الجار وشيء من حقوقه 1440/06/24

الجار وشيء من حقوقه[1]
الحمدلله ذي الجلال والإكرام, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً, أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون, وأدّوا حقوق الجار كما أمركم بذلك الإسلام, فإنَّ للجار حقاً على جاره, يجب أن يحفظه له, والجار هو كل مجاور لدارك من مسلم أو كافر أو قريب أو أجنبي وقد يتساءل البعض ماهو حد الجوار؟ ويجاب بأن حد الجوار قيلت فيه عدة أقوال: أنَّه من يسمع الأذان بدون استعمال مكبرات الصوت, وقيل: من صلى معك صلاة الفجر في المسجد فهو جار, وقيل: حد الجوار أربعون داراً من كل جانب. وأعظم الجيران حقاً قريبك في النسب ومن كان باب بيته مقابلاً باب بيتك وجداره ملاصقاً لجدار بيتك من جميع الجهات.
معاشر المسلمين: إنَّه ينبغي على الجار الإحسان إلى جاره وتفقُّد أحواله والوقوف إلى جانبه إذا احتاج, وعدم الإساءة إليه بأي قول أو فعل, قال الله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ} [النساء: 36] قال الإمام السمعاني رحمه الله عن معنى الجار ذي القربى: "فيه قولان: أحدهما: انه الجار الذي له قرابة. والثاني: أنه الجار الذي بقرب داره، وهو الملاصق {والجار الجنب} فيه قولان: أحدهما: أنه الجار الغريب الأجنبي، والثاني: أنه الجار الذي يبعد داره" (تفسير السمعاني (1/ 426). وقال الإمام السعدي رحمه الله: "ينبغي للجار أن يتعاهد جاره بالهدية والصدقة والدعوة واللطافة بالأقوال والأفعال وعدم أذيته بقول أو فعل" (تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 178).
 معاشر المسلمين: إنَّ الإسلام حث على الإحسان إلى الجيران جميعاً وأولاهم بالإحسان أقربهم باباً, عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي جَارَيْنِ، فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: "إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا" (أخرجه البخاري في كتاب الأدب, باب حق الجوار في قرب الأبواب برقم (6020). إنَّ من بواعث المحبة بين الجيران تقديم الهدية إليهم, ولو كانت شيئاً يسيراً, فإنَّ غلاءها لغلاء مهديها, لا لقيمتها وثمنها, والهدية لها وقع في النفوس وتورث محبة في القلوب, وهي من الإحسان, وإنما تغلى الدور والمساكن ولو كانت صغيرة ضيقة لصلاح الجيران وحسن مجورتهم, وكذلك ترخص الدور ولو كانت قصوراً إن كانت مجاورة لمن ساء خلقه أو بانت أذيَّته, وكما قيل: الجار قبل الدار أي لا تشتري داراً قبل سؤالك عن جيرانها, وتجدون خير الجيران خيرهم لجاره قال النبي صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ الجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ" (أخرجه الإمام أحمد في مسنده من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما برقم (6566) والترمذي في أبواب البر والصلة, باب ما جاء في حق الجوار, برقم (1944) وصححه الألباني في الصحيحة برقم (103).
معاشر المسلمين: من حق الجار أن تُكرمه وتعرف قدره قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ" أخرجه الشيخان (أخرجه البخاري في كتاب الأدب باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره برقم (6019) باب ومسلم في كتاب الإيمان, باب الحث على إكرام الجار والضيف..برقم (47). قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللهُ: "مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ مَنِ الْتَزَمَ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ لَزِمَهُ إِكْرَامُ جَارِهِ وَضَيْفِهِ وَبِرِّهِمَا وَكُلُّ ذَلِكَ تَعْرِيفٌ بِحَقِّ الْجَارِ وَحَثٌّ عَلَى حِفْظِهِ وَقَدْ أَوْصَى اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ" (شرح النووي على مسلم (2/ 18). وقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي جَمْرَةَ رحمه الله: "حِفْظُ الْجَارِ مِنْ كَمَالِ الْإِيمَانِ" (فتح الباري لابن حجر (10/ 442). أي حفظ حق الجار.
عباد الله: إنَّ حق الجار كبير, قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ" أخرجه الشيخان (أخرجه البخاري في كتاب الأدب, باب الوصاة بالجار برقم (6015) ومسلم في كتاب البر والصلة والآداب, باب الوصية بالجار والإحسان إليه برقم (2625) ومن حق الجار استحباباً أن لا تمنعه من غرز خشبة على جدار بيتك عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لاَ يَمْنَعْ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ" ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: "مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ، وَاللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ" أخرجه الشيخان (أخرجه البخاري في كتاب المظالم والغصب, باب لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبه في جداره برقم (2463) ومسلم في كتاب المساقاة, باب غرز الخشب في جدار الجار برقم (1609).
