((الثبات وأسبابه))

algehani algehani
1440/10/22 - 2019/06/25 18:47PM
   الثبات وأسبابه
الخطبة الأولى :
الحمد لله الذي هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، فلله الحمد ربِ السماوات وربِ الأرض ربِ العالمين، وله الكبرياء في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له بيده الخير ومنه الخير وهو على كل شيءٍ قدير، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.
أمّا بعد: فاتَّقوا الله ـ عبادَ الله ـ حقَّ التقوى، وراقبوه في السرِّ والنجوَى.
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
عباد الله :
إن التفكر بسرعة تقلب الأحوال وتبدل المسار  وسوء المنقلب أمرٌ تَطيرُ له ألبابُ العقلاءِ وتنفطرُ منه قلوب الأتقياء وتنصدعُ له أكبادُ الأولياءِ، كيف لا والخاتمةُ مغيَّبةٌ والعاقبةُ مستورةٌ، والله غالب على أمره والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال: «فوالذي لا إله غيره إن أحدَكم لَيعملُ بعملِ أهلِ الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعٌ فيسبقُ عليه الكتابُ فيعملُ بعمل أهلِ النارِ فيدخلها»..
إننا والله لفي عصر أحوجُ ما نكونُ فيه إلى معرفةِ أسبابِ الثباتِ والأخذِ بها،
فالفتنُ من حولنا تترى بالشبهاتِ والشهواتِ، والقلوبُ ضعيفةٌ والمعينُ قليلٌ والناصرُ عزيزٌ، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن سرعةِ تقلُّبِ أهل آخر الزمانِ لكثرةِ الفتن فقال: «إن بين يديِ السَّاعةِ فِتناً كقِطَعِ الليلِ المظلمِ، يصبحُ الرجلُ فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً».
الثباتِ على الحقِّ والهدى والدِّين والتقى أمرٌ إختص به المولى جل وعلا فليس بنا غنى عن تثبيتِه طرفةَ عينٍ، فإن لم يثبتنا اللهُ، وإلا زالت سماءُ إيمانِنا وأرضُه عن مكانها، وهو الذي خاطب خيرَ خلقِه وأكرمَهم عليه فقال سبحانه : ﴿وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً﴾ ،وقال تعالى:
﴿إذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ وكان نبينا صلى الله عليه وسلم يكثرُ من قوله: «لا ومصرفِ القلوبِ»
فعلى من أراد الثباتِ على الخيرِ والصلاح:
أن يحقق الإيمان بالله تعالى ،قال عز وجل: ﴿يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة﴾.
والإيمان الذي وُعدَ أهلُه وأصحابُه بالتثبيت هو الذي يرسخ في القلب وينطق به اللسان وتصدقه الجوارح والأركان
فليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدَّقه العملُ، فالالتزام الصادق في الظاهرِ والباطنِ والمنشطِ والمكره هو أعظمُ أسباب التثبيتِ على الصالحات ،قال  تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً﴾
ومن أسبابِ الثباتِ على الطاعةِ والخيرِ: تركُ المعاصي والذنوبِ صغيِرها وكبيِرها ظاهرِها وباطنِها، فإن الذنوبَ من أعظم أسبابِ زيغِ القلوبِ، ففي الحديث « لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمنٌ، ولا يسرقُ السارقُ حين يسرقُ وهو مؤمنٌ، ولا يشربُ الخمرَ حين يشربهُا وهو مؤمنٌ».
أما الصغائرُ فعن سهلِ بن سعدٍ  رضي الله عنه  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إياكم ومحقراتِ الذنوبِ، كقوم نزلوا بطنَ وادٍ، فجاءَ ذا بعود وجاءَ ذا بعود وجاء ذا بعود حتى أنضجوا خُبزتَهم، وإن محقراتِ الذنوبِ متى يؤخذُ بها صاحبُها تهلكُه ».
ومن أسباب الثبات على الإسلام والإيمان: الإقبالُ على كتابِ اللهِ تلاوةً وتعلماً وعملاً وتدبراً ،فإن الله تعالى أخبرَ بأنه أنزل هذا الكتاب المجيد تثبيتاً للمؤمنين وهدايةً لهم وبشرى، قال  تعالى: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾،
فكتاب الله هو الحبلُ المتينُ والصراطُ المستقيمُ والضياءُ المبينُ لمن تمسَّكَ به وعمِلَ.
