الثقة بالرزق

ناصر بن علي القطامي
1438/01/05 - 2016/10/06 15:44PM
]الثقة بالرزق
الحمد لله الملك الخلّاق، الكريم الرزاق، يبسط يده بالرزق لمن يشاء، من عباده ويقدر، ويمتحنهم بالأموال فيغني ويفقر، وهو العزيز الحكيم.
أحمده –تعالى- وأشكره، وأثني عليه ولا أكفُره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وارض اللهم عن صحابته والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.. أما بعد:

فإن قضية الرزق من القضايا التي تشغل بال الكثيرين، فما من أحد على وجه البسيطة إلا من رحم الله إلا وهو مهموم برزقه، مشغول به، دائم التفكر فيه، ومن سنن الله في هذا الكون أن يكون هناك تقلبات ومد وجزر في أحوال الدول واقتصادها كما ورد في رؤيا نبي الله يوسف علي السلام، ويمكن اعتبار التقلبات الاقتصادية إحدى قوانين الحياة،
فالأوضاع الاقتصادية تمر بمتغيرات عدة، فمن مرحلة الانتعاش إلى مرحلة الرواج، ومن ثم إلى مرحلة الأزمة والتي يطلق عليها الركود أو مرحلة الكساد .
ولاشك أن الخلق جبلوا على الاشتغال بأرزاقهم، والسعي خلف دنياهم، لتأمين حياة كريمة لهم ولأسرهم، ولذا يشق على البعض تدهور الظروف الاقتصادية من حوله ، أو التغيرات المالية التي يشهدها العالم أجمع !
لكن حبال المؤمن الممدودة بخالقه، وثقته المتصلة بسيده، تجعله في أمان من ذلك كله، إذ أن إيمانه بأن
الرزق وَالْأَجَل قرينان مضمونان، فَمَا دَامَ الْأَجَل بَاقِيا كَانَ الرزق آتِيَا .
وهو مع ذاك قوي النفس، شديد العزم، على السعي في الأرض، وبذل الأسباب، ( فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور ) الملك
وكلما استنشق المؤمن نسائم الوحيين، وتدبر معانيها، وعمل بمقتضاها، كانت له بلسما ومحفزا في سائر أحواله .
فالرزق كله بيد الله سبحانه وتعالى: قال تعالى: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ﴾ [الذاريات: 22، 23].
وقال تعالى: ﴿وَكَأَيِّن مِّن دَابَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ﴾ [العنكبوت:60].
يقول ابن كثير رحمه الله: "لا تطيق جمعه ولا تحصيله، ولا تدخر شيئا لغد، (الله يرزقها)، أي يقيض لها رزقها على ضعفها وييسره عليها، فيبعث إلى كل مخلوق من الرزق ما يصلحه حتى الذر في قرار الأرض، والطير في الهواء، والحيتان في الماء".
ويقول الإمام الجصاص: "فيه إخبار بأن رزق الجميع على الله تعالى، والله سيسبب لهم ما ينفقون على الأولاد وعلى أنفسهم، وفيه بيان أن الله تعالى سيرزق كل حيوان خلقه ما دامت حياته باقية، وأنه إنما يقطع رزقه بالموت، وبين الله تعالى ذلك لئلا يتعدى بعضهم على بعض، ولا يتناول مال غيره؛ إذا كان الله قد سبب له من الرزق ما يغنيه عن مال غيره".
وهذا أصل مهم من أصول الإيمان؛ أن يعلم الجميع أن رزق الله تعالى الذي قدره لا يفوت العبد، بل لا بد من تحصيله، وقد قال في ذلك رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (وإن الروح الأمين قد ألقى في رُوعي أنه لن تموت نفسٌ حتى تستوفي رزقَها).

