التوحيد مظهر الإسلام ومخبره
د عبدالعزيز التويجري
الخطبة الأولى :
التوحيد مظهر الإسلام ومخبره. 22/11/1442ه
الحمد لله، كتب العزة للمسلمين بالإسلام، وأشكره على جزيل الفضل والإنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى.
التوحيد أساس الملة ووحدة الامة، وهي عقيدة أهل السنة {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ}.
التوحيد مخبرُ الإسلامِ ومظهره، ولُبابُ حسهِ وجوهره .. لا يقبل الله غيره {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
التوحيدُ .. إخلاص الدين للهِ وحده {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}.
التوحيد من تمسك به سما ، ومن مات عليه نجا " إِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ " متفق عليه.
التوحيد يمثل الإسلام الصحيح ، والمعتقد الحنيف، لايُقبلُ غيرُ أحكامهِ، ولا يُحتكمُ إلى غيرِ شرعهِ {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} { وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا}
وإذا اختلفت الآراء والأهواء ، وتباينت القوانينُ النُظم، فالتوحيد هو المرد وإليه الحكم { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَىْءٍ فَحُكْمُه إِلَى اللَّه}
التوحيد هو الخيارُ الاوحد{وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}
التوحيد شعارُ الموحدين، ودثارُ المؤمنين ، ورمز عزةِ المسلمين {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} .
التوحيد يجلي روحَ القوةِ في الحقِ وعدم الانحناء لغير الله .
فاقبس من التوحيد أعظم جذوة ** وتمش تحت ضيائها اللمّاعِ
يا عبد ثق بالله يكفـــك وحــــــــــــــده ** يا عبد سَلْهُ يجبك بالإسراع
التوحيد هداية للقلوب زمن الفتن ، وتثبيت للأرواح وقت المحن .. عُذب بلال بالرمضاء، وتحت وهج السماء، ليفتن عن دينه، أو يشرك في توحيده، فكان لا يزيد على قولِ أحدٌ أحدُ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ولسان حاله يقول {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا}
وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِماً ** عَلَى أَيِّ جنبٍ كَانَ فِي اللَّهِ مَصْرَعِي
وَذلِكَ فِي ذَاتِ الإلهِ وإِنْ يَشَأْ ** يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَــــــــزَّع
التوحيد عقيدة واعتقاد ، واستسلام وانقياد {قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ}.
لا يجتمع الدين الصحيح والتوحيد الخالص، مع الثقة بالعدو والركون للذين ظلموا{وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ}.
إذا ضعف التوحيد في القلب والقالب، تعلقت الأجيال بحبالٍ أوهى من خيوط العنكبوت، استبدلوا بحبل الله وحبل رسوله تبعياتُ في الظاهر، وضلالاتٌ في الاعتقاد، وفوضى في الفكر، وتفَسقٌ في الأخلاق{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً )
يظهر خلل التوحيد عندما يُجعل تَحَكُم الرزقِ والعطاءِ عند الفقراء الضعفاء {أَمَّنْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ ).
القلوبُ الضعيفةِ، والأفئدةُ المستكبرةِ لا تعرف التوحيد إلا حينما تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ ( وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا}
يظهر خلل التوحيد حينما يترك المنهزمون في الأمة المنبع الصافي من المنهج الرباني ، ليتسولوا على فُتات أخلاقِ الأمم ، فيرون العزة في اتداء لباسهم، والتميز بمحاكاة مسمياتهم ، والتفاخر في السياحة في بلادهم .
إنه لا شي يحفظ الكرامة ويجمع الكلمة سوى هذا الدين الحنيف، ولا شيء غيرُ الدين، إنه التوحيد الذي يُكسِب الأمة تميزاً ، يمنعها من الذوبان والتمييع ، ويحصنها، ويحفظها بأمر الله {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}
أستغفر الله لي ولكم وللمسلمين وللمسلمات ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية : الحمدلله معز من أطاعه واتقاه ومذل من خالف امره وعصاه ، وصلى الله وسلم على خير خلق الله أما بعد
إنَّ التوحيد الخالص الذي صلح به الأولون سيصلح به الآخرون لا محالة.
إن التوحيد الذي ضمن العزة والمنعة والقوة لأسلافه لا يزال هو التوحيد الذي لا يُغيره الزمن، ولا تُجافيه الفطرة، ولا تنسخه المذاهب..
يُجسد ذلك الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام أحمد عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ r يَقُولُ: " لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ " وَكَانَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ، يَقُولُ: " قَدْ عَرَفْتُ ذَلِكَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، لَقَدْ أَصَابَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمُ الْخَيْرُ وَالشَّرَفُ وَالْعِزُّ، وَلَقَدْ أَصَابَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَافِرًا الذُّلُّ وَالصَّغَارُ وَالْجِزْيَةُ " المسلم الحنيف أيمنا حل نفع، واينما ظهر سطع، يسعى بكل ما علم واعتقد لإحياء ما اندرس من معالم الحنيفية، في بيته وعمله، في إعلامه ومنبره ، يرسخ عقيدة الولاء والبراء، يحقيق مبدأ العزة بالتوحيد وعدم التنازل عن شرع رب العالمين {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}
لا شيء ينفعنا إلا عقيدتنا ** توحيد ربنا لا العزى ولا اللات
ولا يعم الهدى والخير مجتمعا ** إلا إذا خلصت لله نيات
اللهم احفظ علينا أمننا وإيماننا و توحيدنا وبلادنا ،اللهم من اراد بنا أو بالاسلام والمسلمين سوءا أو فتنة فأشغله في نفسه ورد كيده في نحره وارح المسلمين من شره .
المرفقات
1625093755_التوحيد مظهر الإسلام ومخبره.pdf