التوفيق لمن؟
عبدالرزاق بن محمد النهيان
1438/02/03 - 2016/11/03 08:36AM
الخطبة الأولى:
(وفقك الله،الله يوفقك يا فلان،موفق،وبالتوفيق)... دعوات نسمعها كثيراً في حياتنا اليومية،ونرددها عندما تقدم لنا خَدماتٌ دنيوية،وهي دعوات لو تأملناها لقلبت موازين الحياة عندنا،إنه الدعاء بالتوفيق،إننا لو تأملنا فيمن حولَنا أوقلِّبنا النظرَ في المحيطين بنا،لرأينا هذا نشيطًا في طاعة ربِّه،مُقبلاً على عبادته،تخفُّ نفسُه لكلِّ خيرٍ،وتمتدُّ يدُه إلى كلِّ برٍّ،يريد الإصلاح ويُسْهِم فيه، ويصنع المعروفَ ويُعين عليه،ولرأينا ذاك كسولاً عمَّا يقربُه إلى مولاه،غافلاً عن شُكْر نعمته،يُسيء ولا يُحْسِن، ويقْطع ولا يَصِل،ويُفْسِد ولا يُصْلِح،ويخذلُ ولا يُعين. وقُل مثل ذلك لو تأملت حال الناس في دنياهم فستجدُ الجادَّ الحريصَ على ما ينفعه،وستُلفي الهازلَ العاجزَعمَّا فيه مصلحته،فما بالُ هذا التنوع في دنيا الناس وما مَنْشَؤه؟! أليس لكلِّ منهم قلبٌ وعقْل وفَهْم؟!أليسوا يسمعون ويبصرون؟! وحينئذ يأتيك الجوابُ من طرْفٍ خَفِيٍّ:بلَى،إنهم لكذلك، ولكنَّه التوفيق والخذلان،نعم،إنه توفيقُ الله لمن عَلِمَ فيه الخير،وخذلانُهُ لمن عَلِمَ أنه دون ذلك،قال الإمام ابن القيم في الفوائد:(وقد أجمع العارفون على أن كلَّ خير فأصله بتوفيق الله للعبد،وكلَّ شر فأصله خذلانه لعبده)أهـ. وقال في طريق الهجرتين:(وعلى العبد أن يعرف حاجته إلى حفظ الله له ومعونته وصيانته،وأنه كالوليد الطفل في حاجته إلى من يحفظُهُ ويصُونُه؛فإن لم يحفظه مولاه الحق ويصونه ويعينه فهو هالك ولا بد،وقد مدّت الشياطين أيديها إليه من كل جانب تريد تمزيق حاله كلَّه وإفسادَ شأنه كله،وإنَّ مولاهُ وسيدَهُ إن وكله إلى نفسه وكله إلى ضيعة وعجز وذنب وخطيئة وتفريط فهلاكه أدنى إليه من شراك نعله)أهـ. و يقول الفقيه الجليل ابنُ رجبٍ رحمه الله في رسائله:( لا يقوى العبد على نفسه إلا بتوفيق الله إياه وتولّيه له،فمن عصمه الله وحفظه تولاه ووقاه شح نفسه وشرَّها وقوّاه على مجاهدتها فلهذا كان من أهم الأمور سؤالَ العبدِ ربَه أن لا يكلَه إلى نفسه طرفة عين)أهـ. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها:ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به أن تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت:يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث،أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين.رواه النسائي في السنن الكبرى،والبزار والحاكم وقال:هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة. فكلَّما كانتْ نفْسُ العبد شريفةٌ كبيرة،لم ترضَ من الأشياء إلا أكملها وأعلاها،ولم تقبلْ منها إلا أفضلها وأسماها،ولم تشتغلْ إلا بأحمدِها عاقبةً وأوفاها،وكُلَّما كانتِ النفس دنيئة صغيرة،لم تَحُمْ إلا حول صغائر الأمور،ولم تقعْ إلاَّ على الدنيء منها والحقير،كما يقعُ الذبابُ على الجروح والأقْذار؛قال سبحانه﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا*وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾أي:أفلح من كَبَّرها وكَثَّرها ونَمَّاها بطاعة الله، وخابَ مَن صغَّرها وحقَّرها بمعصية الله.