عباد الله:
إن العبدَ إذا أيقن بأن الأجل محدد، وأن الرزق مقدر، واطمأن قلبه بذلك؛ فإنه لن يجزع من فقر أصابه، أو جائحة أتلفت ماله، ولن يشغل نفسه بالدنيا عن عمل الآخرة؛ لأنه يعلم أنه مهما سعى واجتهد وأجهد نفسه فلن يكتسب إلا ما كُتب له. والمؤمن الحق الذي يفهم قضية الرزق فهمًا صحيحًا لن تستشرف نفسه ما في أيدي الناس، ولن تتطلع عينه على ما في خزائنهم، ولن تمتد يده إلى ما حرم الله تعالى عليه مهما كلف الأمر؛ لعلمه أن الذي خلقه سيرزقه، ولن يبث شكايته للناس؛ لعلمه أنهم لا يرزقون أنفسهم فضلاً عن أن يرزقوا غيرهم، ومن أخلَّ بذلك فهو ضعيف الإيمان، ولا سيما إذا كان يقرأ ويفهم قول الله تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [هود: 6].
والإنسان بطبعه همَّام جمَّاع، يُهمه رزقه، ويحب جمع ما فضل عن حاجته، قال عليه الصلاة والسلام: (أجملوا في طلب الدنيا فإن كلاًّ ميسر لما كتب له منها).
وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تستبطئوا الرزق فإنه لم يكن عبدٌ ليموت حتى يبلغ آخر رزقٍ هوَ له، فأجملوا في الطلب: أخذ الحلال وترك الحرام).



عباد الله:
إن من الحلول الشرعية والاقتصادية لمشكلة قلة الرزق القناعة بالقليل فهي سبب من أسباب البركة، وقد روي عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قد أفلح من أسلم ورُزق كفافاً، وقنّعه الله بما آتاه).
ويبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الغنى في القناعة، فيقول صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر، أترى كثرة المال هو الغنى؟" قلت: نعم! يا رسول الله، قال: "فترى قلة المال هو الفقر؟" قلت: نعم! يا رسول الله. قال: "إنما الغنى غنى القلب، والفقر فقر القلب".

بارك الله لي ولكم ..





الخطبة الثانية

أيها المؤمنون:
الإيمان أهل إن مما يستقر في قلوب أن الله ما أغلق على عبد بابا بحكمته إلا وفتح له أبوابا برحمته، وهذا من نِعم الله تعالى على عباده، فهو سبحانه حكيم في عطائه جل شأنه، فقد يغلق على العبد بابا من أبواب الرزق لحكمة يعلمها، ويفتح له أبوابا أخرى برحمته .

قيل لعُمرَ رضي الله عنه: اشتدَّ القحْطُ وقَنَطَ الناسُ، فقال: "الآن يُمْطَرون. وأخذ ذلك من هذه الآية ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [الشورى 28].
وقال بعضُ الحكماء: «إنَّ الإنسانَ لا يأتيه الفَرَجُ، ولا تُدركُه النجاةُ، إلا بعد إخفاقِ أملهِ في كلِّ ما كان يتوجِّه نحوه بأملِه ورغبتِه، وعند انغلاقِ مطالبِهِ، وعَجْزِ حيلتِه، وتَنَاهِي ضَرِّهِ ومحنتِه، ليكونَ ذلك باعثًا له على صَرْفِ رجائِهِ أبدًا إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، وزاجرًا له على تجاوز حُسْنِ ظنِّه به".

) فيا أيها المؤمن : فرِّغ خاطرك للهم بِمَا أُمرت بِهِ، وَلَا تشغله بِمَا ضَمن لَك، فَإِن الرزق وَالْأَجَل قرينان مضمونان، فَمَا دَامَ الْأَجَل بَاقِيا كَانَ الرزق آتِيَا، وَإِذا سَد عَلَيْك بِحِكْمَتِهِ طَرِيقا من طرقه، فتح لَك برحمته طَرِيقا أَنْفَع لَك مِنْهُ، وَالْعَبْد لجهله بمصالح نَفسه، وجهله بكرم ربه وحكمته ولطفه، لَا يعرف التَّفَاوُت بَين مَا منع مِنْهُ، وَبَين مَا ذخر لَهُ، بل هُوَ مولع بحب العاجل وَإِن كَانَ دنيئا، وبقلة الرَّغْبَة فِي الآجل وَإِن كَانَ علياً، وَلَو أنصف العَبْد ربه وأنى لَهُ بذلك، لعلم أَن فَضله عَلَيْهِ فِيمَا مَنعه من الدُّنْيَا ولذاتها وَنَعِيمهَا أعظم من فَضله عَلَيْهِ فِيمَا آتَاهُ من ذَلِك، فَمَا مَنعه إِلَّا ليعطيه وَلَا ابتلاه إِلَّا ليعافيه، وَلَا امتحنه إِلَّا ليصافيه)

ثم صلوا وسلموا ..
[/size][/size][/size][/b][/b][/b][/b][/color]
المشاهدات 1557 | التعليقات 0