنكر على فاعله؛ إقامة لدين الله, ونصرة لشرعه, وذلك لقول النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: »مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ «[2].
فالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر لا يحابي أحدًا مهما كان, لا لقرابته ومعرفته, ولا لجاهه وسلطانه, ولا لماله وغناه, ولا لحسبه ونسبه, ولا حتى لجبروته وطغيانه.
والناظر في حياة الأنبياء –صلوات الله وسلامه عليهم- يجد حزمهم وجرأتهم في مواجهة المنكرات وأهلها.
* فهذا نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد –صلى الله عليه وسلم- يواجه رؤوس كفار قريش بكل جرأة وشجاعة وحزم؛ وذلك حين اشتد عنادهم وطغيانهم وعنتهم, فقال لهم وهم مجتمعون حول الكعبة: «أَتَسْمَعُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَمَا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ... حَتَّى إِنَّ أَشَدَّهُمْ فِيهِ وَطْأَةً قَبْلَ ذَلِكَ يَتَوَقَّاهُ بِأَحْسَنِ مَا يُجِيبُ مِنَ الْقَوْلِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَقُولُ: انْصَرِفْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، انْصَرِفْ رَاشِدًا، فَوَ اللَّهِ مَا كُنْتَ جَهُولًا».[3].
* وهذا نوح –عليه السلام-, يقول لقومه متحديًا لهم: ﴿يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ﴾[يونس:71].
يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- في تفسير هذه الآية: "مَهْمَا قَدَرْتُمْ فَافْعَلُوا؛ فَإِنِّي لَا أُبَالِيكُم وَلَا أَخَافُ مِنْكُمْ؛ لِأَنَّكُمْ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ"[4].
* وهذا هود -عليه السلام- يقف أمام الطغاة متحديًا لهم بقوله: ﴿إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ﴾[هود:54-56].
* وهذا خليل الرحمن إبراهيم –عليه السلام- يواجه قومه متحديًا لهم فيقول: ﴿أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾[الأنبياء:67], ليس هذا فحسب, بل توعدهم بكسر أصنامهم, فقال: ﴿وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ﴾[الأنبياء:57], وفعلًا قام بتكسيرها: ﴿فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا﴾[الأنبياء:58], وتحمل تبعة ذلك, وها هو يتحدى النمرود الذي ادعى الإحياء والإماتة فيقول له: {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} [البقرة: 258].
* وهذا كليم الرحمن يقف بكل جرأة وشجاعة أمام أطغى الطغاة، فرعون وملئه؛ فيعلن أنه رسول رب العالمين قائلًا لفرعون: ﴿يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ﴾[الأعراف:104-105].
وقال في موضع آخر رادًا عليهم حين وصفوا ما جاء به بأنه سحر: ﴿أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ﴾[يونس:77], وقال معلنًا لفرعون أنه بعد تلك الآيات والحجج الواضحة هالك لا محالة إن هو أصر على كفره وطغيانه: ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُورًا﴾[الإسراء:101-102], وقال لفرعون أيضًا: ﴿إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾[طه:48].
فحري بنا أن نقتدي بهم ونتبع آثارهم, كما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ } [الأنعام: 90]، والله الموفق وعليه التكلان.
* باحث في موقع المحتسب
[1] - صفات الداعية النفسية لعبد الله علوان (ص:23).
[2] - رواه مسلم (1/ 69) (49).
[3] - رواه النسائي (7/ 161) (4209), وصححه الألباني.
[4] - تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/ 283).