وأعلى مراتبِ توفيقِ الله لعَبْدِهِ أن يحبب إليه الإيمان والطاعة،ويُكَرِّهَ إليه الكفر والمعصية،وهي المرتبة التي نالها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم،وامتن الله بها عليهم في قوله تعالى:﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ.فضلاً من الله ونعمة....﴾. قال ابن القيم رحمه الله في المدارج:"يخاطب اللهُ جل وعلا عباده المُؤْمِنِين،فيقول:لولا توفيقي لَكُمْ لما أَذْعَنَتْ نُفُوسُكمْ لِلإيمان،فلم يكن الإيمان بمشورتكم وتوفيق أنفسكم،ولكني حببته إليكم وزينته في قلوبكم،وكرَّهت إليكم ضده الكفرَ والفسوق".أهـ. فإذا عَلِمَ الله سبحانه مِن قلبِ عبدٍ أنه سيشكر وفَّقه للخير وزاده،وإذا عَلِمَ منه أنه سيكفرُ خَذَلَه وتخلَّى عنه؛قال سبحانه﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ *وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾وقد وفَّق الله تعالى برحمته نبيَّه سليمان عليه السلام لَمَّا أنْعَمَ عليه فشكَرَ؛﴿ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾وخَذَلَ بعدْلِه قارون حيث كفر؛﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾. ألا فاتقوا الله وأحسنوا النيَّة،واسألوا ربَّكم التوفيقَ،،، بارك الله لي ولكم،،،
الخطبة الثانية: أيها المسلمون:يظن كثير من الناس أنَّ مَنْ رُزِقَ مالاً،أو منصبًا،أو جاهًا،أو غير ذلك من الأمور الدنيوية،أنه قد وفق،والأمر ليس كما ظنّوا، فالموفق منهم هو الذي إذا أعطي شكر،فمن استعمل ماله ومنصبه وجاهه في مرضاة ربِّه،ونصرة دينه،ونفع إخوانه،فذلكم الموفق. والمخذول هو الذي إذا أُعْطِيَ طَغَى وَكَفَرَ،﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى* أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى﴾ واعلموا رحمني الله وإياكم أن توفيق الله لعباده يكون على أحوال كثيرة،فمنها:أن يعرض الخير على أناس فيردونه حتى ييسر الله له من أراد به الخير من عباده،وقد مكث النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من عشر سنين يعرض نفسه على القبائل لينصروه،فلم يستجيبوا له حتى وفَّق الله الأنصار لذلك،فنالوا الشرف العظيم في الدنيا والآخرة. ومنها:أن يوفق الله العبد لعمل قليلٍ أجرُه عند الله كثيرٌ، فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال:"أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ مقنع بالحديد"،فقال:"يا رسول الله، أقاتل أو أسلم؟" قال:(أَسْلِمْ ثُمَّ قَاتِلْ)فأسلم ثم قاتل فقُتل،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(عَمِلَ قَلِيلاً وَأُجِرَ كَثِيرًا). رواه البخاري ومسلم. ومن أعظم ما يُستجلب به التوفيقَ للعبد:الافتقارُ والانكسارُ والتضرعُ وإظهارُ الحاجةِ والمسكنة،وهو لبُ العبوديةِ،وحقيقةُ العبادة،فالعبادةُ كمالُ الحبِ مع كمالِ الذل ،فتأمل هذه المعاني العظيمة في قول يوسف عليه السلام:(قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ). قال ابن القيم في الفوائد:(إذا كان كل خير فأصله التوفيق ،وهو بيد العبد فمفتاحه الدعاءُ والافتقارُ وصدقُ اللجئ والرغبةُ والرهبةُ إليه، فمتى أعطي العبد هذا المفتاح فقد أراد أن يُفتح له،ومتى أضله عن المفتاح بقي باب الخير مُرْتَجًا دونه!وما أُتي من أُتي إلا من قِبَل إضاعة الشكر وإهمال الافتقار والدعاء،ولا ظفر من ظفر بمشيئة الله وعونه إلا بقيامه بالشكر وصدق الافتقار والدعاء)أهـ. ثم صلوا سلموا،،،
