التوسل 

أحمد بن صالح العجلان
1445/10/29 - 2024/05/08 00:34AM

التوسل        

الْخُطْبَةُ الْأُولَى: الحمد لله الرب العظيم، الرءوف الرحيـم، ذي الفضـل العظيم والإحسـان العميـم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الكريم، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله النبي الأمين الذي قـال الله فيه:{وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}  فاللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين ومن تبعهم واقتفى أثرهم وهديهم القويم. أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى وراقبوه وأخلصوا دينكم لله واعبدوه قال تعالى { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}إخوة الأيمان يقول تعالى﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ أي تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه فالصلاة قربة إلى الله فهي وسيلة والذبح لله تعالى وهو وسيلة؛ كالأضاحي والهدي والصوم وسيلة، والصدقات وسيلة، وذكر الله وقراءة القرآن وسيلة، وهذا هو معنى قوله جل وعلا {اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} وقال تعالى:﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾ ففي هذه الآية الكريمة إنكار عام على كل من دعا من دون الله شيئاً، جنياً أو نبياً أو صالحا فالأنبياء والصالحون بعد مماتهم لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، فكيف يملكون لغيرهم كما قال تعالى{وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ } فالملائكة وعيسى عليه السلام وأُمُّه، وعُزَيْر، وكل الصالحين، والأنبياء  والأولياء هم أصلا كلهم يبتغون إلى ربهم الوسيلة وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ فكيف تتوسلون بهم أو بجاههم {أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} كل واحد يرجو أن يكون أقرب إلى الله سبحانه وتعالى، يتقرّبون إليه بطاعته، {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} ، فدلّ على أنهم عباد فقراء إلى الله سبحانه وتعالى، يرجون رحمة الله لأنهم بحاجة إليها، ويخافون عذاب الله أن ينزل بهم، إذ هم لا يستطيعون أن يجلبوا لأنفسهم النفع، ولا يستطيعون أن يدفعوا عنها الضرر، فكيف يملكون ذلك لكم يا من تعبدونهم؟. وبذا يعلم أن التوسل ينقسم إلى قسمين: توسل مشروع، وتوسل ممنوع. فالتوسل المشروع يندرج تحته ثلاثة أنواع: النوع الأول: التوسل إلى الله تعالى باسم من أسمائه الحسنى أو بصفة من صفاته العظمى، كأن يقول المسلم في دعائه: اللهم إني أسألك بأنك الرحمن الرحيم أن ترحمني أوتعافيني أو يقول: أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي وترحمني، ونحو ذلك. ودليله قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} النوع الثاني: التوسل إلى الله تعالى بعمل صالح قام به العبد، كأن يقول: اللهم بإيماني بك،اللهم بمحبتي لك، اللهم باتباعي لرسولكr اغفر لي، أو يقول: اللهم إني أسألك بحبي لنبيك محمد tوإيماني به أن تفرج عني، أو أن يذكر الداعي عملا صالحا قام به فيتوسل به إلى ربه، كما في قصة أصحاب الغار الثلاثة حيث دعا كل واحد منهم بعمله الصالح وتوسلوا إلى الله بأعمالهم الصالحة فأنجاهم الله من الغار وانكشفت عنهم الصخرة وخرجوا يمشون.ودليل مشروعيته أيضا قوله تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} وقوله تعالى: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} النوع الثالث: التوسل إلى الله بدعاء الرجل الصالح الذي ترجى إجابة دعائه، كأن يذهب المسلم إلى رجل يرى فيه الصلاح والتقوى والمحافظة على الدين وعلى طاعة رب العالمين، فيطلب منه أن يدعو له ربه ليفرج كربته وييسر أمره. ويدل عليه ماجاء في الصحيحين من حديث أنس بن مالك t:« أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ مِنْ بَابٍ كَانَ وِجَاهَ المِنْبَرِ، وَرَسُولُ اللَّهِ rقَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ r قَائِمًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَلَكَتِ المَوَاشِي، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُغِيثُنَا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا» قَالَ أَنَسُ: وَلاَ وَاللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ، وَلاَ قَزَعَةً وَلاَ شَيْئًا وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ، وَلاَ دَارٍ قَالَ: فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ، انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سِتًّا، ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ البَابِ فِي الجُمُعَةِ المُقْبِلَةِ، وَرَسُولُ اللَّهِ rقَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَلَكَتِ الأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُمْسِكْهَا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ r يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا، وَلاَ عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالجِبَالِ وَالآجَامِ وَالظِّرَابِ وَالأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ» قَالَ: فَانْقَطَعَتْ، وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ ».بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية: الحمد لله على نعمة الإسلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي هدانا وشرح صدرونا للإيمان، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ رسالة ربه أتم البلاغ والبيان صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين. أيها الأخوة وأما التوسل الممنوع: هو التوسل إلى الله تعالى بما لم يثبت في القرآن ولا في السنة وهو أنواع النوع الأول التوسل إلى الله تعالى بدعاء الموتى والغائبين والاستغاثة بهم وسؤالهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات فهذا من الشرك الأكبر المخرج من الملة. النوع الثاني: التوسل إلى الله بفعل العبادات كالطواف حول القبور أو دعاء الله عندها، والبناء عليها، ووضع القناديل والستور ونحو ذلك، وهذا من الشرك الأصغر المنافي لكمال التوحيد، وهو ذريعة إلى الشرك الأكبر وليس بمخرج من الملة النوع الثالث :التوسل إلى الله بجاه الأنبياء والصالحين ومكانتهم ومنزلتهم عند الله، وهذا محرم وهو من البدع المحدثة؛ لأنه توسل لم يشرعه الله ولم يأذن به وليس بمخرج من الملة ولكنه ذريعة إلى الشرك الأكبر كما قال الله تعالى:{آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ }ولأن جاه الصالحين ومكانتهم عند الله إنما تنفعهم هم، كما قال الله تعالى:{ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ }ولا تنفع غيرهم كما قال تعالى {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى} ولم يرد هذا التوسل في وقت النبي r ولا في وقت أصحابه رضي الله عنهم وهو مردود على صاحبه لقول النبيr{ْ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ }.فتوسلوا رحمكم الله تعالى إلى ربكـم بكـثرة السجود والركوع، وتوسلوا إليه بتلاوة كلامه بتدبر وخشوع، وتوسلوا إليه بالإحسان إلى الخلق فإنه يحب المحسنين وتوسلوا إليه بكل ما يقربكم إلى الله من الأعمال والأقوال الصالحة الظاهرة منها والباطنة .وصلوا وسلموا رحمكم الله على المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ قَالَ r: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عليه بها عشراْ» » فاللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، البشير النذير، والسراج المنير، وارضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء والأئمة الحنفاء : أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن بقيَّة الصحابة، وعن التابعين، وتابعي التابعين، ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين.اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين  واحم حوزة الدين واجعل بلدنا آمنا مطمئنا رخاء سخاء وسائر بلاد المسلمين يارب العالمين. اللهم وفق ولاة أمورنا بتوفيقك يارب العالمين.الله ثبِّتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخِرة.﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾عباد الله: أنَّ الله يأمُر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القُربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغْي، يعظُكم لعلَّكم تذكَّرون، وأوفوا بعهد الله إذا عاهَدتُهم، ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها، وقد جعَلتُم الله عليكم كفيلًا، إنَّ الله يعلم ما تفعلون. واذكُروا الله العظيم الجليل يذكُركم، واشكُروه على نِعَمِه يزدْكم، ولَذِكرُ الله أكبر، والله يعلَمُ ما تصنَعون.

المشاهدات 424 | التعليقات 0