ومن أسباب الثبات على الصالحات: عدمُ الأمنِ من مكرِ اللهِ، فإن الله سبحانه و تعالى  قد حذَّر عبادَه مكرَه، فقال عز وجل: ﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾ ،
فالحذرَ الحذرَ من الأمنِ والركونِ إلى النفسِ،
قال ابن القيم رحمه الله: "إن العبد إذا علم أن الله -سبحانه وتعالى -مقلب القلوب وأنه يحول بين المرء وقلبه وأنه تعالى كل يوم هو في شأنٍ يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وأنه يهدي من يشاء ويضل من يشاء ،ويرفع من يشاء ويخفض من يشاء فما يؤمّنه أن يقلب الله قلبه ويحول بينه وبينه ويزيغه بعد إقامته ،وقد أثنى الله على عباده المؤمنين بقوله:﴿رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا﴾، فلولا خوف الإزاغة لما سألوه أن لا يزيغ قلوبهم".
ومن أسبابِ الثبات على الهدى والحق: سؤالُ اللهِ التثبيتَ، فإن الله هو الذي يثبِّتك ويهديك، قال  تعالى: ﴿يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ﴾،
فألحُّوا على اللهِ تعالى بالسؤال أن يربطَ على قلوبِكم ويثبتَكم على دينِكم، فالقلوبُ ضعيفةٌ والشبهاتُ خطَّافةٌ، والشيطانُ قاعدٌ للبشر بالمرصادِ،
﴿رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾، وقد كان أكثرَ دعاءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:
«يا مقلبَ القلوبِ ثبت قلبي على دينِك». ™™
اللهم وفقنا لكل مافيه رضاك
وجنبنا مايسخطك يا ارحم الراحمين
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بمافيه من الآيات والذكر الحكيم
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئه
فإستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ..
أما بعد (عباد الله)
ومن أسباب الثبات على الهدى: الرجوعُ إلى أهلِ الحقِّ والتقى من العلماءِ والدعاةِ الذين هم أوتادُ الأرضِ ومفاتيحُ الخيرِ ومغاليقُ الشرِّ، فافزع إليهم عند توالي الشبهاتِ وتعاقبِ الشهواتِ، قبل أن تنشبَ أظفارُها في قلبِك فتوردُك المهالكَ،
ومن أسباب الثبات على الحقِّ والتقى: الصبرُ على الطاعاتِ والصبرُ عن المعاصي، فإنه لن يحصلَ العبدُ الخيراتِ إلا بهذا، وقد أمر الله تعالى نبيَّه بالصبرِ، فقال سبحانه :
 ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾،
و نبينا صلى الله عليه وسلم يقول :
«وما أعطي أحدٌ عطاءً خيراً وأوسعَ من الصبِر».
ومن أسبابِ الثباتِ على الدينِ والصلاحِ: كثرةُ ذكرِ الله تعالى، كيف لا وقد قال جل وعلا : ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾، وقال صلى الله عليه وسلم: «مثَلُ الذي يذكرُ ربَّه والذي لا يذكر ربَّه مثَلُ الحيِّ والميتِ»؟! وقد أمر اللهُ تعالى عبادَه بالإكثارِ من ذكرِه فقال جل وعلا : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيرا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً﴾
فذكرُ اللهِ كثيراً وتسبيحُه كثيراً سببٌ لصلاتِه سبحانه وصلاةِ ملائكتِه التي يخرج بها العبدُ من الظلماتِ إلى النور فياحسرةَ الغافلين .
اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها.
وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخره
هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على إمام المتقين، وسيد الأولين والآخرين، محمد بن عبد الله، فقد أمركم الله بذلك فقال عز من قائل (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)  اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وآله الطيبين الطاهرين،  .
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين،  وأذلّ الشرك والمشركين، ودمّر أعداء الدين،  اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر،
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
(عباد الله) إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي
يعظكم لعلكم تذكرون
فأذكروا الله العظيم الجليل يذكركم
وأشكروه على نعمه يزدكم
ولذكر الله أكبر والله يعلم ماتصنعون
المشاهدات 899 | التعليقات 0