(وفقك الله،الله يوفقك يا فلان،موفق،وبالتوفيق)... دعوات نسمعها كثيراً في حياتنا اليومية،ونرددها عندما تقدم لنا خَدماتٌ دنيوية،وهي دعوات لو تأملناها لقلبت موازين الحياة عندنا،إنه الدعاء بالتوفيق،إننا لو تأملنا فيمن حولَنا أوقلِّبنا النظرَ في المحيطين بنا،لرأينا هذا نشيطًا في طاعة ربِّه،مُقبلاً على عبادته،تخفُّ نفسُه لكلِّ خيرٍ،وتمتدُّ يدُه إلى كلِّ برٍّ،يريد الإصلاح ويُسْهِم فيه، ويصنع المعروفَ ويُعين عليه،ولرأينا ذاك كسولاً عمَّا يقربُه إلى مولاه،غافلاً عن شُكْر نعمته،يُسيء ولا يُحْسِن، ويقْطع ولا يَصِل،ويُفْسِد ولا يُصْلِح،ويخذلُ ولا يُعين. وقُل مثل ذلك لو تأملت حال الناس في دنياهم فستجدُ الجادَّ الحريصَ على ما ينفعه،وستُلفي الهازلَ العاجزَعمَّا فيه مصلحته،فما بالُ هذا التنوع في دنيا الناس وما مَنْشَؤه؟! أليس لكلِّ منهم قلبٌ وعقْل وفَهْم؟!أليسوا يسمعون ويبصرون؟! وحينئذ يأتيك الجوابُ من طرْفٍ خَفِيٍّ:بلَى،إنهم لكذلك، ولكنَّه التوفيق والخذلان،نعم،إنه توفيقُ الله لمن عَلِمَ فيه الخير،وخذلانُهُ لمن عَلِمَ أنه دون ذلك،قال الإمام ابن القيم في الفوائد:(وقد أجمع العارفون على أن كلَّ خير فأصله بتوفيق الله للعبد،وكلَّ شر فأصله خذلانه لعبده)أهـ. وقال في طريق الهجرتين:(وعلى العبد أن يعرف حاجته إلى حفظ الله له ومعونته وصيانته،وأنه كالوليد الطفل في حاجته إلى من يحفظُهُ ويصُونُه؛فإن لم يحفظه مولاه الحق ويصونه ويعينه فهو هالك ولا بد،وقد مدّت الشياطين أيديها إليه من كل جانب تريد تمزيق حاله كلَّه وإفسادَ شأنه كله،وإنَّ مولاهُ وسيدَهُ إن وكله إلى نفسه وكله إلى ضيعة وعجز وذنب وخطيئة وتفريط فهلاكه أدنى إليه من شراك نعله)أهـ. و يقول الفقيه الجليل ابنُ رجبٍ رحمه الله في رسائله:( لا يقوى العبد على نفسه إلا بتوفيق الله إياه وتولّيه له،فمن عصمه الله وحفظه تولاه ووقاه شح نفسه وشرَّها وقوّاه على مجاهدتها فلهذا كان من أهم الأمور سؤالَ العبدِ ربَه أن لا يكلَه إلى نفسه طرفة عين)أهـ. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها:ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به أن تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت:يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث،أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين.رواه النسائي في السنن الكبرى،والبزار والحاكم وقال:هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة. فكلَّما كانتْ نفْسُ العبد شريفةٌ كبيرة،لم ترضَ من الأشياء إلا أكملها وأعلاها،ولم تقبلْ منها إلا أفضلها وأسماها،ولم تشتغلْ إلا بأحمدِها عاقبةً وأوفاها،وكُلَّما كانتِ النفس دنيئة صغيرة،لم تَحُمْ إلا حول صغائر الأمور،ولم تقعْ إلاَّ على الدنيء منها والحقير،كما يقعُ الذبابُ على الجروح والأقْذار؛قال سبحانه﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا*وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾أي:أفلح من كَبَّرها وكَثَّرها ونَمَّاها بطاعة الله، وخابَ مَن صغَّرها وحقَّرها بمعصية الله.