معاشر المسلمين: إذا علم الجار حاجة جاره للطعام فلا يشبع وجاره جائع إذ كيف يهنأ المؤمن بشبعه وجاره يتلوى من الجوع قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَشْبَعُ وَجَارُهُ جَائِعٌ" أخرجه البيهقي وصححه الألباني (أخرجه البخاري في الأدب المفرد في باب لا يشبع دون جاره برقم (112) والبيهقي في شعب الإيمان حديث رقم (5272) وصححه الألباني في الصحيحة برقم (149). صحيح مسلم (4/ 2025)
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً، فَأَكْثِرْ مَاءَهَا، وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ" أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب, باب الوصية بالجار والإحسان إليه برقم (2625).
عباد الله: ما بال أقوام يؤذون جيرانهم, ألا يتقون الله ألا يخشون عقابه, قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ" قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "الَّذِي لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائقَهُ" (أخرجه البخاري في كتاب الأدب, باب إثم من لا يأمن جاره بوايقه برقم (6016). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ" أخرجه مسلم (أخرجه مسلم في كتاب الإيمان, باب بيان تحريم إيذاء الجار برقم (46). والبوائق هي الشرور والغشم والظلم.
أيها المسلم: احذر أن تؤذي جارك بلسانك فإنَّ إثم ذلك عظيم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا، وَصِيَامِهَا، وَصَدَقَتِهَا، غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: "هِيَ فِي النَّارِ"  قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا، وَصَدَقَتِهَا، وَصَلَاتِهَا، وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنَ الْأَقِطِ، وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: "هِيَ فِي الْجَنَّةِ" (أخرجه الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه برقم (9675) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (2560). فليتق الله أقوام تسلطوا على جيرانهم بألسنتهم بذكرهم معايبهم وتتبع زلَّاتهم, ألا نظروا في عيوبهم قبل عيوب غيرهم, ألا أحسنوا إلى جيرانهم وأكرموهم بكفِّ ألسنتهم عنهم.
معاشر المسلمين: قال الغزالي رحمه الله: "وجملة حق الجار أن يبدأه بالسلام ولا يطيل معه الكلام وَلَا يُكْثَرَ عَنْ حَالِهِ السُّؤَالُ وَيَعُودَهُ فِي الْمَرَضِ وَيُعَزِّيَهُ فِي الْمُصِيبَةِ وَيَقُومَ مَعَهُ فِي الْعَزَاءِ وَيُهَنِّئَهُ فِي الْفَرَحِ...ويصفح عن زلاته ولا يتطلع مِنَ السَّطْحِ إِلَى عَوْرَاتِهِ وَلَا يُضَايِقُهُ فِي وضع الجذع على جداره ولا في مصب الماء في ميزابه... وَلَا يُتْبِعُهُ النَّظَرَ فِيمَا يَحْمِلُهُ إِلَى دَارِهِ وَيَسْتُرُ مَا يَنْكَشِفُ لَهُ مِنْ عَوْرَاتِهِ...وَلَا يَغْفُلُ عَنْ مُلَاحَظَةِ دَارِهِ عِنْدَ غَيْبَتِهِ وَلَا يَسْمَعُ عَلَيْهِ كَلَامًا وَيَغُضُّ بَصَرَهُ عَنْ حُرْمَتِهِ....وَيَتَلَطَّفُ بولده فِي كَلِمَتِهِ وَيُرْشِدُهُ إِلَى مَا يَجْهَلُهُ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ" (ينظر إحياء علوم الدين (2/ 213).
معاشر المسلمين: ليرى الجار من جاره بشاشة في وجهه وحسن مخاطبة ولين جانب ومراعاة أحوال, ومن كان بينه وبين جاره خلاف, فليسع إلى إزالته وتصفية قلبه عليه, وبدء صفحة جديدة معه, ملؤها الإحسان وعبقها الكلام الطيب, وعمودها المحبة الصادقة والألفة الدائمة.
عباد الله: ما بال أقوام في المدن الكبرى لا يعرف أحدهم جاره, في قطيعة وعدم تعرف على الجار والقيام بحق ضيافته, ومن أحسن ما أنت راء من جيران جعلوا بينهم دورية شهرية لا كلفة فيها, يرى بعضهم فيها بعضاً ويتجدد عهدهم ببعض.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
[1] 24/06/1440هـ جامع بلدة الداخلة في سدير, عمر المشاري.
المرفقات

وشيء-من-حقوقه

وشيء-من-حقوقه

المشاهدات 1191 | التعليقات 2

جزاك الله خيرا


وإياك.