التيسير على المعسر

aadeel aadeel
1440/06/17 - 2019/02/22 22:53PM

خطبة الاولى: بسم الله  الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
التيسير على المعسر:

التيسير:

اليسر عمل فيه لين وسهولة وانقياد أو هو رفع المشقّة والحرج عن المكلّف بأمر من الأمور لا يجهد النّفس ولا يثقل الجسم.
 وهكذا فقد جاء الكتاب والسنة يثبت ذلك, ويبينا أن الجزاء من جنس العمل، قال تعالى: {جَزَاء وِفَاقًا} أي: وفق أعمالهم، وهذا ثابت شرعاً وقدراً. (عون المعبود ), وقوله –تعالى-:{هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ} (الرحمن:60). والأحاديث في هذا كثيرة منها: قوله - صلى الله عليه وسلم-: (احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ)(سنن الترمذي), وحديث:(مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)(صحيح مسلم). وحديث: (إِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ) (رواه البخاري ومسلم)، وحديث: (إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا) (صحيح مسلم). وغيرها من الأحاديث الدالة على أن الجزاء من جنس العمل.

ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﲶ ﲷ  ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ  ﳃ ﳄ ﳅ ﱠ البقرة: ٢٨٠

 

  • عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ: " إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ " رواه البخاري

 

  • عَنْ أَنَسِ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ: " يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا " رواه المسلم

 

  • أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ r كَانَ يَقُولُ: " يُجَاءُ بِالْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ لَهُ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا أَكُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ، فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُقَالُ لَهُ: قَدْ كُنْتَ سُئِلْتَ مَا هُوَ أَيْسَرُ مِنْ ذَلِكَ " رواه البخاري

 

المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (التيسير)

 

  • أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُ، أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ: " إِنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ "

 

  • عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا، قَالَتْ: " مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ r بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ r لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا " رواه البخاري

 

  • عن أبي هريرة- رضي الله عنه قَالَ: قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ r: " دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ " رواه البخاري .

 

من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (التيسير)

قال إبراهيم النّخعيّ- رحمه الله تعالى:

«إذا تخالجك أمران فظنّ أنّ أحبّهما إلى الله أيسرهما» )

 

(قال الشّعبيّ- رحمه الله تعالى-: «إذا اختلف عليك أمران فإنّ أيسرهما أقربهما إلى الحقّ لقوله تعالى يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ» )

 

خطبة الثانية :

بشريات تيسير الدائن على المدين المعسر:

 

  • عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: " رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا، إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى "      رواه البخاري

 

وهذه بشريات خمس:
1: تجاوز الله تبارك وتعالى عنه:

أَنَّ حُذَيْفَةَ، حَدَّثَهُمْ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: " تَلَقَّتِ الْمَلَائِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَقَالُوا: أَعَمِلْتَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا، قَالُوا: تَذَكَّرْ، قَالَ: كُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ، فَآمُرُ فِتْيَانِي: أَنْ يُنْظِرُوا الْمُعْسِرَ، وَيَتَجَوَّزُوا عَنِ الْمُوسِرِ، قَالَ: قَالَ اللَّهُ U: تَجَوَّزُوا عَنْهُ " رواه البخاري ومسلم

 

2: التيسير لليسرى

قال تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى " وفي صحيح ابن ماجة: «مَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة».

ونحو ذلك من وجوه الكرامة والزلفى ولما كان الإعسار أعظم كرب الدنيا لم يخص جزاؤه بالآخرة بل عممه فيهما وهذا التيسير في الآخرة من بركات الإيمان والعمل الصالح إضافة إلى عظيم فضل الله وإلا فإنه يوم عسر لقوله تعالى: (وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً) وقوله: (عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ) وقوله: (يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ).

 

3: الاستظلال بظل الله

في صحيح ابن ماجة: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُظِلَّهُ اللهُ فِي ظِلِّهِ، فَلْيُنْظِر مُعْسِراً أَوْ لِيَضَعَ لَهُ». وهذه تربية وقيادة بالحب "مَنْ أَحَبَّ" في الصحيح: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ غَرِيْمِهِ أَوْ مَحَا عَنْهُ كَانَ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

 

4: النجاة من كرب يوم القيامة:

عند مسلم «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَلْيُنفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ أَوْ يَضَع عَنْهُ». والتنفيس بمعنى التفريج، يدخل فيه الإنظار والوضيعة وحسن التقاضي. وأنه لا يجوز حبس المدين المعسر بالدين، بل يُخلى ويُمهل إلى أن يحصل له مال فيأخذ الغرماء والدائنون حقوقهم وبذلك حافظت الشريعة السمحاء على كلا الطرفين، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: أُصِيبَ رَجُلٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ U فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا فَكَثُرَ دَيْنُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ U: " تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ " فَتَصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ وَفَاءَ دَيْنِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ U لِغُرَمَائِهِ: " خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ "

 

5: احتساب أجر صدقات يوميا حتى الأجل ويضاعف بعده في صحيحي الجامع والترغيب: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِراً فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَة قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ، فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ فَأَنْظَرَهُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَة». توضيحه: لو أقرض مسلمٌ شخصا  خمسة مائة ألف دينار لمدة شهر، فله كل يوم يمر ثواب خمسةمائة ألف دينار ، حتى ينقضي الشهر فإذا انقضى الشهر ولم يسدده وصبر عليه فله كل يوم ثواب مليون دينارا صدقة إلى أن يسدده، مهما طالت المدة. والله تعالى أعلم.

وهذا نموذج من عصرنا الحاضر، اتصف بصفة التسامح والإقراض والتجاوز عن المعسرين، إنه الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز-رحمه الله-، فقد ذكر عنه الشيخ علي بن عبد الخالق القرني –حفظه الله- : أن الشيخ عبد العزيز ابن باز-رحمه الله- كان يقرض الناس ثم يرسل لهم رسائل أنه قد سامحهم في الدين الذي عندهم، قال: وفي ذات يوم أقرض الشيخ ابن باز رجلاً سبع مائة ألف ريال سعودي، وبعد فترة من الزمن كتب الشيخ ابن باز له رسالة يخبره أنه قد عفى عنه وسامحه في هذا المبلغ.

والحمدلله رب العالمين .

المرفقات

على-المعسر

على-المعسر

المشاهدات 7240 | التعليقات 0