وأعلى مراتبِ توفيقِ الله لعَبْدِهِ أن يحبب إليه الإيمان والطاعة،ويُكَرِّهَ إليه الكفر والمعصية،وهي المرتبة التي نالها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم،وامتن الله بها عليهم في قوله تعالى:﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ.فضلاً من الله ونعمة....﴾. قال ابن القيم رحمه الله في المدارج:"يخاطب اللهُ جل وعلا عباده المُؤْمِنِين،فيقول:لولا توفيقي لَكُمْ لما أَذْعَنَتْ نُفُوسُكمْ لِلإيمان،فلم يكن الإيمان بمشورتكم وتوفيق أنفسكم،ولكني حببته إليكم وزينته في قلوبكم،وكرَّهت إليكم ضده الكفرَ والفسوق".أهـ. فإذا عَلِمَ الله سبحانه مِن قلبِ عبدٍ أنه سيشكر وفَّقه للخير وزاده،وإذا عَلِمَ منه أنه سيكفرُ خَذَلَه وتخلَّى عنه؛قال سبحانه﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ *وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾وقد وفَّق الله تعالى برحمته نبيَّه سليمان عليه السلام لَمَّا أنْعَمَ عليه فشكَرَ؛﴿ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾وخَذَلَ بعدْلِه قارون حيث كفر؛﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾. ألا فاتقوا الله وأحسنوا النيَّة،واسألوا ربَّكم التوفيقَ،،، بارك الله لي ولكم،،،
الخطبة الثانية: أيها المسلمون:يظن كثير من الناس أنَّ مَنْ رُزِقَ مالاً،أو منصبًا،أو جاهًا،أو غير ذلك من الأمور الدنيوية،أنه قد وفق،والأمر ليس كما ظنّوا، فالموفق منهم هو الذي إذا أعطي شكر،فمن استعمل ماله ومنصبه وجاهه في مرضاة ربِّه،ونصرة دينه،ونفع إخوانه،فذلكم الموفق. والمخذول هو الذي إذا أُعْطِيَ طَغَى وَكَفَرَ،﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى* أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى﴾ واعلموا رحمني الله وإياكم أن توفيق الله لعباده يكون على أحوال كثيرة،فمنها:أن يعرض الخير على أناس فيردونه حتى ييسر الله له من أراد به الخير من عباده،وقد مكث النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من عشر سنين يعرض نفسه على القبائل لينصروه،فلم يستجيبوا له حتى وفَّق الله الأنصار لذلك،فنالوا الشرف العظيم في الدنيا والآخرة. ومنها:أن يوفق الله العبد لعمل قليلٍ أجرُه عند الله كثيرٌ، فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال:"أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ مقنع بالحديد"،فقال:"يا رسول الله، أقاتل أو أسلم؟" قال:(أَسْلِمْ ثُمَّ قَاتِلْ)فأسلم ثم قاتل فقُتل،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(عَمِلَ قَلِيلاً وَأُجِرَ كَثِيرًا). رواه البخاري ومسلم. ومن أعظم ما يُستجلب به التوفيقَ للعبد:الافتقارُ والانكسارُ والتضرعُ وإظهارُ الحاجةِ والمسكنة،وهو لبُ العبوديةِ،وحقيقةُ العبادة،فالعبادةُ كمالُ الحبِ مع كمالِ الذل ،فتأمل هذه المعاني العظيمة في قول يوسف عليه السلام:(قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ). قال ابن القيم في الفوائد:(إذا كان كل خير فأصله التوفيق ،وهو بيد العبد فمفتاحه الدعاءُ والافتقارُ وصدقُ اللجئ والرغبةُ والرهبةُ إليه، فمتى أعطي العبد هذا المفتاح فقد أراد أن يُفتح له،ومتى أضله عن المفتاح بقي باب الخير مُرْتَجًا دونه!وما أُتي من أُتي إلا من قِبَل إضاعة الشكر وإهمال الافتقار والدعاء،ولا ظفر من ظفر بمشيئة الله وعونه إلا بقيامه بالشكر وصدق الافتقار والدعاء)أهـ. ثم صلوا سلموا،،،